ما هو الذكاء العاطفي؟
هل سمعتي سيدتي يوماً عن شخص متفوق دراسياً شديد الذكاء وكان يحصل دائماً على المراتب الأولى في مدرسته وعلى درجات كاملة في امتحاناته، ثم لم يحقق هذا الشخص أي نجاح في الحياة العملية مستقبلاً، وفي المقابل شخص آخر ربما كان عادياً أو غير مميز في مدرسته وأصبح بعد خروجه إلى سوق العمل من أنجح رجال الأعمال وأحد مالكي الشركات الناجحة، هل يبدو هذا السيناريو مألوفاً لك ومكرراً ؟ نعم إنها الحياة الطبيعية، وهكذا تسير معظم الأمور، فلا قانون يحكمها ولا نستطيع التنبؤ بها. فرغم الأهمية النسبية للذكاء الدراسي والشهادات المدرسية إلا أنهما ليسا الأهم حالياً، فقد أثبتت الدراسات أن الذكاء العاطفي هو الأهم، حيث يعرف الذكاء العاطفي بقدرة الإنسان على معرفة مشاعره، ومشاعر الآخرين والقدرة على الموازنة بينهما والتحكم في الانفعالات واستخدام العواطف بذكاء.
الإنسان بطبعه مخلوق اجتماعي عاطفي، حيث وفيما يخص قرارتنا الشخصية وحياتنا اليومية يبدو أن القلب يتفوق دائماً على العقل، لكن بعض الناس لا يعرف في حياته غير حالتين عاطفيتين أو ربما ثلاثة على الأكثر، فهو إما سعيد أو حزين أو غاضب أو ربما في حالة وسطى لا يستطيع تحديدها تماماً ، لكن المشاعر لا تتوقف على السعادة والحزن والغضب، ولكن هناك مئات المشاعر التي قد تعتري الإنسان من بينها على سبيل المثال وليس الحصر الحب، الكره، الرضا ، الأمل، الإحباط ، القناعة ، السكينة، الدهشة ، السرور، الحقد، الاستمتاع، القلق، الخوف، الإعجاب ، الفخر، .... وغيرها الكثير الكثير.
ويبدو أن المشاعر الإنسانية قد شغلت بال المفكرين والفلاسفة منذ القدم، حيث تحدث أرسطو عن هذا الأمر منذ زمن بعيد، ولم يعتبر أرسطو آنذاك أن العواطف والانفعالات هي المشكلة، ولكن المشكلة تكمن في كيفية استخدام هذه العواطف، فبحسب رأي أرسطو أن الشعور أياً كان ليس هو مشكلة بحد ذاته، ولكن المشكلة هي متى قد تعتري الإنسان هذه المشاعر، ولمن يوجه مشاعره، وبأي طريقة قد يعبر عنها، والأهم من ذلك لماذا قد يشعر شخص ما بشعور معين، حيث يقول أرسطو: "أن يغضب أي إنسان فهذا أمر سهل ... لكن أن تغضب من الشخص المناسب وفـي الوقت المناسب وللهدف المناسب وبالأسلوب المناسب فليس هـذا بالأمر السهل"، أي ان أرسطو قد تحدث عن الذكاء العاطفي رغم عدم استخدامه لهذا المصطلح الحديث نسبياً والذي ظهر لأول مرة في ثمانينيات القرن الماضي، حيث بدأ الباحثون والعلماء النفسيون بدراسة الانفعالات والمشاعر المختلفة بإسلوب منظم وبطابع أكاديمي.
يرتبط مفهوم الذكاء العاطفي أولاً بالقدرة على معرفة شعورنا الشخصي، نعم عزيزتي قد تتفاجئين من هذا الأمر لكن قد يخطئ الكثير من الناس في تعريف مشاعره الحقيقية، فنفس الحالة قد يعبر عنها شخص ما بأنها ملل، وشخص آخر بأنها إحباط ، وآخر بأنها سكينة وفرصة لمراجعة النفس، وربما قد يعرفها آخر بأنها حزن. لذلك من المهم جداً معرفة حقيقة مشاعرنا، فالمعرفة هي أول خطوات الوعي وأول مراحل العلاج، وهي من أفضل نقاط القوة عند الإنسان، لأنها ستحدد العلاج المناسب لاحقاً.
