وديع الصافي : الفن الخالد من ذرى الشوف الى كل العالم العربي
بتاريخ 14/10/2013 ودّع لبنان والعالم العربي الفنان الخالد وديع الصافي ... لبنان يا قطعة سما ، على الله تعود على الله ، ولو هيك بتطلعوا منا ، رح حلفك بالغصن يا عصفور ، الليل يا ليلى يعاتبني ، عاللوما ، بترحلك مشوار ، يا إختي نجوم الليل شو فيها ، بالساحة تلاقينا بالساحة ، عندك بحرية يا ريس ، طل الصباح وتكتك العصفور ، ومئات من الروائع الخالدة ستبقى في البال وستسكن كلّ الضمائر حباً وعشقاً للوطن والأرض والناس ...
وعلى مدى الكون كلّه لم يمرّ فنان كبير بحجم وقيمة وقامة وديع الصافي وترك أثراً وثروة فنية تحاكي الوطن وتدافع عن الأرض والإنسان وتعشق لبنان ...
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
بسمائه ومائه وتربته ، مثلما تركه الفنان الخالد وديع الصافي ، كان وديع هو والوطن توأمين عندما تقول لبنان مباشرة يتقاطع اسم وديع الصافي بطريقة لا شعورية مع لفظة لبنان...
من خلال مئات المقابلات القاسم المشترك الملاحظ في حواراته حبه لوطنه ، عبادته للأرض ، وعشقه لديمومة الوطن ... كان يعتز بأرض الشوف كمنبع للالهام حيث ولد وترعرع وفي أعالي جبال الشوف كان كلّ سحر الطبيعة تختصره لوحة ربانية خصّها الله عزّ وجل بجبال خضراء وتلال تذهب بخضارها الى البعيد البعيد ، الى جداول رقراقة ووديان تتفجر فيها المياه الأزلية ذاهبة في عمق الوهاد وتوازن طبيعي نادر حيث للطير مأوى ، ولكلّ أنواع النبات مكان ، وللسكون مكان ، ولجوقة الطيور الليلية مكان ، هي جنة هبطت وحطّت في أعالي جبال الشوف ... في هذا الجو العابق بكلّ أطايب الطبيعة وبين أهل وخلان في قرية جميلة يجسّدون التواصل والأهلية بأبهى مظاهرها ... وعبر هذه البيئة الاستثنائية انطلق صوت هادر جميل وصفه كبار الفنانين في الشرق بأنّه أجمل صوت في الشرق بلا منازع والطبقات التي يغطيها لا يصل اليها مطرب آخر ...
وطبعت أغانيه مرحلة ذهبية تاريخية بالبعد الفني ... وكانت مهرجانات بعلبك تمثّل قمة نجاحات الفن في لبنان في الستينات ولمع بدره ساطعاً على كلّ البلاد العربية عندما كان محوره الفنانة الكبيرة صباح والعملاق الآخر نصري شمس الدين وسفيرتنا الى النجوم فيروز ، وعندما تأتي المهرجانات كان العالم العربي ينتقل الى لبنان والى بعلبك بلاد الشمس لمشاهدة ورؤية مسرحيات خالدة خلّدها هذا العملاق مع زملائه الكبار وبعلاقات وطيدة مع الأخوين رحباني قدّموا تراثاً غنائياً خالداً ... وعظمة وديع أنّه كان يتواصل مع جميع الملحنين مع أنّ ثلثي أغانيه من تلحينه وابداعاته ، ولكن لن ننسى تعاونه الخالد مع الموسيقار الخالد فريد الأطرش في على الله تعود ومع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ومع الخالد فيلمون وهبي والعظماء الأخوين رحباني ، ونتعجب عندما تسمع في مصر كلّ الشعب المصري يردد وراءه عظيمة يا مصر ... ومن أسباب نجاحاته أنّه تقي وورع ويخاف ربه ولم تسجل في حياته الفنيّة الحافلة أي خلاف مع أيّ زميل ... ومن نوادره الخالدة في ضمير شعبنا أنّه كان يزور وبشكل دائم كما قال لي مصدر موثوق مقاماً دينياً كبيراً من الطائفة المعروفية الشيخ أبو حسن عارف حلاوي في معصريتي ثم الباروك ليتبارك بكلماته وحضوره ... نعم هي مآثر ستبقى مدى الدهر أمثولة وقدوة لكلّ اللبنانيين ...
