مرض الناعور أو الهيموفيليا Hemophilia

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الأربعاء، 17 أبريل 2024
مقالات ذات صلة
عرض فيلم Deep Horizon من تنظيم الجمعية اللبنانية للهيموفيليا
المرض
مرض الثعلب

إن لاحظت على طفلك تعرضه للنزف الشديد المستمر في حال إصابته بجرح بسيط، مع عدم تمكنك من وقف هذا النزيف بسهولة، من المرجح أن يكون طفلك مصاباً بمرض الناعور أو الهيموفيليا، ولكن ما هو مرض الناعور؟ في هذا المقال نتناول كل ما تودين معرفته عن مرض الناعور بالتفصيل.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

ما هو مرض الناعور

يعتبر الناعور (بالإنجليزية: Hemophilia) مرضاً وراثياً ينجم عن طفرات وراثية تطرأ على المورثات المسؤولة عن إنتاج بعض عوامل التخثر التي تتدخل في إيقاف النزف عند الإنسان. [1]  

وتجدر الإشارة إلى أن ثلث الحالات المصابة بالناعور لا تترافق مع تاريخ عائلي مزمن لدى أحد الأبوين، ويفسّر الأطباء ذلك على أن الطفرات الخاصة بالمورثات المسؤولة عن إنتاج عوامل التخثر (التجلط) قد طرأت أثناء تشكل الجنين داخل الرحم. [1]

أسباب مرض الناعور

تزداد حركة الأطفال ونشاطهم الحيوي خلال فترات نموهم بشكل مطرد، وتزداد همتهم لممارسة نشاطات وألعاب قد تحمل تداعيات مؤذية لجسدهم أحياناً، كالجروح والرضوض التالية للعب الكرة أو مسابقات الجري وغيرها. [2]  

يتسبب الجرح عادة بأذيات جلدية ووعائية، فينزف الطفل خلالها بشكل خفيف أو مكثف وفقاً لشدة الأذية الحاصلة، إلا أن جسم الإنسان مؤهل بشكل جيد، كي يتعامل مع حالات النزف الطارئة، عبر إطلاقه سلسلة من العمليات التي تهدف إلى إيقاف النزف والحماية من الآثار البالغة التي تنجم عن الخسارة الدموية الشديدة. [2]

تأتي في مقدمة هذه العمليات، عملية تجميع الصفيحات الدموية (بالإنجليزية: Platelets) والتصاقها ببعضها مُشكّلة خثرة تحاول سد البؤرة النزفية مبدئياً، ريثما تُفرَز منها مكونات خاصة تستدعي بها المزيد من الصفيحات الدموية إلى مكان الجرح. [2]

يلي المرحلة الأولى تفعيل مواد بروتينية جائلة في الدم، يُطلق عليها اسم عوامل التخثر (بالإنجليزية: Coagulation Factors) التي تشارك بشكل مُلفت في إيقاف نزف المريض. [2]

ويُضاف للخطوتين السابقتين تشكيل ألياف الفيبرين (بالإنجليزية: Fibrin) التي تجعل الخثرة السادة للبؤرة النزفية أقوى وأمتن مما كانت عليه في البداية، وبهذه الآلية، تنجح العضوية في تدبير حالة النزف التالية للحوادث والرضوض البسيطة. [2]

لماذا تفشل العضوية في إيقاف النزف بشكل فعّال لدى مريض الناعور

تحوي أجسامنا 13 عاملاً تخثرياً تساهم بشكل فعّال في إيقاف النزف عند حدوثه، إلا أن مريض الناعور يحمل على صبغية الجنسي X طفرة وراثية تحول دون الاصطناع الكافي لبعض هذه العوامل، مسببة فشلاً ملحوظاً في تشكيل الخثرات الدموية اللازمة لإيقاف النزيف. [2]

وتختلف أنماط الناعور تبعاً لنوع العامل المتأثر بالطفرة، لنجد الناعور نمط A (الأكثر شيوعاً)، الذي يتعلق بنقص مستويات العامل التخثري الثامن في دم الإنسان، والناعور نمط B، الذي يرتبط بانخفاض مستويات تصنيع العامل التخثري التاسع، والناعور نمط C، الذي يرتبط بنقص اصطناع العامل التخثري الحادي عشر. [2]

