قصة ناقة صالح عليه السلام
بعث الله سبحانه وتعالى الأنبياء والرسل عليهم الصلوات والسلام إلى أقوامهم لدعوتهم إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له وترك عبادة الأصنام والأوثان. ولقد أيدهم بالمعجزات والبراهين وموافقتها لجنس ما اشتهر بين أقوامهم وثقافاتهم بتكون حجة عليهم. ومن هذه المعجزات ناقة النبي صالح عليه السلام، فما هي قصة ناقة صالح عليه السلام مع قومه، تابعوا المقال لتعرفوا القصة كاملة.
قصة صالح عليه السلام مع قومه
أرسل الله تعالى النبي صالح عليه السلام إلى قوم ثمود لهدايتهم ودعوتهم إلى عبادة الله تعالى، لما يتمتع به صالح عليه السلام من الحكمة والعقل الراجح ما يجعلهم يرجعون إليهِ لحل خلافاتهم واستشارتهُ في جميع أمور حياتهم، ويقال بأنهم أرادوا أن يجعلوها ملكاً عليهم قبل بعثته.
وقد سكن قوم ثمود الذين سكنوا بلاد العرب، وهي منطقة الحِجْر التي تقع شمال الجزيرة العربية، في مدينة تُسمى الآن المدائن التي تُعرف بمدائن صالح بمنطقة العلا حالياً. وكانوا يتنعمون بالنعم الكثيرة إذ كانوا ينحتون الجبال لصناعة بيوتهم التي لم يكن مثلها من قبل، إلى جانب النِّعم التي أعطاهم الله إياها من الأنهار والأراضي الخصبة والجنان الطبيعية.
فبدأ صالح عليه السلام بدعوة قومه إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وترك عبادة الأصنام، وتذكير قومه بالنعم التي رزقهم الله تعالى بها من بناء البيوت في الحجر في الجبال المرتفعة، والأنهار والجنان التي كانت تحيط بهم فضلاً عن قوة أبدانهم، وكيف أستخلفهم الله في الأرض بعد هلاك قوم عاد. لكن قومه جحدوا به، وأنكروا، واستكبروا، وتمادَوْا بكفرهم إلى التكذيب به لأنه بشر، بل واستهزأوا بدعوته وبمن تبعه من المستضعفين المؤمنين، كما قال الله تعالى في محكم آياته "فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ" [سورة القمر، آية 24،25]
معجزة ناقة صالح عليه السلام
لم يستسلم النبي صالح عليه السلام لعناد قومه، وظل يكابد ويعاني لإقناع قومه بوحدانية الله تعالى وبطلان عبادة الأصنام، إلا أن أكابر قومه طلبوا معجزةً تدل على أن صالحاً مبعوثاً من عند الله. وكان طلبهم تعجيزي إذ أرادوا أن يخرج لهم ناقةً من صخرةٍ عظيمة، بمواصفاتٍ معينة وقدرات متميزة، يعني أنها تشرب الماء فلا تُبقي لأحد بعدها شيئاً، وعظيمة الحجم، وحاملاً على وشك الولادة.
وبعد أن فرغ قوم صالح من شروطهم ليؤمنوا برسالته، ذهب صالح عليهِ السلام ليُصلي ودعا الله أن يُخرج لهم ما طلبوا، ثم ذهب إليهم وتحدّاهم وأمرهم أن يجمعوا الناس أمام الصخرة ليشهدوا ولادة ناقة صالح عليه السلام. وفي مشهد عجيب اهتزت الصخرة فخرجت منها ناقة عظيمة على نفس الوصف الذي طلبوه منه أمام أعيُنهم، قال تعالى "وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ" [سورة هود، آية 64]
فانبهر قوم ثمود بناقة صالح، لكن لم يؤمن به إلا القليل وظل الباقي على كفرهم لعنادهم. وحذرهم صالح عليه السلام من مس هذه الناقة بأي سوء، كما طلب منهم أن يتركوها تشرب من ماء البئر يوماً، ثمّ يشربون منه في اليوم التالي ليستفيدوا من لبنها.
وقد أجمع أكابر القوم على قتل الناقة وهلاكها ظناً منهم أن وجود الناقة بينهم يشكل خطراً على مكانتهم بين قومهم وخافوا أن يؤمنوا المزيد من الأشخاص بدعوة النبي صالح عليه السلام. [1]
قتل الناقة وعذاب قوم صالح عليه السلام
أراد أكابر قوم صالح عليه السلام قتل الناقة، وتطوع أحدهم لقتل الناقة وكان يُدعى قُدار بن ساف بن جذع وهو واحد من أشقى القوم، وكان يتبعه مجموعة من الشباب الفاسدين "فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ" [سورة القمر آية 29]، وجاء في حديث النبي -صلى الله عليهِ وسلم -: أنّ أشقى الأولين هو عاقر الناقة.
فاتفق أشقى الأولين مع مجموعة من الفاسدين على كيفية قتل الناقة، فترصد لها وهي عائدة مع صغيرها بعد أن شربت الماء، فجاء من خلفها فعقرها أي قطع أرجلها، فسقطت على الأرض فأقبل أصحابه عليها فقتلوها، وقتلوا صغيرها وأكلوا لحمه. ثم تحدوا النبي صالح بأن يأتي العذاب الذي حذرهم من قبل "فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ" [سورة الأعراف، آية 77]
فأمهلهم صالح عليه السلام 3 أيام ليأتيهم العذاب " فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ۖ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ" [سورة هود، آية 65] لكن هذا لم يؤثر على عنادهم فأرادوا أن يقتلوا صالح عليه السلام ومن آمن معه فانطلق التسعة المُفسدون لقتله -عليهِ السلام-، ولكن الله قد أمره بالخروج هو ومن معه مُتجهين إلى فَلسطين، وقيل إنه استقر ومات في مدينة الرملة.
ولمّا جاءت أيام العذاب التي وعدهم بها نبي الله صالح - عليهِ السلام فاصفرَّت وجوههم في اليوم الأول، ثم احمرَّت في الثاني، ثم اسودَّت في الثالث. وبعد ذلك أرسل الله على قوم ثمود أنواع العذاب، فكان الزلزال، ثم الصاعقة، ثم صيحةٌ من جبريل عليه السلام جعلتهم كالنبات الجاف المتكسر، ونجَّى الله صالحاً ومن كان معه. [2]
تبرز قصة ناقة صالح عليه السلام حكمة الله تعالى في اختيار المعجزة التي تناسب قدرات قومه وبما يتميزون به عن غيرهم من الأقوام، إذ كانوا ينحتون البيوت الفارهة من الصخر لذلك أخرج الله لهم ناقة صالح من الصخر حية تُرزَق ويستفيد منها الناس. وكانت قصة ناقة صالح عليه السلام هي الأهم ما جاء في دعوة النبي صالح عليه السلام قومه إلى عبادة الله كما كانت هي سبب هلاكهم وعذابهم.