قصائد غازي القصيبي
غازي عبد الرحمن القصيبي، (1940 - 2010) شاعر وأديب وكاتب وسفير دبلوماسي ووزير سعودي، قضى سنوات عمره الأولى في مدينة «الأحساء» في «المنطقة الشرقية» من السعودية، كان يُطلق عليه سندباد الشعر السعودي الحديث؛ فقد استطاع أن يترجم بعضاً من أشعاره إلى اللغة الإنجليزية من خلال ديوانه المسمى (الشرق والصحراء) حيث استطاع من خلال الترجمة الوصول إلى قراء الإنجليزية، وقد نال شعره الانتشار الواسع بين القراء ودليل على ذلك ديوانه معركة بلا راية الذي صدر في بيروت سنة 1971، وقد برز في شعره جانب الصدق والمكابدة في قصيدته المسماة (يا أعز النساء)، واستطاع غازي القصيبي التقاط الصور وسكبها في أشعاره على هيئة لوحات فنية. [1]
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
قصيدة سيدة الأقمار
ما بال سيدة الأقمار ... تبتعد
وأمس كانت على أجفاننا تفدُ ؟
أراقها كوكب في الأفق مرتحلٌ
أم شاقها راهبٌ في الأرض منفردُ؟
فملت الوصلَ .. والأقمار أمزجةٌ
ناريّةٌ .. قلّما وفّتْ بما تعِدُ
أوّاه! سيّدةَ الأقمارِ! سيدتي!
أوّاهِ! لو تجد الأقمار ما نجدُ
أوّاهِ! لو تردُ الاقمارُ إن ظمِئتْ
مواردَ الالم الطاغي كما نَرِدُ
أوّاهِ! لو تسكبُ الأقمارُ أدمعَنا
ولو يعذّبُها التفكيرُ والسُهُد
أبحرتِ ، سيدةَ الأقمار ،عن رجلٍ
ما زال يبحرُ في أعماقِه الكمدُ
وراعَك الحزنُ في عينيه..مؤتلقاً
وصدّك اليأسُ في دنياه يحتشدُ
أتيتِ تبغين شعراً كُلُّه فرحٌ
أنشودةً عن زمانٍ كلُهُ رغدُ
و جولةٌ عبْرَ أحلام مورَّدةٍ
في هودجٍ بالندى الورديِّ يبتردُ
فما سمعتِ سوى الأشعارِ باكيةً
وما رأيتِ سوى الإنسانِ يرتعدُ
أنا الطموحُ الذي كلّت قوادمهُ
أنتِ الطموحُ الذي يسعى له الامدُ
أنتِ الشبابُ إلى الاعراس مُنطلقٌ
أنا الكهولةُ يومٌ ما لديه غدُ
أنتِ الحياةُ التي تنسابُ ضاحكةً
إلى الحياةِ .. أنا الموتُ الذي يَئِدُ
لا تعجَبي من صباحٍ فيه فُرقتُنا
بل اعجبي من مساءٍ فيه نتّحدُ
جميلةٌ أنتِ .. يحدوكِ الجمالُ كما
يحدو اللهيبُ فراشاً نحوه يفِدُ
جميلةٌ انتِ .. عيناكِ الزُمرُّدُ لا
يخبو .. وفي شفتيكِ الكَرْمُ والشُهُدُ
جميلةٌ أنتِ .. في أحراشِ مأسدةٍ
وهل يَعِفُّ وأنتِ الظبيةُ الأسدُ؟
هو الفراقُ! فماذا تامرين إذنْ؟
أنوحُ؟أصمتُ؟أجري عنك؟أتّئدُ؟
أقول"شكراً"؟ .. أكانت ليلةً هِبةً؟!
يا للكريمة .. إذ تسخو .. وتقتصدُ!
هل التقينا؟ أم الأوهام تعبثُ بي؟
أين التقينا؟ متى؟ ألسبتُ؟ألأحدُ؟
وهل مشينا معاً؟ في أيّ أمسيةٍ؟
في أي ثانيةٍ أودى بها الأبدُ؟
وهل همستِ"حبيبي!"أم سَمعتُ صدى
من عالم الجنِّ .. لم يهمس به أحدُ؟
أظنّ ما كان من تأليف راويةٍ
تحكي و تنسى .. فباقي الفصلِ مُفتقدُ! [2]
قصيدة برقية عاجلة إلى بلقيس
ألومُ صنعاءَ ... يا بلقيسُ ... أمْ عَدنا ؟!
أم أمةً ضيعت في أمسها يَزَنا ؟!
ألومُ صنعاء ... ( لوصنعاءُ تسمعني !
وساكني عدنٍ ... ( لو أرهفت أُذُنا )
وأمةً عجباً ... ميلادها يمنٌ
كم قطعتْ يمناً ... كم مزقتْ يمنا
ألومُ نفسيَ ... يا بلقيسُ ... كنت فتى
بفتنة الوحدة الحسناء ... مفتتنا
بنيت صرحاً من الأوهام أسكنه
فكان قبراً نتاج الوهم ، لا سكنا
وصغتُ من وَهَج الأحلام لي مدناً
واليوم لا وهجاً أرجو ... ولا مُدُنا
ألومُ نفسيَ ... يا بلقيسُ ... أحسبني
كنتُ الذي باغت الحسناء ... كنتُ أنا !
