قصائد أبي العتاهية
إسماعيل بن القاسم بن سويد العنزي (130-211 هـ) - أبو إسحاق - ولد في عين التمر، ثم انتقل إلى الكوفة، حيث كان بائعا للجرار، مال إلى العلم والأدب ونظم الشعر حتى نبغ فيه، ثم انتقل إلى بغداد، واتصل ببعض الخلفاء منهم: الخليفة المهدي والهادي وهارون الرشيد، كان يجيد القول في الزهد والمديح وأكثر أنواع الشعر في عصره.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
يقول البعض أن الخليفة المهدي هو من أطلق عليه كنية "أبو العتاهية" بقوله: «أَراك مُتَخلِّطاً مُتَعتِّهاً» لما عرف به في شبابه من مجون، هذا وقد مر أبو العتاهية بمرحلتين متباينتين من حياته انعكستا على شعره، هما مرحلة الشباب واللهو ومرحلة الزهد والتقشف، ففي الأولى كانت أغراض الغزل - وهي قليلة جداً - وفي المرحلة الثانية انحصرت أغراضه الشعرية في الحكم والزهديات، وقليل من الرثاء والمدح. [1]
قصيدة خليلي إن الهم قد يتفرج
خَليلَيَّ إِنَّ الهَمَّ قَد يَتَفَرَّجُ
وَمَن كانَ يَبغي الحَقَّ فَالحَقُّ أَبلَجُ
وَذو الغِشِّ مَرهوبٌ وَذو النُصحِ آمِنٌ
وَذو الطَيشِ مَدحوضٌ وَذو الحَقِّ يَفلُجُ
وَذو الصِدقِ لا يَرتابُ وَالعَدلُ قائِمٌ
عَلى طُرُقاتِ الحَقِّ وَالجَورُ أَعوَجُ
وَأَخلاقُ ذي التَقوى وَذي البِرِّ في الدُجى
لَهُنَّ سِراجٌ بَينَ عَينَيهِ يُسرَجُ
وَلَذّاتُ أَهلِ الفَضلِ بيضٌ نَقِيَّةٌ
وَأَلسُنُ أَهلِ الصِدقِ لا تَتَلَجلَجُ
وَلَيسَ بِمَخلوقٍ عَلى اللَهِ حُجَّةٌ
وَلَيسَ لَهُ مِن حُجَّةِ اللَهِ مَخرَجُ
أَلا دَحَرَت مِنّا قُرونٌ كَثيرَةٌ
وَنَحنُ سَنَمضي بَعدَهُنَّ وَنَدرُجُ
أَلا إِنَّ أَملاكاً سَمَت وَتَبَهَّجَت
وَلَكِنَّها بادَت وَبادَ التَبَهُّجُ
أَلا غَرَّتِ الدُنيا رِجالاً عَهِدتَهُم
أَلا رُبَّما راحوا عَلَيها وَأَدلَجوا
رُوَيدَكَ يا ذا القَصرِ في شُرُفاتِهِ
فَإِنَّكَ عَنهُ تُستَحَثُّ وَتُزعَجُ
وَإِنَّكَ عَمّا اختَرتَهُ لَمُزَحلَقٌ
وَإِنَّكَ عَمّا في يَدَيكَ مُخَرَّجُ
تَذَكَّر وَلا تَنسَ المَعادَ وَلا تَكُن
كَأَنَّكَ مُخلاً لِلمَلاعِبِ مُمرَجُ
وَلا تَنسَ إِذ أَنتَ المُوَلوَلُ حَولَهُ
وَنَفسُكَ مِن بَينِ الجَوانِحِ تَخرُجُ
وَلا تَنسَ إِذ أَنتَ المُسَجّى بِثَوبِهِ
وَإِذ أَنتَ في كَربِ السِياقِ تُحَشرِجُ
وَلا تَنسَ إِذ أَنتَ المُعَزّى قَريبُهُ
وَإِذ أَنتَ في بيضٍ مِنَ الرَيطِ مُدرَجُ
وَلا تَنسَ إِذ يَهديكَ قَومٌ إِلى الثَرى
إِذا ما هَدَوكاهُ انثَنَوا لَم يُعَرِّجوا
وَلا تَنسَ إِذ قَبرٌ وَإِذ مِن تُرابِهِ
عَلَيكَ بِهِ رَدمٌ وَلِبنٌ مُشَرَّجُ
وَلا تَنسَ إِذ بَينٌ بَعيدٌ وَإِذ أَدا
لَهُ سَبَبٌ لِلصَرمِ دونَكَ مُدمِجُ
وَلا تَنسَ إِذ تُكسى غَداً مِنكَ وَحشَةٌ
مَجالِسُ فيهِنَّ العَناكِبُ تَنسِجُ
لا بُدَّ مِن بَيتِ انقِطاعٍ وَوَحدَةٍ
وَإِن سَرَّكَ البَيتُ العَتيقُ المُدَبَّجُ
وَلِلغِيِّ أَحياناً سَبيلٌ مُشَبَّهٌ
