حرب أكتوبر 1973.. حرب تشرين التحريرية
الخلفية التاريخية لحرب تشرين التحريرية
وفاة ناصر وشروط السادات للسلام
أحداث الحرب على الجبهة المصرية
خط بارليف: رهان إسرائيل على مصر
وضع سوريا وإسرائيل عند بدء الحرب
الصاعقة المصرية تصد هجوم إسرائيل
دور سلاح النفط للدول العربية بالحرب
نهاية حرب أكتوبر/تشرين التحريرية
شكل احتلال إسرائيل للعديد من الأراضي العربية نتيجة عدوان الخامس من حزيران/يونيو عام 1967، ورفض إسرائيل تطبيق القرار 242 القاضي بانسحابها من الأراضي المحتلة، دافعاً أساسياً لدى سورية ومصر التي تحتل إسرائيل جزءاً من أراضيهما إلى البحث عن وسيلة أخرى لاستعادتها عملاً بمبدأ (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة)، فكانت حرب تشرين التحريرية (حرب أكتوبر) في السادس من تشرين الأول/أكتوبر عام 1973.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
إحياء حرب تشرين في سوريا ومصر
رغم أن الحدث واحد وهو حرب تشرين الأول/ أكتوبر في عام 1973 إلا أن نظرة الطرفين للاحتفال بهذه المناسبة اختلفت، ففي حين أطلقت مصر (عيد القوات المسلحة المصرية) على تاريخ بدء الحرب أي السادس من تشرين الأول/أكتوبر، حيث يحتفل المصريون بذكرى عبور الجيش المصري قناة السويس، وذلك من خلال تنظيم المسيرات ورفع الأعلام المصرية والقيام بعرض عسكري تشارك فيه كل القوات المصرية البرية والبحرية والجوية.
هذا العرض كان فرصة لاغتيال الرئيس المصري أنور السادات بعد 8 سنوات من الحرب أي في عام 1981، حين تحول فرح المصريين مأتماً على رئيسهم، وبعد ذلك ألقي القبض على القاتل وهو الملازم أول خالد الإسلامبولي وقبض عليه عام 1981 وتم إعدامه.
أما في سورية فتحتفل بذكرى حرب تشرين التحريرية في السادس من تشرين الأول/أكتوبر كل عام، فهو يوم عطلة رسمية يحتفل بها الشعب والجيش بهذا الانتصار من خلال المسيرات ورفع الأعلام، في حين يقوم الجيش بعرض عسكري في ثكناته ويتحدث القادة العسكريون عن معاني هذا اليوم مؤكدين استمرار النضال حتى استعادة كامل أراضي الجولان المحتل. [1]
الخلفية التاريخية لحرب تشرين التحريرية
بعد النكسة في الخامس من حزيران/يونيو عام 1967 التي أسفرت عن احتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية، وشبه جزيرة سيناء المصرية، وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية من فلسطين، قامت إسرائيل ببناء تحصينات في المناطق المحتلة فكان خط آلون في الجولان، وخط بارليف في سيناء، في وقت بدأت فيه مصر وسورية التحضير لاستعادة أراضيهما المحتلة من إسرائيل. [1]
حرب استنزاف على الجبهتين السورية والمصرية ضد إسرائيل
بدأت حرب استنزاف على الجبهتين السورية والمصرية ضد إسرائيل في شهر أيلول/سبتمبر عام 1968، الأمر الذي دفع وزير الخارجية الأمريكي وليام روجرز لاقتراح خطط لتسوية سلمية في الشرق الأوسط، هي: [1]
- الخطة الأولى: تسوية بين مصر وإسرائيل: كانت في التاسع من شهر كانون الأول/ديسمبر عام 1969، تضمنت عشر نقاط، أهمها أن تضع إسرائيل جدولاً زمنياً لانسحابها من الأراضي المصرية المحتلة، إضافةً لإقامة علاقات بين مصر وإسرائيل، مع ضمان حرية الملاحة في قناة السويس، رفضت إسرائيل ومصر هذه الخطة، حيث لم تكن إسرائيل تفكر في الانسحاب من سيناء، كما لم تكن مصر في وارد فتح قناة السويس أمام إسرائيل.
