متلازمة إرضاء الآخرين “People Pleasing Syndrome”:

  • Boshrabronzeبواسطة: Boshra تاريخ النشر: منذ 4 أيام
متلازمة إرضاء الآخرين “People Pleasing Syndrome”:

نعيش في عالمٍ مليء بالتنازلات، ونعتقد دوماً أنّ خبرتنا الاجتماعية تكفي للتعامل مع الآخرين، وأنه بإمكاننا معرفة متى نقول “لا” ومتى نقول “نعم”. في الواقع، يفشل الكثيرون في وضع حدود لعلاقتاهم الاجتماعية. ساعين لكسب الرضا والشعور بالتقدير الاجتماعي. وبقدر ما تبدو هذه الحالة شائعة وبسيطة. إلا أنها في كثير من الأحيان قد تعكس نمطاً سلوكياً يدعى “متلازمة إرضاء الآخرين” أو” People Pleasing Syndrome “

في هذا المقال، سنتناول أسباب هذه المتلازمة، تأثيراتها، وكيفية التعامل معها.

ماهي “متلازمة إرضاء الآخرين” أو” People Pleasing Syndrome “؟

هو نمط سلوكي قد يبدو بريئاً في البداية، إلا أنه يشير للشخص الذي يسعى جاهداً لإرضاء الناس من حوله، بغض النظر عن مشاعره ورغباته ورفاهيته. وقد تشمل هذه السلوكيات تقديم التضحيات المتواصلة، تجنب الصراع والنقاش بأي ثمن، وكبت الرغبات الشخصية لكسب موافقة الآخرين وتقديرهم. جميع هذه السلوكيات تعكس لدى حاملها خوفاً من الرفض أو الانتقاد، وشعوراً عميقاً بالعجز أو انعدام القيمة إذا لم يحصل على موافقة ورضا الآخرين، حتى لو كان ذلك على حساب صحة الشخص الجسدية والنفسية. مما يؤدي إلى مشاعر الاستنزاف، القلق، وفقدان الهوية الذاتية.

أسباب متلازمة إرضاء الآخرين:

تتنوع الأسباب التي قد تؤدي إلى متلازمة إرضاء الآخرين، وهذه الأسباب قد تكون نفسية، اجتماعية، أو حتى ثقافية. وفيما يلي أبرز العوامل التي قد تساهم في ظهور هذه المتلازمة:

1. التربية الأسرية والنشأة:

البيئة الأسرية تعد من أهم العوامل التي تؤثر على تطور هذا السلوك. نشأة الطفل في أسرة تركز على “الرضا” أو “الحب المشروط” تجبره على التصرف بطريقة يكسب بها رضا ذويه للحصول على الحب (مثل الآباء الذين يضعون توقعات عالية، أو ينتقدون بشكل مستمر)، فقد يطور الطفل سلوكيات الإرضاء كآلية للبقاء مقبولًا ومحبوبًا.

2. التعرض للتنمر أو النقد:

إن الأشخاص الذين تعرضوا للتنمر أو النقد المستمر بطفولتهم ومراهقتهم، قد يطورون رغبة قوية في إرضاء الآخرين لكي يتجنبوا أي نوع من الرفض أو النبذ الاجتماعي. هؤلاء الأشخاص قد يعتقدون أن “إرضاء الآخرين” هو السبيل الوحيد للحفاظ على مكانتهم الاجتماعية أو قبولهم. وهو ليس حلاً إنما هو استبدال مشكلة بمشكلة اكبر.

3. انخفاض تقدير الذات:

يقال ان فاقد الشيء لا يعطيه، لكننا هنا نرى عكس ذلك، فغالبًا ما يرتبط السعي المفرط لإرضاء الآخرين بانخفاض تقدير الذات، فالشخص الذي يعاني من قلة تقدير الذات  يعتقد أن قيمته الوحيد تتمثل بنظرة الاخرين له، فيسعى لإرضائهم لكي يشعر بأنه شخص فاعل ومقبول في مجتمعه.

4. الخوف من الرفض أو الصراع:

الشخص الذي يعاني من متلازمة إرضاء الآخرين يخشى غالبًا من الرفض أو خلاف الرأي، حيث يعتقد الشخص أن علاقته مع الآخرين ستنتهي إذا خاض جدالا محتدماً معهم. وشعوره هذا يتقاطع تماماً مع شعوره بالتهديد وبأن قيمته الاجتماعية قد تنعدم إذا قطع علاقاته مع من جادلهم بالأساس. لذلك نرى أن الأشخاص الذين يخافون من رفض الآخرين يصبحون معتمدين على موافقة الغير ليشعروا بالأمان النفسي.

5. نظرة المجتمع:

يمكن لبعض أشكال عدم المساواة أن تعزز فكرة أن بعض الناس خُلقوا للاعتناء بالآخرين. على سبيل المثال، يروج التمييز الجنسي لفكرة أن النساء بطبيعتهن أكثر أمومة ورعاية من الرجال. إن استيعاب هذه الأفكار قد يؤثر على النساء في العلاقات بين الجنسين ليشعرن أنه يجب عليهن وضع شريكهن في المقام الأول.

