قضم التفاح (ب)

  • تاريخ النشر: الخميس، 20 أغسطس 2015 آخر تحديث: الإثنين، 07 فبراير 2022
قضم التفاح (ب)

فاجأتني بسؤالِها، ليس لأنّني خشيتُ الاعتراف بالإجابة.. إنّما لأنّه – فجأة – فجّر في وجهي قنبلة الماضي دون تمهيد للألم والندم واللذان هبطا عليّ كماء بارد ألجمني للحظات عن الردّ..

- أنا آسفة، لم أقصد أن أثير ما يضايقك.

هكذا قالت الشابّة بعد أن رأت ردة الفعل الأوليّة على وجهي الممتعض الشاحب، لكنني أشرتُ إليها بأنها لم تفعل شيئًا، أخبرتها أن سؤالها عاديًا جدًا وفي سياق الحديث، وأنني التي لم أكن أعلم من أين أبدأ.. وحكيتُ كثيرًا يومَها.. حكيتُ كما لم أحكِ لأحد.. ربّما لأنني وجدتُ نساء مثلي أخيرًا.. نساء لا يُذكّرنَنِي بأمّي، التي لم أجرؤ أبدًا على الحديث معها عن حياتي الخاصّة، لأنّها رأت أنني هكذا اكتملتُ، واكتملت حياتي أخيرًا لمجرد وجود المذكر في حياتي كزوج، لم أجرؤ أن أخبرها، أنني ومنذ اليوم الأول لنا معًا، كرهته، وأصبحت أتعامل معه كشيء لا بدّ من وجوده، لماذا لم أنفصل عنه؟ لا أدري حقًا ماكان السبب، الخوف على أمّي أم لمجرّد اليأس لأنني لم يعد لديّ شيء أفقده بعد أن فقدت حبّي الحقيقي والوحيد.. أنا التي لم تجد شيئًا لتمدح زوجها به.. ورغم ذلك كنت لا أذمّه أبدًا أمام أبنائه، لأنني لم أشأ أن تصاب نفسيّاتهم بخلل يجعلهم غير قادرين على تكوين العلاقات السويّة فيما بعد..

لم يتح لي أن أعرفه جيًدا قبل الزواج، ولم أهتمّ لذلك لأنني – كما سبق وذكرت- لم يعد لديّ شيء أخسره، ولم أعد أرى الزواج إلا كواجب ثقيل عليّ القيام به.. لكنني رغمًا عنّي تمنيتُ أن يشبه رائد، وصُدِمتُ فيما بعد، عندما وجدتُ أنه لا يقترب مقدار ذرة من الريادة ولا الرجولة التي كنتُ أحلم بالحصول عليها.

لم أستطع أبدًا، لفترة طويلة جدًا من حياتي أن أنسى كيف بدأنا حياتنا معًا، كلما تذكرت ما حدث وقتها، وتذكرتُ وجه أمي السعيد جدًا، كرهتهما معًا، وكأنني أحمّلها عبء ما حدث لي، بل وكأن سعادتها هذه بالتحديد سبب ما حدث.
تخيّلتُ أشياء وردية لم أر منها شيئًا، تخيّلتُ أننا سنتحدث كثيرًا وكلّ منا ينظر للآخر وكأنّه يأخذ بيديه ليتعرف على أعماقه، تخيلتُ أنه سيأخذني بين ذراعيه ويقول أنه لا يريد إلا أن نكون أصدقاء بالأساس، وأننا سنترك أجسادنا تتعرف على بعضها برويّة ودون تدخّل منّا، وأنّ على العشق عندما يأتي أن يجدنا في انتظاره ليصنع لنا لحنه الخالد مانحًا إيّانا بهجته الكبرى التي طالما قرأتُ عنها وسمعت النساء تتهامسن عنها.. كان فضولي غامرًا حتى أفقت على صدمة الحقيقة.

لم يحدث أيّ شيء مما حلمتُ به، فوجئتُ بشخص غريب يدّعي أنّ له الحق في خلع ملابسي بفظاظة، وممارسة كل ما يحلو له في أرضي دون تبادل كلمة واحدة وكأنني صماء بكماء، دمعت عيناي كثيرًا وسط ذهولي ومحاولات فاشلة لتبادل الحوار، نظرتُ إليه منكفئًا على وجهه نائمًا لا يشعر بوجودي، سخرتُ لحظتها وقلت: وكأن كل ما كان يريده هو حبوب منوّمة لا زوجة من لحم ودم ومشاعر!

