قصائد أبو العلاء المعري
أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد القضاعي التنوخي المعري الشهير اختصارًا بِـ«أَبِي اَلْعَلَاءْ اَلْمَعَرِّي» هو شاعرٌ ومُفكِّر ونحويّ وأديب وفيلسوف من كبار أعلام الحضارة الإسلاميَّة وأحد أعظم شُعراء العرب، وُلد ومات في شماليّ الشَّام، وكان غزير الأدب والشعر، وافر العلم، وعالمًا باللغة والنحو، عاش أغلب حياته خلال العصر العبَّاسي الثاني.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
أصيب أبو العلاء بِالجدريّ صغيرًا فأصاب بالعمى وهو في الرابعة من عُمره، لكنه بالرغم من ذلك تعلم النحو واللغة العربية على يد والده وبعض علماء اللغة من أهل بلده، فأصبح ضليعًا في فُنُون الأدب حتى إنَّه قال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. وكان إذا أراد التأليف أملى على كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم، لقب بــ "رهين المحبسين" عندما اعتزل الناس - أي محبس العمى ومحبس البيت. [1]
قصيدة ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل
ألا في سبيلِ المَجْدِ ما أنا فاعل
عَفافٌ وإقْدامٌ وحَزْمٌ ونائِل
أعندي وقد مارسْتُ كلَّ خَفِيّةٍ
يُصَدّقُ واشٍ أو يُخَيّبُ سائِل
أقَلُّ صُدودي أنّني لكَ مُبْغِضٌ
وأيْسَرُ هَجْري أنني عنكَ راحل
إذا هَبّتِ النكْباءُ بيْني وبينَكُمْ
فأهْوَنُ شيْءٍ ما تَقولُ العَواذِل
تُعَدّ ذُنوبي عندَ قَوْمٍ كثيرَةً
ولا ذَنْبَ لي إلاّ العُلى والفواضِل
كأنّي إذا طُلْتُ الزمانَ وأهْلَهُ
رَجَعْتُ وعِنْدي للأنامِ طَوائل
وقد سارَ ذكْري في البلادِ فمَن لهمْ
بإِخفاءِ شمسٍ ضَوْؤها مُتكامل
يُهِمّ الليالي بعضُ ما أنا مُضْمِرٌ
ويُثْقِلُ رَضْوَى دونَ ما أنا حامِل
وإني وإن كنتُ الأخيرَ زمانُهُ
لآتٍ بما لم تَسْتَطِعْهُ الأوائل
وأغدو ولو أنّ الصّباحَ صوارِمٌ
وأسْرِي ولو أنّ الظّلامَ جَحافل
وإني جَوادٌ لم يُحَلّ لِجامُهُ
ونِضْوٌ يَمانٍ أغْفَلتْهُ الصّياقل
وإنْ كان في لُبسِ الفتى شرَفٌ له
فما السّيفُ إلاّ غِمْدُه والحمائل
ولي مَنطقٌ لم يرْضَ لي كُنْهَ مَنزلي
على أنّني بين السّماكينِ نازِل
لَدى موْطِنٍ يَشتاقُه كلُّ سيّدٍ
ويَقْصُرُ عن إدراكه المُتناوِل
ولما رأيتُ الجهلَ في الناسِ فاشياً
تجاهلْتُ حتى ظُنَّ أنّيَ جاهل
فوا عَجَبا كم يدّعي الفضْل ناقصٌ
ووا أسَفا كم يُظْهِرُ النّقصَ فاضل
