لعب الأطفال بين المتعة والتعلم
اللعب هو الوسيلة الغريزية التي يختزل فيها الطفل كل من المتعة وفضول المعرفة؛ عن طرق التجريب والاختبار والمحاولة أو التقليد والغضب، وحتى ممارسة الأدوار الاجتماعية المختلفة وما إلى ذلك من وسائل وتقنيات التعلُّم، فاللعب هو أكثر من مجرد وسيلة للتسلية أو مضيعة الوقت، ولا نبالغ إذا قلنا إنه من الممكن صياغة أساليب تربوية وتعليمية تعتمد في أساسها على ألعاب الأطفال ونختصر من خلالها الكثير من الوقت والجهد أثناء عملية تنشئتهم، وتعتبر هذه الأساليب بمثابة نهج رديف لوسائل وتقنيات التعليم والتربية المتبعة وداعم رئيسي لضمان نجاحها وإيصال رسالتها.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
فوائد اللعب عند الأطفال
لتقنية اللعب كوسيلة تساهم في نمو الطفل فوائد عديدة قد يصعب حصرها، وهذه الفوائد متوزعة على مختلف مراحل الطفولة، فمنذ أن تبدأ بمداعبة طفلك وهو رضيع يبدأ هو الآخر بالنهل من فوائد هذه المداعبة التي تشعره بحبك وتقبلك له وما لهذا من أهمية على نموه النفسي والاجتماعي.
وهكذا حتى يكبر ويستكشف محيطه ثم يكبر ويخرج ليلعب مع أصدقائه ويكوّن العلاقات ثم يدخل المدرسة...إلخ، فلا تقتصر أهمية اللعب على جانب واحد من شخصية طفلك، وإنما تتعدد فوائده لتشمل الجانب النفسي والاجتماعي والجسدي والعقلي كما يأتي: [1]
فوائد اللعب الجسدية للأطفال
- يتعرف الطفل على حدود إمكاناته وقدراته الجسدية ويحاول تطويرها؛ (فيتعرف مثلاً على الأماكن التي يستطيع الوصول إليها بما يتناسب مع حجمه، وبالتالي يستعيض عن ما تعجز عنه قدراته ببعض الأدوات كي يصل لما يريد).
- يمارس الطفل أثناء لعبه الكثير من الحركات الرياضية، التي تدعم نموه البدني السليم (كلعبة كرة القدم أو الجري).
- يحقق اللعب فوائد للبنية العضلية؛ بسبب النشاط والحركة الدائمة.
- الحركة أثناء ممارسة الألعاب المختلفة تجدد الدورة الدموية، وبالتالي تفتح النشاط الذهني (فالعقل السليم بالجسم السليم).
الفوائد الاجتماعية لألعاب الأطفال
- يتعرف الطفل عن طريق اللعب على حقوقه وواجباته الاجتماعية، كما يتعلم كيفية تكوين العلاقات والحفاظ عليها أثناء اللعب مع الأصدقاء. (فبعض الألعاب كلعبة الغميضة المعروفة تحتاج لمجموعة ولا يستطيع القيام بها وحده، وبالتالي يحتاج لتكوين علاقات مع أصدقاء يلعب معهم، فيشعر بأنه ينتمي إليهم وله حقوق وعليه واجبات نحوهم).
- يساعده اللعب على إدراك ذاته الاجتماعية وتميزها عن ذوات الآخرين، فيتعرف مثلاً على نفسه وأنه من عائلة معينة تميزه عن عائلات الآخرين وله منزل وهناك أشياء تعتبر ملكيته الخاصة، بحيث يعرف أن ما ينطبق عليه ينطبق أيضاً على الآخرين فكل واحد من أصدقائه له عائلته ومنزله وأشياؤه الخاصة.
- يتعرف على الأدوار الاجتماعية من خلال تقليدها وتجريبها واختبارها، فيعرف أن هناك والدين وأبناء كما يوجد معلمون وتلاميذ…إلخ، وكل واحد من هؤلاء له دوره ووظيفته الخاصة في الحياة المتوقع منه تأديتها والتي تميزه عن أدوار الآخرين.