- الخطة الثانية: تسوية بين مصر والأردن من جهة وإسرائيل من جهة أخرى: في العشرين من شهر حزيران/يونيو عام 1970، تضمنت الخطة وقف إطلاق نار لمدة 3 أشهر تبدأ من الأول من شهر تموز/يوليو حتى الأول من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1970، كما تضمنت الخطة انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة قبل بدء المفاوضات، واعتماد المفاوضات غير المباشرة بين مصر والأردن من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، حيث وافقت مصر على هذه الخطة باعتبارها تنسجم مع القرار الدولي 242، بناءً على ذلك تم إيقاف إطلاق النار على الجبهة المصرية خلال هذه الأشهر الثلاث.
وفاة عبد الناصر وشروط السادات للسلام
توفي الرئيس المصري جمال عبد الناصر في الثامن والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر عام 1970، وانتخب نائبه أنور السادات رئيساً لمصر، حيث قدّم السادات شروطه للمبعوث الأممي للسلام غونار يارينغ في شهر شباط/فبراير 1971، وأهمها انسحاب إسرائيلي إلى حدود الرابع من حزيران/يونيو عام 1967.
رفضت إسرائيل هذه الشروط، مما أدى إلى تجميد المفاوضات، فواصلت مصر حرب الاستنزاف مع إسرائيل في الوقت الذي بقيت فيه الجبهة الشمالية مشتعلة بين سورية وإسرائيل، فالتقت الأهداف السورية والمصرية حول الحرب على إسرائيل لاسترداد الأراضي العربية المحتلة.
كان كل طرف يملك رؤية مختلفة لاسترداد الأراضي المحتلة ففي حين كان الرئيس المصري أنور السادات يراهن على حرب محدودة لتحريك الجبهة ودفع إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة بالمفاوضات، كانت رؤية الرئيس السوري حافظ الأسد بضرورة استرجاع كامل الأراضي المحتلة من خلال الحرب.
ولكن هذا الخلاف في الرؤية لم يظهر خلال التحضير للحرب بل برزت رغبة الطرفين في استرداد الأراضي المحتلة، فاتفق الرئيسان المصري أنور السادات والسوري حافظ الأسد في الثاني عشر من شهر حزيران/يونيو عام 1973 على اللجوء إلى الحرب.
وذلك لأن هذا الأمر سيحقق الاعتماد على المخابرات العامة المصرية والمخابرات السورية في التخطيط للحرب وخداع أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية ومفاجأة إسرائيل بهجوم غير متوقع من كلتا الجبهتين المصرية والسورية، وهذا ما حدث، حيث كانت مفاجأة للإسرائيليين الذين كانوا يحتفلون بعيد الغفران. [2]
السادات في زيارة سرية للرياض
قام الرئيس المصري محمد أنور السادات بزيارة المملكة العربية السعودية في شهر آب/أغسطس، حيث كشف للملك فيصل بن عبد العزيز عن قرار الحرب على إسرائيل، إلا أنه لم يخبره بموعد الحرب مكتفياً بالقول إن الحرب قريبة.
وقد طلب السادات خلال اللقاء أن تقوم السعودية ودول الخليج بوقف ضخ البترول للغرب حال نجاح خطة الهجوم المصرية، وهذا ما قام به الخليجيون فعلا ما ساهم في إعطاء الحرب زخما أكبر. [2]
أحداث الحرب على الجبهة المصرية
لم يكن الإسرائيليون المحتفلون بعيد الغفران في السادس من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 على دراية أن احتفالهم سيتحول إلى مأتم وصدمة غير مسبوقة في تاريخهم، فقد قررت سورية ومصر مهاجمتها في اليوم ذاته، وفي توقيت غير محسوب عند الساعة الثانية ظهراً وهو توقيت لا يناسب سلاح الطيران الإسرائيلي الذي اعتاد شن هجماته على الدول العربية في ساعات الصباح الأولى.
