عيد الشهداء مناسبة تجمع السوريين واللبنانيين
يضحي الإنسان بالكثير حتى ينال ما يريد، فما بالك إن كان استقلال بلاده مناه، وإيقاظ شعبه هدفه، عندها لن يضحي فقط بأمواله ومكانته الاجتماعية فقط بل يضحي بنفسه أيضاً، فيتحول هذا الإنسان إلى شهيد ورمز للتضحية والفداء في سبيل الوطن.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
عيد الشهداء في سورية ولبنان.. ذكرى رسمية
يحيي السوريون واللبنانيون في السادس من أيار/مايو من كل عام عيد الشهداء، حيث تعطل الجهات العامة في هذا اليوم، الذي تقام فيه الاحتفالات وترفع الأعلام ويكرم ذوي الشهداء بالعطايا والهدايا، وفي السادس من أيار عام 2016 أقيم احتفال لعيد الشهداء في مدينة تدمر الأثرية التي عانت من الإرهاب الذي ذهب ضحيته عشرات الشهداء من المدنيين، وفي لبنان أطلق لقب ساحة الشهداء على الساحة التي أعدم فيها العثمانيون المناضلين العرب، وأقاموا نصباً تذكارياً يخلد ذكراهم.
الشهيد كلمة متداولة كثيراً على لسان الناس ووسائل الإعلام والسياسيين، وهو من المفردات الدينية استخدمت للمرة الأولى للدلالة على المسيحيين الذين قتلوا دفاعاً عن دينهم، حيث فضّل هؤلاء الموت علناً على التخلي عن إيمانهم الديني، كما عرّف قاموس لاروس الفرنسي الشهيد (larousse) بأنه الشخص الذي قتل بسبب إيمانه الديني، أو من أجل قضية يؤمن بها. [1]
سورية الكبرى تحت الاحتلال العثماني
احتلت الإمبراطورية العثمانية بلاد الشام منذ عام 1516 حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى في عام 1918. وبقيت السلاطين تحكم الإمبراطورية العثمانية حتى مطلع القرن العشرين حيث نجح القوميون الأتراك وعلى رأسهم حزب الاتحاد والترقي في الوصول إلى السلطة عام 1908 فعملوا على فرض القومية واللغة التركية على كل القوميات الأخرى التي تعيش تحت الاحتلال العثماني، منهم الشعوب العربية التي تمسكت بعروبتها وقوميتها العربية فطالبت خلال المؤتمر العربي في باريس عام 1913 (شارك فيه عدد من الجمعيات العربية كالجمعية العربية الفتاة، جمعية العهد، جمعية الإصلاح) بالحكم الذاتي (حرية التصرف داخل حدود الولايات العربية وتبعيتها للدولة العثمانية)، إضافةً لاستخدام اللغة العربية في التعليم، وجعل خدمة المجندين العرب في أوقات السلم داخل ولاياتهم، لكن السلطات التركية لم تستجب لمطالبهم.
ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 وقفت الدولة العثمانية إلى جانب دول تكتل الوسط (ألمانيا والإمبراطورية الهنغارية النمساوية) ضد دول التفاهم (الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، فرنسا، بريطانيا)، حيث عينت وزير البحرية جمال باشا قائداً عاماً للقوات التركية في بلاد الشام، فشدد قبضته على بلاد الشام وفرض الضرائب والتجنيد الإجباري واللغة التركية، حيث ازدادت هذه الممارسات بعد فشل جمال باشا في السيطرة على مصر وإخراجها من سيطرة البريطانيين، نتيجةَ لهذه الممارسات بدأ العرب التحضير للقيام بالثورة ضد العثمانيين، حيث تواصلوا مع الفرنسيين والبريطانيين من خلال المراسلات السرية لتحقيق هذه الغاية، فتسربت هذه المراسلات للسلطات التركية فتذرعت بها لتنفيذ حكم الإعدام بالقوميين العرب.
لماذا 6 أيار عيد الشهداء؟
يحتفل السوريون بعدد من الأعياد الوطنية مثل عيد الجلاء، واللبنانيون لديهم عيد المقاومة والتحرير، لكنهم اختاروا يوم 6 أيار/مايو للاحتفال بعيد الشهداء تخليداً للشهداء الذي أعدمهم القائد العام للقوات التركية في بلاد الشام جمال باشا (حمل لقب السفّاح لكثرة الدماء التي هدرها) في مدينتي دمشق وبيروت الذين بلغ عددهم واحد وعشرين شهيداً، ليكون هذا اليوم أكثر يوماً يشهد إعدامات للمناضلين، وبذلك أصبح هذا العيد مشتركاً بين سورية ولبنان. [2]
أسماء الشهداء في دمشق وبيروت
فيما يلي أسماء أهم الشهداء الذين أعدموا في ساحة المرجة بدمشق:
-
شفيق المؤيد العظم: المندوب الرسمي السوري لدمشق في البرلمان التركي، نجل المستشار مؤيد باشا العظم، وحفيد والي السابقة من دمشق ومصر نصوح باشا العظم.