متلازمة إرضاء الآخرين “People Pleasing Syndrome”:

6. اضطراب الشخصية الاعتمادية (DPD):

يتسبب هذا الاضطراب في شعور الشخص بالاعتماد الشديد على الآخرين للحصول على التأييد والموافقة في كل جوانب الحياة. على سبيل المثال، قد يحتاجون إلى آراء الآخرين لاتخاذ قرارات بسيطة، مثل اختيار ما يرتدونه.

7.الصدمة النفسية:

تشير الأبحاث الناشئة إلى أن” المواجهة أو الهروب أو عدم الانفعال” ليست الاستجابات الوحيدة للصدمات النفسية، حيث قد “يتودد” بعض الأشخاص كردة فعل على الصدمات، وهو شكل متطرف من أشكال إرضاء الناس. ينطوي على محاولة كسب مودة وإعجاب أولئك الذين يخشونهم كوسيلة للبقاء على قيد الحياة.

●تأثيرات متلازمة إرضاء الآخرين:

بينما قد يبدو السعي لإرضاء الآخرين سلوكًا اجتماعيًا مقبولًا في البداية، إلا أن لهذا السلوك تأثيرات سلبية على الحياة الشخصية والعاطفية. في ما يلي بعض التأثيرات التي قد تنتج عن متلازمة إرضاء الآخرين:

1. الإرهاق العاطفي والجسدي:

الشخص الذي يسعى دائمًا لإرضاء الآخرين قد يشعر بالإرهاق الشديد بسبب الجهود المستمرة التي يبذلها لتلبية احتياجاتهم. هذا النوع من السلوك يمكن أن يؤدي إلى تدهور الصحة النفسية والجسدية، والشعور بالقلق، الاكتئاب، التوتر المزمن، أو حتى مشكلات جسدية ناتجة عن الإجهاد المستمر.

متلازمة إرضاء الآخرين “People Pleasing Syndrome”:

2. فقدان الهوية الذاتية:

مع مرور الوقت، قد يفقد الشخص الذي يعاني من هذه المتلازمة ارتباطه بذاته الحقيقية. بسبب تركيزه الشديد على تلبية احتياجات الآخرين، فيصبح غير قادر على تحديد رغباته وأهدافه الشخصية. هذا يؤدي إلى شعوره بالضياع أو العدمية.

3. العلاقات غير المتوازنة:

العلاقات التي يهيمن عليها سلوك الإرضاء تكون غير متوازنة. الشخص الذي يسعى دائمًا لإرضاء الآخرين قد يقع في فخ “الاستغلال العاطفي” من قبل الأشخاص الذين يطلبون منه تلبية احتياجاتهم باستمرار. هذا قد يؤدي إلى تكوين علاقات سامة ومدمرة.

4. الشعور بالغضب المكبوت:

في بعض الأحيان، قد يؤدي سلوك الإرضاء المستمر إلى تراكم مشاعر الغضب والاستياء. فعندما يتجاهل الشخص احتياجاته الخاصة من أجل إرضاء الآخرين،  يشعر بالغضب من نفسه أكثر من غضبه من الآخرين، مما يدفعه لعدم التعبير عن الكبت الذي بداخله وجلده لذاته بالمقابل. وهذا يؤدي لتراكم المشاعر السلبية مع مرور الوقت.

5. الصراع الداخلي والشعور بالذنب:

الأشخاص الذين يعانون من متلازمة إرضاء الآخرين غالبًا ما يعانون من صراع داخلي مستمر. هم في حالة من التوتر بين رغبتهم في إرضاء الآخرين ورغبتهم في الحفاظ على شخصيتهم ورغباتهم. هذا الصراع قد يؤدي إلى مشاعر الذنب أو الشعور بعدم الكفاءة إذا شعروا أنهم لم يلبوا توقعات الآخرين.

6. القلق الدائم:

الشخص الذي يسعى دوماً لإرضاء غيره لا يتمكن من الفصل بين وقت راحته ووقت عمله. حيث يشعر بعدم القدرة على الاسترخاء؛ بسبب كثرة الأمور الموكلة إليه من قبل غيره. تراكم هذا القلق مع مرور الوقت قد يقود للاكتئاب بسبب عدم القدرة على القيام بالأمور البسيطة التي تجلب السعادة كالاسترخاء او الاستمتاع بوقت الفراغ.

كيفية التعامل مع متلازمة إرضاء الآخرين:

من المهم أن يتعلم الأشخاص الذين يعانون من هذه المتلازمة كيفية وضع حدود صحية والاعتناء بأنفسهم بشكل أكبر. سنورد الآن بعض الخطوات التي قد تساعد في التعامل مع متلازمة إرضاء الآخرين:

1. تعلم وضع الحدود:

تعلم كيفية قول “لا” بشكل محترم هو أحد الأساسيات لتخفيف سلوك الإرضاء. يجب على الشخص أن يدرك أنه ليس ملزمًا دائمًا بتلبية احتياجات الآخرين على حساب نفسه، فوضع الحدود هو الخطوة الاولى للحفاظ على الطاقة النفسية والعاطفية.