وهكذا بدأت الحرب على الجبهتين السورية والمصرية بشكل متزامن وبنفس التوقيت، حيث هاجمت القوات السورية خط آلون حيث تتحصن القوات الإسرائيلية في مرتفعات الجولان، بينما هاجمت القوات المصرية خط بارليف حيث تتحصن القوات الإسرائيلية على طول قناة السويس وفي عمق شبه جزيرة سيناء. [2]
خط بارليف: رهان إسرائيل على الجبهة المصرية
أنفق الإسرائيليون 300 مليون دولار لإنشاء سلسلة من الحصون والطرق والمنشآت الخلفية أطلق عليها اسم (خط بارليف)، حيث امتدت هذه الدفاعات أكثر من 160 كم على طول الشاطئ الشرقي للقناة من بور فؤاد شمالاً إلى رأس مسلة على خليج السويس، وبعمق 30-35 كم شرقاً.
وغطت هذه الدفاعات مسطحاً قدره نحو 5,000 كم² واحتوت على نظام من الملاجئ المحصنة والموانع القوية وحقول الألغام المضادة للأفراد والدبابات.
وتكونت المنطقة المحصنة من عدة خطوط مزودة بمناطق إدارية وتجمعات قوات مدرعة ومواقع مدفعية، وصواريخ هوك مضادة للطائرات، ومدفعية مضادة للطائرات، وخطوط أنابيب مياه، وشبكة طرق طولها 750 كم، وتمركزت مناطق تجمع المدرعات على مسافات من 5-30 كم شرق القناة. كما جهز 240 موقعاً للمدفعية بعيدة ومتوسطة المدى.
كما أنشأ الإسرائيليون ساتراً ترابياً ضخماً امتد على طول مواجهة الضفة الشرقية للقناة، بدءاً من جنوب القنطرة. وكان ارتفاع هذا الساتر يتراوح ما بين 10-25م، واستخدم كوسيلة لإخفاء التحركات الإسرائيلية، وصُمّم ليمنع العبور بالمركبات البرمائية بفضل ميله الحاد. [3]
واعتمدت خطة الدفاع الإسرائيلية على تقسيم الجبهة إلى 3 محاور، في كل محور نسقين إضافة إلى الاحتياطي، وتتوزع المحاور كالآتي: [3]
- محور القنطرة - العريش.
- محور الإسماعيلية - أبو عجيلة.
- محور السويس - الممرات الجبلية.
وتتوزع القوات الإسرائيلية الموجودة بالجبهة المصرية لحظة الهجوم المصري وهي لواء مشاة (نسق أول) و3 كتائب مدرعة (نسق ثاني) و6 كتائب مدرعة (احتياطي): [3]
- النسق الأول: خط بارليف الأمامي وينتشر فيه "لواء أورشليم" (2000-3000 فرد).
- النسق الثاني: على مسافة 5-8 كم شرق القناة وتحتله 3 كتائب مدرعة مدفوعة من الألوية المدرعة الثلاث في الاحتياطي بحيث تشغل كل كتيبة مدرعة محور من المحاور الثلاثة بمجموع الدبابات 120 دبابة.
- الاحتياطي: ينتشر في منطقة الممرات الجبلية على بعد 35-45 كم ويتألف من 3 ألوية مدرعة (عدا الكتائب التي تشغل النسق الثاني) مجموع الدبابات نحو 240 دبابة.
الخطة المصرية لاختراق خط بارليف
وضعت القيادة المصرية خطة لعبور قناة السويس من خلال دفع خمس فرق مشاة للتقدم شرق قناة السويس في خمس نقاط مختلفة لاحتلال مناطق بعمق من عشرة إلى 12 كيلو متراً، وهي المسافة التي تستطيع الطائرات المصرية توفير مظلة جوية لها.
في حين تبقى 4 فرق عسكرية (فرقتان مدرعتان وفرقتان ميكانيكيتان) غرب القناة كاحتياطي تعبوي فيما تبقى باقي القوات في القاهرة بتصرف القيادة العامة كاحتياطي استراتيجي. [3]
تنفيذ الخطة المصرية واختراق خط بارليف
في تمام الساعة الثانية من ظهر يوم السبت السادس من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 نفذّت القوات الجوية المصرية ضربة جوية على الأهداف الإسرائيلية خلف قناة السويس.