ويرتبط الذكاء العاطفي ثانياً بالقدرة على قراءة وفهم مشاعر الآخرين من خلال قراءة لغة جسدهم وتعبيرات وجوههم، والقدرة على التعاطف معهم وفهم ردات الفعل المختلفة وحسن التعامل معها، مما يؤدي إلى تكوين شبكة علاقات طيبة وصداقات مختلفة. فبعض الأشخاص لديه هذه القدرة السحرية على الإحساس بما قد يشعر به الناس، وهذا يمكنه من معرفة خطواته القادمة وكيف سيتصرف في مختلف المواقف، وهذا ما يدعى أحياناً بالذكاء الاجتماعي. ولنعرف أبعاد هذا الجانب تخيلي معي سيدتي على سبيل المثال أستاذاً جامعياً يلقي محاضرة أمام مجموعة من الطلاب، وبدأ طلابه يشعرون بالملل في منتصف المحاضرة ، فإذا كان هذا الأستاذ من الذكاء العاطفي والاجتماعي بمكان فإنه يستطيع بكل سهولة تغيير مسار المحاضرة بإلقاء نكتة من وحي محاضرته مثلاً أو بإعطاء طلابه مسألة يتفكرون بها لتنشيطهم ، وإلا فإن أغلب طلابه سيبدؤون بالنوم على مقاعدهم، وستصبح صفة الملل صفة ملازمة لمحاضرات هذا الأستاذ ، وقد يتوقف الكثير من الطلاب عن حضور صفه.
كما يرتبط الذكاء العاطفي اتباطاً وثيقاً بالقدرة على التحكم بمشاعرنا وبالتالي ردات أفعالنا، ولا تستطيعين سيدتي تخيل مدى أهمية هذا الأمر في حياتنا اليومية بشكل عام، ولتصور خطورة هذا الأمر لنتخيل معاً المشهد التالي: حادث بسيط بين سيارتين على الطريق ، السيناريو الأول هو أن ينزل مالكا السيارة من سيارتيهما في أقصى حالات الغضب والانفعال، ويبدأ كل منهما في تبادل التهم وإلقاء المسؤولية على الشخص الآخر، وقد يتطور الأمر إلى كيل الشتائم واستخدام الأيدي، فينتهي حادث بسيط بشخصين في المستشفى أو السجن بسبب المشاجرة والتجريح. أما السيناريو الثاني فهو أن ينزل هذان الشخصان من سيارتيهما، فيكتشفان أن الأضرار المادية بسيطة، وأن كل منهما لحسن الحظ لم يصب بأذى، فيبدأن بتبادل الأحاديث بانتظار حضور الشرطة لتسجيل محضر بالحادث ، ويكتشفان أن كليهما يعملان في نفس المجال وربما يكون أحدهما في حاجة ماسة لخبرة الآخر في مجال عمله ، فينتهي الحادث بعلاقة عمل جديدة أو صفقة تجارية رابحة.
ويرتبط مفهوم الذكاء العاطفي أيضاً بالقدرة على تحويل المشاعر السلبية إلى إيجابية، والقدرة على تجاوز الأزمات وحسن التعامل مع المشاكل، وهي قدرة رائعة ومفيدة جداً في حياتنا العصرية المتسارعة المليئة بالضغوط النفسية، حيث تؤدي المشاعر السلبية والضغوطات إلى الكثير من الأمراض العصرية كمرض السكر وارتفاع ضغط الدم، بالإضافة إلى بعض الأمراض النفسية كالإكتئاب والقلق المزمن ومشاكل النوم، كما تؤدي إلى الكثير من المشاكل الاجتماعية كالإدمان والطلاق والكثير من حالات العنف.
إن التعبير عن العواطف والمشاعر المحتدمة بذكاء يؤدي إلى تفجير طاقات كامنة في قلب الإنسان، فبدلاً من تفريغ المشاعر في الغضب ممن حولاً وتكسير الأشياء والأضرار بصحتنا وصحة أحبائنا، لما لا يكون ذلك عن طريق الانشغال في عمل ما، كلوحة فنية على سبيل المثال أو بعض الأعمال اليدوية والهوايات المختلفة، أو عن طريق ممارسة الرياضة المفضلة، فالرياضة مفيدة على المستوى النفسي والجسدي، فتستطيعين سيدتي ممارسة الرقص والركض والتمارين الهوائية وغيرها، كما تعتبر تمارين التنفس من أقوى التطبيقات العملية للتحكم في الحالات الإنفعالية والتخلص من المشاعر السلبية، والوصول إلى حالة من السكينة والهدوء تمكننا من التفكير بروية.
كما نرى فإن لتوظيف الذكاء العاطفي أهمية كبيرة في حياتنا الشخصية والعملية. لذلك علينا تنمية مهاراتنا العاطفية، لتحقيق النجاح على كافة الأصعدة، وللوصول إلى صحة أمثل بالإضافة إلى الحصول على علاقات شخصية وعملية ممتازة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.