الإدمان على المخدرات

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأربعاء، 26 يونيو 2024
الإدمان على المخدرات

يمثل الإدمان على المخدرات مشكلة اجتماعية خطيرة تنتشر في العديد من بلدان العالم، ويتخذ الإدمان أشكالاً عديدة مثل الإدمان على المخدرات الكيميائية بأنواعها وكذلك العقاقير الدوائية، وفي هذا المقال، نوضح لك أعراض الإدمان على المخدرات وأسبابه وطرق علاجه.

الإدمان على الأدوية

عند الحديث عن الإدمان غالباً ما يتبادر إلى أذهاننا المخدرات الكيميائية؛ كالهيروين والكوكايين والميثامفيتامين وغيرها، لكن الذي يغيب عن الكثيرين أن العقاقير الدوائية هي المشكلة الصاعدة في الوقت الحالي. [1]

فعلى عكس المخدرات الكيميائية صعبة التهريب والصنع والنقل، غالباً ما تدخل العقاقير الدوائية إلى البلدان بطرق شرعية تماماً، ليتم لاحقاً توزيعها بشكل غير شرعي أو شرائها من الصيدليات بوصفات دوائية مزورة. [1]

تعد العقاقير الدوائية هدفاً أسهل بكثير لدى معظم المدمنين، خصوصاً في البلدان التي تمتلك سياسات صارمة تجاه المخدرات، وحدوداً محجمة تمنع تهريبها إلى داخلها. [1]

وتعد أكثر العقاقير الدوائية انتشاراً بين متعاطي المخدرات مسكنات الآلام القوية ومخدرات الإحساس؛ مثل: المورفينات، والكودائينات، وأدوية علاج الفصام، ومضادات الاكتئاب، والأدوية المسببة للهلوسة. [1]

ووفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة الأخيرة، يوجد نحو 246 مليون شخص يتعاطون المخدرات والعقاقير غير الشرعية في العالم، هذا الرقم كبير للغاية فهو يشكل نسبة 3.5% من سكان الأرض، وبذلك يكون واحداً من بين كل 28 شخصاً يتعاطى نوعاً واحداً أو أكثر من المخدرات والعقاقير غير الشرعية. [1]

وتزداد المشكلة لدى الشباب إذ إن هناك ما يقرب من 5% من إجمالي الأشخاص بين عمر 15 و 64 سنة يتعاطون واحداً أو أكثر من العقاقير غير الشرعية، ونحو 27 مليون شخص حول العالم يصنفون كمدمنين لهذه المواد ونحو نصفهم يتعاطون المخدرات بطريقة وريدية. [1]

كما قدرت الأمم المتحدة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية عدد الوفيات المرتبطة بالمخدرات عام 2013 فقط بـ187,100 حالة، مما يجعل المخدرات واحدة من الأسباب الرئيسية للوفاة. [1]

هل إدمان المخدرات مرض

يعتبر إدمان المخدرات مرضاً دماغياً يسبب رغبة وحاجة مُلحة على المدمن، للحصول على المخدر واستخدامه بغض النظر عن العواقب التالية للتصرف، وقد صُنِّف الإدمان بأنه مرض، لما يسببه من تغييرات بنيوية في الدماغ تعزز الحاجة الدائمة للمخدر أو العقار بشكل خارج عن السيطرة الواعية للمدمن. [2]

وعلى الرغم من كون التعاطي الأول للعقار أو المخدر ينبع عن قرار واع عادةً، فإن التغيرات المتراكمة على البنية الدماغية تجعل التعاطي أمراً مستقلاً عن الإرادة الواعية، بحيث يصبح المخدر أمراً أساسياً كالغرائز الرئيسية لدى البشر. [2]

أعراض الإدمان على المخدرات

على الرغم من أن الأعراض الجسدية للإدمان تتباين بشكل كبير بين الأنواع المختلفة للمخدرات والعقاقير، فالأعراض السلوكية متشابهة إلى حد كبير، وعادةً ما تضمن الآتي: [1]

  • الحاجة الدورية لتعاطي المخدر أو العقار، وقد يصل تواتر ذلك إلى الحاجة اليومية أو الحاجة للتعاطي عدة مرات في اليوم.
  • الرغبة الشديدة جداً في تعاطي المخدر أو العقار.
  • الحاجة المُلحة لتعاطي كميات متزايدة من العقار أو المخدر مع مرور الوقت، لتحقيق نفس التأثير المعتاد (حالة النشوة).
  • الاحتفاظ بمخزون دائم من العقار أو المخدر لدى المدمن.
  • صرف المال على العقار حتى في حالة السعر المرتفع الذي يُؤدي إلى عدم إمكانية تأمينه بسهولة.
  • التصرف بطريقة مختلفة عن الطبيعي، والقيام بأشياء من غير المعتاد القيام بها، وذلك في سبيل الحصول على العقار.
  • القيام بأفعال خطيرة وطائشة دون وعي، مثل: قيادة السيارة تحت تأثير المخدر.
  • تركيز الكثير من الوقت والطاقة في سبيل الحصول على المخدر.
  • الفشل المتكرر في محاولات الإقلاع عن المخدر.
  • المعاناة من أعراض الانسحاب عند التوقف عن تعاطي المخدر أو التأخر عن الموعد المعتاد.

