قصائد الشافعي
وَلَمّا قَسا قَلبي وَضاقَت مَذاهِبي
ماذا يُخَبِّرُ ضَيفُ بَيتِكَ أَهلَهُ
أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ (767-820م) هو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه، وهو أيضاً إمام في علم التفسير وعلم الحديث، وقد عمل قاضياً فعُرف بالعدل والذكاء. وإضافةً إلى العلوم الدينية، كان الشافعي فصيحاً شاعراً، ورامياً ماهراً، ورحّالاً مسافراً.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وُلد الشافعيُّ عام 150 هـ، حفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، وحفظ الموطأ وهو ابن عشر سنين، أُذن له بالفتيا وهو فتىً دون عشرين سنة. درس المذهب الحنفي والمذهب المالكي والمذهب الحنفي، قام بتأليف كتاب الرسالة الذي وضع به الأساسَ لعلم أصول الفقه، ثم سافر إلى مصر وأعاد تصنيف كتاب الرسالة الذي كتبه، كما أخذ ينشر مذهبه الجديد، ويجادل مخالفيه، ويعلِّم طلابَ العلم، حتى توفي في مصر سنة 204 هـ. [1]
دع الأيام تفعل ما تشاء
دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء
وكن رجلا على الأهوال جلدا وشيمتك السماحة والوفاء
وإن كثرت عيوبك في البرايا وسرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيب يغطيه كما قيل السخاء
ولا تر للأعادي قط ذلا فإن شماتة الأعدا بلاء
ولا ترج السماحة من بخيل فما في النار للظمآن ماء
ورزقك ليس ينقصه التأني وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حزن يدوم ولا سرور ولا بؤس عليك ولا رخاء
إذا ما كنت ذا قلب قنوع فأنت ومالك الدنيا سواء
ومن نزلت بساحته المنايا فلا أرض تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكن إذا نزل القضا ضاق الفضاء
دع الأيام تغدر كل حين فما يغني عن الموت الدواء [2]
فإذا سمعت بأن مجدودا حــوى
فإذا سمعت بأن مجدودا حــوى
عوداً فأثـمر في يديه فصــدق
وإذا سمعت بأن محـرومـا أتى
ماء ليشـربه فغـاض فحـقـق
لو كان بالحـيل الـغنى لوجدتني
بنجوم أقطــار السـمـاء تَعلُّقي
لكن من رُزق الحجـا حُرم الغنى
ضدان مفترقــان أي تفــرق
وأحق خلـق الله بِالْهمِّ امــرؤ
ذو همة يُبلـى بـرزق ضيــق
ومن الدليل على القضاء وحكمه
بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
إن الـذي رزق الـيسار فلم ينل
أجرا ولا حمــدا لغير موفــق
والجد يدني كل أمر شــاسـع
والجــد يفـتح كل باب مغلـق [3]
وَلَمّا قَسا قَلبي وَضاقَت مَذاهِبي
وَلَمّا قَسا قَلبي وَضاقَت مَذاهِبي
جَعَلتُ الرَجا مِنّي لِعَفوِكَ سُلَّما
تَعاظَمَني ذَنبي فَلَمّا قَرَنتُهُ
بِعَفوِكَ رَبّي كانَ عَفوُكَ أَعظَما
فَما زِلتَ ذا عَفوٍ عَنِ الذَنبِ لَم تَزَل
تَجودُ وَتَعفو مِنَّةً وَتَكَرُّما
فَلَولاكَ لَم يَصمُد لِإِبليسَ عابِدٌ
فَكَيفَ وَقَد أَغوى صَفِيَّكَ آدَما
فَلِلَّهِ دَرُّ العارِفِ النَدبِ إِنَّهُ