إذ استهدفت 200 طائرة مصرية؛ محطات التشويش والإعاقة وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف ومصاف البترول ومخازن الذخيرة، ونتيجة النجاح الذي حققته الضربة الأولى ألغت القيادة المصرية الضربة الثانية التي كانت موضوعة في خطة الهجوم.
وبالتزامن مع الضربة الجوية المصرية للتحصينات الإسرائيلية في سيناء عبر 8 آلاف جندي مصري قناة السويس، ثم توالت موجتا العبور الثانية والثالثة ليصل عدد القوات المصرية على الضفة الشرقية بحلول الليل إلى 60 ألف جندي، في الوقت الذي كان فيه سلاح المهندسين المصري يفتح ثغرات في الساتر الترابي باستخدام خراطيم مياه شديدة الدفع.
أما في إسرائيل فقد دوت صافرات الإنذار في الساعة الثانية لتعلن حالة الطوارئ واستأنف الراديو الإسرائيلي الإرسال رغم العيد، وبدأت عملية تعبئة قوات الاحتياط لدفعها للجبهة، وفي اليوم التالي أي في السابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 كانت عملية عبور الجيش المصري قناة السويس قد انتهت.
وتحطمت أسطورة خط بارليف غير القابل للاختراق، كما تم في هذا اليوم سد الثغرات بين فرق المشاة الخمس التي اخترقت القناة، وفي اليوم التالي أي في الثامن من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 اندمجت الفرق الخمسة مع بعضها في رأسين كبيرين وفي جيشين: [3]
- الرأس الأول، تمركز فيه الجيش الثاني ويمتد من القنطرة شمالاً إلى الدفرسوار جنوباً.
- الرأس الثاني، تمركز فيه الجيش الثالث ويمتد من البحيرات المرة شمالاً إلى بور توفيق جنوباً وكان هناك ثغرة بين رأسي الكوبري للجيشين بطول 30-40 كم.
في المقابل، عززت القوات الإسرائيلية موقفها على الجبهة، بإضافة 5 ألوية إلى القوات الموجودة في سيناء ليصل مجموعها إلى 8 ألوية مدرعة، كل هذا كان ضمن الحسابات المصرية.
إذ أكدت المخابرات المصرية أنه في حال حدثت تعبئة قبل الحرب بـ8 ساعات، فإن إسرائيل ستشن هجومها المضاد بعد 18 ساعة، أي في صباح السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لكن إسرائيل قامت بالتعبئة بعد بدء الحرب لذلك لم يبدأ هجومها المضاد إلا في صباح الثامن من شهر تشرين الأول/أكتوبر. [3]
الهجوم المضاد الإسرائيلي على الجبهة المصرية
بدأ الجيش الإسرائيلي هجومه المضاد في صباح الثامن من شهر تشرين الأول/أكتوبر، حيث قام لواء إسرائيلي مدرع بالهجوم على الفرقة 18 مشاة المصرية، كما نفذ لواء مدرع إسرائيلي آخر هجوماً على الفرقة الثانية مشاة وقد صدت القوات المصرية الهجمات.
وبعد الظهر، عاودت إسرائيل الهجوم بدفع لواءين مدرعين ضد الفرقة الثانية مشاة وفي نفس الوقت هاجم لواء مدرع الفرقة 16 مشاة ولم تحقق الهجمات الإسرائيلية أي نجاح.
وفي اليوم التالي، أي في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر عاودت إسرائيل هجومها ودفعت بلواءين مدرعين ضد الفرقة 16 مشاة وفشلت، ولم يشن الإسرائيليون أي هجوم مركز بعد ذلك اليوم، بذلك حافظت فرق المشاة المصرية على مواقعها شرقي القناة. [3]
الوضع العسكري لسوريا وإسرائيل لحظة بدء الحرب
تألفت القوات السورية من 10 ألوية مدرعة و5 ألوية آلية و12 لواء مشاة وكتيبة مظليين ومجموعة صاعقة، في حين تألفت القوات الإسرائيلية الموجودة في الجولان لحظة بدأ الهجوم السوري من لواءين مدرعين ولواء مشاة و11 بطارية مدفعية، ودفعت إسرائيل بعد بدء الهجوم السوري بفرقتين مدرعتين إلى الجبهة. [4]
القوات السورية تخترق خط آلون وتدخل الجولان المحتل
بدأت القوات السورية هجومها على الجولان في نفس توقيت الهجوم المصري في سيناء أي في الساعة الثانية ظهراً على المواقع والتحصينات الإسرائيلية في عمق الجولان، وهاجمت التجمعات العسكرية والدبابات ومرابض المدفعية الإسرائيلية ومحطات الرادارات وخطوط الإمداد.