- يتعلم معنى أن يكون عضواً في جماعة كما يتعرف على أهمية التعاون والمشاركة وعقد الاتفاقيات، مرحلة الطفولة المبكرة قبل (6 سنوات) تتميز بالأنانية وتمركز التفكير حول الذات، ولكن مع تقدم الطفل بالسن وظهور حاجته لأن يكون منتمياً لجماعة يعيش ويلعب ويمارس حياته معها ومن خلالها؛ يصبح مضطراً لتقديم بعض التنازلات وبالتالي تعلم الحقوق والواجبات وأهمية أن يكون متعاوناً ومحباً للآخرين.
- يتعلم الأطفال دورهم الجنسي عن طريق اللعب عندما يلاحظون أن هناك ألعاباً للفتيات وأخرى للأولاد. (فيلاحظ الطفل أن الذكور يفضلون الألعاب التي تعتمد على القوة والنشاط الجسدي أو ألعاب القتال والمطاردة وركوب الدراجات، بينما تفضل الإناث اللعب مع الدمى وخاصة تلك التي تمثل الفتيات ذات الملابس بالألوان الزاهية أو سماع قصص وحكايات الأميرات التي تروي مغامرة معينة…إلخ).
فوائد اللعب لنمو الطفل عقلياً ونفسياً
- يتعلم الطفل في ألعابه الطرق الأفضل للتفكير وحل المشكلات، فالأطفال كثيراً ما يواجهون العقبات أثناء ألعابهم ويجدون أنفسهم مضطرين للتفكير في حلول تمكنهم من تجاوز هذه العقبات؛ ( كحال الأصدقاء التي تمزقت كرتهم أثناء اللعب بها، فنجدهم يأتون بكومة من الأوراق ويقومون بتجميعها على شكل كرة كي يلعبوا بها).
- الطفل الذي ينشأ مع ألعاب والديه يكبر ويشعر بأن محبتهم تحيط به؛ حيث ينعكس ذلك على نظرته للمحيط وتفكيره العاطفي وتقبله للآخرين ولنفسه، (فالأطفال الذين تمتعوا بالإشباع العاطفي يكبرون مع شخصية تتميز بالتوازن النفسي وحب الآخرين).
- اللعب مع الأقران يعتبر وسيلة ممتازة لتفريغ المشاعر والطاقات السلبية لدى الأطفال كالغضب والعدوان والتوتر أو الانفعال وحتى الطاقات الزائدة؛ ( فعندما يقضي الطفل مثلاً وقت استراحته وهو يلعب كرة القدم مع أصدقائه، يعود للمنزل تاركاً وراءه شحنات التوتر التي عادة ما تؤدي لشجاره مع إخوته أو عصيان أوامر والديه).
- تعلم مهارات التواصل واللغة، فيقلد طفلك مثلاً طريقتك في الكلام، وبالتالي يتعلم من خلال هذا استخدام الضمائر والجمل بمكانها الصحيح وكيفية لفظ بعض الكلمات.
- اكتساب العديد من الخبرات بسبب التجارب وبالتالي زيادة الثقة بالنفس، فالأطفال يلعبون بكل شيء وفي كل لعبة جديدة يكتسبون خبرة جديدة حول موجودات الواقع (فعندما يلعب الطفل بالمياه مثلاً يتعرف أكثر على خواصه وعلى حالاته الصلبة والسائلة أو الغازية).
- وتفيد بعض ألعاب الألغاز وحل المسائل في تنمية وتوسيع مدارك الطفل وتنشيط ذهنه وقدراته التحليلية للفهم ووضع الاحتمالات؛ (فبعض الألعاب تحتاج لتفكير الطفل ووضع البدائل وتجريب الاحتمالات مثل: ألعاب تركيب المكعبات). [2]
أنواع الألعاب التي يمارسها الأطفال
تختلف الألعاب التي يمارسها الأطفال والأشياء التي يستخدمونها في ألعابهم من حيث النوع تبعاً لمجموعة من المعايير، فتارةً يكمن هذا الاختلاف في ثقافة مجتمع الطفل؛ فكل ثقافة لها ألعابها ووسائلها الخاصة في التسلية والتي تميزها عن الثقافات الأخرى.
ومن جهة أخرى تتباين ألعاب الأطفال تبعاً لاختلافهم في العمر حيث إن الخبرات التي يكوّنها الطفل والتجارب التي يقوم بها خلال مراحل نموه تضفي طابعاً وأثراً خاصاً على نوعية الألعاب التي يمارسها.
