قصائد إيليا أبو ماضي
إيليا أبو ماضي (1889 - 1957) شاعر عربي لبناني يعد من أهم شعراء المهجر في أوائل القرن العشرين، اشتهر بفلسفته التي تطغى عليها نزعة التفاؤل وحب الحياة والحنين إلى الوطن، ويلاحظ غلبة الاتجاه الإنساني على سائر أشعاره نشأ في عائلة بسيطة، رحل إلى مصر بهدف التجارة وهناك دعي إلى الكتابة بمجلة «الزهور» وتوالت أعماله بالنشر وعند بلوغه الثانية والعشرين عمل على جمع أشعاره في ديوان أطلق عليه اسم «تذكار الماضي» والذي صدر في عام 1911.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
نظم الشعر في الموضوعات الوطنية والسياسية، فاضطر للهجرة إلى الولايات المتحدة عام 1912 حيث شارك لاحقاً في تأسيس الرابطة القلمية هناك مع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، وقام بإصدار مجلة «السمير» عام 1929 وفيها نشر معظم أدباء المهجر إنتاجهم الأدبي شعراً ونثراً، وقد واستمرت في الصدور حتى وفاته عام 1957. [1]
قصيدة العيون السود
ليت الذي خلق العيون السودا
خلق القلوب الخافقات حديدا
لولا نواعسها ولولا سحرها
ما ودّ مالكٌ قلبه لو صيدا
عَوذْ فؤادك من نبال لحاظها
أو متْ كما شاء الغرام شهيدا
إن أنت أبصرت الجمال ولم تهم
كنت امرءاً خشن الطباع ، بليدا
وإذا طلبت مع الصّبابة لذةً
فلقد طلبت الضّائع الموجودا
يا ويح قلبي إنّه في جانبي
وأظنّه نائي المزار بعيدا
مستوفزٌ شوقاً إلى أحبابه
المرء يكره أن يعيش وحيدا
برأ الإله له الضّلوع وقايةً
وأرته شقوته الضّلوع قيودا
فإذا هفا برق المنى وهفا له
هاجت دفائنه عليه رعودا
جشَّمتُهُ صبراً فلما لم يطقْ
جشمته التّصويب والتّصعيدا
لو أستطيع وقيته بطش الهوى
ولو استطاع سلا الهوى محمودا
هي نظرة عَرَضت فصارت في الحشا
ناراً وصار لها الفؤاد وقودا
والحبٌ صوتٌ، فهو أنّة نائحٍ
طوراً وآونة يكون نشيدا
يهب البواغم ألسناً صداحة
فإذا تجنّى أسكت الغريدا
ما لي أكلّف مهجتي كتم الأسى
إن طال عهد الجرح صار صديدا
ويلذُّ نفسي أن تكون شقيّةً
ويلذّ قلبي أن يكون عميدا
إن كنت تدري ما الغرام فداوني [2]
قصيدة طوى بعض نفسي
طَوى بَعضَ نَفسي إِذ طَواكَ الثَرى عَنّي
وَذا بَعضُها الثاني يَفيضُ بِهِ جَفني
أَبي خانَني فيكَ الرَدى فَتَقَوَّضَت
مَقاصيرُ أَحلامي جَبَيتٍ مِنَ التِبنِ
وَكانَت رِياضي حالِياتٍ ضَواحِكاً
