ما هي البطالة وما هي آثارها الاجتماعية
تعد البطالة إحدى المشاكل الكبرى في المجتمعات المعاصرة، حيث تعد معدلات البطالة المرتفعة مؤشراً مهماً يدل غالباً على الركود وضعف النمو الاقتصادي.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ما هي البطالة
تعرف البطالة بأنها الحالة التي يوجد فيها العديدون من غير العاملين الراغبين بالحصول على عمل مأجور لكنهم لا يستطيعون ذلك، حيث أن الأطفال والعجزة والغير راغبين بالعمل لا يتم احتسابهم عند حساب نسب البطالة فهم يعدون خارج قوة العمل.
ترتفع نسب البطالة عادة في فترات الكساد الاقتصادي وفي حالات الحروب والكوارث الطبيعية كنتيجة مباشرة لتأزم الوضع الاقتصادي، ويعاني أكثر من 200 مليون إنسان (6% من القوة العاملة الكلية) اليوم من البطالة وفقاً لإحصائيات منظمة العمل الدولية.
بدأت البطالة بالتبلور كمفهوم واضح في الحقبة التالية للثورة الصناعية، فقد نقلت الثورة الصناعية البشر من الحالة حيث الأعمال الأساسية تتمثل بالزراعة والصيد مع عدد سكان قليل وموارد كبيرة متاحة للراغبين بممارسة العمل نحو حالة منظمة أكثر بوجود شركات ومصانع وانحسار ممارسة الأعمال التقليدية نظراً لعدم جدواها إنتاجياً مقابل الأسلوب الحديث.
هذا الانتقال تسبب بزيادة تخصص الأعمال بشكل كبير، وزيادة التشريعات والقيود المتعلقة بها؛ حيث أصبحت العديد من المهن تتطلب درجة علمية والأخرى تتطلب موارد لا تتوفر لدى معظم الأفراد. هذا بالإضافة للتطور الطبي والتقني الذي سمح بنمو سكاني متزايد فرض نمو اقتصادي يوازيه لاستيعاب المزيد والمزيد من البشر في سوق العمل الحديثة. [1]
أسباب البطالة
نظراً لتنوع أشكاله وعلاقتها بالحال الاقتصادية فللبطالة أسباب عديدة (تختلف هذه الأسباب جزئياً تبعاً للمدارس الاقتصادية المتعددة) وفيما يلي بعض من الأسباب المتفق عليها عموماً للبطالة:
- التطور التكنولوجي والميكنة: حيث أدى التطور التكنولوجي المتواصل إلى الاعتماد على الآلات بشكل كبير وبالتالي نقص الحاجة للعمالة البشرية، حيث اقتصر دور العنصر البشري على الإشراف وتوجيه عمل الآلات في الكثير من المجالات الصناعية.
- انتقال الصناعات: نتيجة الفارق الكبير في الأجور والتكاليف الصناعية، عمدت العديد من الشركات إلى نقل مصانعها نحو الدول النامية ذات أجور العاملين المنخفضة كالصين والهند مما ترك فراغاً كبيراً في سوق العمل للعديد من الدول.
- تقليل الإنفاق الحكومي: حيث دفع العجز في الموازنات العديد من الحكومات إلى تقليل إنفاقها وبالتالي الحد من المشاريع التي تنفذها مما أثر سلباً على فرص العمل المتاحة.
- العقوبات والخلافات السياسية: تؤثر العقوبات والخلافات السياسية على العلاقات التجارية بين البلدان مما يؤدي إلى تغير الطلب على البضائع وبالتالي خلق بطالة في مجالات معينة.
- معدلات النمو السكاني المرتفعة: فازدياد عدد السكان بشكل كبير بما لا يتناسب مع النمو الاقتصادي يؤدي إلى وجود فائض في القوة العمالة عن حاجة سوق العمل مما يرفع معدلات البطالة.
