فيلم "محبس" لصوفي بطرس: السخرية من العنصرية بأسلوب ذكي!
تأخذنا المخرجة اللبنانية صوفي بطرس في فيلمها "محبس"، اولى تجاربها السينمائية،إلى واقع ملموس نعيشه منذ سنوات عدّة الا وهو العلاقة الشائكة بين الشعبين اللبناني والسوري ونظرة شعبين "شقيقين" بعضهم إلى بعض ضمن قالب كوميدي يسخر من العنصرية، الحقد والتعصب. يتناول العمل الذي كتبت نصّه المخرجة بالتعاون مع المنتجة ناديا عليوات قصّة "تيريز"، إحدى الشخصيات المحورية في الفيلم التي تلعب دورها الممثلة اللبنانية جوليا قصّار، والتي تكنّ للسوريين مشاعر الحقد بسبب مقتل شقيقها بقذيفة سورية وذلك على الرغم من مرور عقدين على انتهاء الحرب الأهلية في لبنان، فتتصاعد الأحداث حين تكتشف تيريز ان ابنتها الوحيدة ستتزوج من شاب سوري حين يصل الأخير إلى لبنان مع والديه للتعرف على عائلة حبيبته.
على الرغم من ان شخصية تيريز (جوليا قصّار) هي رئيسية في العمل كون احداث الأخير تدور حولها إلا ان باقي الشخصيات لا تقلّ اهمية عنها، فكل شخصية في الفيلم تلعب دوراً بارزاً في إدارة الأحداث، وقد جاء اختيار الممثلين في محلّه وموفقاً إلى حدّ كبير، من الممثل السوري بسام كوسى الذي يجسّد دور والد العريس والمتحمس لزواج ابنه والمتعلق بأجواء لبنان، إلى الممثلة السورية نادين خوري التي تؤدي شخصية "ام العريس" والتي ربما سيجد المشاهد فيها تلك المرأة المغرورة التي "لا يعجبها العجب" والغير راضية عن زواج ابنها، فضلاً عن الممثل اللبناني علي الخليل (والد العروس ورئيس البلدية) الذي يخفي عن زوجته حقيقة جنسية خطيب ابنتهما.
الممثلة اللبنانية بيتي توتل اضافت على العمل نكهة خاصة بخفّة ظلها خصوصاً ان الشخصية التي تلعبها موجودة في واقعنا اليومي، أي الجارة التي تتشارك يوميات جيرانها ومشاكلهم وتسعى إلى التخفيف من حدّة هذه المشاكل. اما الممثل السوري الشاب جابر جوخدار (سامر) والممثلة اللبنانية سيرينا الشامي (غادة) فهما عنصران مهمان في العمل والحب الذي يجمعهما فيه الكثير من الرموز والأبعاد. كل هذه الشخصيات اتت واقعية بحيث حرصت صوفي على إعطائها القالب الذي يقرّبها من الناس ما يدفع المشاهد إلى الإنجذاب اليها والتعلق بها منذ بداية الفيلم حتى نهايته، ناهيك عن ان المخرجة التي انتقلت من عالم الفيديو كليبات إلى عالم الفن السابع ابتعدت عن السياسة وتعقيداتها، وعن اسلوب الوعظ في طرحها للموضوع، لتقوم بمعالجة قصة عائلتين من مجتمعين مختلفين ببساطة وبأسلوب جديد وذكي يجعلك تفكّر في كل موقف يطرحه الفيلم وبالتالي تحليله. أضف إلى ذلك انها ابتعدت عن الديكورات المعقّدة، ونقلت المشاهد بصورة بسيطة وواقعية، ناهيك عن الحوار بين الشخصيات الذي جاء حقيقياً وبعيداً عن العبارات المصطنعة، لتكون النتيجة فيلماً كاملاً متكاملاً من مختلف النواحي.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
تشير شقيقة الفنانة جوليا بطرس في سياق حديثها عن فيلم "محبس"، إلى انه كان من الصعب جداً خلق شخصية تتسم بجانب سلبي وفي الوقت نفسه يتعاطف معها الناس، وذلك في إشارة إلى تيريز، لافتة إلى ان طريقة سرد القصة وتطور احداثها ستدفعان الناس إلى تغيير نظرتهم تجاه تيريز وبالتالي سيحبونها على الرغم من عنصريتها لأنهم سيتفهونها على حدّ قولها.
