عصر الدولة الفرعونية الوسطى في مصر القديمة
ينقسم تاريخ مصر القديمة إلى ثلاث مراحل رئيسية، الأولى هي عهد الدولة القديمة الذي بدأ بعد أن قام الملك مينا بتوحيد وجهي مصر القبلي والبحري حوالي 3200 قبل الميلاد، وعرفت مصر القديمة حوالي ألف عام من التماسك والوحدة والقوة، إلى أن بدأ العصر الوسيط.
ينقسم العصر الوسيط أيضاً إلى ثلاث مراحل، هي فترة الاضمحلال الأولى، ثم عصر الدولة الوسطى، وأخيراً فترة اللامركزية الثانية أو الاضمحلال الثانية، وبنهاية العصر الوسيط يبدأ آخر قسم من تاريخ مصر القديم وهو عصر الدولة الحديثة.
في هذه المادة سنذهب معكم في الذاكرة إلى مرحلة الدولة الوسطى ثاني أطوار العصر الوسيط، وهي مرحلة إعادة توحيد مصر الفرعونية مجدداً بعد انهيار المركزية في عصر الاضمحلال الأول، كما سنتعرف على ملوك الأسرتين المصريتين الحادية عشرة والثانية عشرة وأهم مميزات حكمهما خلال مرحلة الدولة الوسطى.
شهدت مصر فترة مظلمة خلال حكم الأسرات المصرية من السادسة وحتَّى العاشرة
بعد ألف سنة من الوحدة؛ دخلت الدولة المصرية في مرحلة مظلمة اعتباراً من حكم الملك بيبي الثاني في القرن الأخير من عمر الأسرة المصرية السادسة وحتَّى انتهاء حكم الأسرة العاشرة، وعرفت هذه الفترة الواقعة بين سنة 2181 و 2040 قبل الميلاد باسم الفترة الانتقالية الأولى أو عهد الاضمحلال الأول.
تميزت هذه المرحلة بتفكك الدولة المركزية وتعاظم قوة حكام الأقاليم، كما شهدت ما يعرف بالثورة الاجتماعية الأولى في نهاية عهد الأسرة السادسة، وهي انتفاضة قام بها الفقراء بمواجهة الأغنياء وضد الحكومة، عبَّرت تلك الثورة عن نفسها بأعمال عنيفة من حرق وتدمير ونهب، لكنها في نفس الوقت انعكست على وعي الشعب المصري بحقوقه كما انعكست بشكل مباشر على تطور الأدب وازدهاره على الرغم من التراجع الشديد في النواحي الأخرى.
فعلياً انتهت هذه المرحلة مع وصول الأسرة الحادية عشرة الطيبية (نسبة لمدينة طيبة) إلى حكم مصر، بذلك دخلت المملكة بمرحلة عرفت باسم الدولة الوسطى، والتي امتدت من سنة 2040 حتَّى سنة 1785 قبل الميلاد تقريباً، حكمت خلالها الأسرتان الحادية عشرة والثانية عشرة.
الأسرة المصرية الحادية عشرة الطيبية (2133 وحتَّى 1786 قبل الميلاد)
نشأت الأسرة المصرية الحادية عشرة في مدينة طيبة الجنوبية حوالي منتصف القرن الثاني والعشرين قبل الميلاد، وبدأ حكام طيبة بالعمل على فرض سيطرتهم وسيادتهم على الأقاليم المجاورة لهم أولاً، ثم بدأوا بالسعي لأخذ عرش المملكة الموحدة من حكام أهناسيا (عاصمة الدولة المركزية آنذاك) بعد صراع دام حوالي تسعين سنة تمكنوا من خلاله من فرض سيطرتهم على مصر بالتدريج.
حيث ساهم ضعف الحكومة المركزية والصراعات الكثيرة مع حكام الأقاليم في تعزيز طموح ملوك طيبة، خاصة وأنَّ ملوك أهناسيا كانوا من حكام الأقاليم قبل وصولهم إلى عرش مصر، فوجد ملوك طيبة أنَّهم ليسوا أقل شأناً ولا شيء يحول بنيهم وبين عرش مصر الموحدة.
