مضادات الأكسدة (Antioxidants)
يعتبر مفهوم مضادات الأكسدة من المفاهيم المعقّدة نوعاً ما، لكنّنا سنعمل في هذا المقال على شرحه بشكل مبسّط بعيداً عن المصطلحات العلميّة المعقّدة، متناولين كل ما تريد معرفته عن كيفيّة عملها ومصادرها والفوائد التي تقدمها.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ما هي مضادات الأكسدة؟ وكيف تعمل؟
حتى نتمكّن من فهم الآلية التي تعمل بها مضادات الأكسدة لا بد لنا أن نلقي الضوء بداية على المستوى الجزيئي للمادة، كما نعلم فإن كل المواد الموجودة في هذا الكون الشاسع تتكوّن من ذرّات.
وبنفس الوقت فإن هذه الذرّات تتألّف من نواة تحوي البروتونات والنيوترونات ومن مجموعة من الإلكترونات التي تدور حول هذه النواة.
والشكل التالي يمثل مخططاً بسيطاً للذرّة. حيث تمثّل الكرات الزرقاء الإلكترونات التي تحمل الشحنة السالبة، بينما البروتونات (الكرات الحمراء) الموجودة في النواة تحمل الشحنة الموجبة، وعندما ترتبط معاً ذرتان أو أكثر ينتج ما نسميه بالجزيئات.
كيف تتشكل الجذور الحرة؟
يتألف جسمك من مواد كالبروتينات، الشحوم، الحمض النووي المعروف بالدنا (DNA)، وهي في الأصل عبارة عن جزيئات ضخمة تحوي العشرات، أو المئات، وحتّى الآلاف من الذرّات المرتبطة مع بعضها.
يحافظ الإنسان كما هو حال جميع الكائنات الحية على هيكله ووظائف أعضائه بواسطة التفاعلات الكيميائيّة الحيويّة، وتُعرف جميع هذه التفاعلات الضروريّة لبقاء الإنسان حيّاً بالاستقلاب (Metabolism).
ما يحدث في هذه التفاعلات الكيميّائيّة هو تحطيم الجزيئات الكبيرة إلى جزيئات أصغر، وتنظيم الجزيئات الصغيرة معاً لتشكل جزيئات أكبر.
حتى تدخل الجزيئات في حالة الاستقرار عليها أن تملك الكميّة المناسبة من الإلكترونات، فعندما يفقد الجزيء إلكتروناً من غير المفروض أن يفقده؛ سيتحوّل هذا الجزيء إلى جذر حر (Free Radical).
مضادات الأكسدة تعيد الاستقرار إلى الجذر الحر لوقف الأذى
تكون الجذور الحرّة غير مستقرّة وتسعى للحصول على إلكترونات حتى تعود لحالة الاستقرار، فتبدأ بالتفاعل مع الجزيئات الأخرى (مثل DNA) لتسرق منهم إلكترونات وتخرّبهم،.
وقد يبدأ شلال من التفاعلات حيث تتحوّل الجزيئات التي تمّ مهاجمتها إلى جذور حرّة أيضاً، وهنا يأتي دور مضادات الأكسدة، فإذا ما فقد جزيء ما إلكتروناً متحوّلاً إلى جذر حر تتدخّل مضادات الأكسدة لتمنح إلكتروناً لهذا الجذر معيدةً إيّاه لحالة الاستقرار بشكل فعّال.
وهذه هي الآلية التي تعمل بها مضادات الأكسدة، التبرّع بإلكترون للجذور الحرّة لتدخلهم بحالة من التعادل الكهربائي مانعةً بذلك حصول الأذى الذي تسبّبه.
ما فوائد ومضار الجذور الحرّة؟
قد تكون الجذور مركبات سامّة وقد تكون نافعة ومفيدة، لأنها تستطيع أن تؤذي الجسم أو تساعده للبقاء بصحّة جيدة، سنستعرض فيما يلي فوائدها ونبدأ مع مضارها:
مضار الجذور الحرة
تتكوّن الجذور الحرّة في الجسم (بشكل مستمر وفي كل ثانية هنا) من الآلاف من الجذور الحرّة الجديدة التي تتراكم لتحدث ظاهرة تدعى بالشدّة التأكسدية (Oxidative Stress)، تلعب هذه الظاهرة دوراً أساسياً في إصابتنا بالأمراض المزمنة والتنكّسيّة مثل:
- السرطانات.