كيفية انتقال الطفرة الوراثية المسؤولة عن الناعور إلى الطفل

يحتوي الفرد الطبيعي منا على 46 صبغياً، 44 منها جسديات، واثنتان منها جنسيات، ويرث كل فرد نصف التعداد الإجمالي لصبغياته من الأب والنصف الآخر من الأم. [1]

يحمل الذكور صبغيين جنسيين هما: (x) و(y)، بينما تحمل الإناث صبغيين جنسيين متماثلين (xx)، وتلعب هذه الصبغيات الجنسية دوراً مهماً خلال الإلقاح في تحديد جنس المولود الجديد، فإذا تشكلت لدينا بويضة ملقحة من نطفة حاملة للصبغي الجنسي (x) مع بويضة ناضجة تحمل بشكل حتمي الصبغي (x)، ستلد الحامل مولوداً أنثى. [1]

وفي المقابل، إذا لقّحت نطفة حاملة للصبغي (y) بويضة ناضجة تحمل الصبغي (x)، سنحصل على بويضة ملقحة تتطور معطية جنيناً ذكراً. [1]

وبشكل تلقائي، نستطيع الاستنتاج أن الطفرة الوراثية المسؤولة عن ظهور الناعور ستُنقل حتماً عبر الصبغي الجنسي (x) المصاب، الذي يأتي من الأب المصاب بالناعور أو الأم الحاملة لصبغي جنسي طافر واحد. [1]

في حالات نادرة الحدوث، قد تولد بعض الإناث وهي تحمل صبغيي (x) طافرَين، أحدهما من الأم الحاملة والأخرى من الأب المصاب، وبشكل أكثر ندرة من سابقتها، قد ترث صبغياً طافراً من أحد الأبوين، بينما تتغيّر مورثات عوامل التخثر المحمولة على الصبغي (x) الآخر، تحت تأثير عوامل مختلفة خلال فترة الحمل. [1]

إذاً، نستطيع القول إن الذكور ستظهر عليهم الإصابة حتماً إذا ما ورّثوا الصبغي الجنسي الطافر، بينما يغلب على الإناث أن يحملن فقط صبغياً طافراً واحداً فقط قد يتسبب في أعراض خفيفة جداً لديهن تتعلق بالناعور، وفي حالات نادرة، قد يجتمع لديهن صبغيان طافران معاً مسببان أعراضاً شديدة. [1]

درجات مرض الناعور وفقاً لنسبة اصطناع عوامل التخثر

للناعور ثلاث درجات تختلف عن بعضها وفقاً لقدرة العضوية على اصطناع العامل التخثري اللازم لإيقاف النزف، وتتمثل هذه الدرجات فيما يأتي: [2]

  1. الناعور الخفيف (Mild Hemophilia): فيه تركّب العضوية بين 6-50% من عامل التخثر المستهدف.
  2. الناعور متوسط الشدة أو المعتدل (Moderate Hemophilia): تُركّب العضوية بين 2-5% من عامل التخثر المستهدف.
  3. الناعور الشديد (Severe Hemophilia): وفيه تتدنى مستويات اصطناع عامل التخثر المستهدف إلى أقل من 1%.

أعراض إصابة الطفل بالناعور

يلاحظ على الطفل المصاب بالناعور نزف شديد مستمر يصعب إيقافه بعد حدوث الجروح (نزوف خارجية)، وقد يشكو أيضاً من أعراض ملفتة أخرى ترتبط جميعها بصعوبة إيقاف النزف لديه، نستعرضها فيما يأتي: [3]  

  1. نزوف المفاصل، خاصة الكبيرة منها والمعرضة للرضوض، كالركبة والمرفق والكاحل، يرافقها تورم المفصل وإيلام شديد.
  2. نزوف تحت الجلد، تظهر على هيئة بقع غامقة تُسمى كدمات (بالإنجليزية: Bruises).
  3. النزف التالي لختان الأطفال الذكور.
  4. سهولة نزف اللثة بعد تفريش الأسنان، أو النزف المستمر لها بعد عملية سقوط الأسنان لدى الأطفال أو قلعها مثلاً. 
  5. نزوف غير اعتيادية تلاحظ في أماكن أخذ اللقاح عند الأطفال.
  6. صعوبة إيقاف الرعاف (النزف الأنفي).
  7. نزوف دماغية تلي الرضوض الرأسية عند الطفل.
  8. إطراح بول وبراز حاويين على الدم (يلاحظ ذلك بتحول لونهما إلى الغامق).
  9. القيء المحتوي على دم.
  10. نزوف عضلية، وخاصة العضلة الحرقفية القطنية (عضلة البسواس).