- الصحفي عبد الحميد الزهراوي: مؤسس صحيفة المنبر في حمص، ترأس المؤتمر العربي الأول في باريس عام 1913.
- رشدي الشمعة: عضو في مجلس المبعوثان (يضم أعضاء ممثلين عن الولايات العثمانية) في عام 1908، عاش بين عامي 1856- 1916.
- الشاعر عمر الجزائري: حفيد الأمير عبد القادر الجزائري، عاش بين عامي 1871-1916.
- شكري العسلي: عضو مجلس المبعوثان في عام 1908، عاش بين عامي 1868- 1916.
- الكاتب والشاعر رفيق سلوم، عاش بين عامي 1891- 1916، عضو في مجلس المبعوثان العثماني.
- الكاتب عبد الوهاب الإنكليزي، عاش بين عامي 1878- 1916، ولقب بالمليحي، أما لقب الإنكليزي، فيعود لجده الرابع العصبي المزاج، وكان يقال له: "إنك مثل البارود الإنكليزي".
وفيما يلي أسماء الشهداء الذي أعدموا في ذلك اليوم في ساحة البرج ببيروت:
- اليوناني بترو باولي، أصدر جريدة المراقب، عاش بين عامي 1886- 1916.
- الشاعر جرجي الحداد، عاش بين عامي 1880- 1916.
- سعيد فاضل عقل، أحد رواد الحركة الإصلاحية في لبنان، عاش بين عامي 1888 – 1916.
- الشاعر عمر حمد، عاش بين عامي 1892- 1916.
- الكاتب عبد الغني العريسي، عاش بين عامي 1890-1916، وعضو في الجمعية العربية الفتاة منذ عام 1912، قال قبل إعدامه: "إن مجد الأمم لا يبنى إلا على جماجم الأبطال، فلتكن جماجمنا حجر الزاوية في بناء مجد الأمة".
- الشيخ أحمد طبارة، إمام جامع النوفرة في بيروت، أصدر جريدة الاتحاد العثماني وجريدة الإصلاح.
- محمد الشنطي اليافي، من يافا
- توفيق البساط، أحد أعضاء (المنتدى الأدبي)، وعضو في (الجمعية العربية الفتاة).
- سيف الدين الخطيب، مؤسس (المنتدى الأدبي)، عاش بين عامي 1888- 1916.
- علي بن عمر النشاشيبي، عاش بين عامي 1883- 1916.
- محمود جلال البخاري، أحد أعضاء (المنتدى الأدبي)، أصدر جريدة (الحضارة)، عاش بين عامي 1894- 1916.
- العقيد سليم الجزائري، من مؤسسي (جمعية الفتيان العرب) و(الجمعية القحطانية) و(جمعية العهد)، عاش بين عامي 1879- 1916.
- العقيد أمين لطفي الحافظ، ضابط عاش بين عامي 1879- 1916.
- الأمير عارف الشهابي: عاش بين عامي 1891- 1916، عمل محرراً في جريدة المفيد.
لم يسكت السوريون واللبنانيون على الممارسات العثمانية، بل ساهمت هذه الممارسات في تكريس حقيقة مفادها أن الثورة هي السبيل الوحيد للتخلص من الاحتلال العثماني فكانت الثورة العربية الكبرى في عام 1916 التي شكلت بداية النهاية للدولة العثمانية التي حكمت العرب مدة أربعة قرون متتالية، وعندما نجحت الثورة أعلن المؤتمر الوطني السوري في عام 1920 استقلال سورية والعراق عن الدولة العثمانية.
قالوا في الشهيد
"إن الرجل الذي لديه الإيمان يجب أن يكون مستعداً ليكون شهيداً ولكن أيضا أحمق".
الشاعر والفيلسوف البريطاني جيلبرت كيث تشيسترتون (Gilbert Keith Chesterton)
"أنا أحب الحقيقة المرة، ولكن لا أحب الشهادة".
الأديب الفرنسي فولتير (Voltaire)
"الخيانة ليست معدية، ولكن الشهادة هو الوباء".
الأديب الفرنسي أندريه موروا (Andrea Moore)
"الشهادة هي السبيل الوحيد للرجل أن تصبح مشهورا من دون موهبة".
المؤلف الايرلندي جورج برنارد شو (George Bernard Shaw)
"استشهاد هو التسامي، التسامي للتآكل، وهو التعذيب الذي يكرس"
الأديب الفرنسي فيكتور هوغو (Victor Marie Hugo)
في الختام.. مهما تحدثنا عن الشهداء وتضحياتهم لا نوفيهم حقهم، فهم ضحوا بالغالي والنفيس لنكون أفضل، ليصبح إعطاء ذويهم مكانة مميزة من ناحية التعليم والعمل أقل ما يمكن أن يقدم لأشخاص فقدوا أغلى ما لديهم فداء العقيدة أو الوطن.