شلل الأطفال الأسباب والتشخيص والعلاج
يعرّف شلل الأطفال (Polio) أو (Poliomyelitis) على أنّه حالة إنتانية شديدة يسببها فيروس شلل الأطفال (Polio virus) بشكل أساسي لدى الفئات العمرية تحت سن الخامسة. لقد ظهرت قديماً حالات متفرقة من شلل الأطفال دون أن تشكل خطراً حقيقياً حتى الفترة الواقعة بين القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث بلغت إصابات الأفراد بهذا الفيروس قمّتها العظمى، مما دفع الأطباء والمنظمات المجتمعية إلى إطلاق حملات تلقيح عنيفة للحد من التفشي الكبير لهذا المرض الوبائي.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
كيفية العدوى وأسباب شلل الأطفال
ينتقل فيروس شلل الأطفال عبر السبيل البرازي – الفموي، بمعنى أن الطعام والشراب الملوثين ببراز المصاب سيساهمان بشكل كبير في نقل العدوى إلى الأفراد الأصحاء، إضافة إلى أن إهمال غسل اليدين الملوثتين بالماء الفاتر والصابون بعد استعمال المرحاض سيتسبب بنقل الفيروس، خصوصاً إذا ما حدث تماس مباشر بين يدي المصاب الملوثتين مع يدي السليم. وبشكل أقل شيوعاً، يمكن للفيروس أن ينتقل عبر سعال المصابين أو عطاسهم إلى الأصحاء. [1]
العوامل المؤهبة للإصابة بشلل الأطفال
إذا لم يكن طفلك ممنع ضد فيروس شلل الأطفال (لم يأخذ اللقاح)، فهذا سيرفع احتمالية إصابته بهذا المرض إذا ما تعرض لواحد من المواقف التالية:
- التماس واللعب مع طفل آخر مصاب بفيروس شلل الأطفال.
- السفر إلى مناطق موبوءة يجتاحها فيروس شلل الأطفال بشكل كبير.
- إذا خضع طفلك لعملية استئصال اللوزتين، كونهما تشكلان خطاً دفاعياً هاماً ضد العوامل الممرضة.
كيف تتم العدوى بفيروس شلل الأطفال؟
يصل فيروس شلل الأطفال إلى جسم الطفل السليم عبر طرق العدوى التي استعرضناها آنفاً، ليستوطن البلعوم الأنفي (Nasopharynx) أو المخاطية المعوية ويبدأ بالتضاعف لزيادة أعداده. حالما تنتهي فعاليات تضاعف الفيروسات، تنطلق عمليات الهجوم على الأنسجة اللمفية المختلفة والموجودة في جسد الطفل، كاللوزتين الحنكيتين والتركيبات اللمفية الموجودة في الأمعاء.
إضافة إلى العقد اللمفية العميقة ضمن الحوض والبطن، لتصل بعدها إلى المجرى الدموي (Viremia) وتنتقل عبر مسيرة في الأوعية الدموية إلى النسيج العصبي، حيث تفرز الفيروسات ذيفانات (مواد بروتينية سامة)؛ تؤذي الخلايا العصبية الموجودة في منطقة القرن الأمامي للنخاع الشوكي (التي تنتقل عبرها الإشارات العصبية الحركية إلى العضلات)، وقد تصاب بها الخلايا العصبية في منطقة جذع الدماغ (Brain stem) أيضاً.
نتيجة لهذه الذيفانات السمية، تتظاهر (تظهر) لدى المريض أعراض تتوافق مع المنطقة العصبية المصابة. وفي 1% أو أقل من حالات الإصابة بهذا الإنتان؛ يتطور لدى المريض شلل في الأطراف السفلية غالباً، وقد يترقى الشلل لدى نسبة 5- 10% منهم فقط لينال من العضلات التنفسية مسبباً الوفاة لدى المريض، وذلك وفقاً لتصريحات منظمة الصحة العالمية (World Health Organization). [1]
أعراض شلل الأطفال
علينا التنويه بداية إلى أن فترة الحضانة الخاصة بفيروس شلل الأطفال تتراوح بين 3 إلى 50 يوماً، كما أن الإصابة به قد تبقى لا عرضية (لا تظهر أعراضه) لدى نسبة 90 – 95% من الحالات، بينما يمكن لشلل الأطفال في الحالات الأخرى أن يتظاهر بأعراض غير نوعية له، آخذاً الطابع العام والمشابه بشدّة للإنتانات التنفسية العلوية (أي التي تصيب المناطق من الأنف وحتى تفرع الرغامى)، فيدعى بذلك النمط غير الشللي (Nonparalytic Polio) أو المجهض (Abortive Polio)، والأعراض والعلامات الخاصة بهذا النمط قد تستمر بين يومين إلى عشرة أيام بعد ظهورها، لتشمل التالي:
- ترفع حروري قد يصل إلى 39 درجة مئوية.
- نقص الشهية.
- التهاب الحلق.
- التعب والوهن العام.