عوامل خطرة للناعور تستدعي نقل الطفل للمستشفى

لا تتردد أبداً في نقل طفلك إلى أقرب مركز صحي أو مشفى إذا ما ظهر عليه عرض واحد أو أكثر من الأعراض التي استعرضناها آنفاً، ولا تهمل ضرورة طلب المساعدة الإسعافية الفورية، إذا لاحظت على طفلك عرضاً أو أكثر من الأعراض الخاصة بالأذيات العصبية الدماغية التي تلي إصابة طفلك بالرضوض الرأسية، وتتمثل فيما يأتي: [3]

  • صداع شديد ومستمر.
  • قلة التركيز والرغبة الزائدة في النوم.
  • القيء المدمم.
  • صعوبة تحريك الرقبة وتيبسها.
  • تعب شديد.
  • تشوش الرؤية.

كيفية تشخيص مرض الناعور

نادراً ما نرى حالات يشخص فيها الناعور عند الأطفال تحت سن 6 أشهر، فأطفال هذه الفئة العمرية عموماً لا يؤدون أنشطة حركية مقلقة يمكن أن يليها مظاهر نزفية غير اعتيادية تستمر لفترات طويلة. [2]

ومع تقدم العمر واستمرار نمو الأطفال، تتطور طبيعة حركاتهم ويزداد معدل نشاطهم، لنشهد بعضاً من الأعراض النزفية لدى حاملي الطفرة الوراثية المسؤولة عن مرض الناعور، ويمكن تشخيص المرض وفقاً للآتي: [2]

  • التاريخ المرضي: يستفسر الأخصائي خلال معاينته للطفل عن الظروف والنشاطات التي سبقت حدوث النزف لدى الطفل، دون أن يهمل أهمية السؤال عن وجود تاريخ عائلي يتعلق بمرض الناعور أو مشاكل نزفية أخرى.
  • الفحوصات المخبرية: بعد الانتهاء من معرفة التاريخ المرضي التفصيلي، ينتقل الطبيب إلى مرحلة إجراء الفحوصات الدموية اللازمة لتشخيص المرض بشكل أكيد، وهي تعداد الدم الكامل (بالإنجليزية: Count Blood Count) الذي يكشف عن نسب العناصر الدموية الثلاث (الكريات البيضاء، الكريات الحمراء، الصفيحات الدموية)، مع مستوى خضاب الدم وحجم الكرية الدموية الوسطي وغيرها، إضافة إلى اختبارين مهمين يظهران طول الفترة الزمنية اللازمة لتشكل الخثرات الدموية التي تسد البؤر النزفية، هما: زمن البروثرومبين (بالإنجليزية: Prothrombin Time)، وزمن الثرومبوبلاستين الجزئي المفعّل (بالإنجليزية: Partial Thromboplastin Time Activated)، يضاف لهذين الفحصين الأخيرين قياس مستويات العامل التخثري الثامن والتاسع في الدم.

علاج مرض الناعور

لا يتوفر حتى الآن علاج نوعي وجذري حيال مرض الناعور، غير أن الأبحاث والدراسات لا تزال قائمة بغية تحقيق الشفاء التام للمرضى، ويُذكر أن النتائج التي توصلت إليها الدراسات المتتابعة حول إمكانية استخدام تقنية (Gene Therapy) لبعض حالات الناعور نمط B، قد أعطت أملاً كبيراً للأطباء والباحثين في إيجاد العلاج الفعال والمرجوّ بشدة من مرضى الناعور. [4]  

تعتمد الأساليب العلاجية الحالية على تدبير حالات النزف الإسعافي لمرضى الناعور، وذلك بتضميد الجروح المفتوحة النازفة مع نقل العامل التخثري الناقص (الثامن في الناعور A، والتاسع في الناعور B) عبر الوريد (بالإنجليزية: Intro venous). [4]

بينما يحتاج مرضى الدرجات الأشد إلى نقل متكرر للعامل التخثري الناقص، لوقايتهم من حدوث النزوف العفوية الشديدة أو التالية للجروح والرضوض، وتوصف كذلك المسكنات لتخفيف الآلام التي يشكو منها الأطفال، إذا بلغت النزوف كامل المسافة حول المفصل. [4]