وذهبتُ لأغسل روحي مما حدث لها، بكيتُ وانتحبتُ كثيرًا جدًا.. وتذكرتُ رائد.. هل كان سيفعل بي هذا؟ مستحيل.. رائد مختلف في كلّ شيء، كم اشتقتُ إليه.

صرتُ بعدها لا أرى سوى رائد، أترك زوجًا لستُ معه يفعل ما يشاء لأنني، أنا، في عالم آخر حيث عاشقان يتبادلان الصلاة الخاشعة في محراب الحب المهيب.
قلت: وتسألينني عن الذمّ؟ لا يوجد امرأة لاتذمّ زوجها أمام الأخريات إلا امرأة عاشقة يفهم زوجها كيف يتحاور معها عقلا وجسدًا، ويعرف متى يخاطب عقلها ومتى يخاطب جسدها وكيف. ولم يكن زوجي كذلك، لم يكن يعرف أبعد من حدود جسده ورغباته، ولم يحاول حتى أن يقترب من مدني ليطرقها، ولا ليتعرّف على سكّانها.. وأصحاب هذا التفكير من الذكور لا يظهر تعاملهم هذا فقط في الفراش.. بل تجدهم كذلك في كافّة تعاملاتهم.. يؤمنون بأن على الأنثى أن تحترم ما يقول، تتبنّى نظرياته العامّة، تنفّذ ما يأمرها به، درجة أنه حاول عدّة مرات أن يثنيني عن العمل! لكنني كنت أفضّل الموت على ذلك، ماذا سيبقى لي؟ هؤلاء الرجال يسهل التعرّف عليهم، لكنني لم أحاول أن أعرفه، ستجديه إمّا يترك لك كافة الحرية في الاختيار ظاهريًا ثم عند أصغر موقف جاد يلوي ذراعك لأجل سماع أوامره الحكيمة جَبْرًا، وإمّا منذ البدء سيوحي لكِ بألا شيء ينفذ دون إذنه الكريم، ولا نَفَس زائد دون تصريح مرور من شخصه الفاضل.

يسهل كشف أمثال هؤلاء، والذين يوحون لنسائهم بأنهم حاموا حمى المرأة، وأنّ عليها أن تمنحهم ثقتها كاملة دون سؤال! وألا تراجعهم فيما يقولون أو يفعلون! ويخلقون بطولات لاقِبَل لهم بها، وعند المواجهة تجدينه صغيرًا في أخلاقه، يتصرف كحشرة، تريد أن تنفث سمّها وتفرّ، يثبت وجوده بالصراخ واصطناع الأهوال، لا يحفظ سرًا ولا يحترم عهدًا.

من السهل جدًا أن أقول، أنهم أكبر المنافقين والأفّاقين، فما أن يضمنوا إحكام قبضتهم على امرأة، إلا ورموا في وجهها كل المسؤولية، وألقوا على عاتقها أمورًا كانوا يتغنون سابقًا أنها من تخصصهم، فلا أذكر أنه ساعد أبناءه في دروسهم، ولا حدثهم عن آمالهم وأحلامهم إلا فيما صدف، وكان يترك عبء مسؤوليات البيت والأبناء بالكامل عليّ أدبرها كيف أشاء، يلقي أوامره فقط فيما لا يفقه بين حين وآخر، ليثبت لنفسه أنّه صاحب الكلمة العليا، ولا يهتمّ بشيء سوى بعمله وأمواله. كان منتجًا مع الجميع إلا في بيته، كان مستهلكًا، تمامًا كالدول العربية.

لا أدري بالتحديد متى عرف بأمر رائد، ربما سمعني أتحدث مع أحدهم، أو أنني نطقتُ باسمه وأنا مغيّبة قبل إفاقتي من التخدير أثناء إحدى ولادتيّ، وهو الاحتمال الأقرب للصحة، لكنني لم أحاول أن أتأكد ولم أهتمّ لذلك.. فكلامه الذي زاد قسوة بعدها؛ واتهاماته لي بأشياء باطلة لا أساس لها، منبعها ليس بغيرة عليّ، وإنما على نفسه، كان يقسو مرّات عديدة.. وفي كلّ مرة يعتذر يزيد يقيني أنني أخطأتُ.. وأنّه حان الوقت لإصلاح خطئي.

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار