حنين*

  • تاريخ النشر: الإثنين، 17 أغسطس 2015 | آخر تحديث: الأحد، 06 فبراير 2022
مقالات ذات صلة
لبنى عبد العزيز لـليالينا: حنيني لمصر سبب مشاركتي في سلام من مصر
أنواع الأحذية التي تتناسب بشكل أفضل مع البناطيل الجينز
شيلاء سبت

صعد درجات المنزل وجِلا .. هل يجدها يا ترى؟ بينما تجتاحه الذكريات .. يتذكر كيف كانت مشرقة دومًا .. كانت الشيء الجميل في حياته الصغيرة آنذاك.

تذكّر .. منذ متى لم يعزف؟ ياللزمن البعيد .. كيف كان لا يكفّ كل يوم عن العزف .. يحاول عدّ السنوات التي لم تمسّ أنامله البيانو فيعجز .. بعمر هجرته إلى كندا ربما .. وربما أكثر بقليل.

دقّ الباب بيده اليمنى وبيسراه علبة من الشوكولا الفاخرة.

لا أحد يردّ خلف الباب .. ولا أحد يفتح.

هل رحَلَت؟ لا يتصور أن يترك البلد مرّة أخرى دون أن يراها .. أنْ يحادثها ولو قليلاً .. لا يمكن أن تكون رحلت.

جاء البوّاب حاملا كيسًا به بعض الحليب .. وضعه بجوار الباب وقال: لا تطرق الباب .. ستفتح هي وتأخذ الحليب.
وقبل أن يعود من حيث أتى .. تساءل بصوت مرتفع: أنت أحد أقرباءها؟

فاجأه السؤال؛ لكنّه أجاب بدون تردد : نـعـم.

كيف لا يكون أحد أقرباءها وقد تدرّب على يديها عدة سنوات؟ لم تكن معلّمته فحسب؛ بل كانت أمًا ومربيّة فاضلة .. لا يستطيع أن ينسى كل تلك الذكريات التي تطنّ في رأسه وكأنّها أحداث البارحة!

استطرد البوّاب: حبّذا لو جاء أحد للسؤال عليها من حين لآخر؛ فأومأ إليه إيجابًا.

فذهب ناحية الدرج، اتّكأ على الإفريز .. وانتظر.

بعد قليل فُتِحَ الباب لتخرج امرأة كبيرة في السن .. تأخذ الكيس .. ذهب الرجل ناحيتها قبل أن تغلق الباب .. حاولت أن تغلق الباب في وجهه لكنه صرخ قائلا أنا رائد؛ رائد تلميذك في حصّة الموسيقا؛ حدّقت بوجهه .. التقطت عويناتها من فوق صدرها ببطء ونظرت إليه.. ثم ظهرت على وجهها أمارات الرِّضا.

قال لها بينما تعود للداخل :
- هل أستطيع الدخول؟
- نعم .. أغلق الباب خلفك.

وضع علبة الشوكولا على رَفّ .. دخلت إلى المطبخ من فورها فجلس ينتظر.
رأى البيانو القديم .. في مكانه كما هو لم يتحرك، قام ليعزف عليه .. ويتذكر صباه .. تعجّب أن سارت أنامله بسلاسة؛ وقلبه يخفق كطفل يمشي للمرّة الأولى!

سمع صوتها : برافو ..
لم تنسَ.

- منذ زمن لم أعزف.. لكن هذه أعرفها جيدًا.
- ما الذي منعك؟
- العمل.

قالت فجأة: نسيتُ الماء على النار .. سأقوم بعمل شاي لك. قال لها: كلا لقد شبعتُ منهما .. كلّما دخلتُ مكتبًا شربتُ شايًا أو قهوة. ارتاحي أنتِ .. أتريدين أن أعمل لكِ شايًا؟
- لا .. فقط أطفئ الغاز .. وأحكِم إغلاق الأنبوبة فهي تقوم بتسريب الغاز.
- حسنا.

- جلبتُ لك شوكولا من مطار تورنتو .. خذي تذوقيها. أخرج واحدة قام بفتحها لها وناولها إيّاها..
- لماذا هاجرت؟
- إنها الحياة.

أخذا يتحدثان .. يتضاحكان ويتبادلان الذكريات.. ومرّ الوقت بهما دون أن يشعرا.

حتى حان وقت الرحيل... تبادلا السلام على الباب .. قبّلت يده بامتنان أمّ .. فقبّل جبينها شاكرًا..
وذهب.


*القصة مستوحاة من فيلم قصير لماجدة الخطيب