اضطراب وعمى رؤية الألوان (Color Vision Deficiency)
- بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 25 نوفمبر 2019
يعاني مريض اضطراب رؤية الألوان - أو كما يعرف في الأوساط العامة بعمى الألوان - من صعوبات في التمييز وإيجاد الفارق بين بعض الألوان، لتتعرقل بذلك إمكانية القيام ببعض الممارسات والنشاطات اليوميّة كتنسيق ألوان الملابس أو الالتزام بحالة إشارة المرور وشراء الفاكهة والخضراوات.
وفي هذا المقال سنتعرف أكثر على طبيعة الأسباب المؤدية لاضطراب رؤية الألوان مع الأعراض السريرية التي يشكو منها المرضى، إضافة إلى طريقة التشخيص والعلاج.
أسباب عمى الألوان
تتألف كرة العين عند الإنسان من جدار تتدرج طبقاته الثلاثة من السطح باتجاه العمق، حيث تعتبر الشبكيّة (Retina) أعمق الطبقات المشكّلة لعين الإنسان، وتمتاز باحتوائها الخلايا العصبيّة الحساسة للضوء التي تعرف علمياً باسم العصيّات (Rods) والمخاريط (Cons).
تعتبر الأولى مسؤولة عن الرؤية في الظلام بينما تتكفل الثانية برؤية الألوان، تخرج من هذه الطبقة في النهاية ألياف العصب البصريّ (Optic Nerve) الذي ينقل مجموعة التنبيهات التي تستقبلها الخلايا العصبيّة الحساسة للضوء إلى الدماغ، وفيه تتم معالجة التنبيهات الواردة من العينين معاً وترجمتها بغية تحقيق الرؤية السّليمة عند الفرد.
هنالك ثلاثة أنماط من الأصبغة الحسّاسة للضوء ضمن المخاريط، إحداها يتحسّس طيف الألوان ذات الأطوال الموجيّة القصيرة (نسميها تجاوزاً بالمخاريط الزرق).
بينما يتحسّس الآخر الألوان ذات الأطوال الموجيّة متوسطة الطول (تجاوزاً المخاريط الخضر)، لنجد الصباغ الأخير مسؤولاً عن رؤية طيف الألوان الذي يملك أطوالاً موجيّة طويلة (تجاوزاً المخاريط الحمر).
أما عن رؤية الألوان بشكلها الدقيق فإنها تحدث بعد تنبيه أنواع المخاريط الثلاثة معاً وبنسب متفاوتة، ثم انتقال مجموعة التنبيهات عبر ألياف العصب البصريّ إلى قشرة المخ، حيث تترجم التنبيهات العصبيّة الواردة بغية تحويلها إلى اللون المطلوب.
وكمثال توضيحيّ تحدث رؤية اللون الأخضر بعد تنبيه المخروط الأحمر بتواتر 31 مرة، والمخروط الأخضر بتواتر 67 مرّة، ثم المخروط الأزرق بتواتر 36 مرّة، لتنتقل مجموعة الترددات السابقة إلى القشر المخيّ، حيث يتم تفسيرها على أنها اللون الأخضر، يُذكر أن التنبيه المتساوي لأنماط المخاريط الثلاثة (تساوي عدد مرات التنبيه بين المخاريط الثلاثة) يعطينا اللون الأبيض.
أسباب حدوث اضطراب رؤية الألوان
1. العامل الوراثي: يعتبر العامل الوراثيّ واحداً من أهم وأكثر الأسباب المسؤولة عن حدوث عمى الألوان عند الأفراد شيوعاً، فقد يتسبب بنقصان أحد أنماط المخاريط الثلاثة أو تراجع فعاليتها الوظيفيّة.
حيث تنتقل الطفرة الوراثيّة المتنحيّة (Recessive Mutation) التي تُحمَل على الصبغي الجنسيّ (X) من الأم المصابة أو الحاملة للمرض إلى جنينها الذكر، وهذا ما يجعل إصابة الذكور العيانيّة أكثر شيوعاً وانتشاراً من إصابات الإناث.
خصوصاً أن صيغة الصبغيات الجنسيّة لدى الذكر هي (xy)، مما يجعل ظهور أعراض المرض حتمياً لدى الذكور، على عكس الإناث اللاتي يحملن صبغيين جنسيين متماثلين (xx)، فقد تبقى حاملة للمرض فقط إن ورثت من والدتها الصبغي الطافر الوحيد، أو قد تتظاهر الأعراض لديها إن وصلتها الطفرتان معاً من أم وأب مصابَين.
