قصائد تميم البرغوثي
تميم مريد البرغوثي شاعر فلسطيني، وأستاذ للعلوم السياسية، ولد في القاهرة 1977، حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بوسطن عام 2004، نشأ في أسرة مهتمة بالأدب العربي فوالده الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي ووالدته الروائية المصرية رضوى عاشور، كتب تميم أول نصٍ له في سن السادسة، وأول نصٍ شعريٍ مضمّن في كتاب له كان في سن الثامنة، له العديد من الكتب وكذلك الدواوين الشعرية المطبوعة - عددها ستة - وفي رام الله كتب أول مجموعة شعرية وأسماها «ميجنا» وكانت باللهجة الفلسطينية العامية، وصدرت عن بيت الشعر الفلسطيني عام 1999. [1]
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
قصيدة قفي ساعة
قِفي ساعةً يفديكِ قَوْلي وقائِلُهْ
ولا تَخْذِلي مَنْ باتَ والدهرُ خاذِلُهْ..
الا وانجديني إنّني قَلَّ مُنجدي
بدمعٍ كريمٍ ما يُخيَّبُ زائلُهْ..
إذا ما عصاني كلُّ شيءٍ أطاعني
ولم يجرِ في مجرى الزمان يباخلُهْ..
بإحدى الرزايا ابكِ الرزايا جميعها
كذلك يدعو غائبُ الحزنِ ماثلُهْ..
إذا عجز الإنسانُ حتّى عن البكى
فقد بات محسودا على الموت نائلُهْ..
وإنَّكَ بين اثنين فاختر ولا تكن
كمن أوقعته في الهلاك حبائلُهْ..
فمن آملٍ يفنى ليسلَمَ ربُّهُ
ومن آملٍ يبقى ليهلَكَ آملُهْ..
فكن قاتلَ الآمال أو كن قتيلها
تساوى الردى يا صاحبي وبدائلُهْ..
أَنَا عَالِمٌ بالحُزْنِ مُنْذُ طُفُولَتي
رفيقي فما أُخْطِيهِ حينَ أُقَابِلُهْ..
وإنَّ لَهُ كَفَّاً إذا ما أَرَاحَها
عَلَى جَبَلٍ ما قَامَ بالكَفِّ كَاهِلُهْ..
يُقَلِّبُني رأساً على عَقِبٍ بها
كما أَمْسَكَتْ سَاقَ الوَلِيدِ قَوَابِلُهْ..
وَيَحْمِلُني كالصَّقْرِ يَحْمِلُ صَيْدَهُ
وَيَعْلُو به فَوْقَ السَّحابِ يُطَاوِلُهْ..
فإنْ فَرَّ مِنْ مِخْلابِهِ طاحَ هَالِكاً
وإن ظَلَّ في مِخْلابِهِ فَهْوَ آكِلُهْ..
عَزَائي مِنَ الظُّلاَّمِ إنْ مِتُّ قَبْلَهُمْ
عُمُومُ المنايا مَا لها مَنْ تُجَامِلُهْ..
إذا أَقْصَدَ الموتُ القَتِيلَ فإنَّهُ
كَذَلِكَ مَا يَنْجُو مِنَ الموْتِ قاتلُهْ..
فَنَحْنُ ذُنُوبُ الموتِ وَهْيَ كَثِيرَةٌ
وَهُمْ حَسَنَاتُ الموْتِ حِينَ تُسَائِلُهْ..
يَقُومُ بها يَوْمَ الحِسابِ مُدَافِعاً
يَرُدُّ بها ذَمَّامَهُ وَيُجَادِلُهْ..
وَلكنَّ قَتْلَىً في بلادي كريمةً
سَتُبْقِيهِ مَفْقُودَ الجَوابِ يحاوِلُهْ..
ترى الطفلَ مِنْ تحت الجدارِ منادياً
أبي لا تَخَفْ والموتُ يَهْطُلُ وابِلُهْ..
وَوَالِدُهُ رُعْبَاً يُشِيرُ بَكَفِّهِ
وَتَعْجَزُ عَنْ رَدِّ الرَّصَاصِ أَنَامِلُهْ..
أَرَى اْبْنَ جَمَالٍ لم يُفِدْهُ جَمَالُهُ
وَمْنْذُ مَتَي تَحْمِي القَتِيلَ شَمَائِلُهْ..
عَلَى نَشْرَةِ الأخْبارِ في كلِّ لَيْلَةٍ
نَرَى مَوْتَنَا تَعْلُو وَتَهْوِي مَعَاوِلُهْ..
أَرَى الموْتَ لا يَرْضَى سِوانا فَرِيْسَةً
كَأَنَّا لَعَمْرِي أَهْلُهُ وَقَبَائِلُهْ..
لَنَا يَنْسجُ الأَكْفَانَ في كُلِّ لَيْلَةٍ
لِخَمْسِينَ عَامَاً مَا تَكِلُّ مَغَازِلُهْ..
وَقَتْلَى عَلَى شَطِّ العِرَاقِ كَأَنَّهُمْ
نُقُوشُ بِسَاطٍ دَقَّقَ الرَّسْمَ غَازِلُهْ..
يُصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ يُوطَأُ بَعْدَها
وَيَحْرِفُ عُنْهُ عَيْنَهُ مُتَنَاوِلُهْ..
إِذَا ما أَضَعْنَا شَامَها وَعِراقَها
فَتِلْكَ مِنَ البَيْتِ الحَرَامِ مَدَاخِلُهْ..
أَرَى الدَّهْرَ لا يَرْضَى بِنَا حُلَفَاءَهُ
وَلَسْنَا مُطِيقِيهِ عَدُوَّاً نُصَاوِلُهْ..