وهذا ما كان في عهد الملكي الطيبي منتوحوتب الثاني (نب حبت رع) الذي تمكن من إعادة توحيد مصر لتبدأ مرحلة جديدة من ازدهار مصر الموحدة مع بداية حكم أسرة طيبة، هذه الفترة تبدأ حوالي سنة 2040 قبل الميلاد وتمتد حتَّى انتهاء حكم الأسرة الثانية عشرة ودخول مصر في عصر اللامركزية الثاني أو الفترة الانتقالية الثانية.
صراع طيبة وإهناسيا على حكم مصر
تتقاطع فترة حكم الأسرة العاشرة الإهناسية مع فترة حكم الأسرة الحادية عشرة الطيبية، فالأسرة الحادية عشرة أعلنت توليها حكم مصر كاملة من الجنوب إلى الشمال قبل أن تسقط الأسرة العاشرة في أهناسيا بشكل نهائي، وذلك بعد أن تمكن حكام طيبة من توحيد أقاليم الجنوب ومصر العليا، ثم بدأوا بضم مناطق من مصر الوسطى حتَّى تمكنوا من الوصول إلى مرادهم بتوحيد مصر تحت رايتهم.
كما أخذ حكام الأسرة الحادية عشرة على عاتقهم إعادة بناء المملكة المفتتة والضعيفة، ومن المؤكد أن إعادة توحيد مصر وفرض السيطرة على وجهيها البحري والقبلي هو أهم ما ميز فترة حكم الأسرة الحادية عشرة، حتَّى أن المصرين القدماء أنفسهم كانوا يتعاملون مع الملك منتوحوتب الثاني كبطل قومي قام بتوحيد البلاد بعد تفككها، ووضعوه بمنزلة أول ملوك مصر الملك مينا الذي وحد الوجهين القبلي والبحري حوالي القرن الثاني والثلاثين قبل الميلاد.
مزايا فترة حكم الأسرة الحادية عشرة وأبرز ملوكها
- كما ذكرنا؛ فإن إعادة توحيد مصر سياسياً هو الإنجاز الأول والأهم الذي يسجل لملوك الأسرة الحادية عشرة الطيبية، كما انتقلت العاصمة من أهناسيا إلى طيبة.
- يبدو أيضاً أن حكام طيبة تمكنوا من إيجاد صيغة سياسية قضت على الحرب الأهلية بين الأقاليم، بذلك عادت مصر لتستفيد اقتصادياً من كامل امتدادها الجغرافي، كما تمكنوا من توحيد قوتها العسكرية.
- واجه حكام مصر الجدد القبائل الليبية وبدو الشرق، وتمكنوا من تحقيق الأمن للدلتا بعد أن كانت مستباحة في عصر الاضمحلال.
- تمكن حكام الأسرة الحادية عشر من فرض الأمن وإعادة جباية الضرائب وإعادة تفعيل المفاصل الاقتصادية التي تعطلت أثناء فترة الاضمحلال الأولى منذ نهاية حكم الأسرة السادسة.
- اتخذ حكام هذه الأسرة مجموعة من الإجراءات التي أعادت لمصر دورها في التجارة الخارجية، ربما أبرزها حفر آبار الماء على الطرق التجارية وإقامة الاستراحات، كما يعتبر الأمان الذي فرضه ملوك طيبة من أهم عوامل الاستقرار.
ملوك الأسرة الحادية عشرة الفرعونية
تأسس بيت الحكم في طيبة أولاً على يد حاكم الإقليم انيوتف الأول، ثم تلاه انيوتف الثاني، ثم انيوتف الثالث ومنتحوتب الأول، وجميعهم قبلوا توحيد مصر تحت حكم طيبة، كما أنَّهم جميعاً أسسوا لقوة طيبة من خلال معارك كثيرة مع الأقاليم ومع اهناسيا.
ثم جاء الملك المؤسس منتوحوتب الثاني الذي يعتبر أقوى ملوك هذه الأسرة، كما يعتبر صاحب الفضل في توحيد مصر وتأمينها، ثم تلاه ابنه منتوحوتب الثالث الذي نهج نهج والده، فعرفت مصر في عهده مرحلة من الرخاء شهد عليها ازدهار الفنون والعمارة خاصة فن النقش، كما اهتمت مصر في عهده بالمحاجر والمناجم.