- أمراض المناعة الذاتيّة.
- الشيخوخة المبكّرة.
- الساد.
- التهاب المفاصل الرثوي (الروماتيزمي).
- الأمراض القلبيّة الوعائيّة وخصوصاً التصلّب العصيدي (تضيّق الشرايين).
- الأمراض العصبيّة التنكّسية؛ كالتصلّب اللويحي (Multiple Sclerosis).
فوائد ووظائف الجذور الحرة
لكن لا تأخذ تلك النظرة السوداويّة عن الجذور الحرّة، فمن المهم أن تعرف أنّ للجذور الحرّة وظائف أساسيّة لبقائنا، وذلك عندما تتواجد بتراكيز معتدلة ومناسبة، ومن هذه الوظائف والفوائد التي تمنحنا إياها الجذور الحرة:
- تحفيز نضج هيكل الخلايا.
- تعمل الجذور الحرّة كسلاح فعّال للدفاع عنّا ضد الجراثيم التي تغزو أجسامنا، وبالفعل تقوم الخلايا البالعة (كريّات دم بيضاء تبتلع الجراثيم) بإطلاق محتواها من الجذور الحرّة على الجراثيم بعد ابتلاعها بعمليّة تشبه عمليّة هضم الطعام.
- لها دور أساسي في أنظمة إرسال الإشارات الخلويّة، فمثلاً أحادي أوكسيد الآزوت (NO) وهو عبارة عن جذر حر يلعب دور مرسال داخل الخليّة لتعديل الضغط الدموي وتنظيم عمليّات التخثّر، بالإضافة لامتلاكه تأثير على الوظائف العصبيّة.
- دور محرّض لانقسام الخلايا وبالتالي نمو أجسادنا.
عوامل تزيد من خطورة الجذور الحرة
ولكن من أين تنتج هذه الجذور ومتى يزداد إنتاجها؟ يوجد مجموعة من عوامل الشدّة وأساليب الحياة المعروفة التي تشكّل سبباً لإنتاج كميّات مفرطة من الجذور الحرّة، وبالتالي حدوث ظاهرة الشدّة التأكسديّة، منها:
- تلوث الهواء.
- تدخين السجائر.
- تناول الكحول.
- بعض السموم.
- ارتفاع الضغط الشرياني.
- استهلاك كميّات كبيرة من الحموض الدسمة عديدة عدم الإشباع (Polyunsaturated Fatty Acids).
- التعرّض للإشعاعات متضمّنة التعرّض الطويل لأشعّة الشمس.
- الإنتانات الجرثومية، الفطريّة، أو الفيروسيّة.
- تناول كميّات مفرطة من الحديد، المغنزيوم، النحاس، أو الزنك.
- نقص كميّة الأوكسجين لديك.
- كذلك زيادة كميّة الأوكسجين لديك.
- قيامك بالتمارين الرياضيّة المكثّفة ولمدّة طويلة.
- تناول كميّات مفرطة من مضادات الأكسدة، مثل الفيتامين C والفيتامين E.
ما فوائد مضادات الأكسدة؟
تلعب مضادات الأكسدة دوراً فعالاً في الوقاية من العديد من الأمراض التي تصيبنا، من هذه الأمراض والحالات التي تقي منها:
- التنكّس البقعي (مرض يصيب الشبكيّة ويؤدي للعمى).
- الزهايمر (الخرف المبكّر).
- بعض الأمراض الرثويّة (الروماتيزم).
- ارتفاع الضغط الدموي.
- الذبحات القلبيّة (الأزمات القلبيّة).
- الوقاية من التجاعيد المبكّرة.
- الوقاية من التأثيرات الضارّة للأشعّة فوق البنفسجيّة وما تسبّبه من سرطانات جلديّة.