وكيف تَنامُ الطيرُ في وُكُناتِها
وقد نُصِبَتْ للفَرْقَدَيْنِ الحَبائل
يُنافسُ يوْمي فيّ أمسي تَشرّفاً
وتَحسدُ أسْحاري عليّ الأصائل
وطال اعتِرافي بالزمانِ وصَرفِه
فلَستُ أُبالي مًنْ تَغُولُ الغَوائل
فلو بانَ عَضْدي ما تأسّفَ مَنْكِبي
ولو ماتَ زَنْدي ما بَكَتْه الأنامل
إذا وَصَفَ الطائيَّ بالبُخْلِ مادِرٌ
وعَيّرَ قُسّاًً بالفَهاهةِ باقِل
وقال السُّهى للشمس أنْتِ خَفِيّةٌ
وقال الدّجى يا صُبْحُ لونُكَ حائل
وطاوَلَتِ الأرضُ السّماءَ سَفاهَةً
وفاخَرَتِ الشُّهْبُ الحَصَى والجَنادل
فيا موْتُ زُرْ إنّ الحياةَ ذَميمَةٌ
ويا نَفْسُ جِدّي إنّ دهرَكِ هازِل
وقد أغْتَدي والليلُ يَبكي تأسُّفاً
على نفْسِهِ والنَّجْمُ في الغرْبِ مائل
بِريحٍ أُعيرَتْ حافِراً من زَبَرْجَدٍ
لها التّبرُ جِسْمٌ واللُّجَيْنُ خَلاخل
كأنّ الصَّبا ألقَتْ إليَّ عِنانَها
تَخُبّ بسَرْجي مَرّةً وتُناقِل
إذا اشتاقَتِ الخيلُ المَناهلَ أعرَضَتْ
عنِ الماء فاشتاقتْ إليها المناهل
وليْلان حالٍ بالكواكبِ جَوْزُهُ
وآخرُ من حَلْيِ الكواكبِ عاطل
كأنَّ دُجاهُ الهجْرُ والصّبْحُ موْعِدٌ
بوَصْلٍ وضَوْءُ الفجرِ حِبٌّ مُماطل
قَطَعْتُ به بحْراً يَعُبّ عُبابُه
وليس له إلا التَبَلّجَ ساحل
ويُؤنِسُني في قلْبِ كلّ مَخوفَةٍ
حلِيفُ سُرىً لم تَصْحُ منه الشمائل
من الزّنْجِ كَهلٌ شابَ مفرِقُ رأسِه
وأُوثِقَ حتى نَهْضُهُ مُتثاقِل
كأنّ الثرَيّا والصّباحُ يرُوعُها
أخُو سَقْطَةٍ أو ظالعٌ مُتحامل
إذا أنْتَ أُعْطِيتَ السعادة لم تُبَلْ
وإنْ نظرَتْ شَزْراً إليكَ القبائل
تَقَتْكَ على أكتافِ أبطالها القَنا
وهابَتْكَ في أغمادهِنَّ المَناصِل
وإنْ سدّدَ الأعداءُ نحوَكَ أسْهُماً
نكَصْنَ على أفْواقِهِنَّ المَعابل
تَحامى الرّزايا كلَّ خُفّ ومَنْسِم
وتَلْقى رَداهُنَّ الذُّرَى والكواهِل
وتَرْجِعُ أعقابُ الرّماحِ سَليمَةً
وقد حُطِمتْ في الدارعينَ العَوامل
فإن كنْتَ تَبْغي العِزّ فابْغِ تَوَسّطاً
فعندَ التّناهي يَقْصُرُ المُتطاوِل
تَوَقّى البُدورٌ النقصَ وهْيَ أهِلَّةٌ
ويُدْرِكُها النّقْصانُ وهْيَ كوامل [2]
قصيدة إن مازت الناس أخلاق يعاش بها
إن مازت الناس أخلاق يعاش بها
فإنهم عند سوء الطبع أسواء
أو كان كل بني حواء يشبهني
فبئس ما ولدت في الخلق حواء
بعدي من الناس برء من سقامهم
وقربهم للحجى والدين أدواء
كالبيت أفرد لا إيطاء يدركه