بعد منوحوتب الثالث تولى عرش مصر منتوحوتب الرابع الذي بدأ معه أفول نجم الأسرة الحادية عشرة، ويعتقد بعض الباحثين أنّه كان آخر ملوك هذه الأسرة أو قد يكون تلاه حاكم ضعيف هو منتوحوتب الخامس، بسبب ضعف آخر الحكام انتهى الأمر إلى تنحية الأسرة الحادية عشرة وبداية حكم الأسرة الثانية عشرة على يد الملك أمنمحات الأول.
انقلاب الوزير أمنمحات.. الأسرة الثانية عشرة (1991 وحتَّى 1786 قبل الميلاد)
أرسل الملك منتوحوتب الرابع وزيره أمنمحات مع عشرة آلاف رجل إلى وادي الحمامات ليجلب من هناك الحجارة اللازمة لبناء قبر الملك، وهذا كان آخر ما علمناه عن الأسرة الحادية عشرة، حيث بدأ عهد الأسرة الثانية عشرة على يد مؤسسها الملك أمنمحات الأول، وأغلب الظن أن أمنمحات الوزير هو نفسه الذي استولى على الحكم من ملكه منتوحوتب الرابع.
نهاية الأسرة الحادية عشرة ما تزال غامضة حتَّى الآن، لكن الأرجح أن الوزير أمنمحات الذي أثبت كفاءته وتدرج في مناصب عليا قرر أخيراً أن يضع حداً للفوضى التي بدأت في المملكة، فانقلب على آخر ملوك الأسرة الحادية عشرة وأسس الأسرة الثانية عشرة التي حكمت مصر حتَّى الفترة الانتقالية الثاني سنة 1786 قبل الميلاد.
فعلياً بدأ الملك الجديد بتفادي المشاكل التي وقعت فيها الدولة نهاية عصر أسلافه، وكانت إعادة الاستقرار إلى البلاد مجدداً في طليعة اهتماماته، وعن الملك أمنمحات يحدثنا أحمد فخري في كتابه مصر الفرعونية: "لم يكن أمنمحات إلَّا رجلاً عصامياً من الشعب، رفعه ذكاؤه وجِدُّه وحسن إداركه للأمور إلى المكان الذي يستحقه".
معجزات عهد أمنمحات الأول وإقناع المصريين بأنَّه حاكم شرعي لمصر
أثناء رحلة أمنمحات الأول لجلب الحجارة قبل أن يصبح ملكاً تحدث عن عدد من المعجزات نقلها لنا وزيره، كما تعتبر بردية نفرتي المحفوظة في متحف سان بطرسبورغ (ليننجراد سابقاً) إحدى أهم المخطوطات التي ذكرت الملك أمنمحات الأول وتعرف بنبوءة نفرتي نسبة إلى كاهن من عهد الملك سنفرو من الأسرة المصرية الرابعة.
وقبل أن نسرد المعجزات ومضمون نبوءة نفرتي لا بد أن نتوقف عند سبب الترويج لهذه المعجزات وربطها بالوزير أمنمحات، فكما ذكرنا سابقاً لم يكن أمنمحات سليل أسرة ملكية، ولم يتمتع بقدسية الملوك المعتادة لأنّه كان رجلاً من عامة الشعب، وأغلب الظن أنَّ معارضيه أخذوا عليه ذلك بل واستغلوا هذه الثغرة للطعن بشرعية حكمه.
لم يكن أمنمحات (معنى اسمه آمون في المقدمة) يخشى على ما يبدو من خلعه عن العرش لأنَّ له أنصاره ومعه جيشه القوي، لكنه أراد في نفس الوقت أن يكمَّ الأفواه ويتخلص من هذه الثغرة، فحاول من خلال رواية معجزاته ونبوءة نفرتي أن يكتسب صفة القداسة.