- آلام بطنية مع أو بدون ظهور إمساك.
- الصداع.
- الغثيان والإقياء.
- آلام ظهرية ورقبية وقد يُلاحظ يباستهما (Stiffness) أيضاَ.
- ضعف عضلي.
- أعراض تنجم عن مرض التهاب السحايا التي تحمي الدماغ والنخاع الشوكي. [2]
وفي حالات نادرة من الإصابة بفيروس شلل الأطفال، يمكن أن يتطور لدى المريض أعراض إضافية توافق النمط الشللي لهذا المرض (Paralytic Polio)، تتناسب بشكل كبير مع المنطقة العصبية التي بلغتها الأذية، قاسمة بذلك هذا النمط إلى الشلل النخاعي (Spinal Polio) والشلل البصلي (Bulbar Polio) والشلل النخاعي البصلي (Bulbospinal Polio).
يملك النمط الشللي الأعراض والعلامات ذاتها التي شاهدناها في النمط المجهض، إنما تشتد حدة الإقياءات وآلام البطن والرأس التي يشكو منها المريض، إضافة إلى ظهور أعراض عصبية مميزة للنمط الشللي نذكر منها:
- غياب المنعكسات العصبية (Reflexes).
- الآلام الشديدة أو الضعف العضلي الشديد.
- صعوبة البلع مع تنفس ضعيف.
- رخاوة تلاحظ عادة على عضلات الجسم في جانب واحد منه (تسمى هذه الحالة بالشلل الرخو Flaccid Polio). [2]
هل يمكن لشلل الأطفال أن يعاود الظهور مجدداً؟
قد يظهر شلل الأطفال مجدداً لدى المتعافين منه في حالات قليلة جداً، وذلك بعد مرور فترات زمنية طويلة قد تصل إلى 15 أو 40 سنة من تاريخ الإصابة الأولى، لتعرف هذه الحالة باسم التناذر ما بعد الإصابة بشلل الأطفال (Post – Polio Syndrome)، وفيها يختبر المصاب مجموعة الأعراض، مثل:
- آلام عضلية مستمرة تزداد سوءاً مع الزمن.
- ضمور العضلات.
- مشاكل في البلع والتنفس.
- توقف التنفس أثناء النوم (Sleep Apnea).
- مشاكل على مستوى التركيز والذاكرة.
- عدم تحمل الحرارة المنخفضة.
- ضعف جديد في مجموعات عضلية لم تشهد إصابتها سابقاً.
- التعب السريع والإنهاك الشديد.
- الاكتئاب.
كيفية تشخيص شلل الأطفال
سارع فوراً باستشارة أقرب مركز صحي أو طبيب أطفال حالما أبدى طفلك واحداً أو أكثر من الأعراض التي أوردناها في الفقرة السابقة. سيستفسر الطبيب بعدها بشكل دقيق عن الظروف التي هيأت طفلك لإصابته بالإنتان وفيما إذا كان قد لُقّح مسبقاً أو استكمل سلسلة تمنيعه ضد شلل الأطفال.
كما سيُجرى له فحص سريري شامل لكافة أعضاء الجسم، مع مجموعة فحوصات مخبرية بغية تحديد العامل الممرض المتهم وتأكيد التشخيص بشكل جيد، وذلك بعد أخذ مسحات بلعومية وعينات برازية لزرعها على الأوساط المناسبة.
إضافة إلى البحث عن الأضداد (Antibodies) الموجهة نحو فيروس شلل الأطفال في مصل الطفل. وقد يخضع الطفل أيضاً للبزل القطني (Lumbar Puncture) بغية أخذ عينات قليلة من السائل الدماغي الشوكي الذي يملأ القناة الفقرية، وصولاً إلى تحديد العامل الممرض المسؤول عن إحداث هذه الأعراض. [2]
كيفية علاج الإصابة بشلل الأطفال
لا يتوفر حتى الآن علاجات فعالة وموجهة ضد شلل الأطفال، إنما تتركز الجهود الطبية حالياً على تأمين راحة الطفل المصاب في سريره مع استعمال خافضات الحرارة الفموية ومسكنات الألم كالباراسيتامول (Paracetamol)، إضافة إلى تعويض السوائل والشوارد التي فقدها في إقياءاته الشديدة منعاً لحدوث التجفاف.
كما يمكن استخدام أجهزة التهوية المنزلية لمساعدة الطفل على التنفس، مع ضرورة اتباع حمية غذائية صحية حاوية على الخضار والفاكهة والحبوب والمواد الكربوهيدراتية بشكل أساسي، على اعتبار أن السكريات من أهم العناصر الغذائية التي تحتاجها الخلايا العصبية كوقود لأداء وظائفها. ولا ننسى أهمية إجراء العلاج الفيزيائي للوقاية من حدوث التشوه العضلي وفقدان وظيفة العضلات المصابة. [2]
الوقاية من الإصابة بشلل الأطفال
لقد صرّح الطبيب الأمريكي جوناس سولك (Jonas Salk) عن ابتكاره لقاحاً مضاداَ لشلل الأطفال مع فريقه البحثي في جامعة بيتسبورغ (University of Pittsburg) عام 1955، تأتي أهميته بشكل خاص في تأمين مناعة قوية للطفل ضد هذا المرض.