- زيادة فعاليّة الخلايا المناعية وبالتالي الوقاية من الإنتانات الفيروسية والجرثوميّة خصوصاً لدى كبار وصغار السن.
- الوقاية من الجلطات الدماغية والقلبية.
ما مصادر مضادات الأكسدة؟
تعد مضادات الأكسدة ضروريّة لجميع الكائنات الحيّة، ويقوم جسمك بتصنيع مضادات الأكسدة من تلقاء نفسه مثل الغلوتاتيون (Glutathione).
حيث تملك النباتات والحيوانات وجميع أشكال الحياة وسائلها الدفاعيّة الخاصّة في مواجهة الجذور الحرّة والأذية التأكسديّة التي تسبّبها، لذلك فمضادات الأكسدة موجودة تقريباً في جميع أنواع الطعام النباتيّة والحيوانيّة المصدر.
ومن المهم جداً أن نحصل على مضادات الأكسدة الموجودة في الطعام، وفي الحقيقة تتوقف حياتنا على تناول بعض أنواع مضادات الأكسدة المتمثّلة بالفيتامين E والفيتامين C، فعندما تسمع أن الغذاء النباتي هو طعام صحّي تستطيع أن تعرف أن سبب ذلك - ولو بشكل جزئي – هو غناه بنطاق واسع من أنواع مضادات الأكسدة.
تحوي اللحوم والأسماك مضادات الأكسدة أيضاً، لكن بكميّات أقل مقارنة بالخضار والفواكه، ويشكّل التوت واحداً من أفضل المصادر، كما أن هناك العديد من المصادر الجيدة مثل الشاي الأخضر والقهوة والشوكولا المرّة (السوداء).
تستطيع مضادات الأكسدة أن تزيد فترة حفظ كل من منتجات الأغذية الطبيعيّة والمصنّعة، ولهذا يتم إضافتها للطعام كمواد حافظة.
ما أنواع مضادات الأكسدة الموجودة في الأغذية؟
يوجد تنوع هائل لمضادات الأكسدة في الطعام، ويمكن تصنيفها بحسب صفة انحلالها بالماء أو الدهون ضمن مجموعتين اثنتين هما مضادات الأكسدة التي تنحل بالشحوم ومضادات الأكسدة التي تنحل بالماء.
تمارس مضادات الأكسدة المنحلّة بالماء تأثيراتها الحيويّة في السوائل داخل وخارج الخلايا، بينما ينحصر معظم عمل مضادات الأكسدة المنحلّة بالشحوم على أغشية الخلايا.
فيما يلي لائحة بأهم أنواع مضادات الأكسدة الموجودة في الأغذية:
- فيتامين C: يعد فيتامين C واحداً من أهم مضادات الأكسدة المنحلّة بالماء ومن العناصر الغذائية الأساسيّة للجسم.
- فيتامين E: مضاد الأكسدة الأساسي الذي ينحل بالشحم ويلعب دوراً جوهريّاً في حماية أغشية الخلايا من الأذية التي قد تتعرض لها بفعل عمليّات الأكسدة.
- الفلافونيدات (Flavonoids): الفلافونيدات عبارة عن مجموعة واسعة (الفلافونول، والأنثوسيانيدينات، والپروانثوسيانيدينات، والفلافونات، والفلافونون، والفلافان 3-أولس) من مضادات الأكسدة الموجودة في الأغذية النباتيّة، ولها الكثير من الفوائد الصحيّة مثل: تقليل خطر الإصابة إلى حد كبير بالأمراض القلبية والوعائية.
- بعض المعادن: مثل السيلينيوم.
تملك الكثير من مضادات الأكسدة بالإضافة لوظائفها المذكورة سابقاً وظائف مهمّة وحيويّة أخرى، ومن الأمثلة على ذلك مادّة الكركومين (urcuminoidsC) الموجودة بالكركم.
ومادّة الأوليكانتال (leocanthalO) الموجودة بزيت الزيتون الأصلي الممتاز اللتان تعملان كمواد مضادة للأكسدة، لكنهما تملكان وظيفة مضادّة للالتهاب بنفس الوقت.