- مستوى التعليم وطبيعته: نظراً للتخصص الكبير في سوق العمل الحالي فالتعليم يلعب دوراً أساسياً في البطالة، حيث أن التركيز على تخصصات تعليمية لا تتناسب مع سوق العمل يسبب اختلالاً في ميزان العرض والطلب مما يؤدي إلى بطالة في بعض المجالات مقابل نقص كوادر في مجالات أخرى.
- التمييز الجنسي (القائم على أساس الجندر): حيث يؤثر التمييز وفقا للجنس الذي يمارس غالباً ضد الإناث على فرصهن في الحصول على العمل، بالإضافة لارتباط بعض الأعمال بجنس معين كربط التمريض بالإناث والهندسة الميكانيكية بالذكور مما يقلل فرص الممرضين الذكور والمهندسات الإناث في الحصول على فرص عمل، وهو يسبب تراجع معدلات مساهمة المرأة في سوق العمل. [1]
أنواع البطالة
البطالة التقليدية
تنتج عادة عن زيادة الأجور لمجال معين من الأعمال مما يؤدي إلى اتجاه العديدين نحوه مما يزيد العرض بالنسبة للطلب ويتسبب بفقدان العديدين للقدرة على إيجاد العمل. من الممكن أن ينتج هذا النوع من البطالة عن انخفاض الأجور بشكل كبير يجعل العديدين يتجهون للامتناع عن العمل والاعتماد على الدعم الاجتماعي الذي توفره العديد من البلدان للعاطلين عن العمل،
يرى العديد من الخبراء الاقتصاديين أن هذا النوع من البطالة يتناسب طرداً مع التشريعات والقيود الاقتصادية المفروضة وخصوصاً قوانين الحد الأدنى للأجور.
البطالة الدورية
وهي البطالة الناتجة عن انخفاض الطلب على نوع ما من البضائع أو الخدمات. انخفاض الطلب يؤدي إلى تحويل العديد من الشركات اهتمامها عن السلعة أو الخدمة وبالتالي يتقلص سوق العمل الخاص بهذه الفئة وتنخفض الحاجة للعاملين فيه مما يرفع من نسب البطالة بين المتخصصين بالمجال.
البطالة الهيكلية
تنشأ البطالة الهيكلية نتيجة عدم توافق متطلبات سوق العمل مع طبيعة القوة العاملة مما يتسبب بنقص اليد العاملة في مجالات معينة مقابل بطالة مرتفعة في مجالات أخرى. يكون هذا النوع من البطالة نتيجة مباشرة لسوء التخطيط للمؤسسات التعليمية بالإضافة لحالة البطالة الدورية وتزايد الاعتماد على الآلات في العديد من المجالات.
البطالة المؤقتة
وهي البطالة الناتجة عن الانتقال بين الأعمال لأفراد القوة العاملة حيث بمرور الزمن تكون نسبة ما من القوة العاملة في مرحلة انتقالية بين عملين مختلفين مما يتسبب بوجود حالة دائمة من البطالة بنسبة صغيرة تتبع لطبيعة سوق العمل ومدى متوسط الالتزام فيه (متوسط الالتزام هو متوسط المدة الزمنية التي يقضيها شخص عامل في عمل واحد).
البطالة الموسمية
هي البطالة الناتجة عن كون بعض الأعمال نشطة أكثر في فترات محددة من السنة كالزراعة والسياحة والبناء مما يتسبب بوجود العديد من العمالة العاطلة عن العمل في مواسم انخفاض وتيرة العمل في هذه المجالات.
البطالة طويلة المدى
وهي حالة البطالة التي تمتد لفترة طويلة من الزمن (أكثر من سنة في الاتحاد الأوروبي، وأكثر من 27 أسبوعاً في الولايات المتحدة)
آثار البطالة
الأثر الأمني للبطالة
تؤدي البطالة إلى فقدان العديدين لمورد معيشتهم الأساسي مما يدفعهم للبحث عن وسائل بديلة لتأمين الاحتياجات كالجريمة وخصوصاً المنظمة منها، فنسب البطالة المرتفعة تسبب عادة نمواً في عالم الجريمة وبالأخص التهريب والتزوير والإتجار بالمخدرات مما يؤثر على استقرار المجتمع ووضعه الأمني بشكل كبير.
