لاقت بك الحياة، فغار منك الموت.. وداعاً شحرورتي..
منذ أن صعقني خبر وفاتك ذاك الصباح الباكر الماكر، وأنا أحاول استجماع أفكاري ومشاعري، لأخطّها لك بكلمات ليست كالكلمات.
منذ رحيلك يا صباح وأنا أصلي، ليس لأجلك، لأنني مدركة تماماً أن الله الذي كرّمنا بوجودنا في عصر ختمتِهِ ببصمتك، أراد استرجاع وديعته فأرسل ملائكته ذاك الصباح العاصف ليعودوا بك بهدوء إلى الفضاء
الواسع، بعد أن حضّروا عُرساً في السماء يليق بمملكة العطاء والصدق والسلام والحب والفرح والأمل والبساطة والإيمان بالوطن التي أسستِها بدمعك ودمك ونشرتها في أرجاء المعمورة.
صلّيتُ يا أسطورتي ليمدَّني الله بكلام تستحقينه يتزيَّن باسمك الذي رصّع صباحاتنا ومساءاتنا وأيامنا بالبهجة.. كلام يتسابق إليك ليحظى بفرصة أخيرة لتكريمك.
لكن من أين أبدأ ..
من العز أم الكرامة والعنفوان والطيبة والكرم والصدق والأخلاق والتواضع والكِبَر وخفة الدم والأناقة الخ... أمامك.. أجد نفسي تائهة في بحر من الصفات كلما عدّدتها تغيب عني أخرى، كيف لا وأنت اختزنت في شخصيتك كل ما في هذه الدنيا من جمال وكنوز.
أمسك بقلمي يا حلوتي لأكتب بفرح كما طلبت، لكن أعذريني، دمعة الحزن التي فاضت من عيني أثقلت قلمي فغص بالكلمات وتلعثم بالعبارات.
يا من رحلت وكتب لي قدر لقائها مرة واحدة في هذه الحياة، لقد احتليت جزءاً كبيراً من ذاكرتي ووجداني ولبناني.
يا من سرقت كل الألقاب، من الآن فصاعداً شمسنا ستشرق بخجل، صباحاتنا سيخيّم عليها الأسى، أيامنا ستفتقد وجودك وإن كان صامتاً، لكنه كان صارخاً بكل ألوان الحياة.
صبّوحتي.. الأوف وأبو الزلف والميجانا والعتابا التي نشرتها في كل أصقاع العالم ترثيكِ بحُّرقة بعد أن ذاقت برحيلك كأس المرارة واليُتم.
لبنانك الذي كرمته يا صباح وأعطيته من دون مقابل وبلا شروط، فزرعته وطناً خالداً لا يموت ولا ينكسر، وحاولتِ في أقسى لحظات غيابك عنه أن تمسحي دمعه وأوصيتِ أن يودعك بفرح، يحاول أن يقنع نفسه بأنه سيواري في الثرى جانيت فغالي وسيُبقي على صباح أرزته الضاربة في جذوره حتى الأزل.
الموت الذي انتظرتِهِ بجرأة وإيمان تغلّب عليك بالجسد، لكنه عبثاً حاول أن ينال من روحك التي تطوف في كل زاوية من زوايا لبنانك أيتها الأسطورة التي حارت بها الأساطير.
لبنانك وشعبه يا حلوتي، لن يخذلانك ولن يتخليا عنك كما فعل سياسيوه العقم العُجّز فاقدو الوعي والهوية.
لبنانك يا حلوتي مع إطلالة كل صباح سيردد ما تركته إرثاً يفوق الـ 3000 أغنية وفيلم ومسرحية "يا لبنان دخل ترابك" "تعلا وتتعمر يا دار"، "ع لبنان لاقونا"، "عامر فرحكن"، "ألو بيروت"، "ساعات ساعات"، "شو إسمك"، "عالعصفورية"، "ع الندّى الندّى"، "جيب المجوز"، "مرحبتين"، "مسّيناكن مسّونا" "عالبساطة" "ع الضيعة"، "يا دلع دلّع"، "حبيبة أمها"، "يانا يانا"، "زي العسل"، "عاشقة وغلبانة"،"سعيدة ليلتنا سعيدة" وغيرها الكثير..
لبنان يا حلوتي لن ينسى من غنت "الي بيحب الدني بتحبو الدني"، هكذا كنت وهذا سنذكرك دائماً... لاقت بك الحياة، فغار منك الموت.. وداعاً شحرورتي..