هل من الآمن تناول مضادات الأكسدة؟
حتى يتم إنجاز مزيد من الدراسات يُفضّل أن تتناول مضادات الأكسدة من الفاكهة والخضراوات الغنيّة بها بدلاً من المكمّلات الغذائية التي تباع في الصيدليّات.
فقد يكون أخذك لنوع واحد من مضادات الأكسدة وبكميّات كبيرة ذا تأثيرات سامّة، كما قد يؤدي لتحريض عمليّة الأكسدة بدلاً من منعها، حيث لا يوجد دليل على أنّ أخذ نوع واحد من مضادات الأكسدة مفيد في وقايتك من الأمراض.
لذلك عليك أن تتناول ما بين 7- 10 وجبات يوميّاً من الفواكه والخضار. وفي الحقيقة، تُظهر بعض الدراسات أن الجرعات العالية من مضادات الأكسدة قد تزيد من خطر الموت، لذلك عليك تجنّب الجرعات الكبيرة من مضادات الأكسدة.
لا تقوم مؤسّسة الدواء والغذاء الأمريكيّة (FDA) بتصنيف المكمّلات الغذائية بنفس الطريقة التي تتبعها في تصنيف الأدوية، فيمكن أن تباع المكمّلات الغذائية دون وجود أبحاث كافية أو حتى دون وجود دراسات على الإطلاق تشرح كيفيّة عملها.
تشاور دائماً مع طبيبك إذا كنت تستعمل المكمّلات الغذائيّة وكنت تفكّر بمشاركتها مع العلاجات الدوائيّة التقليديّة التي تأخذها، فقد لا يكون من الآمن أن تستغني عن أدويتك مقابل الاعتماد على المكمّلات الغذائيّة المضادة للأكسدة، وهذا الأمر مهم بشكل خاص بالنسبة للنساء الحوامل والمرضعات.
إذا كنت تستعمل المكمّلات الغذائية الحاوية على مضادات الأكسدة، ابقِ في ذهنك ما يلي:
1. كما هو الحال بالنسبة للأدوية التقليديّة قد تسبّب المكمّلات الغذائيّة أعراضاً جانبيّة، مثل التفاعلات التحسّسيّة (طفح جلدي، ضيق نفس)، وقد تتداخل مع الأدوية أو غيرها من المكمّلات الغذائية التي تأخذها، ما يسيء إلى صحتك.
2. لا يتم تصنيع جميع أنواع المكمّلات الغذائية بنفس الطريقة، لهذا تختلف جودتها كما تختلف الآثار الجانبيّة التي تسبّبها بشكل كبير باختلاف الشركات المصنّعة، وبالتباين أيضاً بين المكمّلات الغذائية التابعة لنفس العلامة التجاريّة.
لذلك يوجد اختلاف بين مضادات الأكسدة التي تحصل عليها من تناول الطعام الصحّي وبين تلك التي تأخذها من خلال شرائك إياها من الصيدليّة والتي تتم عليها الأبحاث والدراسات.
فعلى سبيل المثال تظهر دارسة أُجريت عام 2007م، أنّ كوباً من عصير البرتقال الطازج يحوي كميّة أكبر بكثير من مضادات الأكسدة مقارنة بكوب من الماء والسكر يحوي نفس الكميّة من فيتامين C.
بخلاف المعادن والفيتامينات لا يزال تأثير المكمّلات الغذائيّة على المدى الطويل غير معروف.
وفي النهاية.. نذكّر أن تناولك لوارد كافٍ من مضادات الأكسدة هو جزء أساسي من أي نظام غذائي صحّي.... لكن احذر تناول كميّاتٍ كبيرة من نوع واحد من مضادات الأكسدة (المكمّلات الغذائيّة) فقد تؤدّي لتأثير عكسي ومؤذي بالصحة.
ولا تنسَ أن الطريقة المثلى لتأخذ الكميّة المناسبة من مضادات الأكسدة تكون بتناول الطعام الصحّي المتمثّل بالإكثار من أنواع الخضراوات والفواكه الطازجة.