إلى ذلك توضح بطرس ان الفيلم يعالج نظرة مجتمعين بعضهما إلى بعض وهو بالتالي لا ينتقد مجتمع على حساب الأخر مضيفة في سياق منفصل ان الفن لا يحقق تغييراً جذرياً في عقليات الناس وفي طريقة تفكيرهم، إنما هو يطرح مسألة معينة ويحث الناس على التفكير فيها وتحليلها، وبالتالي "محبس" بحسب قولها قد يضعبعض المشاهدين مكان هذه الشخصيات الأمر الذي سيدفعهم إلى انتقاد ذاتهم عندما يكتشفون أن طريقة تفكيرهم لا تختلف عن طريقة تفكير هذه الشخصيات بصرف النظر إن كانوا لبنانيون ام سوريون لافتة في الإطار نفسه إلى انه ليس بالضرورة ان يغير الفيلم من نظرة الناس ومن طريقة تفكيرهم ولكن ربما سيحفذهم على طرح علامات استفهام عدّة وعلى القول ان هذه الشخصيات تمثلهم فعلاً في شكل من الأشكال.
وعن اختيار الممثلين تقول صوفي:" لا شك في ان اختياري وقع على اسماء كبيرة في عالم التمثيل ولكن لم يكن الهدف من ذلك تجارياً أو مضاعفة اهمية العمل. المعيار الوحيد الذي اعتمدته في عملية الإختيار كان البحث عن الإسم الذي يتناسب مع الدور والشخصية، فكل الخطوات التي قمت بها كانت لخدمة شخصيات العمل لا اكثر ولا اقل، فالممثل بسام كوسى كان اول من خطر على بالنا ليجسّد دور رياض، وكذلك الأمر بالنسبة للممثلة جوليا قصّار. كل ممثل يشارك في العمل بصرف النظر عن عدد السنوات التي تختصر خبرته إنما اخترته لأنني اعتبرته الأفضل لفيلمي وللشخصيات الموجودة فيه، وبالتالي اشعر انني محظوظة جداً لأن اختياري جاء موفقاً من ناحية التنوع الموجود في الممثلين الذين يملك كل واحد منهم هوية مختلفة عن الأخر وقدموا ادوارهم بعمق كبير بصرف النظر عن حجم كل دور ومساحته في الفيلم".
وعن شخصية الجارة التي تؤديها الممثلة المحبوبة بيتي توتل، فتشير بطرس إلى ان الشخصية كانت لتقع في الكليشيه لولا حرصها وحرص توتل على تقديمها بصورة كوميدية غير مبالغ فيها وغير سطحية، والعمل جاهداً على المحافظة على مستوى معين ليأتي الدور جميلاً وكوميدياً بامتياز، وكفيلاً بأن يجعل الناس يضحكون من قلبهم.
أخيراً وليس آخراً، ترغب صوفي بطرس في فيلمها المقبل بطرح موضوع العلاقة العاطفية التي تجمع المرأة والرجل، بمختلف مشاكلها وتعقيداتها،مشيرة إلى انها ستبدأ بالعمل على النص بعد انتهاء فصل الصيف كونها ستتفرغ حالياً لأولادها ولعملها الأساسي في الجامعة الأميركية في دبي. هذا وشكرت صوفي كلّ من شركة ART المنتجة المشاركة للعمل، ودار مجوهراتDamas، احد الرعاة الرسميين، التي قدّمت خاتم الخطوبة (المحبس) الذي صُمّم خصيصاً للفيلم، فضلاً عن المستثمرين اللبنانيين الذين لعبوا دوراً بارزاً في تمويل العمل.
الجدير بالذكر ان أغنية "يمكن" من فيلم "محبس" التي تؤديها صوفي بصوتها تمثل بحسب قولها الرسالة التي ارادت إيصالها، لذا رأت ان عليها ان تغنّيها بنفسها، وهي من كلمات فادي الراعي، الحان زياد بطرس وتوزيع داني الحلو.