عُنَيْكِبْ
كانت كلّما أرادت التخلّص من أحد عشاقها ظهرت به على الملأ، فتغمره الأضواء حتى تقتله، ولا تعود بحاجة إليه، كم عاشق ظلّ حيًا مليكًا على قلبِها حتى يُعلَنَ عنه فتتحرر من متعلقاته، ويعود إليها ألقها ويكأنّها عذراء لم يمسّ روحها بَشَر أبدًا. امرأة قاسية هي، يُطلِق عليها عشيقها الحالي "عُنَيْكِب"؛ فتضحك بجانب فَمِها ضحكة قصيرة وتنظر إليه طويلا، هو اسمها السريّ بينهما، ورغم أنّه يقوله للدلالة على قسوتها وتفشّي سطوتِها، إلا أنّها تراه مديحًا لها، وكأنّه بتصغيره للاسم قد أزال عنها صفات الشرّ.
قال لها ذات خشية: إذًا، متى ستُغشي الأضواء عينيّ؟
تنهدت قائلة: لن أفعل أبدًا.
- ألستُ رجلا كالآخرين؟ ما الذي يفضُلُنِي عن الباقين؟
- لن تفهم.
- اشرحي لي.
نظرتْ إليه طويلا، تُحِبّ شعره الفاحم، لا ينافس لونه سوى عينيه، له نظرة لا يمكن لها أن تدع أيّ كاميرا تلتقطها، لا يمكن أن تَظْهَرَ هاتان العينان للأضواء أبدًا فتُحْرَق النظرة الوحيدة الأثيرة لنفسِها، حتى الآن.
لا تستطيع أن تُخبِرَه أنَّ كلّ الأشياء الصغيرة التي يفعلها لأجلها تصيبها بالدوّار، فهمه لها فاق كلّ حد، أشياء لا تستطيع هي التعبير عنها بألفاظ منطوقة أمامه، ولا خلفه، لا تعرف الألفاظُ – بعدُ - كيف تَنْظُمَها، أشياء تُرى بعين القلب، وتُلمس بأنامل المشاعر، تخشى حتى لو قالتها أنْ يتذكّر كلامها وهو يقوم بها فلا يعود للأفعال بريقها.
لا يمكن أنْ تقول له أنَّ ابتسامته الدافئة عندما تأتي في وقتها تمامًا تعني لها الكثير، وأنّه يعرف متى تكون بحاجة إليه، ومتى تكون بحاجة إليها فيه، كيف يعرف؟
كيف أتْقَنَ توقيتُه حواسَّها؟ كيف له براعة التوافق مع تاريخها وجغرافيتها؟ كيف؟
راهنت أنّه شيء خارج إرادته هو ذاته. إنّه بالتأكيد يجهل نفسُه كيف يقوم ببراعة بإغوائها، وكيف في كلّ مرة يبدو وكأنّها تُغوَى من جديد، لو عَلِمَ ما سأل بأية حال!
قاطع صمتها الذي طال؛
- لا تخبريني. أفضّل أن أستمتع بما بيننا عِوَضًا عن تسطيره في ألواح، فترتبط سعادتنا بالألواح، ونجعلها تكتب بهجتنا ناسين أنّا من كتبناها.
طالت يده، ضمّتها بكفيها، قبّلتها مغمضة العينين، ثمّ انتفضت تسأله بمرح: هل لك أن تساعدني للتهيؤ للحفل القادم؟ جذبته من يديه، عانقته بشدة لا يعهدها منها إلا وقت تأجج، هل ستأخذه هذه المرّة؟ لتوّها قالت أنّها لن تفعل أبدًا! لكن من مَنَحه أيَّ ضمان بشأنِ النساء؟ هل هذا اشتعال يسبق الإخماد الأخير؟
سمعتْ أصواتهم في الردهة، هاتِفُها يصدح برنينه الأشبه بالفحيح فتقفز لعينيها نظرة لم يرها على وجهها أبدًا! عَرِف أنّ عليه أن يرحل من هنا سريعًا لو أنّه يريد أن يراها مرّة أخرى. قبّل جبهتها، ورَحَلْ.
وارتسمتْ على وجهها ابتسامة الأضواء.