في 14/10/2013 ودّعه الوطن كلّه والعرب كلّهم ونيحا الشوف مسقط رأسه كان لها الفخر هي وشوف العمالقة الكبار حيث يرقد كمال جنبلاط ورشيد نخلة وعظماء هذا الجبل التاريخيون ، ها هو رفاته يرقد في نيحا بجوار قدسية النبي أيوب ، إنّه يوم تاريخي مثل وحدة الوطن حقاً وحقيقة.
في الخمسينات والستينات والسبعينات وحتى يوم رحيله ... كانت له هجرتان هجرة الى مصر في السبعينات بعيداً عن مصائب الحرب اللبنانية وكانت له في القاهرة نشاطات فنيّة ابداعية خالدة ، حيث كان يتخمّر كل التفوق الفني في رحاب القاهرة وكان وديع وعلى مدار سنتين نجماً لامعاً في سماء مصر واحتضنه الشعب المصري بشكل رائع وكانت دائماً وفي قلب أغنياته غصة الفراق عن الأهل والوطن ودمعة تغصّ بها بعض أغانيه حزناً على واقع لبنان الغارق في حروب لا قرار لها ولا نهاية لها ، هو الألم والغربة والعذاب تتقاطع مع ابداعاته الفنية ... وفي هجرة ثانية كانت الى باريس في فرنسا حيث تحلّق حوله المجتمع الفني فعرف صافي أياما رائعة وكلّ من كان في أوروبا . في تلك الأيام يتذكر وديع سهراته الأسطورية والصوت الذاهب الى أبعد مدى ... وعاد الى وطنه مكرماً معززاً وبقي نجماً لامعاً حتى بلغ الثانية والتسعين ولا أحد من كلّ من عشق صوت وفن وديع الصافي الاّ وأخذته الأعجوبة وسحره الواقع أنّ هذا العملاق بقي صامداً أمام كلّ ضربات الزمان ولم يتهاون ولم يهدأ وعشقه وحياته كانت الفن الراقي ... ومشهور عنه بشكل ساطع وواضح أنّه كان مثالاً للنظافة والرقي في التعامل مع كلّ زملائه ، كان مثالاً للطهارة والتقوى ، ولم يبخل أبداً بأغانٍ دينية في مجال التراتيل والصلاة وكانت له تجاويد قرآنية ، فاذا بوديع العملاق يجمع المجد من كلّ جوانبه ... أغان وطنية ، عاطفية ، وفي وديع الصافي اجتمع الوطن بكلّ أجنحته وقال للدنيا كلها لا يزال اللبنانيون بألف خير يجتمعون على الخير والمحبة وتقدير الكبار والعمالقة...
كلماته التي حفظها الشعب العربي كلّه ستبقى خالدة مدى الدهر وممثلة للقاء عملاقين هما فريد الأطرش ووديع الصافي :
على الله تعود بهجتنا والفراح وتغمر دارنا البسمة والفراح
قضينا العمر ولف طل وولف راح وضاع العمر هجران وغياب
يقول بيتهوفن : طبيعة الفنانين صفاء وتسامح وانفتاح ، وديع كنت النموذج والقدوة في الصفاء والتسامح والانفتاح ... وديع عشت كبيراً ورحلت كبيراً ... رحمات الله عليك
الصور الأولى لتشييع الراحل الكبير وديع الصافي
الصورة الأخيرة للفنان القدير وديع الصافي قبل رحيله
كلمات النجوم في رثاء الفنان الكبير وديع الصافي
اشتركوا في نشرة ليالينا الإلكترونية لتصلكم آخر أخبار المشاهير على البريد الإلكتروني