2. التقدم في العمر: تجدر الإشارة إلى أن تقدّم عمر الأفراد قد يؤثر بدوره في قدرتهم على رؤية الألوان والتمييز بين ظلالها، إضافة إلى أن الأدوية المستخدمة في علاج بعض الحالات المرضيّة (الأمراض القلبية الوعائية، الأمراض النفسيّة، ..) لها نفس التأثير المشابه فيما يتعلق بسلامة رؤية الألوان، كما أن تعرض الفرد المستمرّ لبعض أنواع المواد الكيميائيّة (كالستيرين مثلاً) يؤدي إلى تناقص فعالية المخاريط الحساسة لألوان الطيف المرئيّ.
3. إصابات العين: يُذكر أن الأذيات والرضوض التي تتعرض لها شبكية العين أو العصب البصري الذي يخرج منها قد تؤثر في قدرة الفرد على رؤية الألوان والتمييز فيما بينها، كما أن الإصابات الحاصلة في المنطقة الدماغية المسؤولة عن ترجمة التنبيهات العصبية الخاصة بالألوان قد تساهم بالضرورة في حدوث اضطراب رؤية الألوان لدى الأفراد.
4. أمراض أخرى: من جهة أخرى يمكن للأمراض الجهازيّة العامّة أن تؤثر على سلامة شبكيّة العين مع العصب البصريّ الذي يخرج منها، مما يعطي مشاكلاً على مستوى رؤية الألوان والتمييز فيما بينها. ومن هذه الأمراض نذكر:
- داء السّكريّ (Diabetes Mellitus).
- داء ألزهايمر (Alzheimer"s Disease).
- داء باركنسون (Parkinson"s Disease).
- ابيضاض الدم (Leukemia).
- التصلب المتعدّد (Multiple Sclerosis).
- فقرد الدم المنجليّ (Sickle cell Anemia).
- الكحوليّة المزمنة (Chronic Alcoholism).
تصنيف أنماط اضطراب رؤية الألوان
لسهولة فهم اضطرابات رؤية الألوان تُصنّف إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
1. عوز رؤية اللونين الأحمر والأخضر
يُشار إلى أن عوز رؤية اللونين الأحمر و / أو الأخضر يعتبر من أكثر الأنماط الوراثية انتشاراً حول العالم، يحدث فيه أن تتناقص أو تغيب فعالية الصباغ المخروطيّ الحساس لطيف الألوان ذات الأطوال الموجيّة الطويلة (المخروط الأحمر Protan) أو متوسطة الطول (الأخضر Deutran)، يُقسم هذا النمط إلى أنواع تفصيليّة أخرى نستعرضها وفق التالي:
- غَطَش الأحمر (Protanomaly): ينجم عن شذوذ في عمل الصباغ الحساس لألوان الطيف طويلة الموجة (صباغ المخاريط الحمر)، ويميل الذكر المصاب إلى رؤية الأحمر والبرتقالي والأصفر بشكل أقرب إلى اللون الأخضر، كما تتأثر براقة الألوان فتبدو باهتة.
- غطش اللونين الأحمر والأخضر (Protanopia): تغيب فيه فعالية الصباغ الحساس للون الأحمر، فتتراءى الأجسام الحمراء لمرضى هذا النمط باللون الأسود، كما تميل بعض ظلال البرتقالي والأخضر لرؤيتها باللون الأصفر.
- شذوذ إبصار الأخضر (Deuteranomaly): تنجم هذه الحالة المرضية عن شذوذ في عمل الصباغ الحساس للون الأخضر (ألوان الطيف متوسطة طول الموجة)، فيشاهد المصاب الأجسام الخضراء والصفراء باللون الأحمر، وقد يصعب عليه التمييز بين الأزرق والبنفسجيّ.
- عمى الأخضر والأحمر (Deuteranopia): تغيب فيه فعالية الصباغ الحساس ضمن المخاريط الخضر، فيميل الأحمر إلى اللون البني المصفرّ، كما تبدو الأجسام الخضراء بلون البيج (Beige).