ونذكر من معجزات أمنمحات معجزة الغزالة ومعجزة المطر
حيث يروي وزير أمنمحات أنَّ غزالة عشاراً على وشك الولادة اقتربت من أمنمحات في رحلة جلب الحجر دون أن تخاف منه، ثم ذهبت ووضعت صغيرها في مكان معين فعرفوا أنَّه المكان المناسب لقطع الحجارة منه وكان لهم ذلك، أمَّا المعجزة الثانية فتروي نزول مطر غزير بعد أن فقدوا أثر الماء في الصحراء، فضلاً عن اكتشاف عين ماء لم تكن موجودة أو لم يصل إليها أحد قبلهم، هذه القصص كان من شأنها أن تبرهن على سمة مقدسة لدى أمنمحات الأول، وتمهد أو توطد حكمه لمصر وهو الذي جاء من الشعب.
نبوءة نفرتي عن أمنمحات المُخلِّص
تعتبر بردية نفرتي محاولة من الكاتب لإقناع الناس أن هناك نبوءة من عصر الملك سنفرو مؤسس الأسرة الرابعة تشير إلى فوضى ستعم البلاد ستنتهي على يد الملك أميني، وهو الاسم المختصر للملك أمنمحات الأول مؤسس الأسرة الثانية عشرة، أما اسم البردية فهو نسبة إلى نفرتي صاحب النبوءة من عهد الملك سنفرو من الأسرة المصرية الرابعة.
إذن فالكاهن الذي كتب هذه البردية كان يريد أن يقول لمعارضي الملك أمنمحات الأول أنّ الملك جاء بمشيئة إلهية، وأنَّه يتحمل مسؤولية إعادة الأمن والأمان إلى المملكة المصرية الموحدة.
لم ينجو الملك أمنمحات الأول من المكائد على الرغم من إنجازاته الكثيرة
استطاع أمنمحات الأول؛ أول ملوك الأسرة الثانية عشرة أن يسيطر على الأقاليم ويوثق وحدة البلاد، واستخدم القوة تارةً والحيلة تارةً أخرى، لكنه في النهاية تمكن من انتشال مصر من فترة عدم الاستقرار التي سادت في نهاية عهد سلفه منتوحوتب الرابع أو الخامس.
من جهة أخرى أعاد أمنمحات الأول ترسيم الحدود بين حكام الأقاليم وجيرانهم لحل النزاعات التي تهدد وحدة مصر، كما قام بنقل العاصمة من طيبة في الجنوب إلى مدينة في الشمال عرفت باسم (إثت تاوي) بمعنى القابضة على الأرضين، والأغلب أنَّها قريبة من موقع بناء هرمه في منطقة اللشت، كما استطاع أمنمحات أن يفرد سيطرة العرش المصري على النوبة جنوباً حتَّى دنقلة، وقضى على غزوات البدو من صحراء مصر الشرقية والغربية، إضافة إلى التحصينات التي بناها حول الدلتا.
اغتيال الملك أمنمحات الأول
لم يكن هذا الازدهار الذي حققه الملك أمنمحات الأول مجانياً، حيث استغل أعداؤه المتربصون به غياب ابنه عن القصر وقاموا باغتياله، هذا ما عرفناه من البردية المسماة (بردية سنوهي) وهو أحد أقارب الملك على ما يبدو، إذ يروي أنَّه هرب إلى فلسطين ثم إلى الشام عند سماع نبأ اغتيال الملك.
إضافة إلى بردية (نصائح الملك أمنمحات الأول لابنه) والتي اعتبرها المصريون القدماء نصّاً مهماً فتم تدريسه للتلاميذ في الدولة الحديثة، ويتضمن نص البردية مجموعة من النصائح التي يقدمها أمنمحات الأول لابنه سنوسرت الأول، لكنه يقدمها له بعد أن انتقل إلى العالم الآخر؛ لذلك يذكر فيها طريقة موته أيضاً، فيقول:
"بعد تناول العشاء وحلول الليل ذهبت إلى النوم لأني كنت متعباً، وفجأة سمعت قعقعة الأسلحة، لقد كنت وحيداً ورأيت اشتباك الحرس مع الأعداء، ولو أني أسرعت وبيدي سلاحي لقاتلت هؤلاء الجبناء، ولكن لا شجاع في الليل ولا قتال لمن كان وحده، فلقد حدث ما حدث وأنا وحيد بدونك... إن الذي أكل طعامي هو الذي حرَّض الجنود عليَّ، والذي أطعمته هو نفسه الذي شجع الثورة".
