ما هو الزواج الغير متكافئ؟
لا يريد أي منا الدخول في علاقة زوجية غير متكافئة الطرفين؛ فهذا يعني وجود فوارق أخرى بين الشريكين إلى جانب الفوارق الشخصية والأذواق، مما يجعل الحياة الزوجية أكثر صعوبة. فبدلاً من أن يكون بيتك ملجأ لك وعائلتك حضن ترمي فيه همومك؛ يصبح نصفك الآخر جزءاً من المشكلة وليس الحل، وإذا لم تتوافر طريقة حضارية ونية سليمة بين الطرفين للحوار بهدف إيجاد الحلول لبناء عش الزوجية، تبدأ (نغمة الانفصال) بالطرق على باب عقلك وقلبك؛ لترتاح تاركاً وراءك تجربة سيئة تتمنى لو لم تخضها أبداً.
فبناء منزل العائلة يحتاج إلى أساس قوي ومتين عماده الحب والتفاهم والعمل بانسجام تام، فهو صنيعة شريكين في القرار والعمل ورؤية مستقبل واحد يجمعهما في نفس الصورة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
اعرف الزواج .. لتعلم متى يكون غير متكافئا
الزواج (عقد القران) هو الغطاء القانوني الذي يصبغه القانون على العلاقة بين الطرفين (بين الذكر والأنثى)، كما تعترف به جميع السلطات حول العالم، وهو عبارة عن مجموعة من الالتزامات المتبادلة والحقوق والواجبات، لكن مع ذلك لا يمكن اعتباره ورقة أو عقد قانوني يوقعه الطرفان الراغبان بالزواج بل هو عرف اجتماعي وثقافي وأهم من ذلك كله اعتراف علني بالحب المتبادل بينهما، حيث قررا تبادل العهود بالالتزام والإخلاص والمحبة.
فأي سبب مانع أو يخل في الشروط السابقة أو يجعل تحقيق الزواج كما عرفناه سابقاً أمراً صعباً؛ يعني أن هذا القران غير متكافئ ولا يساوي بين الطرفين.
القران غير متكافئ سواء قبل الزواج أو بعد الارتباط وبدء الحياة الزوجية معاً
الشراكة في الزواج تعني ارتباط الأفراد المتزوجين في علاقة تعاونية لغرض يسعون لتحقيقه، فهؤلاء الأفراد المنتسبين إلى هذه العلاقة التعاونية معاً؛ يشجع بعضهما بعضاً، كما يشاركان على قدم المساواة في اتخاذ القرارات، المالية، وتربية الأطفال ضمن الأسرة، كذلك يربطهما التفاهم الجسدي والعاطفي معاً. فكيف يكون الزواج غير متكافئ؟
زواج غير متساو مسبقاً
نقصد بكلمة (مسبقاً) أي أن الطرفين المقبلين على الزواج مدركين للاختلاف بينهما؛ الذي قد يشكل عائقاً بقبول أوليائهم أو ذويهم بالقران، ومن هذه الأنواع:
- الشريكان من خلفيات دينية مختلفة.
- وجود فوارق اجتماعية وطبقية بين الطرفين.
- فارق السن أو حد البلوغ.
- الحواجز العلمية والثقافية.
زواج غير متساو لاحقاً
وهي الاختلافات التي لا يدركها الأشخاص أو يتعرفوا عليها إلا بعد الزواج، فتأتي هذه الفوارق مع مرور الأيام وتعرّف كل منهما على الآخر بصورة أقرب، إذ غالباً ما تكون هذه المشاكل حول العادات والواجبات والحقوق بين الطرفين، كأن :
- يرمي الزوج جميع أعمال المنزل وتربية الأطفال على عاتق زوجته متوقعاً أن هذه مهامها كأنثى، إذ تمنعه بعض القيم والتقاليد من مد يد العون؛ في هذه الأمور التي من شأنها أن تتعب المرأة مع الوقت نفسياً وجسدياً، حتى تشعر بأنها الطرف المظلوم والضعيف في العلاقة.