2. عوز رؤية اللونين الأزرق والأصفر
يعدّ هذا النوع أقل انتشاراً من سابقه بين الأفراد، تتأثر فيه فعالية الصباغ الحساس لطيف الألوان ذات الأطوال الموجية القصيرة (الأزرق Tritan) لتتناقص أو تغيب بشكل كليّ، يحدث هذا المرض تحت تأثير طفرات وراثية تنتقل عبر صبغيات جسديّة، و يقسم بدوره إلى نوعين تفصيليين هما:
- غمَش اللون الأزرق (Tritanomaly): تسببه طفرة جسدّية سائدة، وتبدو فيه فعالية الصباغ الحساس للون الأزرق محدودة جداً، يعاني مريض غمش الأزرق من صعوبات في تمييز الأصفر والأحمر عن اللون الزهريّ، كما تبدو الأجسام الزرقاء أكثر ميلاً للون الأخضر.
- عمى اللون الأزرق (Tritanopia): يحدث فيه أن تتناقص أعداد المخاريط الحساسة للون الأزرق، فيبدو اللون الأزرق كما لو كان أخضراً، وتعطي الأجسام الصفراء انطباعاً على أنها بنفجسية أو أقرب إلى اللون الرمادي الفاتح.
3. عمى الألوان التام
حالة نادرة جداً، قد يحدث فيها أن تحتوي شبكيّة العين على نمط واحد فقط من أنماط المخاريط الثلاثة الحساسة لألوان الطيف المرئي ( Cone Monochromacy)، سواء كانت مخاريط اللون الأزرق أو الأحمر أو الأخضر.
فيصعب على المرء أن يميّز بين الألوان ويتعرّف على حقيقتها، خصوصاً أن رؤية اللون الواحد تتطلب تنبيه الأنماط الثلاثة للمخاريط بشكل متفاوت كما وجدنا آنفاً.
وقد تحدث حالة أكثر ندرة من سابقتها، يرى فيها الفرد ما حوله باللون الأبيض والأسود، نظراً للغياب التام لكافة مخاريط الشبكية التي تحوي أصبغةً حساسةً للألوان.
كيفية تشخيص اضطراب رؤية الألوان
يُعرَض على المريض بطاقات تُعرف بلوحات ايشيهارا (Ishihara Plates) تتألف بشكل أساسيّ من نقاط صغيرة ملوّنة بألوان عديدة، ويُطلب من المريض أن يميّز أو يتعرّف على الرقم المخبأ في خلفية الصورة فيصعب عليه ذل.
أو قد يتعرّف في حالات أخرى على رقم معيّن يختلف تماماً عن الرقم الذي يراه الإنسان السليم.
علاج مرضى اضطراب رؤية الألوان
لا يتوفر حتى الآن علاج فعّال لمرضى عمى الألوان، إنما يمكن لمرضى عوز اللونين الأحمر والأخضر وضع عدسات خاصّة تمكّنهم من رؤية الألوان بشكل أدقّ، تستعمل هذه العدسات خارج المنزل وفي ظروف إضاءة قويّة، تجدر الإشارة إلى أن الاضطراب قد يتراجع بمعالجة الأمراض الجهازيّة المسؤولة عن حدوثه.
نصائح لمرضى اضطراب رؤية الألوان
قد يعيق اضطراب رؤية الألوان ممارسة بعض النشاطات اليومية لدى المرضى، لكن يمكننا القول أن معظم الحالات تتطلب الصبر والاعتياد طالما لا يشكل هذا المرض خطراً حقيقياً على قدرة الفرد الإبصاريّة.
ننصح مرضى اضطراب رؤية الألوان بالاعتماد على طريقة ترتيب ملابسهم كي يسهل اختيارها بدلاً من الاعتماد على لونها، إضافة إلى تعلّم ترتيب الألوان ضمن إشارات المرور والدلالة الخاصة بكلّ منها.
في ختام المقال.. نذكّر مجدّداً أن العامل الوراثيّ يعتبر السبب الأهم والرئيسيّ في إحداث اضطراب رؤية الألوان لدى الأفراد، تحديداً تلك الطفرات المتنحية التي تنتقل عبر الصبغي الجنسيّ (X).
من جهة أخرى، يمكن لأنماط أخرى من اضطرابات رؤية الألوان أن تحدث تحت تأثير طفرات جسديّة سائدة أو متنحية إنما بمعدل شيوع أقل من سابقتها، كما يمكن لقدرة الفرد على رؤية الألوان أن تتأثر وتتراجع في سياق بعض الأمراض الجهازيّة.