قصص وأمثال عن حق الجار والجيرة
This browser does not support the video element.
تشكل علاقة الجيرة واحدة من أمتن الصلات الاجتماعية في مختلف الثقافات، فالجيران ليسوا سكاناً يقطنون قريباً منا فحسب، إنَّما هم جزء من حياتنا اليومية يؤثرون عليها تأثيراً كبيراً، سواء كان هذا التأثير سلبياً أم إيجابياً، كما قد تتطور العلاقة بين الجيران ليصبحوا عائلة واحدة تتعرض لظروف متشابهة ومشاكل مشتركة، وسنتناول معاً في هذا المقال حق الجار على جاره، وأجمل ما قيل في الجيران من شعر وحكم وأمثال.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
أجمل ما قيل عن الجار
من أكثر الأمثال الشعبية رواجاً في الجيرة مقولة "الجار قبل الدار"، ومنها قول الشاعر العطوي: [1]
"يقولون قبل الدارِ جارٌ موافقٌ وقبلَ الطريقِ النهجِ أُنسُ رفيقِ"
أبو الأسود الدؤلي باع جاره
كان أبو الأسود الدؤلي واسع الحكمة والعلم وهو من نقط حروف اللغة العربية، وقيل إنَّ لأبي الأسود دار باعها ورحل عنها؛ فسأله سائلٌ: "بعت دارك؟"، فأجاب: "بعت جاري ولم أبع داري".
أي أنَّه باع منزله لأن له جاراً سيئاً ينغص عليه مسكنه، فالبيوت كما يُقال بجيرانها، وقد أصبحت مقولة الدؤلي مثلاً يردده الناس في الظروف المماثلة فيقال: "بعت جاري ولم أبع داري".
بجيرانها تغلو الديار وترخص
قائل هذه الأبيات مجهول الهوية، لكن من الواضح أنَّه تعرض لأمر مماثل لما حدث لأبي الأسود الدؤلي، فهجر مسكنه وباع داره لأن جاره سيئ المعاملة والمعشر، فقال:
"يلومنني أنْ بعتُ بالرخصِ منزلي ولم يعلموا جاراً هناك ينغِّصُ
فقلتُ لهم بعض الملام فإنَّما بجيرانها تغلوا الديارُ وترخصُ"
ألف دينار للبيت وألف للجوار
قيل إن رجلاً أراد أن يبيع بيته لضيق حاله، وطلب ألف دينارٍ ثمناً له، فقال له أحدهم إن البيت لا يستحق هذا الثمن بل نصفه، فأجاب: "بلى البيت لا يستحق أكثر من خمسمائة دينار، لكنني أبيعه بألف؛ خمسمائة دينار ثمن البيت، وخمسمائة دينار ثمن جوار أبي دلف، وقد ورد في التراث عدد من القصص على نفس المنوال.
أمثال عن الجيرة والجيران
- "الجار ولو جار": ويقصد بها أنَّ الجار وإن كان سيئاً أحياناً، فإنه يحافظ على أهميته في حياتنا.
- "حسن الجوار عمارة الديار": فإن الجار الجيد هو ما يجعل البيت جيداً، والعكس صحيح.
- "لا ينفعك من جار سوءٍ توقٍّ": أي أن جار السوء مهما اتقيت شرَّه لا ينفعك معه ذلك، فهو الأقدر على إلحاق الأذية بك من غيره.
- "كومة حجار ولا هذا الجار": وتقال إذا كان الجار سيئ الخلق والجوار.
- "صباح الخير يا جاري أنت في دارك وأنا في داري": وتقال في حال لم تكن العلاقة بين الجيران في أحسن حالاتها، فيكتفي الجار بالسلام على جاره فقط.
- "إذا جارك حلق لحيته بلَّ لحيتك": تقال للدلالة على وحدة الحال فإذا أصاب الجار أمراً لا بد أن يلحق بجاره.
- وقيل إن لقمان الحكيم قال: "حملت الجندل والحديد وكل شيء ثقيل فلم أحمل شيئاً أثقل من جار السوء".
أهمية الجيرة والجوار في الإسلام
يقدم الإسلام سلسلة من التعاليم والوصايا فيما يتعلق بحسن الجوار، وصلت إلينا من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، منها ما ذُكر في سورة النساء الآية 36: [2]
"وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً".