لدى 20% من حالات الناعور نمط A و5% من حالات الناعور نمط B، يفسر الجهاز المناعي عامل التخثر الذي تم حقنه على أنه جسم غريب يستدعي معه انطلاق آليات الدفاع لمهاجمته، فيبدأ بإنتاج أضداد (بالإنجليزية: Antibodies) تجول في الدم، كي تقضي عليه، مما يدفع الأطباء إلى حقن كميات إضافية من العامل التخثري الناقص أو اتباع منهج علاجي مغاير. [4]

ويمكن استخدام هرمون ديزموبريسين (بالإنجليزية: Desmopressin) لدى مرضى الدرجات الخفيفة من الناعور نمط A، فهو قادر على إطلاق كميات من العامل الثامن المخزن في الخلايا الكبدية إلى المجرى الدموي، إضافة إلى زيادة نسبة عامل فون ويلبراند (بالإنجليزية: Von Willebrand Factor) الذي يساهم بشكل كبير في التصاق الصفيحات الضروري لحدوث التخثر وإيقاف النزف. [4]

طرق التكيف مع مرض الناعور

سبق وأشرنا إلى أن الناعور مرض وراثي ينتقل عبر الصبغي الجنسي X، ومع غياب العلاج الجذري التام له، لا بد من اتباع بعض الخطوات التي تقي أطفالنا من حدوث النزوف البالغة لديهم، نذكر منها ما يأتي: [4]

  • إرشاد الطفل إلى ممارسة الرياضات المريحة غير المصحوبة بمخاطر نزفية، كالمشي والسباحة.
  • ضرورة إلباس الطفل خوذة رأسية مع وضع وسائد صغيرة (بالإنجليزية: Pads) لحماية الركبتين والمرفقين قبل ركوبه الدراجات الهوائية.
  • إزالة مخاوف الأطفال وأوهامهم التالية لحدوث النزوف عبر توعيتهم وتعريفهم بحالة المرض لديهم، وتعليمهم ضرورة طلب المساعدة الفورية إذا ما تعرضوا لجروح مفاجئة.
  • إبعاد الأدوات الحادة والواخزة عن متناول الأطفال.
  • الالتزام بالمواعيد المحددة لأخذ اللقاحات، التي يفضل حقنها عادةً تحت الجلد كبديل عن الطريق العضلي.
  • الحفاظ على نظافة الأسنان وتفريشها بشكل جيّد.
  • الابتعاد التام عن إعطاء الآيبوبروفين (بالإنجليزية: Ibuprofen) أو الأسبرين (بالإنجليزية: Aspirin) للأطفال، خصوصاً أنهما يزيدان من حالة النزف لدى الطفل، ويفضل عادة استبدالهما بالباراسيتامول (بالإنجليزية: Paracetamol).
  • التأكد من ثبات حزام الأمان في السيارات حول الأطفال، لحمايتهم قدر الإمكان من الرضوض والأذيات التالية لحوادث السير المفاجئة.
  • تحفيز الأطفال على ممارسة النشاطات الرياضية الآمنة دون خوف أو قلق، لتنشيط دورتهم الدموية والحفاظ على لياقة بدنية مع وزن مثالي لحماية المفاصل.

في الختام، نود أن نحيطك علماً بأن مرض الناعور لا يشكل تهديداً حقيقياً على حياة الطفل، لا سيّما مع إسراعك في طلب المساعدة الطبية فور حدوث الأعراض النزفية لديه، مع الاتباع الدقيق لإرشادات الطبيب المختص وتوصياته بأخذ الجرعات الوقائية من العامل التخثري الناقص، إضافة إلى توعية الطفل بحالته، كي يدرك أهمية تجنب جميع الممارسات والنشاطات التي تحمل مخاطر حدوث النزف لديه.

  1. أ ب ت ث ج ح خ د "مقال ما هو مرض الناعور عند الأطفال" ، المنشور على موقع hopkinsmedicine.org
  2. أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر "مقال أعراض مرض الناعور عند الأطفال وأسبابه" ، المنشور على موقع kidshealth.org
  3. أ ب "مقال أسباب وعلاج مرض الناعور عند الأطفال" ، المنشور على موقع nationwidechildrens.org
  4. أ ب ت ث ج ح "مقال أعراض وأسباب مرض الناعور" ، المنشور على موقع mayoclinic.org