2. تقدير الذات:

يمكن للشخص أن يقلل من رغبته بالحصول على موافقة وتأييد الآخرين من خلال تعزيز تقدير الذات. ومن الضروري أن يتعلم الشخص كيف يقدر نفسه، ويثق بقراراته وأهدافه الشخصية. وقد يكون تخصيص بعض الوقت للاهتمام بالهوايات والاسترخاء مفيداً في إعادة اتصال الشخص مع ذاته وتقديره لها. كما أن العلاج النفسي، مثل “العلاج المعرفي السلوكي” قد أن يكون مفيدًا في تعديل هذه الأنماط الفكرية السلبية.

3. التحدث بصراحة وصدق:

عندما يعبر الشخص عن مشاعره وآرائه بشكل صريح وصادق، فإنه يقلل من الضغط النفسي الناتج عن إرضاء الآخرين. فإن تعلم التعبير عن الاحتياجات العاطفية بشكل واضح يساعد على بناء علاقات أكثر توازنًا وصحة.

4. تنظيم الوقت:

يمكن القيام بتحديد وقتٍ ضمن اليوم يكون وقتاً محظورًا على أي طلبات أو خطط جديدة. يمكن القيام بذلك عقليًا أو باستخدام التقويم وساعة المنبه لرفض أي دعوات جديدة تلقائيًا.

متلازمة إرضاء الآخرين “People Pleasing Syndrome”:

5. التمهّل قبل الرد:

خذ نفساً عميقاً إن كنت في محادثة مع شخص ما، أو انتظر بضع دقائق قبل أن ترد على الرسائل في بريدك الإلكتروني الوارد؛ إذ ستقلل من خلال ذلك من خطر لوم نفسك أو ارتكاب خطأ ما؛ حيث إنَّ تهدئة نفسك قليلاً قبل الرد فكرة جيدة دوماً.

6. تقديم المساعدة بالحد الأدنى:

عندما يطلب الآخرون المساعدة، فإنه من الممكن اقتراح شخص تعتقد أنَّه يستطيع المساعدة، أو أنَّه الشخص المناسب الذي يحتاجون إليه؛ الكثير من الناس يستخدمون هذه الطريقة حين يشعرون بالافتقار إلى المعرفة أو الخبرة التي يبحث عنها صديقٌ أو زميل عمل.

7. الاستشارة النفسية:

قد يكون من المفيد استشارة مختص في العلاج النفسي لمعالجة الأسباب الجذرية لسلوك الإرضاء، مثل الصدمات النفسية أو متلازمة الشخصية الاعتمادية. العلاج النفسي يمكن أن يساعد الشخص على تطوير آليات أكثر صحة للتعامل مع الآخرين.

_متى نعلم أنه يجب علينا استشارة الطبيب النفسي؟

1_ عندما يصبح “إرضاء الآخرين” عائقاً حقيقاً في العمل او الحياة الاجتماعية.

2_ انعدام قدرة الشخص على الاهتمام بنفسه واهتماماته.

3_ التفكير المفرط بما يظنه الغير.

4_ وجود تاريخ للمريض من الصدمات النفسية.

الخلاصة:

متلازمة إرضاء الآخرين قد تكون سلوكًا مدمراً إذا لم يتم التعامل معه بشكل صحيح. وعلى الرغم من أن الرغبة في إرضاء الآخرين هي طبيعة إنسانية، إلا أن التضحية المستمرة بالاحتياجات الشخصية قد تؤدي إلى آثار سلبية على الصحة النفسية والعلاقات. ولكن من خلال تعلم كيفية وضع الحدود، وتعزيز التقدير الذاتي، وطلب الدعم النفسي عند الحاجة، يمكن للفرد أن يتغلب على هذه المتلازمة، ويحقق توازنًا أفضل بين احتياجاته الخاصة واحتياجات الآخرين.

تم نشر هذا المقال مسبقاً على بابونج. لمشاهدة المقال الأصلي، انقري هنا

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار
  • المحتوى الذي تستمتع به هنا يمثل رأي المساهم وليس بالضرورة رأي الناشر. يحتفظ الناشر بالحق في عدم نشر المحتوى.

    Boshra bronze

    الكاتب Boshra

    طالبة طب بشري مهتمة بمواضيع التغذية والأمراض الفيروسية والعادات الصحية الجيدة – اعمل حاليا على نشر بحثي القادم

    image UGC

    هل لديكم شغف للكتابة وتريدون نشر محتواكم على منصة نشر معروفة؟ اضغطوا هنا وسجلوا الآن!

    انضموا إلينا مجاناً!