بلقيسُ ! ... يقتتل الأقيالُ فانتدبي
إليهم الهدهد الوفَّى بما أئتُمِنا
قولي لهم : أنتمُ في ناظريّ قذىً
وأنتمُ معرضٌ في أضلعي ... وضنا !
قولي لهم : يا رجالاً ضيعوا وطناً
أما من امرأةٍ تستنقذ الوطنا؟! [3]
قصيدة حواء العظيمة
أنت السعادة و الكآبه
و الوجد حبك و الصبابه
أنت الحياة تفيض بالخصب
المعطر كالسحابه
منك الوجود يعب
فرحته و يستدني شبابه
و على عيونك تنثر
الأحلام أنجمها المذابه
و على شفاهك يكشف الفجر
الجميل لنا نقابه
أوحيت للشعراء ما كتبوا
فخلدت الكتابة
و همست للخطباء فارتجلوا
البديع من الخطابه
و خطرت في التاريخ طيفا
تعشق الرؤيا انسكابه
ضل الألى حسبوك
جسما لا يملون اعتصابه
و ضجيعة مسلوبة الإحساس
طيعة الإجابه
و ذبيحة نحرت ليأتي
الذئب منها ما استطابه
و بضاعة في السوق باعتها
العصابة للعصابة
تبقين أنت فقهقهي
مما يدور ببال غابه
تبقين أنت و يذهبون إذا
الصباح جلا ضبابه
تبقين أنت و يذهبون
ذبابة تتلو ذبابه! [4]
قصيدة حديقة الغروب
خـمسٌ وسـتُونَ.. في أجفان إعصارِ
أمـا سـئمتَ ارتـحالاً أيّها الساري؟
أمـا مـللتَ مـن الأسفارِ.. ما هدأت
إلا وألـقـتك فـي وعـثاءِ أسـفار؟
أمـا تَـعِبتَ من الأعداءِ.. مَا برحوا
يـحـاورونكَ بـالـكبريتِ والـنارِ
والصحبُ؟ أين رفاقُ العمرِ؟ هل بقِيَتْ
ســوى ثُـمـالةِ أيـامٍ.. وتـذكارِ
بلى! اكتفيتُ.. وأضناني السرى! وشكا
قـلبي الـعناءَ!… ولكن تلك أقداري
أيـا رفـيقةَ دربـي!.. لو لديّ سوى
عـمري.. لقلتُ: فدى عينيكِ أعماري
أحـبـبتني.. وشـبابي فـي فـتوّتهِ
ومـا تـغيّرتِ.. والأوجـاعُ سُمّاري
مـنحتني مـن كـنوز الحُبّ. أَنفَسها
وكـنتُ لـولا نـداكِ الجائعَ العاري
مـاذا أقـولُ؟ وددتُ الـبحرَ قـافيتي
والـغيم مـحبرتي.. والأفقَ أشعاري
إنْ سـاءلوكِ فـقولي: كـان يعشقني
بـكلِّ مـا فـيهِ من عُنفٍ.. وإصرار
وكـان يـأوي إلـى قـلبي.. ويسكنه
وكـان يـحمل فـي أضـلاعهِ داري
وإنْ مـضيتُ.. فـقولي: لم يكن بَطَلاً
لـكـنه لــم يـقبّل جـبهةَ الـعارِ
وأنـتِ!.. يـا بـنت فـجرٍ في تنفّسه
مـا فـي الأنوثة.. من سحرٍ وأسرارِ
مـاذا تـريدين مـني؟! إنَّـني شَبَحٌ
يـهيمُ مـا بـين أغـلالٍ. وأسـوارِ
هذي حديقة عمري في الغروب.. كما
رأيـتِ… مرعى خريفٍ جائعٍ ضارِ
الـطيرُ هَـاجَرَ.. والأغـصانُ شاحبةٌ
والـوردُ أطـرقَ يـبكي عـهد آذارِ
لا تـتبعيني! دعيني!.. واقرئي كتبي
فـبـين أوراقِـهـا تـلقاكِ أخـباري
وإنْ مـضيتُ.. فـقولي: لم يكن بطلاً
وكــان يـمزجُ أطـواراً بـأطوارِ
ويـا بـلاداً نـذرت العمر.. زَهرتَه
لعزّها!… دُمتِ!… إني حان إبحاري
تـركتُ بـين رمـال الـبيد أغنيتي
وعـند شـاطئكِ المسحورِ. أسماري
إن سـاءلوكِ فـقولي: لـم أبعْ قلمي
ولـم أدنّـس بـسوق الزيف أفكاري
وإن مـضيتُ.. فـقولي: لم يكن بَطَلاً
وكـان طـفلي.. ومحبوبي.. وقيثاري
يـا عـالم الـغيبِ! ذنبي أنتَ تعرفُه
وأنـت تـعلمُ إعـلاني.. وإسـراري
وأنــتَ أدرى بـإيمانٍ مـننتَ بـه
عـلي.. مـا خـدشته كـل أوزاري
أحـببتُ لقياكَ.. حسن الظن يشفع لي
أيـرتُـجَى الـعفو إلاّ عـند غـفَّارِ؟ [5]