وحقق الجيش السوري نجاحاً كبيراً حسب الخطة المعدة، بحيث انكشفت أرض المعركة أمام القوات والدبابات السورية التي تقدمت عدة كيلومترات في اليوم الأول من الحرب، مما أربك وشتت الجيش الإسرائيلي الذي كان يتلقى الضربات في كل مكان من الجولان.
وفي اليوم التالي، أي في السابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر تقدم الجيش السوري في الجولان وسيطر على القاعدة الإسرائيلية في جبل الشيخ في عملية إنزال للقوات الخاصة السورية التي أسرت 31 جندياً إسرائيلياً وقتلت 30 آخرين.
ورفع الجيش العلم العربي السوري فوق مرصد جبل الشيخ، حيث تراجعت العديد من الوحدات الإسرائيلية تحت قوة الضغط السوري، وأخلت إسرائيل المدنيين الذين استوطنوا في الجولان حتى نهاية الحرب. [4]
الهجوم المضاد لإسرائيل
بدأ الهجوم الإسرائيلي المضاد على الجبهة السورية في الساعة الثامنة والنصف من صباح الثامن من شهر تشرين الأول/أكتوبر بـ3 ألوية مع تركيز الجهد الرئيسي على المحورين الأوسط والجنوبي.
ودارت بين يومي الثامن والعاشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر معارك عنيفة قرب القنيطرة، وسنديانة وكفر نفاخ، والخشنية، والجوخدار، وتل الفرس، وتل عكاشة.
وتمتع السوريون خلال هذه المعارك بتفوق في المدفعية والمشاة، في حين كان العدو متفوقاً بعدد الدبابات المستخدمة نظراً للخسائر التي أصابت الدبابات السورية، وقد انضمت أسراب من الطيران العراقي إلى الطيران السوري، وبدأت تنفيذ مهامها منذ صباح العاشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر لتقوم بدعم وإسناد القوات البرية.
تحوّل ميزان القوى لصالح إسرائيل منذ صباح الثامن من تشرين الأول/أكتوبر لأن القوات السورية لم تعد تملك قطعات دبابات سليمة ولم تشترك في القتال العنيف من قبل سوى ثلاثة ألوية في حين دفعت القوات الإسرائيلية قواتها الاحتياطية والتي قدرت بستة ألوية مدرعة سليمة لم تشترك في القتال.
ردت سورية على الهجوم الإسرائيلي بهجوم صاروخي على قرية مجدل هاعيمق وهي مستوطنة إسرائيلية شرقي مرج ابن عامر داخل إسرائيل، وعلى قاعدة جوية إسرائيلية في رامات دافيد الواقعة أيضاً في مرج ابن عامر. [4]
إسرائيل تهدد العاصمة السورية دمشق
وفي مساء العاشر من تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 سيطرت إسرائيل على معظم الأراضي التي احتلتها عام 1967، فقررت رئيسة الوزراء الإسرائيلية احتلال دمشق، فعارضها وزير الدفاع موشي دايان لكنه كلف أليعازر، أمراً باستئناف الهجوم، وفي صباح اليوم التالي أي الحادي عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر وتقدمت باتجاه دمشق لإجبار السوريين على طلب وقف القتال.
والحقيقة أن الخرق الإسرائيلي للجبهة في القطاع الشمالي من الجبهة وتعميق هذا الخرق في اليوم التالي؛ أي الثاني عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر، كان يمكن أن يؤديا إلى انقلاب التوازن الاستراتيجي للجيش السوري لولا صمود الفرقتين الآليتين السوريتين السابعة والتاسعة على محور سعسع وصمود الفرقة الآلية السورية الخامسة عند الرفيد على المحور الجنوبي.
