قرين..
دَخَلَ يبحث عن شيء بالبرّاد، التفتت تلقائيًا عندما سمعت صوت البرّاد، رأتْه يُقَلب عينيه ينظر للفراغ، فعرِفَتْ أنّ شيئًا يُشْغِلُه، هل تسأل؟ لقد كان يومها سيئًا جدًا حتى أنّها حاولت أن تتجنّب أي حوار معه منذ جاءت، ماذا لو أنّه يريد الحديث؟ هل تسأل؟ التقت عيناهما في لمحة خاطفة منه نحوها، ولم ينطق أحدهما، عادتْ عيناه للبرّاد، قررت أن تقطع هذا الصمتْ، لعلّ ما بها ينزاح أيضًا!
تبدو منشغل البال!
أغلق باب البرّاد كأنّه للتو اكتشف أنّ ما يبحث عنه لم يكن بالداخل! والتفت إليها، نظرتها حيادية، حسنًا، ستتفهم ذلك، هي دومًا تفهم، أنا أحبّها، لا يريد أن يخبرها أنّه كاد يقتل اليوم إحداهنّ بالسيارة لأنّها – البلهاء- تظنّ أنّ الشارع ملك لأجدادها، أو أنّ زميله في العمل لزج أكثر من اللازم، ما ذنبُه أنّ زميله شاذ؟ هل لأنّه يحترم حريّته أن يقيء على مسامعه ما يفعله أو ما ينوي أن يفعله؟
كلّ ذلك الحنق اختفى عندما رأى مراهِقَيْنِ يسيران في الشارع، يشبكان أياديهما الأربعة وكأنّ عباءة الله تحوطهما !
حينها اشتاق إليها كثيرًا، أراد أن يخلقها بين يديه لحظيًا، وبشدّة رغب في أن يضمّها. الآن تبدو هي في مزاج غير مناسب، وهو لا يُحِبّ إلا أن يكون المَنْحُ منها بقدر مضاه للعطاء، سيدعها تبدأ الحديث..
تبدو منشغل البال!
وكأنّها فتحت باب البركان، قال شيئًا ما لم تتبيّنه قبل أن تجد نفسها بين ذراعيه، أغلق كلّ مواقد الغاز بينما يُقَبّل وجهها وعنقها، كانت مستمتعة بالمفاجأة، أنستها عناء اليوم، أنفاسُه قريبة، يده اليسرى بأسفل ظهرها تدفعها نحوه، واليمنى تداعب أصول شعرها، تسحب كل ما فيه من مشابك، تعرف أنّه يحب هذه الحركة كثيرًا، جعلها تحبّها كذلك، عندما أخذتهما أقدامهما لغرفتهما، بدأت نبضات قلبها ترتفع أكثر، ألا يمكن الاقتصار على الارتشاف؟ كيف تخبره أنّها للتوّ أنهت مقالا عن اغتصاب الفتيات والنساء وأنّها بحاجة لبعض الوقت قبل أ أَ..نْ نْ
تسقط على السرير بينما أزرارها تُفتَح على عجل، تتخيّل بسخرية لو أنَّه غير موجود بينما تظلّ أفعاله موجودة فسيبدو وكأنَّها تُمارس الحُبَّ ذاتيًا، لماذا نحن كائنات ثنائية الجِنْسِ؟ لماذا لا نكون كائنات مكتفية ذاتيًا؟
هل لابد من هتك أسرار الآخرين وأعراض الآخرين؟
لماذا تكون أكثر الأشياء حميمية هي أكثرها اتكالا على الآخر؟ وأصدق لحظات السعادة عندما يوجد آخرون؟ لماذا لا نكون كائنات متوحدة مستغنية مكتفية بذاتِها؟
يحيط وجهها بين يديه فجأة، يقول لها: توقفي عن التفكير، أفكارك تقتحم رأسي أيضًا، أرجوكِ أن تراعي أنني أسمع كلّ شيء!
بقلم: إيمان أحمد