شمس في ليل الدراما اللبنانية...
من صميم التاريخ اللبنانيّ وزمن الاستعمار العثمانيّ، رسمت الكاتبة منى طايع خيوط روايتها الذهبية فأشرقت شمسُ سيناريو جديد لمسلسلٍ أداءُ ممثليه، نصّه ولمسته الإخراجية من ذهب.
"... وأشرقت الشمس" يستمّدّ فلسفته من حكاياتٍ عرفها المجتمع اللبناني وعايشها أبناؤه ففرّقت بين الطبقات الاجتماعية وهيمنت عليها شهوة السلطة وصراع الخير والشرّ، فعكست بنية المجتمع آنذاك. هذه الدراما التاريخيّة التي نقلت المشاهد الى عالم أكثر رومانسيّة بعيداً عن الهموم الحياتية الآنيّة، شكّلت أوّل نقطة جذبٍ، ليأتي نصّ الحبكة المتماسك فيرتقي بمستواها بحنكته وإبداعه، ليدعم أداء الممثلين المُتقن بمختلف تصنيفاتهم ويضفي بصمة مهنيّة كترجمة للنصّ ولفكرة الكاتبة إن من حيث الأداء التمثيلي أو اللغة المحكية. أما عدسة شارل شلالا ورؤيته الإخراجية فحملتا عودة بالصورة الى زمن الأسود والأبيض بريشةٍ ملوّنة ناجحة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
من الناحية التمثيلية، تستحقّ الممثلة رولا حمادة الوقوف عند أدائها كونها تشكّل حضوراً محترفاً للدراما المحلية، التي تختزن فيه نبعاً من الخبرة والعفوية والاحتراف. هي ببساطة رولا حمادة التي سحرت الكثيرين في خبرتها المتنقلة من مسلسل الى آخر، عادت الى الشاشة لتجسد دور المرأة التي تحكم عليها الطبقية المجتمعية فتقاومها وتجابه سلطة الإقطاع متسلحةً بشرفها وعنفوانها.
ورغم إطلالته الأولى على الشاشة الصغيرة، يبدو أنّ "سيف البحر" الفنان غسان صليبا اكتسب من العمل المسرحي ما ساهم في دعم مسيرته الفنيّة فجعل أداءه حقيقياً ليتحوّل ملك المسرحية ملكاً على الشاشة. أما صاحب الكاريزما القويّة يوسف الخال فأثبت مرّة جديدة أنّه المخوّل الأول وشبه الدائم للارتقاء بأدوار بطولية لا سيما بعد نجاح تجربةٍ مماثلةٍ له في "باب إدريس". ورغم أن الشابة إيمي الصياح تطل للمرة الأولى على شاشة الدراما إلا أنها حققت نجاحاً في دورها فالتزمت بشروطه الى أبعد الحدود وحملت في تجسيداتها صدقاً وعفوية.
أما الممثل المخضرم جوزيف بو نصّار فحافظ على أدائه ونقلنا الى عالم السلطة والطغيان قلباً وقالباً. وتسانده في الدور الممثلة نهلا عقل داوود التي عرفت كيف تجسّد دورها بحرفية مطلقة متسلحة بخبرة عمرها سنوات.
صحيحٌ أنّ كلّ عملٍ دراميّ أو فنيّ يترك خلفه بعض التساؤلات أو الانتقادات حول بعض الأخطاء أو بعض المواقف السطحية، ورغم أنّ مسلسل "وأشرقت الشمس" تميّز بمضمونه المتماسك فهو ذات معايير عالية الاتقان خوّلته نقل الدراما المحلية الى السكة الآمنة، إلا أنّ بعض التساؤلات تدور في الأفق حول سبب عودة "ياسمين" (رولا حماده) الى ديارها بعدما تحدّت الظروف فهربت من الظلم والاستبداد.
عدا ذلك، تخلو الرواية من أيّ دعسة ناقصة إن من حيث تضارب الشخصيات، أو صياغة النصّ والمواهب التمثيلية لتكتمل الصورة في مناخٍ استعماري يهيمن على المشاهد كهيمنة الاقطاع على الشعوب... هي هيمنة إيجابية نجحت منى طايع في اعادة إحيائها على الشاشة الصغيرة لتشرق بذلك شمس الدراما المحلية مجدداً ببصماتٍ لبنانية بحتة.
اشتركوا في نشرة ليالينا الإلكترونية لتصلكم آخر أخبار وصور الفنانين على البريد الإلكتروني.