إضافةً إلى وصول طلائع الفرقة العراقية السادسة، كما أن اقتراب خط الاشتباك من شبكة الصواريخ أرض – جو السورية المنتشرة جنوبي دمشق حد من عمل الطيران الإسرائيلي لدعم الهجوم. [4]
انتكاسة الوضع العسكري والتقهقر على الجبهة السورية
لم تدم فرحة السوريين بتحرير الجولان لأكثر من يومين، حيث ساهم التوقف المصري عن التقدم على الجبهة الجنوبية في تفرغ إسرائيل للجبهة الشمالية الأمر الذي شكل ضغطاً كبيراً على هذه الجبهة واستعادة المناطق التي حررها الجيش العربي السوري.
وهو ما لم يكن متفقاً عليه بين القيادتين السورية والمصرية حيث كان من المفترض أن يستمر الطرفان بالتقدم نحو إسرائيل، وبالتالي تشتيت الجيش الإسرائيلي بين جبهتين وحصره بين كفتي كماشة.
لكن ما حدث كان العكس تحولت الحرب إلى حرب بين إسرائيل وسورية لأيامٍ عدة، وهنا جرى الحديث عن أن نية الرئيس المصري السادات تحريك الجبهة في حين كانت خطة الرئيس السوري حافظ الأسد تحريرها.
ومع ذلك طالبت القيادة السورية القيادة المصرية باستئناف هجوم الجيش المصري في الجنوب لتخفيف الضغط عن الجيش السوري في الشمال، خاصة أنه في يومي الثالث عشر والرابع عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر بدأت إسرائيل إخراج مجموعة ألوية بيليد وزجها في الجبهة، واستخدام اللواء المدرع 20 في دعم ألوية لانر.
إذ قامت مجموعتا ألوية لانر ورفول الإسرائيليين، بعدة محاولات لخرق الدفاع على المحور الشمالي دون جدوى، ولا سيما أنه في الرابع عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر استأنف الجيش المصري تقدمه على الجبهة الجنوبية فانتقل ثقل المعارك جنوباً. [4]
هجوم فاشل أدى إلى خسارة الجيش المصري 250 دبابة
طالب وزير الحربية المصري الفريق أول أحمد إسماعيل علي رئيس الأركان الفريق سعد الشاذلي بتقدم القوات المصرية باتجاه المضائق في الحادي عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر لكنه رفض بحجة أن تقدم القوات المصرية سيجعلها خارج المظلة الجوية المصرية.
وبالتالي ستصبح عرضةً للاستهداف من الطيران الحربي الإسرائيلي، ولكن وزير الحربية أصرّ فتقدمت القوات المصرية في صباح الرابع عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر على 3 محاور: [5]
- المحور الأول، نحو منطقة السويس نفذه لواءان من الجيش المصري الثالث.
- المحور الثاني، نحو الإسماعيلية نفذته الفرقة المدرعة الحادية والعشرون.
- المحور الثالث، نحو رمانة في المحور الشمالي لسيناء، نفذه اللواء المدرع الخامس عشر.
لكن الهجوم فشل كما توقع الفريق الشاذلي، وخسر الجيش المصري 250 دبابة في ساعات معدودة نتيجة استهدافه من قبل الطيران الإسرائيلي، وكان الغرض من هذا الهجوم بحسب الرئيس المصري أنور السادات تخفيف الضغط عن الجبهة السورية، الأمر الذي رفضه الشاذلي واعتبره تبريراً فاشلاً لقرار الهجوم الذي أصدرته القيادة المصرية وأصرت عليه.
قوات الصاعقة المصرية تصد الهجوم الإسرائيلي
قامت طائرة استطلاع أمريكية في عصر الثالث عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1973، بتصوير الجبهة بالكامل ولم تستطع الدفاعات الجوية المصرية إسقاطها بسبب ارتفاعها فوق مستوى الدفاعات الجوية المصرية.
أعادت الطائرة تحليقها في الخامس عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر، فاكتشفت وجود ثغرة غير محمية وبعرض 25 كم بين الجيش الثالث الميداني في السويس والجيش الثاني الميداني في الإسماعيلية.