وَلَكِن سَبيلُ الرُشدِ أَهدى وَأَبهَجُ
وَإِنَّ القُلوبَ لَو تَوَخَّت يَقينَها
لَتَصفو عَلى روحِ الحَياةِ وَتَثلُجُ
أَلَم تَرَ أَنَّ الجِدَّ يَبرُقُ صَفُّهُ
وَإِن كانَ أَحياناً بِهِ الهَزلُ يُمزَجُ
أَلا رُبَّ ذي طِمرٍ غَدا في كَرامَةٍ
وَمَلكٍ بِتيجانِ الهَوانِ مُتَوَّجُ
لَعَمرُكَ ما الدُنيا بِدارِ إِقامَةٍ
وَإِن زَبَّرَ الغاوُونَ فيها وَزَبرَجوا
وَكَم خامِدٍ تُخفيهِ ضَغطَةُ حُفرَةٍ
وَقَد كانَ في الدُنيا يَصيحُ وَيُرهِجُ
إِذا ما قَضى لَهُ امرِئٍ فَكَأَنَّهُ
تَحَسُّفُ زَهرٍ أَو كِتابٌ يُمَجمَجُ [2]
قصيدة لعمرك ما الدنيا بدار بقاء
لعمرك ما الدنيا بدار بقاء
كفاك بدار الموت دار فناء
فلا تعشق الدنيا أخي، فإنما
يرى عاشق الدنيا بجهد بلاء
حلاوتها ممزوجة بمرارة
وراحتها ممزوجة بعناء
فلا تمش يوما في ثياب مخيلة
فإنك من طين خلقت وماء
لقل امرؤ تلقاه لله شاكرا
وقل امرؤ يرضى له بقضاء
ولله نعماء علينا عظيمة
ولله إحسان وفضل عطاء
وما الدهر يوما واحدا في اختلافه
وما كل أيام الفتى بسواء
وما هو إلا يوم بؤس وشدة
ويوم سرور مرة ورخاء
وما كل ما لم أرج أحرم نفعه
وما كل ما أرجوه أهل رجاء
أيا عجبا للدهر لا بل لريبه
يخرم ريب الدهر كل إخاء
وشتت ريب الدهر كل جماعة
وكدر ريب الدهر كل صفاء
إذا ما خليلي حل في برزخ البلى
فحسبي به نأيا وبعد لقاء
أزور قبور المترفين فلا أرى
بهاء وكانوا قبل أهل بهاء
وكل زمان واصل بصريمة
وكل زمان ملطف بجفاء
يعز دفاع الموت عن كل حيلة
ويعيا بداء الموت كل دواء
ونفس الفتى مسرورة بنمائها
وللنقص تنمو كل ذات نماء
وكم من مفدى مات لم ير أهله
حبوه ولا جادوا له بفداء
أمامك يا نومان دار سعادة
يدوم البقا فيها ودار شقاء
خلقت لإحدى الغايتين فلا تنم
وكن بين خوف منهما ورجاء
وفي الناس شر لو بدا ما تعاشروا
ولكن كساه الله ثوب غطاء [3]
قصيدة آمنت بالله وأيقنت
آمَنتُ بِاللَهِ وَأَيقَنتُ
والله حَسبي حَيثُما كُنتُ
كَم مِن أَخٍ لي خانَني وُدُّهُ
وَلا تَبَدَّلتُ وَلا خُنتُ
الحَمدُ لِلَّهِ عَلى صُنعِهِ
إِنّي إِذا عَزَّ أَخي هُنتُ
ما أَعجَبَ الدُنيا وَتَصريفَها
كَم لَوَّنَتني فَتَلَوَّنتُ
لِلبَينِ يَومٌ أَنا رَهنٌ بِهِ
لَو قَد دَنا يَومي لَقَد بِنتُ
ما أَنا إِلّا خائِضٌ في مُنىً
قَبَّحتُها طَوراً وَحَسَّنتُ
يا عَجَباً مِنّي وَما اِختَرتُ مِن
شَكّي عَلى ما قَد تَيَقَّنتُ
يا رَبَّ أَمرٍ زَلَّ عَنّي إِذا
ما قُلتُ إِنّي قَد تَمَكَّنتُ
وَالدَهرُ لا تَفنى أَعاجيبُهُ
إِن أَنا لِلدَهرِ تَفَطَّنتُ [4]
أوجدت قتلي في الكتاب حلال
يا مَن تَفَرَّدَ بِالجَمالِ فَما تَرى
عَيني عَلى أَحَدٍ سِواهُ جَمالا
أَكثَرتُ في شِعري عَلَيكِ مِنَ الرُّقى
وَضَرَبتُ في شِعري لَكِ الأَمثالا
فَأَبَيتِ إِلّا جَفوَةً وَتَمَنُّعاً
وَأَبيتُ إِلّا صَبوَةً وَضَلالا
بِاللهِ قَولي إِن سَأَلتُكِ وَ اِصدُقي
أَوَجَدتِ قَتلي في الكِتابِ حَلالا [5]