في هذه الآية يوصينا الله عزَّ وجل بالجار القريب والبعيد، سواء كان من ذوي القربى أم لم يكن، وسواء كان مسلماً أم لا.
وللجار المسلم على جاره حقوق المسلم على أخيه المسلم مضافة لحقوق الجيرة، وللجار من غير المسلمين على جاره حق حُسن الجوار وحسن المعاملة، كما أن للجار من ذوي القربى حق صلة الرحم والجيرة معاً.
ما زال جبريل يوصيني بالجار
وقد حثَّ النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، على حسن الجوار، وأكد على أهمية علاقة الجيرة، فيقول عبد الله بن عمر أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قال: [2]
"ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنَّه سيورثه".
أي أن ملاك الوحي جبريل أوصى النبي بجيرانه حتى ظن أنَّ الجيران سيرثونه كأهله، وفي هذا تأكيد على متانة العلاقة بين الجار وجاره، وعلى أهمية الإحسان إلى الجيران.
خير الجيران عند الله خيرهم لجاره
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [2]
"خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره"
وهنا إشارة ثانية في الحديث الشريف إلى قيمة الجيرة، فمن أحسن جواره قرَّبه الله إليه، ومن أساء لجيرانه أبعده الله عنه، وقد وضع الرسول حسن الجيرة في منزلة رفيعة لها عند الله أهميتها وقيمتها.
حسن الجيرة مدخل إلى الجنة
جعل النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، من الإساءة للجيران مانعاً عن الجنَّة، فقال أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [2]
"لا يدخل الجنَّة من لم يأمن جاره بوائقه".
والبائقة من الشر، فمن لم يأمن جيرانه من شروره وأذاه لا يدخل الجنَّة، والشر هنا في القول والعمل فهو شر اللسان واليد وغيره.
كما قال صلى الله عليه وسلم:
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره".
هنا يجعل النبي (ص) إيذاء الجار على طرف نقيض من الإيمان بالله واليوم الآخر، فمن آمن بالله وميعاده سلِم جيرانه من آذاه وشروره.
ومن ادّعى الإيمان ولم يسلم جيرانه من أذاه عليه أن يعود إلى نفسه فيصلحها ليتمم إيمانه بحسن الجوار.
ولا تنتهي حقوق الجار على جاره بحسن المعاملة وتجنب الأذى فقط، بل لا يجوز أن يكون الجار في محنة دون أن نمد له يد العون، وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام:
"ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جانبه وهو يعلم".
كانت هذه بعض وصايا الرسول الكريم لمن آمن به وبالله وكتابه، فمن آذى جاره أو قطع عنه العون كان مستغنياً عن الفضيلة متجنباً وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن لم يسلم جواره من قوله وفعله وشروره حرمه الله جنّته.
ربما جميعنا نتذكر قصة الجار اليهودي الذي كان يؤذي النبي ويرمي القمامة أمام مسكنه، لكن محمداً لمَّا علم أن جاره مريض فلم يبخل بعيادته والاطمئنان عليه، فهذا حق الجار على الجار.