خلفاء الملك أمنمحات الأول
أعلن الملك أمنمحات عن مشاركة ابنه سنوسرت له في الحكم قبل وفاته بعشر سنوات كسابقة فرعونية أصبحت تقليداً فيما بعد، ويبدو أن الملك سنوسرت الأول الذي اعتلى العرش بعد اغتيال والده قد اتخذ تدابير حاسمة مع أعداء الأسرة، فتمكن من حكم مصر أكثر من أربعين عاماً.
سنوسرت سار على خطى والده، واستمر في التوسع جنوباً باتجاه النوبة طمعاً بثرواتها وتأمين حدود مصر الجنوبية، فأرسل البعثات شمال السودان لاستخراج الذهب، كما اهتم باستخراج الفيروز والنحاس من سيناء.
وأنشأ سنوسرت الأول علاقات جيدة مع الآسيويين في بلاد الشام على ما يبدو، حيث عثر على آثار فرعونية تعود لهذه الحقبة في سوريا وفلسطين كما عثر على خرطوش الملك سنوسرت الأول في رأس شمرا (الخرطوش اسطوانة حجرية صغيرة يكتب عليها أسماء الملك).
ومن الشواهد على ازدهار الدولة في عهد الملك سنوسرت الأول كثرة الآثار التي تعود إلى تلك الفترة، فهناك أكثر من 35 منطقة أثرية في أنحاء مختلفة من مصر، في الإسكندرية والفيوم وعين شمس، ربما أبرزها معبده في عين شمس الذي بنى أمامه مسلتين من الجرانيت بقيت واحدة منها (مسلة المطرية) شاهدة على عصره، كما بنى مقبرته إلى جوار أبيه في منطقة اللشت.
حكم الملك أمنمحات الثاني والملك سنوسرت الثاني
رسخ الملك سنوسرت الأول نهج أبيه، فقام بمشاركة ابنه أمنمحات الثاني في الحكم ليخلفه بعد وفاته، حيث انفرد أمنمحات الثاني بحكم مصر حوالي اثنتين وثلاثين سنة، ولم يجد الباحثون حتَّى الآن ما يدل على أي توترات خلال فترة حكمه، بل من الواضح أنَّها كانت فترة حصاد لإنجازات المؤسسين الأوائل للأسرة الثانية عشرة.
كما كانت علاقة أمنمحات الثاني متميزة بأمراء وملوك سوريا، فهناك العديد من الآثار التي وجدت في سوريا تعود إلى عهده وحملت اسمه، كما تم العثور على بعض مقتنياته التي تحمل سمات الفن الآسيوي والأغلب أنَّها هدايا.
عموماً يمكن القول إن الدولة المصرية كانت تعيش أزهى عصورها في هذه المرحلة بعد أن استتب الأمن فيها وتمكنت من بناء علاقة جيدة ومتينة مع الجوار، كما استطاعت السيطرة على أخطار الصحراء، فضلاً عن اهتمام ملوكها بالمناجم.
حكم سنوسرت الثاني عامين مع والده أمنمحات الثاني حتّى وفاة الأخير، ثم انفرد بحكم البلاد قرابة عشرين سنة كانت شبيهة بفترة حكم والده إلى حد بعيد، ثم أورث العرش لابنه سنوسرت الثالث.
فترة حكم الملك سنوسرت الثالث
مع وصول الملك سنوسرت الثالث إلى الحكم انتهت مرحلة السلام التي عرفتها مصر في العقود السابقة وعاد النشاط العسكري إلى الواجهة، فقام بمحاربة المتمردين القادمين من كوش في النوبة من خلال أربع حملات ناجحة، أنهاها بإتباع النوبة لمصر بشكل نهائي، كما شيد حصوناً مصرية لمراقبة الحدود الجنوبية ومكافحة المتسللين، أبرزها حصني سمنة وقمة.