- يؤدي غياب العمل بروح الفريق أو عدم الاشتراك بالواجبات؛ إلى بناء حواجز بين الطرفين يصعب مع الوقت هدمها، بالتالي تصبح سداً منيعاً بين القلبين، فيصبح تبادل الحب والود شبه مستحيل.
- غياب التقدير وكلمة شكراً من قاموس أحد الزوجين؛ يُشعر الشريك الآخر بأن حقه مهضوم.
- يأتي الزواج المعاصر بصورة غير متكافئة وغير عادلة، كذلك غير سعيدة بالنسبة لزوجات اليوم؛ ومثقلة بالأعمال المنزلية ورعاية الأطفال إلى جانب عمل المرأة خارج المنزل، بينما يتمتع معظم الأزواج "بأوقات الفراغ"، وزوجاتهم يكدحن في الخارج والداخل.
الكفاءة كشرط للزواج
نوع آخر من الزواج غير المتكافئ هو الارتباط بين أهل المدن والريف بما يحمله هذا القران من اختلاف في العادات والتقاليد ومستوى المعيشة؛ حيث تظهر دراسة صينية نشرت عام 2015م أنه منذ ستينات القرن الماضي شهدت الصين ارتفاع في نسبة التزاوج بين أهل المدن والقرى بتشجيع من المؤسسات المعنية بالأسرة لتحقيق التكامل الاجتماعي بين طبقات المجتمع الصيني؛ إلا أن الدراسة التي أجرتها جامعة (Inner Mongolia) الصينية بالتعاون مع جامعة (Roehampton) البريطانية، تظهر أن هذا النوع من الزيجات سبب مزيداً من حالات الطلاق ناتجة عن ارتفاع الصراع بين الطرفين وأسباب الخلاف مما أدى لمزيد من مظاهر الانقسام في الصين.
لذلك نجد معظم التشريعات والأديان السماوية تشترط الكفاءة بين الطرفين المقبلين على الزواج لتحقيق الشروط المثلى للقران التي من شأنها أن تكون الأساس القوي لزواج سعيد وناجح، كما تدفع بذلك خطر أبغض الحلال (الطلاق)، فمثلاً لدى بعض الطوائف المسيحية يوجد ما يعرف (باتفاق ما قبل الزواج) حيث يوقع الشريكان عليه طوعياً، إذ يقبل الزوجان بتقاسم ثرواتهم فيما بينهما في حال تم فسخ عقد القران غير المستحب في الديانة المسيحية أيضاً.
فاتفاق ما قبل الزواج يعني اطلاع كِلا الشريكان على الأوراق المالية وممتلكات الآخر، كما يتطلب هذا الاتفاق مناقشة كل هذه التفاصيل ومكاشفة بعضهما بكل الأمور، فتكون موافقتهما على الزواج على بينة وصدق التعامل والنية؛ مما ييسر نجاح شراكتهما كما يبعد عنهما شبح الانفصال.
أما في التشريعات الإسلامية فيقول الفقهاء باشتراط الكفاءة لعقد الزواج؛ أي مبدأ المساواة الاجتماعية في الدين والمال والطبقة، ففي قانون الأحوال الشخصية في دول الخليج، الذي يستند إلى الشريعة الإسلامية؛ "يشترط في لزوم الزواج أن يكون الرجل كفئاً للمرأة وقت العقد"، والعبرة في الكفاءة هنا بالصلاح في الدين، إضافة إلى تناسب السن بين الزوجين وهو حق للمرأة وحدها، أما قانون الأحوال الشخصية في سوريا فينص على أن "يُشترط في لزوم الزواج أن يكون كل منهما كفئاً للآخر أو يحق لكل منهما طلب الفسخ، والكفاءة هنا تعني " الصلاح في الدين وعرف البلد غير المخالف للشرع"، وإذا رآى القاضي أن الزوجين غير متناسبين من ناحية السن فله ألا يؤذن به.