ولا سناد ولا في اللفظ إقواء
نوديت ألويت فانزل لا يراد أتى
سيري لوى الرمل بل للنبت إلواء
وذاك أن سواد الفود غيره
في غرة من بياض الشيب أضواء
إذا نجوم قتير في الدجى طلعت
فللجفون من الإشفاق أنواء [3]
قصيدة سلمنا ولم نقس
قِسْنا الأمورَ فلمّا نال رُتْبَتَه
مِن السّعادةِ سَلّمْنا ولم نَقِسِ
لقد تواضَعَتِ الدنيا لِذي شَرَفٍ
بمُلْبِساتِ الدّنايا غيرِ مُلْتَبِسِ
لغاسِلِ الكفّ من أعراضِها مئةً
وما يُجاوِزُ سبْعاً غاسِلُ النّجَسِ
غَمْرِ النّوالِ ولن تُبْقي على أحدٍ
حتى تَوَفّى بجُودٍ ضِدَّ مُحْتَبِسِ
والنّفْسُ تَحْيا بإعطاء الهَواء لها
منه بمِقْدارِ ما أعْطَتْهُ مِن نَفَسِ [4]
قصيدة ورائي أمام والأمام وراء
وَرَائِـــــــي أَمَـــــــامٌ وَالْأَمَــــــامُ وَرَاءُ
إِذَا أَنَـــا لَـــمْ تُـــكْــبِــرْنِــيَ الْــكُــبَــرَاءُ
بِــأَيِّ لَــسَــانٍ ذَامَــنِــي مُــتَــجَــاهِــلٌ
عَــلَــيَّ وَخَــفْــقُ الــرِّيــحِ فِــيَّ ثَــنَـاءُ
تَــكَــلَّــمَ بِــالْــقَـوْلِ الْـمُـضَـلَّلِ حَـاسِـدٌ
وَكُـــلُّ كَـــلَامِ الْـــحَــاسِــدِيــنَ هُــرَاءُ
وَمَنْ هُوَ حَتَّى يُحْمَلَ النُّطْقُ عَنْ فَمِي
إِلَــيْــهِ وَتَــمْــشِــي بَــيْـنَـنَـا الـسُّـفَـرَاءُ
وَإِنِّــي لَــمُــثْــرٍ يَــا ابْــنَ آخِــرِ لَــيْـلَـةٍ
وَإِنْ عَـــزَّ مَـــالٌ فَـــالْـــقُــنُــوعُ ثَــرَاءُ
وَمُــذْ قَــالَ إِنَّ ابْــنَ اللَّـئِـيـمَـةِ شَـاعِـرٌ
ذَوُو الْـجَـهْـلِ مَـاتَ الـشِّـعْـرُ وَالشُّعَرَاءُ
تُـسَـاوِرُ فَـحْـلَ الـشِّـعْـرِ أَوْ لَـيْـثَ غَابِهِ
سِــفَــاهًــا وَأَنْــتَ الــنَّـاقَـةُ الْـعُـشَـرَاءُ
أَتَـمْـشِـي الْـقَـوَافِـي تَـحْـتَ غَيْرِ لِوَائِنَا
وَنَـــحْـــنُ عَـــلَـــى قُـــوَّالِــهَــا أُمَــرَاءُ
وَأَيُّ عَـــظِـــيـــمٍ رَابَ أَهْـــلَ بِـــلَادِنَــا
فَـــإِنَّـــا عَـــلَـــى تَـــغْــيِــيــرِهِ قُــدَرَاءُ
وَمَــا سَــلَــبَــتْــنَـا الْـعِـزَّ قَـطُّ قَـبِـيـلَـةٌ
وَلَا بَـــاتَ مِـــنَّـــا فِـــيـــهِـــمُ أُسَـــرَاءُ
وَلَا سَــارَ فِـي عَـرْضِ الـسَّـمَـاوَةِ بَـارِقٌ
وَلَــيْــسَ لَــهُ مِــنْ قَــوْمِــنَــا خُــفَـرَاءُ
وَلَــسْــنَــا بِـفَـقْـرَى يَـا طِـغَـامُ إِلَـيْـكُـمُ
وَأَنْـــتُــمْ إِلَــى مَــعْــرُوفِــنَــا فُــقَــرَاءُ [5]