وفي ليلة الخامس عشر من تشرين الأول/أكتوبر تمكنت قوة إسرائيلية صغيرة من اجتياز قناة السويس إلى ضفتها الغربية من خلال ثغرة "الدفرسوار" التي اكتشفتها الطائرة الأمريكية.
ومن ثم تزايدت القوات المتسللة حتى وصلت إلى 4 ألوية مدرعة وهو ضعف المدرعات المصرية غرب القناة في السابع عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر وفق تقديرات الفريق سعد الدين الشاذلي لعدد القوات الإسرائيلية غرب القناة في كتابه (مذكرات حرب أكتوبر) بأربعة ألوية مدرعة وهو ضعف المدرعات المصرية غرب القناة.
حاولت القوات الإسرائيلية الدخول إلى مدينة الإسماعيلية إلا أن قوات الصاعقة المصرية تمكنت من صد هذا الهجوم في منطقة أبو عطوة، توسعت الثغرة حتى قطع طريق السويس وحوصرت السويس وحوصر الجيش الثالث بالكامل وحاول الإسرائيليون الدخول إلى مدينة السويس، إلا أن المقاومة الشعبية مع قوات صاعقة الجيش الثالث تمكنوا من صد الهجمات الإسرائيلية.
وكان اتساع الثغرة نتيجة للأخطاء القيادية الجسيمة لكل من السادات وأحمد إسماعيل؛ بدءاً من تطوير الهجوم إلى عدم الرغبة في المناورة بالقوات مما دفع البعض إلى تحميل السادات المسؤولية الكاملة كرئيس الأركان المصري سعد الشاذلي. [5]
دور سلاح النفط للدول العربية بدعم موقف سوريا ومصر في الحرب
عقد وزراء النفط العرب اجتماعاً في الكويت في السابع عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر، وقرروا خفض إنتاج النفط بنسبة خمسة بالمئة شهرياً ورفع أسعار النفط من جانب واحد.
وفي التاسع عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر طلب الرئيس الأمريكي نيكسون من الكونغرس اعتماد 2.2 مليار دولار في مساعدات عاجلة لإسرائيل الأمر الذي أدى إلى قيام الجزائر والعراق والمملكة العربية السعودية وليبيا والإمارات العربية المتحدة ودول عربية أخرى بإعلان حظر على الصادرات النفطية إلى الولايات المتحدة، مما خلق أزمة طاقة في الولايات المتحدة الأمريكية. [3]
كيف انتهت حرب أكتوبر/تشرين التحريرية
تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة وأصدروا القرار رقم 338 الذي يقضي بوقف جميع الأعمال الحربية بدءاً من يوم الثاني والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1973.
وقبلت مصر بالقرار ونفذته اعتباراً من مساء نفس اليوم إلا أن القوات الإسرائيلية خرقت وقف إطلاق النار، فأصدر مجلس الأمن الدولي قراراً آخر في الثالث والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر يلزم جميع الأطراف بوقف إطلاق النار. [4]
خروج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي
وقعت اتفاقية فك الارتباط بين مصر وإسرائيل وتنص على عودة أجزاء من سيناء إلى مصر في عام 1974، وفي عام 1979 وقع الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن معاهدة السلام، تضمنت عودة الجزء الأخير من سيناء إلى مصر، مقابل تطبيع العلاقات (علاقات دبلوماسية) مع إسرائيل، وانسحبت إسرائيل من كامل سيناء في الخامس والعشرين من شهر نيسان/أبريل عام 1982، ونتيجة توقيع اتفاقية السلام طردت مصر من جامعة الدول العربية عام 1979 وانتقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس. [4]
اتفاق وقف الاشتباك العسكري بين سوريا وإسرائيل
لم تقبل سورية بوقف إطلاق النار الذي فرضه مجلس الأمن في الثالث والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 وبدأت في أوائل عام 1974 حرب الاستنزاف في محاولة لاسترداد وتحرير باقي أراضي الجولان ضد القوات الإسرائيلية في الجولان، تركزت على منطقة جبل الشيخ، واستمرت 82 يوماً كبدت فيها الجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة.
