فيلم سائق التاكسي Taxi Driver : في كل شارع في كل مدينة، هناك شخص نكرة يحلم بأن يصبح شخص مهم
عساف الروسان - جخه موفي
ما هي أفضل طريقة لتأرخ فيها حياة مدينة بمرحلة ما؟ بالتأكيد ليس هناك أفضل من فيلم من إخراج مارتن سكورسيزي خاصة اذا كانت المدينة المقصودة هي مدينة نيويورك، ومع ذلك الفيلم ليس عن المدينة بل عن رجل في المدينة
الفيلم من أفضل الأفلام السبعينات إن لم يكن أفضلها على الأطلاق من ناحية تطوير وبناء الشخصية، فنرى بالفيلم نيويورك مدينة لا تنام وفي بداية الطريق نحو التنوع والانفتاح، ويرصد لنا الفيلم اجتماع التناقضات من خلال عيون سائق تاكسي وهذا بحد ذاته اختيار ذكي وعبقري لشخصية ترصد لنا الأحداث في هذه المدينة والقصة.
مع افتتاحية الفيلم نرى (ترافيس بيكل) يتقدم بطلب لوظيفة سائق تكسي وعندما يسأل عن سبب تقدمه لهذه الوظيفة وعن مؤهله العلمي ومن أين أتى؟ يجيب بأنه لا يستطيع النوم، وغير متعلم نسبياً وأتى من بلده نائية، أسئلة بسيطة وأجوبة أبسط تمهد لنا الطريق للتعرف على هذه الشخصية وأننا أمام فجوة ثقافية ومعضلات أخلاقية ستتجسد أمامنا من خلال شخصية (ترافيس بيكل)
الأداء الذي قدمه روبرت دي نيرو في تجسيد شخصية معقدة ومتناقضة جعل منه نجم، بل أنه المونولوج الذي أداه أمام المرآة “أنت تتكلم معي؟” أصبح أيقونة في عالم السينما لليوم وأحد أشهر المشاهد في فترة السبعينات، من الطريف أن شخصية ترافيس بيكل وصفت بدقة على بوستر الفيلم بالعبارة ” في كل شارع في كل مدينة، هناك شخص نكرة يحلم بأن يصبح شخص مهم”.
في هذا الفيلم الدرامي المثيرة للقلق والتوتر، يقدم لنا المخرج مارتن سكورسيزي نظرة على الشعور بالعزلة و الاغتراب في المجتمع المتمدن من خلال الجمع بين عناصر أفلام الرعب، وأفلام نوار –film Noir – ، وايضاً أفلام الغرب. قدم سكورسيزي تجربة بصرية وفكرية بطريقة الرواية والسرد، ذات نظرة مخيفة وسوداوية عن المدينة، مونولوج داخلي للشخصية، همسات الناس مع البخار المتصاعد من الشوارع في الليل، ضجيج حركة المرور المستمر، ودوي صفارات سيارات الشرطة. وهو ما سلط الضوء على مارتن سكورسيزي كأحد أهم صناع الأفلام في العالم.
يصور الفيلم لنا حالة المدن التي لا تنام من وجهة نظر ترافيس بيكل الذي قد تتعاطف معه في بداية الفيلم وتشفق عليه في وسط الطريق، فهو شخص يرغب أن يندمج مع المجتمع بعد عودته من الحرب في فيتنام، يحاول فيبحث عن الحب فيفشل فيقرر تدمير المجتمع من خلال محاولة اغتيال، يقرر الوقوف وإصلاح المجتمع بطريقته من خلال مهمة انتحارية لانقاذ طفلة من شبكة دعارة (الممثلة جودي فوستر في أول ظهور). ومع المفارقة في نهاية الفيلم يضعنا المخرج أمام أسئلة قد لا نستطيع الإجابة عنها لليوم كأسباب العنف أو ما الذي نريده أو ننتظره كمجتمع؟ وكم من السهل التلاعب ببوصلتنا الأخلاقية كمجتمع.
الفيلم طبعا ليس للصغار ويتضمن مشاهد عنف وعري.. ونصيحة مهمة وأخيرة لا تحاول أن تشاهد الفيلم اذا كنت في حالة اكتئاب.