أسباب تعاطي المخدرات والإدمان عليها

مثلما يحدث في العديد من الاضطرابات الدماغية، تؤثر العديد من العوامل المختلفة على بدء تعاطي المخدرات والإدمان لاحقاً، من أهمها ما يأتي: [1]

  • الأسباب المحيطية: تشكل الاضطرابات والعلاقات العائلية السيئة والمشاكل الأسرية عاملاً مهماً في بدء تعاطي المخدرات، بالإضافة لذلك فالتعامل المستمر مع مجموعات بشرية تميل إلى تعاطي المخدرات قد يزيد من احتمالية تجربة المخدرات وإدمانها لاحقاً.
  • الأسباب الجينية: بعد بدء التعاطي تلعب العوامل الموروثة من العائلة والأهل دوراً في سرعة الإدمان ووجوده أصلاً، فالبعض يدمنون بشكل أسرع من الآخرين، بينما يمتلك البعض الآخر قدرة كبيرة على مقاومة الإدمان لفترات طويلة رغم التعاطي الدوري.
  • التغييرات الدماغية: تلعب التغييرات البنيوية التي يسببها التعاطي المتكرر للمخدرات دوراً كبيراً في ميل الشخص للإدمان والاعتماد الدائم على المخدر.
  • نوع المخدر المستخدم: تختلف حالة الإدمان بشكل كبير تبعاً للمخدر الذي يتم تعاطيه، فبينما يكون من الصعب وجود حالة إدمان على الماريجوانا (مخدر الحشيش) ترتفع احتمالية الإدمان بشكل مضطرد عند استخدام الكوكايين ومضادات الاكتئاب، لتصل لحالة شبه مؤكدة للإدمان عند استخدام المخدرات التي تحقن وريدياً كالهيرويين.

آثار الإدمان على المخدرات

من الممكن للاعتماد الكبير على المخدرات أن يتسبب بمتاعب عديدة ومشاكل لا تحصى في مختلف مجالات الحياة، ومن أهم هذه الآثار ما يأتي: [3]

  • انتقال عدوى مرضيّة: يجعل تعاطي المخدرات، وخصوصاً عن طريق الحقن، الشخص أكثر عرضة للإصابة بالعديد من الأمراض الخطيرة، مثل: نقص المناعة المكتسب (HIV) والتهاب الكبد الوبائي من النوع سي.
  • مضاعفات صحية: تبعاً لنوع العقار أو المخدر المستخدم، يتسبب الإدمان في مضاعفات شديدة على الصحة العقلية والجسدية للمدمنين، مما يزيد من الوفيات بينهم بشكل كبير.
  • الحوادث: غالباً ما يجعل تعاطي المخدرات المدمنين في حالة شبه دائمة من كونهم تحت تأثير المخدر؛ مما يؤثر على سرعة استجابتهم للطوارئ، ويضر بقدرتهم على اتخاذ القرارات، وبالتالي ازدياد الحوادث بأنواعها، خاصة حوادث السير.
  • الانتحار: يميل المدمنون عادة إلى الإقدام على الانتحار أكثر من سواهم غير المدمنين بشكل كبير، وتعتبر مضادات الاكتئاب هي الأخطر في هذا المجال حيث تكون الميول الانتحارية عرَضاً جانبياً شائعاً للعديد من حالات الإدمان.
  • المشاكل العائلية: عادةً ما تحدث تغيرات مزاجية وسلوكية مترافقة مع الإدمان، مما يجعل الاحتفاظ بالعلاقات العائلية أمراً في غاية الصعوبة، ويسبب التفكك الأسري وانقطاع العلاقات في الكثير من الحالات.
  • مشاكل العمل والدراسة: نظراً لتأثير المخدرات على وعي المدمن وقدرته على اتخاذ القرار، فمن الصعب جداً على المدمنين الحفاظ على سوية عملهم أو دراستهم مع تعاطي المخدرات، مما يتسبب في حدوث مشكلات في العمل والدراسة غالباً.
  • المشاكل المالية: نظراً لكون المخدرات غالية الثمن، إضافة إلى حاجة المدمن لاستخدام كميات متزايدة من المخدر، للوصول لحالة النشوة مع مرور الوقت، تشكل المخدرات عبئاً مادياً كبيراً يتسبب في عدم استقرار الوضع المالي، واضطرار الكثير من المدمنين إلى صرف مدخراتهم وبيع أملاكهم للحصول على المخدر.