كما تختلف تلك الألعاب أيضاً بحسب جنس الطفل فهناك العديد من الأبحاث ومنها تلك الدراسة التي أجرتها السيدة (أثينا دونالد - Athene Donald) أستاذة الفيزياء التجريبية في جامعة كامبريدج ونشرتها الجمعية الملكية في صحيفة (الغاردينيا البريطانية) والتي درست فيها أثر ألعاب الفتيات على خياراتهم الأكاديمية.
أكدت وجود اختلاف بين ميول الذكور والإناث في نوعية الألعاب التي يفضلها كل منهما، ومن هنا يمكن أن نجمل بعض أنواع الألعاب الشائعة بين الأطفال: [3]
أولاً: ألعاب تتعلق بالوسط الذي يوجد فيه الطفل مثل:
- ألعاب المنزل: ألعاب الفيديو والإنترنت، العبث بأغراض وأثاث المنزل، القفز على الأسّرة، ألعاب مع الأخوة مثل: تقليد المعلم أو أحد الوالدين...إلخ.
- ألعاب المدرسة: اللعب ضمن مجموعات، السباقات، الرسم على السبورة، ألعاب الألغاز، ورواية القصص والفوازير…إلخ.
- ألعاب الشارع (الحي): كاختباء أفراد المجموعة والبحث عنهم من قبل أحدهم، ألعاب الجري والسباقات، كرة القدم...إلخ.
ثانياً: ألعاب تتعلق بالأدوات التي يستخدمها الأطفال في لعبهم مثل:
- الألعاب الذهنية: الفوازير والألغاز، الشطرنج، وورق اللعب.
- الألعاب الرياضية: كرة القدم، القفز، الجري.
- ألعاب الدمى: كالحيوانات أو السيارات البلاستيكية، وهناك بعض الدمى على هيئة قصر أو منزل، وبعضها على هيئة بشر كتصوير الأميرات أو الأبطال والفرسان أو تصوير بعض الشخصيات التلفزيونية…إلخ.
- ألعاب الخيال: كأن يمثل أحد الأطفال دور المعلم وبقية المجموعة تمثل دور التلاميذ.
- ألعاب الحواسيب والتكنولوجيا: وهي الأكثر شيوعاً في هذا العصر كألعاب الفيديو والإنترنت.
كيفية استثمار ألعاب الطفل
اللعب هو آلية غريزية هدفها المتعة والنمو، وهي يمكن أن تساعد على تعليم الطفل وتربيته بالطريقة المرغوبة إذا أحسن استثمارها، ويمكن أن تكون السبب في انشغال الطفل عن واجباته ومسؤولياته أو دخوله في تجارب قد تعتبر خطرة على صحته أو تكيفه الاجتماعي.
ويكمن دور الوالدين أو القائمين على تربية ورعاية الطفل في توظيف اللعب كوسيلة للتعلم بحيث يستفيد منها ويتجنب أضرارها، ويمكن تحقيق ذلك من خلال: [2]
- تنظيم وقت الطفل بالاتفاق معه دون إجباره، بحيث يكون هناك أوقات للعب وأوقات أخرى لتأدية الواجبات المدرسية أو المنزلية، بالإضافة لتحديد مواعيد لتناول الطعام أو الذهاب للنوم…إلخ. فحاول أن يتم ذلك بنوع من المرونة أثناء التعامل مع الطفل، من خلال الإقناع والترغيب والابتعاد عن الإجبار والترهيب.
- أعطِ طفلك الحرية لاختيار الألعاب التي تناسبه مع إبعاده عن الخطير منها (كالألعاب النارية مثلاً).
- الكثير من الأطفال يهرب من المدرسة إلى مكان يجد فيه المتعة والتسلية عن طريق اللعب، ولهذا يجب على المعلمين والقائمين على نجاح العملية التعليمية أن يجدوا الوسائل المناسبة لترغيب الأطفال بالالتزام بالمدرسة عن طريق زيادة الحصص الترفيهية مثلاً أو محاولة تمرير الدروس بطريقة ممتعة قدر الإمكان ضمن لعبة معينة.