فَأَقوَت وَعَفَّ زَهرَها الجَزَعُ المُضني
وَكانَت دِنانِيَ بِالسُرورِ مَليأَةً
فَطاحَت يَدٌ عَمياءُ بِالخُمرِ وَالدَنِّ
فَلَيسَ سِوى طَعمِ المَنِيَّةِ في فَمي
وَلَيسَ سِوى صَوتِ النَوادِبِ في أُذُني
وَلا حَسَنٌ في ناظِرَيَّ وَقَلَّما
فَتَحتَهُما مِن قَبلُ إِلّا عَلى حُسنِ
وَما صُوَرُ الأَشياءِ بَعدَكَ غَيرَها
وَلَكِنَّما قَد شَوَّهَتها يَدُ الحُزنِ
عَلى مَنكبي تِبرُ الضُحى وَعَقيقُهُ
وَقَلبِيَ في نارٍ وَعَينايَ في دُجنِ
أَبَحتُ الأَسى دَمعي وَأَنهَبتُهُ دَمي
وَكُنتُ أُعِدُّ الحُزنَ ضَرباً مِنَ الجُبنِ
فَمُستَنكِرٌ كَيفَ اِستَحالَت بَشاشَتي
كَمُستَنكِرٍ في عاصِفِ رَعشَةِ الغُصنِ
يَقولُ المُعِزّي لَيسَ يُحدي البُكا الفَتى
وَقَولُ المُعِزّي لا يُفيدُ وَلا يُغني
شَخَصتُ بِروحي حائِراً مُتَطَلِّعاً
إِلى ما وَراءِ البَحرِ أَدنو وَأَستَدني
كَذاتِ جَناحٍ أَدرَكَ السَيلُ عِشَّها
فَطارَت عَلى رَوعٍ تَحومُ عَلى الوَكنِ
فَواهاً لَو اِنِّيَ كُنتُ في القَومِ عِندَما
نَظَرتَ إِلى العَوّادِ تَسأَلُهُم عَنّي
وَيا لَيتَما الأَرضُ اِنطَوى لي بِساطُها
فَكُنتُ مَعَ الباكينَ في ساعَةِ الدَفنِ
لَعَلّي أَفي تِلكَ الأُبُوَّةَ حَقَّها
وَإِن كانَ لا يوفى بَِكَيلٍ وَلا وَزنِ
فَأَعظَمُ مَجدي كانَ أَنَّكَ لي أَبٌ
وَأَكبَرُ فَخري كانَ قَولُكَ ذا إِبني
أَقولُ لَوَ أَنّي كَي أُبَرِّدَ لَوعَتي
فَيَزدادُ شَجوي كُلَّما قُلتُ لَوَ أَنّي
أَحَتّى وَداعُ الأَهلِ يُحرَمُهُ الفَتى
أَيا دَهرُ هَذا مُنتَهى الحَيفِ وَالغَبنِ
أَبي وَإِذا ما قُلتُها فَكَأَنَّني
أُنادي وَأَدعو يا مَلاذي وَيا رُكني
لِمَن يَلجَءُ المَكروبُ بَعدَكَ في الحِمى
فَيَرجِعَ رَيّانَ المُنى ضاحِكَ السِنِّ
خَلَعتَ الصِبا في حَومَةِ المَجدِ ناصِعاً
وَنُزِّهَ فيكَ الشَيبُ عَن لَوثَةِ الأَفنِ
فَذِهنٌ كَنَجمِ الصَيفِ في أَوَّلِ الدُجى
وَرَأيٌ كَحَدِّ السَيفِ أَو ذَلِكَ الذِهنِ
وَكُنتَ تَرى الدُنيا بِغَيرِ بَشاشَةٍ
كَأَرضٍ بِلا ماءٍ وَصَوتٍ بِلا لَحنِ
فَما بِكَ مِن ضُرٍّ لِنَفسِكَ وَحدَها
وَضِحكُكَ وَالإِناسُ لِلجارِ وَالخِدنِ
جَريءٌ عَلى الباغي عَيوفٌ عَنِ الخَنا
سَريعٌ إِلى الداعي كَريمٌ بِلا مَنِّ
وَكُنتَ إِذا حَدَّثتَ حَدَّثَ شاعِرٌ
لَبيبٌ دَقيقُ الفَهمِ وَالذَوقِ وَالفَنِّ