بلغتنا الحديثة يمكن أن نقول إن سنوسرت الثالث أعاد ترسيم الحدود مع الجنوب وفرض شروطاً معينة على الراغبين باجتياز الحدود الجنوبية والدخول إلى مملكته، فأصدر ما يعرف بمرسوم الحدود أو لوحة الحدود في العام الثامن من فترة حكمه، حيث منع دخول أهالي النوبة إلى مصر إلَّا للتجارة، وكانت هناك قوات عسكرية مسؤولة عن تطبيق هذا القانون.
كما قام بغزو جنوب فلسطين وهو ما يعتبره المؤرخون مقدمة لغزو سوريا في عصر الدولة الفرعونية الحديثة، واستطاع أن يعزز حدود مصر الغربية والشرقية بعد أن أعاد ترسيم حدودها الجنوبية.
أما داخلياً فقد تمكن الملك سنوسرت الثالث من القضاء على نفوذ حكام الأقاليم بشكل كامل، وأعاد بذلك الهيبة إلى مقام فرعون مصر، فتوقفت منذ عهده مظاهر استقلال حكام الأقاليم بذاتهم وإنشاء مقابرهم الخاصة، كما استفادت الحكومة المركزية من إعادة فرض ضرائب جديدة عليهم كانوا قد أعفوا أنفسهم منها، فضلاً عن نزع الكثير من الامتيازات عنهم.
من جهة أخرى قام سنوسرت الثالث بشق قناة شرق الدلتا بين نهر النيل وخليج السويس لتسهيل حركة السفن، كما قام بشق قناة بين الصخور عند الجندل الثاني في الجنوب، فضلاً عن تشييده الكثير من المعابد الدينية في الكرنك وأبيدوس، إضافة إلى هرمه الذي أقامه في دهشور.
الملك أمنمحات الثالث وانهيار الأسرة الثانية عشرة
بعد موت الملك سنوسرت الثالث خلفه على العرش ابنه أمنمحات الثالث، ويبدو أنَّه حكم في فترة من الرخاء نتيجة ما قام به والده وأجداده، فتفرغ لأعمال البناء والزراعة، وهو من أكثر ملوك الأسرة الثانية عشرة اهتماماً بالزراعة والري، حيث أتم مشروع بحيرة موريس قرب الفيوم، وأنشأ القناطر والجسور، كما جفف مساحات كبيرة من الأراضي لاستغلالها بالزراعة.
شيد أمنمحات الثالث هرمين له، الأول في دهشور والثاني قرب الفيوم في هوارة، وقد أثار معبده في هوارة إعجاب البطالمة والرومان فذكروه بمؤلفاتهم، لكن من المؤسف أنَّه تعرض للتدمير الكامل ولم يبقَ منه إلا بعض الأحجار المتناثرة.
نهاية الأسرة الثانية عشرة
مع موت أمنمحات الثالث انتهى العصر الذهبي لمصر في عهد الدولة الوسطى، وبدأت مرحلة الانحدار الثانية أو الفترة الانتقالية الثانية، حيث خلفه في الحكم ابنه أمنمحات الرابع حوالي تسع سنوات، ثم خلفته أخته سبك نفرو التي حكمت ثلاث سنوات.
فعلياً ودعت مصر سنين الرخاء واستقبلت السنين العجاف مع تأسيس الأسرة الثالثة عشرة، وستبقى الأمور تنحدر إلى الأسوأ لاحقاً مروراً باحتلال الهكسوس لمصر الفرعونية وحتَّى انتهاء فترة حكم الأسرة السابعة عشرة، هذه الفترة معروفة لدى المؤرخين باسم الفترة الانتقالية الثانية أو فترة اللامركزية الثانية (1786 وحتَّى 1567 قبل الميلاد).
ختاماً... تعتبر فترة حكم الأسرتين الحادية عشرة والثانية عشرة المصريتين من أكثر الفترات التي عرفتها مصر استقراراً، خاصة وأن النشاط العسكري توقف بشكل شبه كامل منذ عهد الملك سنوسرت الأول تقريباً، وذلك بعد أن ضبطت الحدود وسادت علاقات ودية مع الجوار الشامي، لكن هذا لم يدم طويلاً كما رأينا، وستعود مدينة طيبة لاحقاً لتلعب دوراً حاسماً في تاريخ مصر خلال فترة احتلال الهكسوس.