ويتوفر على هيئة حقن عضلية تعطى في القسم العلوي من الذراع (Intra – muscular Polio Vaccine) وتحتوي على الفيروس بشكله المقتول (غير المفعّل). ينبغي التنويه إلى توصيات موقع (Centers for Disease Control and Prevention) (CDC) بأهمية أخذ اللقاح العضلي مقسماً على أربع جرعات وفق التالي:
- الجرعة الأولى بعمر شهرين.
- الجرعة الثانية بعمر أربعة شهور.
- الجرعة الثالثة ما بين الشهر السادس والثامن عشر من عمر الطفل.
- الجرعة الأخيرة ما بين السنة الرابعة والسادسة من عمر الطفل. [3]
من جهة أخرى، أعلن الطبيب البولندي ألبرت سابين (Albert Sabin) عن لقاح فموي (Oral Polio Virus) مضاد لشلل الأطفال، يحتوي بشكل أساسي على فيروسات شلل الأطفال بشكلها الحي المضعّف.
ويؤمن حماية قد تصل إلى نسبة 95% بعد أخذ ثلاث جرعات منها، ونظراً لسهولة استخدامه ورخص ثمنه فقد تم اعتماده كواحد من أفضل الوسائل التمنيعية ضد شلل الأطفال في مناطق كثيرة حول العالم، غير أن بعض حالات الشلل التي أعقبت أخذ اللقاح قد دفعت الدول المتقدمة إلى الاعتماد على اللقاح المأخوذ عضلياً للحد من تكرار هذه الحالات.
لا يحبذ تلقيح البالغين غير الممنعين في طفولتهم ضد شلل الأطفال، باستثناء عوامل الخطورة العالية التي تحتّم على الفرد أخذ اللقاح بغية الحماية من الإصابة بشلل الأطفال، ومن هذه العوامل نذكر:
- العمل في مختبرات تجعل الفاحصين عرضة للتماس مع فيروس شلل الأطفال.
- أفراد الكوادر الطبية في المشافي والمستوصفات غير الممنعين ضد شلل الأطفال.
- السفر إلى مناطق موبوءة يجتاحها المرض بشكل كبير.
حيث يعطى البالغ الجرعة العضلية الأولى وتعقبها الجرعات الأخرى وفق التسلسل الزمني التالي:
- تعطى الجرعة الثانية بعد الأولى بشهر أو شهرين.
- تعطى الثالثة بعد الثانية بستة أشهر إلى 12 شهراً.
يشار إلى أن حالات شلل الأطفال قد انخفضت بشكل ملحوظ بما بلغت نسبته 99% بفضل جهود التلقيح الحثيثة التي شهدتها مناطق كثيرة حول العالم اعتباراً من عام 1988، لينحدر عدد حالات شلل الأطفال المسجلة من 350 ألف حالة إلى 37 حالة فقط خلال عام 2016، وفقاً لما أوردته منظمة الصحة العالمية (WHO). [1]
الأعراض الجانبية للقاح ومضادات استطبابه
يعتبر لقاح شلل الأطفال آمناً نسبياً ويمتاز عادة بقلة المضاعفات الخطيرة والجدية التي تعقب إعطاءه، غير أن حالات قليلة تالية للتطعيم سيلاحظ فيها تشكل بقع حمراء وحارّة موضعياً في مكان وخز الإبرة العضلية، وفي حالات أخرى قد يتطور لدى الطفل أعراض ارتكاس تحسسي شديد يتطلب تدخل الكادر الطبي الإسعافي لإيقافه.
يُفضل ألا تتلقح الحامل ضد شلل الأطفال باستثناء الحالات الملحّة التي تفرض عليها أخذ اللقاح من أجل حمايتها وجنينها، ويمنع إعطاؤه كلياً لمن لديه سوابق تحسسية ضد الصادات الحيوية كالنايومايسين (Neomycin) أو الستربتومايسين (Streptomycin) مثلاً، وبعد إبداء ردات فعل تحسسية تالية لأخذ الجرعة الأولى منه. [3]
إن لاتباع قواعد الصحة العامة دوراً مهماً في الوقاية من الإصابة بفيروس شلل الأطفال، يأتي في مقدمتها غسل اليدين الجيد بالماء الفاتر والصابون قبل تحضير الطعام وأثناء وقبيل تقديمه وبعد الخروج من المرحاض، إضافة إلى استخدام المناديل عند العطاس أو السعال مع غسل الفواكه والخضراوات قبل تناولها وتعقيم المياه قبل شربها.
شاهدي أيضاً: الإمساك لدى الأطفال
شاهدي أيضاً: فيتامين أ للأطفال
شاهدي أيضاً: أوميغا 3 للأطفال