فَما اِستَشعَرَ المُصغي إِلَيكَ مَلالَةً
وَلا قُلتَ إِلّا قالَ مِن طرَبٍ زِدني
بِرَغمِكَ فارَقتَ الرُبوعَ وَإِنَّنا
عَلى الرُغمِ مِنّا سَوفَ نَلحَقُ بِالظَعنِ
طَريقٌ مَشى فيها المَلايِيِنُ قَبلَنا
مِنَ المَلِكِ الامي إِلى عَبدِهِ القَنِّ
تَظُنُّ لَنا الدنيا وَما في رِحابِها
وَلَيسَت لَنا إِلّا كَما البَحرُ لِلسُفُنِ
تَروحُ وَتَغدو حُرَّةً في عُبابِهِ
كَما يَتَهادى ساكِنُ السِجنِ في السِجنِ
وَزَنتُ بِسِرِّ المَوتِ فَلسَفَةَ الوَرى
فَشالَت وَكانَت جَعجَعاتٍ بِلا طَحنِ
فَأَصدُقُ أَهلِ الأَرضِ مَعرِفَةً بِهِ
كَأَكثَرَهُم جَهلاً يُرَجِّمُ بِالظَنِّ
فَذا مِثلُ هَذا حائِرُ اللُبِّ عِندَهُ
وَذاكَ كَهَذا لَيسَ مِنهُ عَلى أَمنِ
فَيا لَكَ سِفراً لَم يَزَل جِدُّ غامِضٍ
عَلى كَثرَةِ التَفصيلِ في الشَرحِ وَالمِنَنِ
أَيا رَمزَ لُبنانٍ جَلالاً وَهَيبَةً
وَحُصنَ الوَفاءِ المَحضِ في ذَلِكَ الحوسنِ
ضَريحُكَ مَهما يَستَسِرَّ وَبَلدَةٌ
أَقَمتَ بِها تَبني المَحامِدَ ما تَبني
أَحَبُّ مِنَ الأَبراجِ طالَت قِبابُها
وَأَجمَلُ في عَينَيَّ مِن أَجمَلِ المُدنِ
عَلى ذَلِكَ القَبرِ السَلامُ فَذِكرُهُ
أَريجٌ بِهِ نَفسي عَنِ العِطرِ تَستَغني [3]
قصيدة التينة الحمقاء
وتــيــنــة غـــضـــة الأفـــنـــان بــاســقـة
قـــالــت لأتــرابــهـا والــصـيـف يـحـتـضـر
بئس القضاء الذي في الأرض أوجدني
عـنـدي الـجـمال وغـيـري عـنـده الـنظر
لأحــبـسـن عــلـى نـفـسـي عـوارفـهـا
فــــلا يــبـيـن لــهــا فــــي غـيـرهـا أثـــر
كـــم ذا أكـلّـف نـفـسي فــوق طـاقـتها
ولـيـس لـي بـل لـغيري الـفيء والـثمر
لــذي الـجـناح وذي الأظـفـار بــي وطـر
ولـيس فـي الـعيش لي فيما أرى وطر
إنـــي مـفـصلة ظـلـي عـلـى جـسـدي
فـــــلا يـــكــون بـــــه طـــــول ولا قــصــر
ولـــســـت مــثــمـرة إلا عـــلــى ثـــقــة
إن لــيــس يـطـرقـنـي طــيــر ولا بــشـر
عــــاد الــربـيـع إلــــى الـدنـيـا بـمـوكـبه
فـازيـنت واكـتست بـالسندس الـشجر
وظـــلـــت الــتـيـنـة الــحـمـقـاء عـــاريــة
كــأنــهـا وتـــــد فـــــي الأرض أو حــجــر
ولــم يـطـق صـاحـب الـبـستان رؤيـتـها
فـاجـتـثّها، فــهـوت فــي الـنـار تـسـتعر
مـن لـيس يسخو بما تسخو الحياة به
فـــإنـــه أحـــمـــق بــالــحــرص يــنـتـحـر [4]