علاج الإدمان على المخدرات

يظن الكثيرون أن التخلص من الإدمان أمر لا يحتاج سوى الإرادة، لكن معظم المخدرات تتسبب في حدوث أعراض خطيرة عند انقطاعها عن الجسم؛ وقد تتضمن هذه الأعراض الانخفاض السريع للوزن، والأزمات القلبية، والنوبات التنفسية وغيرها، وعادةً ما يتم علاج الإدمان على عدة مراحل نتناولها تفصيلاً فيما يأتي: [2]

  • الانسحاب: يتم في هذه المرحلة تخليص الجسم من العقاقير والمواد المخدرة الموجودة داخله بأفضل طريقة ممكنة، حيث تتم العملية عادةً في المستشفيات أو المراكز المتخصصة في علاج الإدمان، غالباً ما يتم تقليل الجرعة بشكل تدريجي بدلاً من إيقافها تماماً، وذلك لتقليل أعراض خروج المخدر خارج الجسم قدر الإمكان.
  • العلاج النفسي: يتم عرض المدمنين السابقين على أطباء نفسيين مختصين بقضايا الإدمان وأسبابه لمحاولة علاج الأسباب التي قادتهم إلى هذه الطريق، ونظراً لكون معظم حالات الإدمان تأتي بسبب مشاكل وخلافات اجتماعية للمدمن، كثيراً ما يساعد حل هذه المشاكل في تقليل رغبة المدمن في العودة لتعاطي المخدرات.
  • العلاج الجماعي: ويكون على هيئة لقاءات بين مجموعات من المدمنين دون أن يعرّفوا عن هويتهم للآخرين، ويتم تبادل خبرات مقاومة المخدرات واستراتيجيات تجنبها تماماً في هذه الاجتماعات، بحيث يساعد وجود مدمنين آخرين المدمن على مقاومة رغبته في التعاطي مرة أخرى.

الحرب على المخدرات

يرى الكثيرون أن تجريم تعاطي المخدرات والعقوبات الكبيرة في هذا السياق هو الحل الأمثل للحد من تعاطي المخدرات والقضاء على الإدمان، لكن وفقاً لعدد من الأبحاث التي أجريت في جامعة ستانفورد الأمريكية، فإن هذه الطريقة ليست فعالة تماماً. [3]

إذ إنه بعد مرور 40 سنة من الحرب على المخدرات في الولايات المتحدة لم تحقق النتائج المرجوة ولم تقترب حتى من تحقيقها؛ فالمشكلة لا تكمن في إتاحة المخدرات في حد ذاتها، لكن في الموقف الاجتماعي والأسباب التي تؤدي للتعاطي أصلاً. [3]

وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، فإن البرتغال التي تمتلك سياسة متسامحة تجاه المخدرات، وتعتبر الماريجوانا (الحشيش) فيها قانونية تماماً، تمتلك نسبة متعاطين للماريجوانا أقل بكثير من الولايات المتحدة الأمريكية. [3]

فقد يؤدي تعاطي الماريجوانا في معظم أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية إلى عواقب قانونية عديدة والتجريد من الحقوق المدنية وحق الانتخاب، وبذلك فالنسبة لا تتعدى 3.6% في البرتغال، وتتجاوز 13% في الولايات المتحدة الأمريكية. [3]

وتبدأ الحرب على المخدرات بالتوعية الدائمة بأضرارها وتأمين ملاذ آمن للمدمنين الراغبين في الإقلاع عنها، لمساعدتهم على ذلك، بدلاً من الملاحقة القانونية لهم، مما يزيد المشكلة خطورة. [3]

إذ إن المخدرات تجد طريقها عبر المهربين حتى عبر أشد الإجراءات الأمنية، والحل الفعال يتضمن محاربة أسباب الإدمان لا المدمنين أنفسهم فهم هنا مرضى فقط. [3]

المخدرات في العالم العربي

تظهر إحصائيات الأمم المتحدة نسباً متدنية للغاية من تعاطي المخدرات في المنطقة العربية، إلا أن هذه النسب لا تعد دقيقة تماماً، ولا يمكن الأخذ بها، نظراً للقوانين الصارمة التي قد تؤدي للسجن لسنوات لمتعاطي المخدرات، بالإضافة إلى نقص كبير في مراكز علاج الإدمان وغياب الأساليب الحديثة في مكافحته.

وتعد الماريجوانا (الحشيش) أكثر الأنواع انتشاراً في المنطقة العربية، نظراً لانخفاض ثمنها مقارنة بغيرها من المخدرات، بالإضافة إلى إمكانية إنتاجها محلياً عن طريق زراعة القنب بشكل غير قانوني.

كما يشكل القرب الجغرافي لأفغانستان، وكون أكبر منتجي الحشيش في العالم، هما: أفغانستان والمغرب؛ عاملاً إضافياً لانتشار الحشيش في المنطقة العربية.

وبعد أن تعرفت معنا على أعراض الإدمان على المخدرات وأسبابه وطرق علاجه، لا بد التأكيد على أنه من المهم تطوير سياسات مكافحة المخدرات لزيادة فاعليتها، وكذلك بناء المزيد من مراكز علاج الإدمان لإعادة دمج المدمنين مع المجتمع مجدداً، فهذه الخطوات أثبتت فاعلية أكبر بكثير من الطرق التقليدية، التي تتضمن زيادة العقوبات وتشديد القوانين.

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار