قصة ملهمة من سجون الاحتلال: الأسيرة إسراء جعابيص تتنفس حرية
مرت ثماني سنوات على حادث أليم، اعتادت فلسطين احتضان الكثير على شاكلته كل يوم، ولكن ما يجعل هذا الحادث المأساوي محط الأنظار، هو كونه نضج واكتمل ليصبح قصة أمل ملهمة من قلب ظلم سجون الاحتلال، انتهت بتجدد الحياة لصاحبته، بإتمام الإفراج عن الأسيرة إسراء جعابيص في النهاية.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
إسراء جعابيص
الأسيرة الفلسطينية المحررة إسراء جعابيص 37 عاماً، عانت الأمرين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بتهمة تم تلفيقها إليها زوراً وبهتاناً، دفعت ثمناً باهظاً من حريتها وصحتها النفسية والجسدية لجريمة لم ترتكبها، وكان كل ذنبها فيها التواجد في المكان الخطأ وقت نفاذ القدر قسراً.
تعالوا نتعرف على التسلسل الزمني لقصة الأسيرة إسراء جعابيص، لنتعرف كيف تفجر الأمل من قلب الألم وكيف انتهت المأساة بانتصار -ولو كان صغيراً- إنما أسعد قلوب الآلاف من الفلسطينيين.
بداية القصة
في يوم 11 أكتوبر 2015، في طقس غائم أقرب للاعتدال، اقتربت سيارة إسراء الجعابيص -29 عاماً- للعبور من أريحا متوجهة إلى منزلها في جبل المكبر في القدس، حاملة بعض الأغراض المنزلية من بينها أسطوانة غاز فارغة.
إسراء الجعابيص التي كانت تعمل في ذلك الوقت في القدس بشكل يومي في خدمة المسنين إلى جانب دراستها في مجال التربية الخاصة، لم تكن تعلم أن نقطة عبور السيارة من حاجز الزعيم الذي توقفت قبله بنحو 1500 متر، هي نقطة تحول قاسية أخرى في حياتها، وبالقرب من مستوطنة معاليه أدوميم انفجرت الوسادة الهوائية بالسيارة والموجود بجانب المِقوَد بفعل ماس كهربائي.
استغاثة واستنفار
بعد انفجار الوسادة الهوائية المفترض أنها مصنوعة لحماية الراكب، خرجت إسراء التي اشتعلت النيران في جسدها لتستغيث بقوات الاحتلال المتواجدين في كل مكان، وبدلاً من إغاثتها استنفروا وأحضروا المزيد من القوات لمساعدتهم في السيطرة على الوضع الذي لم يفهموا منه سوى أن هناك خطراً عليهم.
"ألقِ السكين من يدكِ" هكذا صرخ جندي احتلال من الجنود الواقفين يطالعون المشهد القاسي، ولكن إسراء التي لم تكن تحمل سكيناً أكدت لهم مراراً وتكراراً أنها بحاجة إلى مساعدة عاجلة، ومرة أخرى لم يفهموا سوى أن حياتهم هم في خطر!
حروق بالغة
نُقلت إسراء الجعابيص إلى المستشفى بعد مُدة قصيرة، ووفقاً لمؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، فقد أصيبت إسراء بجروح وحروق بالغة نتيجة اشتعال النيران في سيارتها، وتم التحقيق في الحادث الذي وجدوه حادثاً قدرياً بنسبة 100%.
لم يلبث الإعلام الإسرائيلي إلا أن حول الحادث القدري بامتياز، إلى حادث مدبر لنسف المعبر وتفجير الجنود بعبوة غاز، رغم معرفة الجميع بأن الانفجار جاء من مقدمة السيارة وليس من نهايتها، فضلاً عن أن الأسطوانة كانت فارغة أصلاً، ولكن جهات التحقيق الإسرائيلية استعانت ببعض الجمل التي كتبتها إسراء الجعابيص عبر حسابها على فيسبوك لتلفق لها التهمة.
اعتقال وتعسف
في 7 أكتوبر 2016 وبعد مداولات استمرت لمدة عام كامل، تم إصدار الحُكم المجحف من قبل الجهات القضائية للاحتلال، بالسجن لمدة 11 عاماً مع دفع غرامة مالية مقدارها 50 ألف شيكل.
كل هذا التعسف في الحكم الجائر على إسراء الجعابيص، أدى إلى مزيد من التعنت والإهمال، إذ اعتقلت الأسيرة الفلسطينية المحررة، ولم تلقَ أي اهتمام طبي بحالتها الصحية، وتُركت إسراء لتعاني مع حروقها وجروها الدامية جسدياً ونفسياً في سجون الظلم والظلام لمدة 8 سنوات، ظلت خلالها دعوات الإفراج عنها والمطالبة بالحرية تعلو في السماء دون جدوى.
آلام لا تحتمل
8 سنوات تركت فيها إسراء الجعابيص ابنها معتصم ذا الستة أعوام، والذي حاول زيارتها ذات مرة وتم منعه، فضلاً عن معاناة مع خسارة وبتر في أجزاء من جسدها، كانت سنوات عجافاً كتب لها الله كلمة النهاية مؤخراً.
وفي تصريحات لها عام 2018، أثناء قضاء مدة عقوبتها في سجن الدامون شمالي إسرائيل، أكدت إسراء جعابيص أنها تعاني من آلام وسخونة مستمرة في الجلد، مما يجعلها غير قادرة على ارتداء الأقمشة والتدثر بالأغطية، لافتة إلى أنها بحاجة ماسة إلى بدلة خاصة بعلاج الحروق، لكن إدارة سجون الاحتلال ترفض توفيرها.
عانت إسراء جعابيص إلى جانب أزمتها الصحية حيث وصلت حروقها إلى 50% من كامل جسدها وبتر في 8 أصابع من يديها، من مشاكل نفسية وعصبية أخرى داخل السجن، إذ كانت تصحو في الليل لتصرخ وتبكي وترتجف في بعض الليالي القاسية، وفقاً لمؤسسة الضمير لحقوق الإنسان.
إطلاق سراح
بعد مرور 8 سنوات من أصل 11، أطلق الاحتلال الإسرائيلي سراح الأسيرة إسراء جعابيص ملكة جمال الحرية الفلسطينية، ضمن صفقة تبادل الأسرى التي أُعلنت مؤخراً.
وفي فرحة عارمة استقبل الشعب الفلسطيني الأسيرة المحررة، التي خجلت من إبداء فرحتها بعد كل هذه المعاناة بسبب الحزن الذي يخيم على فلسطين بعد فقدان 20 ألف شهيد، على مدار الأسابيع الماضية بعد إعلان الحرب على غزة في 7 أكتوبر الماضي.
وعند إطلاق سراح إسراء جعابيص وسؤالها عن شعورها والفرحة بالحرية، ردت قائلة "نخجل أن نفرح وفلسطين كلها جريحة"، ولكن من ينكر فرحة إسراء جعابيص التي عادت لتحتضن ابنها الطفل الذي أصبح شاباً على أبواب الرجولة، بعد فراق 8 سنوات قاسية غابت عنها شمس الحرية.