- ما يسمى باللعب الخيالي يعتبر الينبوع الذي تخرج منها الأفكار المبدعة لطفلك، ولذلك يجب عليك أن تنمي أي موهبة تلاحظها من خلال ألعاب الخيال لدى طفلك (كالرسم أو تصميم المنازل والديكورات أو وضع إطارات للصور والرسوم على الحاسوب).
- حاول تعويد طفلك على فكرة اللعب ضمن مجموعات بغية تدريبه على تكوين العلاقات الاجتماعية؛ ويمكن تحقق هذا عن طريق توجيهه نحو أنواع الألعاب التي تتطلب مجموعات (مثل: كرة القدم أو تصميم مجموعات متنافسة بعلبة الإجابة عن الأسئلة التي تطرحها كل مجموعة على الأخرى وقدرة الأخيرة على الإجابة عن أكبر قدر ممكن من هذه الأسئلة التي عادة ما تتعلق بأسماء الشخصيات الكرتونية والتلفزيونية أو أشياء تتعلق بالمناهج الدراسية لهؤلاء الأطفال).
- لتساعد طفلك على تمرين جسده وبنيته العضلية حاول إبعاده عن ألعاب الفيديو أو التكنولوجيا وتوجهيه عن طريق التشجيع لا الإجبار نحو الألعاب الرياضية؛ ككرة القدم أو الجري والسباقات. كما يمكنك أن تلعب معه لتحقيق ذلك؛ فالأطفال يفرحون جداً عندما يرون أن آباءهم يلعبون معهم.
- يمكنك كذلك توجيهه نحو الألعاب التي تساعده في نمو قدراته العقلية والإدراكية، كتلك الألعاب التي تعتمد على الألغاز وتتطلب استخدام مهارات التفكير وحل المشكلات. (مثل: الشطرنج أو المزارع الورقية التي تعتمد على مجموعة من الخيارات والحسابات لينتقل من خلالها حجر الطفل من مربع إلى آخر)
- يمكنك أن تلاحظ من خلال ما يقوم به طفلك أثناء لعبه وجود موهبة أو مهارة معينة يفضلها ويميل نحوها وعند ملاحظة شيء من هذا القبيل عليك العمل على تحفيزه ودعمه لتنمية هذه الموهبة.
- من المعروف أن الدروس والحصص في المدرسة رتيبة ومملة في نظر طفلك، ولهذا ولضمان توصيل رسالتها يجب إدماج كل معلومة مع لعبة معينة، مما يضمن تلقي المعلومة من قبل الطفل فعلياً بدلاً من تلقينها له وحشوها برأسه لفترة مؤقتة.
- تعليم الأطفال مهارات اللغة عن طرق اللعب (كاستخدام بعض العبارات المضحكة والطلب منه ترديدها أو سماعه بعض الأصوات…إلخ).
- بعض الأطفال وخاصة الذكور لديهم ميل نحو أنماط اللعب العنيف، وهذا بسبب شحنات التوتر والانفعالات لدى الأطفال، ولهذا يجب أن تعود أطفالك على تفريغ هذه الشحنات بأساليب مختلفة كأخذهم في رحلة لأحواض السباحة، وعندما تفشل هذه الطريقة من الممكن إتاحة الفرصة لهذا النوع من الألعاب وخاصة لدى الذكور، ولكن بدرجة محدودة؛ مع وضع القوانين اللازمة لتنظيم هذه الألعاب واتخاذ التدابير المناسبة للحفاظ على سلامتهم (كالسماح بلعبة المصارعة التي يحبها الأطفال ولكن مع توجيههم لأن هذا نشاط رياضي ويجب احترام قوانينه وأخلاقه مثل: توجيه الضربات إلى الأماكن المؤمنة بخوذ ووسائد الحماية في جسد الخصم، بالإضافة إلى عدم ممارسة هذه الألعاب إلا بحضور أحد الكبار كالمدرب أو أحد الوالدين).
ختاماً، كل واحدة من ألعاب الطفل تمارس وظيفة تنموية على صعيد حياته النفسية أو الجسدية وحتى الاجتماعية، من هنا يمكننا القول إن اللعب عند الطفل هو أكثر من وسيلة للتسلية، لذلك تناولنا في مقالنا هذه الألعاب من حيث أهميتها وأنواعها، كذلك كيفية إدماجها والاستفادة منها أثناء العملية التربوية والتعليمية.