توسطت الولايات المتحدة الأمريكية عبر الجولات المكوكية لـ(هنري كيسنجر) وزير خارجيتها آنذاك، في التوصل إلى اتفاق لفك الاشتباك العسكري بين سوريا وإسرائيل. نص الاتفاق الذي وقع في حزيران/يونيو عام 1974 على انسحاب إسرائيل من شريط الأراضي المحتلة عام 1967 ومن ضمنها مدينة القنيطرة.
في الرابع والعشرين من شهر حزيران/يونيو عام 1974 رفع الرئيس الراحل حافظ الأسد العلم السوري في سماء القنيطرة المحررة، إلا أن الإسرائيليين كانوا قد عمدوا إلى تدمير المدينة بشكل منظم قبل انسحابهم، وقررت سوريا عدم إعادة إعمارها قبل عودة كل الجولان للسيادة السورية. [2]
الدول المشاركة في العمليات العسكرية
ساهمت مجموعة من الدول في حرب أكتوبر-تشرين التحريرية، إلى جانب مصر وسوريا وهذه الدول هي: [5]
- العراق: ساهمت بسربي طائرات على الجبهة المصرية، كما شاركت على الجبهة السورية بفرقتين مدرعتين و3 ألوية مشاة وعدة أسراب طائرات، حيث بلغ عدد الجنود العراقيين 30 ألف جندي، و500 دبابة و500 مدرعة وسربي طائرات ميغ 21، و3 أسراب طائرات سوخوي 17.
- الكويت: ساهمت بكتيبة مشاة، وبعد بدء الحرب أرسلت قوة حربية إلى الجبهة المصرية، وأخرى إلى الجبهة السورية.
- الجزائر: ساهمت بـ24 طائرة مدفعية، إضافةً إلى سرب طائرات سوخوي 7، وسرب طائرات ميج 17، ولواء مدرع على الجبهة المصرية، كما قدم الرئيس الجزائري هواري بومدين إلى موسكو بالاتحاد السوفيتي في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1973 مبلغ 200 مليون دولار للسوفييت لحساب مصر وسورية بمعدل 100 مليون لكل بلد ثمناً لأي قطع ذخيرة أو سلاح يحتاج لها البلدان.
- تونس: أرسلت الفوج 14 مشاة الميكانيكية، المكون من ألف جندي إلى الجبهة المصرية.
- ليبيا: أرسلت إلى الجبهة المصرية لواء مدرع، وسربين من الطائرات سرب يقوده مصريون وآخر يقوده ليبيون.
- السودان: أرسلت إلى الجبهة المصرية لواء مشاة وكتيبة قوات خاصة.
- كوريا الشمالية: أرسلت إلى الجبهة المصرية 30 طياراً و8 موجهين و3 عناصر للقيادة والسيطرة و5 مترجمين في تموز/يوليو عام 1973.
- الأردن: أرسلت إلى الجبهة السورية في الرابع عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر نتيجة تدهور الوضع العسكري اللواء المدرع 40.
- المغرب: شاركت على الجبهة السورية بلواء عداده 1100 جندي مدعوم بـ52 طائرة حربية 40 منها من طراز F5 و12 من طراز ميغ بالإضافة إلى 30 دبابة.
- السعودية: أرسلت إلى الجبهة السورية فوج مدرعات، سرية إشارة، سرية قيادة، فوج المظلات الرابع، لواء الملك عبدالعزيز الميكانيكي، سرية صيانة، سرية طبابة، فوج مدفعية ميدان عيار 105 ملم، وحدة بوليس حربي.
في الختام، عندما بدأت سورية ومصر الحرب معاً ضد إسرائيل انتصرت سورية ومصر على إسرائيل، وعندما توقفت الجبهة المصرية خسرت سورية ومصر مكاسبهما وأصبحا عرضة لهزيمة كبرى، وأصبحت إسرائيل هي المستفيد الوحيد فتقدمت على الجبهة السورية واستعادت الأراضي التي احتلتها عام 1967 وصولاً لحدود دمشق، في حين كان الجيش المصري الثالث محاصراً من القوات الإسرائيلية ومهدداً بالفناء، وقد أنقذت حرب الاستنزاف الجبهة السورية وتمكن الجيش من استعادة جزء من الأراضي المحتلة، وقد وقعت مصر معاهدة السلام مع إسرائيل لفك الحصار واستعادة سيناء.