الأثر الاجتماعي
تتسبب البطالة في فقدان العديد من العائلات لمعيليها مما يتسبب بارتفاع معدل الخلافات العائلية وحالات الطلاق (وفقاً لدراسة إحصائية في الولايات المتحدة تناولت معدلات الطلاق والبطالة بين عامي 1960 و 2005) والتفكك العائلي والمجتمعي بشكل عام. هذا التفكك الاجتماعي بدوره يتسبب بالمزيد من الاتجاه نحو عالم الجريمة ويزيد من خطورة الأثر الأمني للبطالة. وبالإضافة لذلك فمن المعروف كون البطالة سبباً هاماً للهجرة الخارجية وخاصة هجرة الكفاءات العلمية والفنية.
الأثر الاقتصادي
كون الاقتصادات بشكل عام تعتمد على النتاج الكلي للأفراد، فالبطالة تؤثر سلباً على النمو الاقتصادي وعلى الناتج المحلي الإجمالي للبلد، عدا عن أنها تؤدي إلى خفض الأجور كون العرض أكبر بكثير من الطلب مما يجعل العاملين مرغمين على القبول بأجور أدنى مخافة عدم العثور على عمل أفضل.
الأثر السياسي
نظراً لأثر البطالة على المجتمع والاقتصاد فهي تؤثر بالضرورة على السياسة بحيث تضعف موقف الأحزاب الحاكمة مقابل غيرها كما يمكن أن تغذي البطالة أعمال الشغب ومحاولات الانقلاب على الحكومات في بعض الحالات.
حلول البطالة
تأتي حلول البطالة عادة من معالجة أسبابها، وتقسم هذه الحلول إلى حلول خاصة بالعرض وأخرى بالطلب. تتضمن هذه الحلول:
- تشجيع الاستثمار وتخفيف التشريعات أو تنظيمها بشكل ملائم أكثر.
- بالإضافة لتحسين النظام التعليمي وجعله متناسباً أكثر مع الوضع الاقتصادي للبلاد.
- من المهم بالإضافة لذلك نشر التوعية الوظيفية والدورات التعليمية التي تساعد القوة العاملة على الانتقال باتجاه مجالات العمل المتوافرة.
- التركيز على تنمية المهارات المطلوبة في العمل.
- والتوعية بتنظيم الأسرة للحد من النمو السكاني الكبير مع التركيز على المساواة بين الجنسين في العمل.
- صوغ التشريعات الضرورية لإلزام أصحاب العمل على التعامل مع العاملين من الجنسين بشكل متساوٍ دون تمييز.
البطالة في العالم العربي
تقدر نسبة البطالة في الدول العربية حوالي 7.5 % عام 2018، في حين أن هناك حوالي 4 ملايين شخص يبحثون عن عمل، وترتفع هذه النسبة لدى الشباب دون عمر 30 سنة مما يشكل مشكلة كبيرة للمنطقة العربية. [2]
وبينما أثر الربيع العربي وانخفاض أسعار النفط العالمية بشكل كبير على معدلات البطالة -رافعاً إياها-، فمشكلة البطالة في العالم العربي أقدم من ذلك وتنبع بشكل أساسي من السياسات الاقتصادية الغير مناسبة ومعدلات النمو السكاني المرتفعة للغاية.
تحتاج المنطقة العربية إلى تغييرات هامة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي للتعامل الفعال مع أزمة البطالة الموجودة بشدة واستغلال الفرص المتاحة للنمو الاقتصادي والوصول إلى مصاف الدول المتقدمة.