فَهَلْ ثَمَّ مِنْ جِيلٍ سَيُقْبِلُ أَوْ مَضَى
يُبَادِلُنَا أَعْمَارَنا وَنُبَادِلُهْ.. [2]
قصيدة قُل للصبية
قل للصبية تُحييني وتُرديني
لم يبق مني سوى ما ليس يبقيني
يا ظبيةً في قديم الشعر ما برحت
تُبكي الكريم بمنهلٍ ومكنون
رأيتُها وأنا في الحق لم أرها
لكنه طربٌ للشعر يعروني
تُحيل كل فتىً مرَّت بخاطره
وكل بنتٍ إلى ليلى ومجنون
تُميل من قدها ما قد تُميل به
أئمةَ الناسِ من دينٍ إلى دين
ولو رأى وجهها القديسُ قال لنا
لا بأس بالذنبِ بين الحين والحين
ويدخل النارَ فيها أمةٌ طمعوا
من حسنها في جنان الحور والعين
قد يُنقصُ الحسن قدراً مَن تَيَقنه
ولا كحسنٍ بظهرِ الغيبِ مظنونِ
وأعرفُ الحسن لكن لا أُعَرِّفُه
يبدو لعيني ولا يبدو لتعييني
روحي بقايا سماءٍ أُسكِنت جسداً
ولم تزل للسماء الروح تدعوني
إن لم أطر حسبتني لم أطر كسلاً
واستنجدت بعباد الله تشكوني
فإن أحسَّت بأُخرى مثلها خفقت
طَرقُ المساجينِ أبواب الزنازينِ
هي الأسيرُ رأى في البُعدِ أُسرته
فصاح لا ترجعوا للدارِ من دوني
والروحُ تسعى وراء الروحِ تؤنسها
من غربة الدارِ بين الماءِ والطينِ [3]
قصيدة تقبيل
ذق خمرة الحانيات لا الحان
دنانها بسمة وعينان
يبقى إلى يوم الدين شاربها
في سكرة وهو غير سكران
يمنى ويسرى، رجلاه في جدل
أو قل هما في الشعار سيفان
إذا رأى الجمع ظنه رجلاً
والشخص في ناظريه شخصان
ورثت عن أجدادي ترحلهم
أصنع حيث ارتحلت أوطاني
عناقنا رقعة محررة
حدودها الصدر والذراعان
لو وضعت كفها على كتفي
ينبت من تحتها جناحان
تطيل عمري بقبلة عرضت
فجاءة، من رَوح ورَيحان
فلست أدري من طول قبلتنا
أمر يوم أم مر يومان
والقبلة الحق لا يبين بها
أي الحبيبين قبل الثاني
كالريح في الريح لا تميزها
لا بخطوط ولا بألوان
فاعرف إذا بان من يقبل من
أنهما واحدان لا اثنان
لا خير في قبلة محايدة
لا بعلي ولا بعثمان
مرت بخديك من هنا وهنا
مدة ما سلم الغريبان
بل قبلة تغمض العيون لها
تحسب إلفيها يستجمان
حزامها ساعدي يشب بها
وكعبها فوق الأرض شبران
ثم انضغطنا كأننا ورق
الكتاب حيث التقى الغلافان
وصدرها في صدري قد امتزجا
وذاب ما بيننا القميصان
من ذاق هذا فلا شكا أبدا
جور ملوك وضيق بلدان
لم يظلم الدهر من أتيح له
هذا الهوى من إنس ومن جان
دع الهوى يحيي أو يميت ولا
فرق، فهذا وذا مريحان
شيئا فشيئا يُفنى الفتى فإذا
لم يُبق شيئاً تخلد الفاني
كأنه استشهاد بدون دم
في خير حرب وخير ميدان
كم مؤمن طول العشق كفره
وكم هدى كافراً لإيمان
وكم تحدى الملوك مبتسماً
يقول سلطانكم وسلطاني
فأي مُلك فاق الهوى سعة
أمُلكُ داود أم سليمان
أخوض بالعشاق الحروب ولا
بكل شاكي السلاح غضبان
فكلهم قتلى يا أخي ونجوا
وإنه لا يكون قتلان [4]
قصيدة دعي لي ذنوبي
دعي لي ذنوبي فالليالي شحائِحُ
متى نفعتني -ياهُدِيتِ- النصائحُ
بنفسي فتىً سَهلُ الخلائقِ طيبٌ
يُمازحُ دهرًا عابسًا لا يُمازِحُ
ويُكثرُ قولَ الشعرِ في الحربِ لا الهوى
لأنّ الهوى لو قِيس بالحربِ جارح
ففي كل حربٍ ثَمَّ حقٌّ وباطلٌ
وفي الحبِّ لا هذا ولا ذاك واضحُ
فإن قال: لا أهوى فليس بصادقٍ
وإن قال: أهوى أخجلته المذابحُ
وفي شعره معنىً فصيحٌ وغامضٌ
وفي صدرِهِ قلبٌ مقيمٌ ونازحُ
وشعبٌ مقيمٌ في خيامٍ كأنّها
خيالٌ من الشعرِ القديمِ يُرَاوحُ
فقِفْ عندَ رسمِ ما ترحَّلَ أهلُهُ
ولكنّهُ رسمٌ لحزنِكَ صالحُ
وما ضرّهُ هَجْرُ العشيرةِ إنّما
تقاعُسُها والموتُ غادٍ ورائحٌ
إذا صارَ خِذلانُ الأحِبّةِ دأبَنا
فمَن عاشَ خَسْرانٌ ومَن ماتَ رابحُ
وإنْ كان هذا صُلْحُنا وسلامُنا
فأخْزى إلهي بعدَها مَن يُصالِحُ [5]