وأخيراً نص قرار مجلس حقوق الإنسان على أن الحب هو حق من حقوق الإنسان، وإن من حق البالغين عقد زواج بالتراضي حسب المعايير الدولية لحقوق الإنسان، حيث تنص (المادة 16) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
" أن الرجال والنساء في سن الرشد لهم الحق في الزواج وتأسيس أسرة، فيحق لهم المساواة في الحقوق لدى التزاوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين".
الشراكة الحقيقية في الزواج تؤدي إلى السعادة
الأزواج الذين يقفون كشركاء على قدم المساواة يخوضون تجربة الارتباط كفرحة كبرى، فعند تحقق المساواة في الزواج يشعر الطرفان بالرضا عن أنفسهم وعن بعضهم البعض، كون الزواج أكبر التجارب العاطفية والحميمة التي سيخوضونها، حيث يميل المتزوجين الذين يتمتعون بشراكة متساوية للحصول على مزيد من الاستقرار في زواجهما.
ويؤكد براد وي��كسون (Brad Wilcox) مدير المشروع الوطني للزواج في جامعة فيرجينيا الأمريكية في مقاله المنشور على الموقع الالكتروني لمجلة (The Atlantic) أنه وتبعاً لمسح أجراه المشروع خلال عامي (2010 - 2011) لقياس رضا الأشخاص عن زواجهم وجد : " أن الشريكين الذين يتقاسمون عدد ساعات العمل المأجور وغير المأجور بالتساوي فيما بينهم يملكون حياة زوجية سعيدة وعادلة للطرفين حسب تعبيرهم، حيث صرحوا عندما طلبنا منهم وصف علاقتهم بالقول : أنها علاقة عادلة فهم متساوية في الحقوق والواجبات" .
ويرى بعض الباحثين أنه لتحقيق زواج ناجح وسعيد يجب أن يكون طرفي الزواج متكافئين في النواحي التالية:
- الحب: هو الفيصل لنجاح الأسرة وقيام علاقة زوجية سعيدة، حيث يقول الدكتور محمود علام، أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، "إن الحب يحتل موقعا كأحد أهم أسس نجاح العلاقة الزوجية".
- التكافؤ الاجتماعي: يشير بعض الباحثين إلى حتمية وجود تكافؤ بين الطرفين من حيث المستوى التعليمي والاقتصادي والاجتماعي، فقد حثّ الإسلام على ضرورة أن تعيش الفتاة، بعد زواجها، في نفس المستوى الذي كانت تعيشه في بيت والدها، ومن الأهمية أيضًا وجود تكافؤ ديني؛ باعتبار الدين أهم أسس السعادة الزوجية.
- التكافؤ النفسي والعقلي: هو أمر لا يمكن التحقق منه إلا مع المعاشرة، ومن هنا تأتي أهمية فترة الخطوبة بين المقبلين على الزواج، فهي من العادات المهمة التي أغفلتها مجتمعاتنا العربية مؤخراً، حيث تكمن أهميتها في أنه حال اكتشاف عدم تكافؤ الطرفين أثناء الخطبة فلابد من فسخها؛ تجنباً لمشكلات قد تحدث بعد الزواج.
يختلف الجميع في كون التكافؤ بين طرفي العلاقة شرط أم أمر مستحب، إلا أن ما يتفق عليه معظم الناس أن ما بني على الحب والتفاهم قادر على التغلب على الفوارق الاقتصادية والاجتماعية، فعندما يتعانق القلبين ويصبح للشريكين عقلية موحدة من أهدافها بناء أسرة محبة؛ لا يمكن لأي شيء آخر الوقوف عائقاً أمامهما، وإن كانت معظم القوانين والتشريعات السماوية تطالب بوجود الحد الأدنى من التوافق والمساواة بهدف إنشاء مجتمع صحي وفعال.