تأثير الجيران على تفاصيل الحياة
ليست قيمة الجيران أمراً عبثياً، ولم يأت ذكرها في التراث الشعبي أو الديني من منطلق ذكر الشيء فحسب؛ إنما للجار من المميزات ما يجعله مؤثراً على الحياة اليومية لجيرانه. [1]
فالجار هو المطلع على الخصوصيات والعارف بالزلَّات والنواقص، فإذا كان كتوماً أميناً سلم جيرانه من لسانه وحُفظت أسرارهم في صدره، أما إذا كان مجاهراً بأمور جيرانه سيسبب الإحراج لهم بإفشاء أسرارهم. [1]
كما أن بين الجيران مرافق مشتركة كالماء والكهرباء، وأحياناً قد يشتركون في فناء البيت أو سطحه، فإذا أحسنوا الاتفاق سلموا من الخلافات، لكنهم إذا لم يتمكنوا من الاتفاق على اقتسام هذه المرافق ستكون منغصة لحياة كليهما. [1]
من جهة أخرى، هناك قيمة معنوية للجيران تنتج عن العلاقة الطويلة التي تنشأ بين الجيران، والتي تحمل معها العديد من المواقف والأحداث، ما يجعل العلاقة أكثر متانة بين الجار وجاره. [1]
كما أن الجيران يكونون غالباً من طبقة اجتماعية متقاربة، تجعلهم يشتركون في الهموم والأفكار والطموحات، أيضاً يشتركون في العادات والتقاليد ويتبادلون الثقافات المختلفة. [1]
هذا التقارب في المسكن يحتم على الجيران أن يكونوا على الأقل حافظين لحقوق بعضهم بعضاً، ليسلم كلٌّ منهم من أذى الآخر، إن لم يرد أن تكون العلاقة عميقة، فأول الإحسان الابتعاد عن الأذى. [1]
حقوق الجار على جاره
من خلال ما ذكرناه سابقاً فإن للجار على جاره حقوقاً لا بد من وفائها، فهي ما تجعل العلاقة بين الجيران علاقة بناءة ومفيدة، ويمكن إجمال هذه الحقوق كما يأتي: [1]
- كفُّ الأذى أولى حقوق الجار على جاره، فالجار الحق من كفَّ يده ولسانه عن جيرانه، فلا يؤذي جاره بقول أو بفعل.
- كتمان السرِّ في طليعة حقوق الجار على جاره، فالجار مطلع على أسرار جاره بما يسمعه ويراه كذلك بما يقال له، ومن حسن الجوار ألا يفشي الجارُ أسرار جاره وخصوصياته، كما لا يجوز للجار أن يتنصت أو يختلس النظر والسمع، فالحفاظ على حرمة البيوت أيضاً من واجبات الجار تجاه جاره.
- من واجبات الجيران أن يكونوا معاً في السراء والضراء، فيواسي أحدهم الآخر في مصابه ويهنئه في أفراحه، ولطالما سمعنا كيف يجمع الجيران من بعضهم المال ليفكوا كرب أحدهم.
- كما أن ردَّ السلام من أول حقوق الجار على جيرانه.
- للجار أن يعتب على جيرانه إذا بدر منهم ما يؤذيه، ولا يجوز أن يلجأ لافتعال المشاكل أو الردِّ على الإساءة بالإساءة، فإذا الجار وجد جاره يرد السيئة بالحسنة استحى وبادله الإحسان.
- من حقوق الجار أيضاً أن يتكئ على جاره في المحن، ويطلب منه العون على قدر استطاعته، فإن أعانه وجده بجواره في الأيام المقبلة.
طرق التعامل مع الجار السيئ
يعتبر الجار السيئ همّاً يومياً ينغص على العائلة حياتها، سواء كان هذا الجار جار المنزل أو العمل، فإذا كان الجار سيئ الخلق، حسوداً، كثير الكلام، نماماً، طال أذاه جيرانه؛ فما الحل لمثل هذه الحالة؟ [1]
بالدرجة الأولى لا يرد الأذى بالأذى، فإذا أساء الجار عاتبناه وشكوناه إلى الجيران الآخرين لنحرجه فيستحي، وإذا لم يرتدع فلا بد من درء أذاه بعدم التعامل معه إلا ضمن الحدود الدنيا. [1]
أما إذا كان رد الأذى بالأذى، أصبحت العلاقة بين الجيران حرباً لا تريح أحدهما، ولا ينتصر فيها جارٌ على الآخر، بل تكون مرهقة لكليهما، فإذا كان الأذى في ما هو مادي، يلجأ الجيران إلى حَكمٍ أو إلى القضاء إذا لم يبقَ سبيل للتفاهم. [1]
أما إذا كان فيما هو معنوي، فيلجأ الجيران إلى العتاب والجدال بالتي هي أحسن، وقد علمنا من أخبار الأولين أنَّ فلاناً باع بيته لجيرته السيئة، وهذا آخر اختيار بعد أن تُسدَّ كل أبواب التفاهم بين الجيران. [1]
وفي النهاية، لا يختلف اثنان على قيمة الجيرة الجيدة، أو على مدى تأثير الجار السيئ على الحياة اليومية لجيرانه، وقد اعتدنا أن نرى لهفة الجار على جاره في المحن، ليساعده ويقف إلى جانبه، كما اعتدنا أن يكون الجيران أول المدعوين إلى الأفراح وأول الحاضرين في المآتم.