تَفيضُ لِفَرطِ الوَجدِ أَجفانُهُ دَما
يُقيمُ إِذا ما اللَيلُ مَدَّ ظَلامَهُ
عَلى نَفسِهِ مَن شِدَّةِ الخَوفِ مَأتَما
فَصيحاً إِذا ما كانَ في ذِكرِ رَبِّهِ
وَفي ما سِواهُ في الوَرى كانَ أَعجَما
وَيَذكُرُ أَيّاماً مَضَت مِن شَبابِهِ
وَما كانَ فيها بِالجَهالَةِ أَجرَما
فَصارَ قَرينَ الهَمِّ طولَ نَهارِهِ
أَخا الشُهدِ وَالنَجوى إِذا اللَيلُ أَظلَما
يَقولُ حَبيبي أَنتَ سُؤلي وَبُغيَتي
كَفى بِكَ لِلراجينَ سُؤلاً وَمَغنَما
أَلَستَ الَّذي غَذَّيتَني وَهَدَيتَني
وَلا زِلتَ مَنّاناً عَلَيَّ وَمُنعِما
عَسى مَن لَهُ الإِحسانُ يَغفِرُ زَلَّتي
وَيَستُرُ أَوزاري وَما قَد تَقَدَّما [4]
ماذا يُخَبِّرُ ضَيفُ بَيتِكَ أَهلَهُ
ماذا يُخَبِّرُ ضَيفُ بَيتِكَ أَهلَهُ
إِن سيلَ كَيفَ مَعادُهُ وَمَعاجُهُ
يَقولُ جاوَزتُ الفُراتَ وَلَم أَنَل
رِيّاً لَدَيهِ وَقَد طَغَت أَمواجُهُ
وَرَقيتُ في دَرَجِ العُلا فَتَضايَقَت
عَمّا أُريدُ شِعابُهُ وَفِجاجُهُ
وَلَتُخبِرَنَّ خَصاصَتي بِتَمَلُّقي
وَالماءُ يُخبِرُ عَن قَذاهُ زُجاجُهُ
عِندي يَواقيتُ القَريضِ وَدُرُّهُ
وَعَلَيَّ إِكليلُ الكَلامِ وَتاجُهُ
تَربى عَلى رَوضِ الرُبا أَزهارُهُ
وَيَرُفُّ في نادِيَ النَدى ديباجُهُ
وَالشاعِرُ المِنطيقُ أَسوَدُ سالِخٌ
وَالشِعرُ مِنهُ لُعابُهُ وَمُجاجُهُ
وَعَداوَةُ الشُعَراءِ داءٌ مُعضِلٌ
وَلَقَد يَهونُ عَلى الكَريمِ عِلاجُهُ [5]
بَلَوتُ بَني الدُنيا فَلَم أَرى فيهُمُ
بَلَوتُ بَني الدُنيا فَلَم أَرى فيهُمُ
سِوى مَن غَدا وَالبُخلُ مِلءَ إِهابِهِ
فَجَرَّدتُ مِن غَمدِ القَناعَةِ صارِماً
قَطَعتُ رَجائي مِنهُمُ بِذُبابِهِ
فَلا ذا يَراني واقِفاً في طَريقِهِ
وَلا ذا يَراني قاعِداً عِندَ بابِهِ
غَنيٌّ بِلا مالٍ عَنِ الناسِ كُلِّهِم
وَلَيسَ الغِنى إِلّا عَنِ الشَيءِ لا بِهِ
إِذا ما ظالِمُ استَحسَنَ الظُلمَ مَذهَباً
وَلَجَّ عُتُوّاً في قَبيحِ اِكتِسابِهِ
فَكِلهُ إِلى صَرفِ اللَيالي فَإِنَّها
سَتُبدي لَهُ ما لَم يَكُن في حِسابِهِ
فَكَم قَد رَأَينا ظالِماً مُتَمَرِّداً
يَرى النَجمَ تيهاً تَحتَ ظِلِّ رِكابِهِ
فَعَمَّا قَليلٍ وَهُوَ في غَفَلاتِهِ
أَناخَت صُروفُ الحادِثاتِ بِبابِهِ
فَأَصبَحَ لا مالٌ لَهُ وَلا جاهٌ يُرتَجى
وَلا حَسَناتٌ تَلتَقي في كِتابِهِ
وَجوزِيَ بِالأَمرِ الَّذي كانَ فاعِلاً
وَصَبَّ عَلَيهِ اللَهُ سَوطَ عَذابِهِ [6]
قلبي برحمتك اللهم ذو أنس
قلبي برحمتك اللهم ذو أنس في السر والجهر والإصباح والغلس
ما تقلبت من نومي وفي سنتي إلا وذكرك بين النفس والنفس
لقد مننت على قلبي بمعرفة بأنك الله ذو الآلاء والقدس
وقد أتيت ذنوبا أنت تعلمها ولم تكن فاضحي فيها بفعل مسي
فامنن علي بذكر الصالحين ولا تجعل علي إذا في الدين من لبس
وكن معي طول دنياي وآخرتي ويوم حشري بما أنزلت في عبس [2]