مفهوم ثقافة الطفل وكيفية تكونها
ينشأ كل منا ضمن منظومة قيم اجتماعية وثقافية، لا تكف عن تذكيرنا بما يجب وما لا يجب، هذا عمل جيد، وذاك فعل سيئ ومرفوض، فإن التزمت واستقمت نلت الرضا والمدح، وإن انحرفت وجنحت نلت الذم والقدح، ويمكننا شرح مفهوم ثقافة الطفل بأننا كلما أردنا أن نفهم الحالة المعرفية للطفل أو أن نفسر سلوكياته، دخلنا لعالم الطفل لنتعرف على ثقافته، وفي هذا المقال، نوضح لك مفهوم ثقافة الطفل وكيفية تكونها بشكل أوسع.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
مفهوم ثقافة الطفل
لكل مجتمع ثقافته التي تميز هويته، وتضفي طابعاً خاصاً على طريقة حياته، ولكن من الطبيعي أن ينقسم كل مجتمع إلى فئات وشرائح متعددة تختلف عن بعضها في المعتقدات وطريقة التفكير. [1]
وبالتالي سيكون لكل واحدة من هذه الفئات ثقافتها الخاصة التي تميزها عن غيرها، فهناك ثقافة الشباب وثقافة الكبار كما يوجد ثقافة للإناث وأخرى للذكور بالإضافة لثقافة أبناء المدينة وأبناء الريف وغيرها. [1]
وباعتبار أن الأطفال في أي مجتمع يمثلون شريحة مهمة قد تكون الأكبر بين فئاته، فمن الطبيعي أن ينفردوا أيضاً بثقافتهم الخاصة والمستقلة، ولا يقصد بثقافة الطفل التحصيل العلمي والدراسي فقط أو حجم خلفية الطفل المعرفية في أي من المجالات. [1]
إذ إن الصغار كحال الكبار لديهم منظومتهم الخاصة من عادات وتقاليد ومعتقدات وألعاب وطرق التفكير، هذا بالإضافة إلى القصص والروايات والأساطير والمصطلحات والرموز وأساليب التعبير، وهذه العناصر مجتمعة تشكل الصورة الكاملة لما يُعرف بثقافة الطفل. [1]
فمن منا لا يذكر تلك الإشارات التي كنا نستخدمها لنتفاهم مع أصدقائنا أو نوصل لهم رسالة معينة لا نريد لأحد غيرهم فهمها، أو حتى تلك الألقاب والرموز التي كنا نطلقها على بعضنا بعضاً في المدرسة. [1]
ومن منا لا يذكر تلك الأشياء التي كنا نستعيرها من القصص والحواديت أو المسلسلات الكرتونية؛ ثم نستخدمها في تشبيه بطولاتنا، أو السخرية من أحد أقراننا، فهذه التفاصيل كلها تعتبر الخيوط التي كنا ننسج منها حالة معرفية معينة تخص مرحلتنا العمرية لتشكل ثقافتنا. [1]
العوامل المؤثرة في ثقافة الطفل
ثقافة الأطفال ليس لها نمط واحد يشمل الصغار جميعاً، وإنما تختلف وتتمايز تبعاً لمجموعة من العوامل كالجنس والمرحلة العمرية والبيئة الاجتماعية المحيطة، والأهم من ذلك المصادر التي تغذي الطفل بالثقافة وتساهم في تكونها وتشكيلها، وفيما يأتي نوضح لك أهم المصادر والعوامل التي تكون ثقافة الطفل: [2]
- ثقافة الكبار: التي تتمثل في الأسرة والمجتمع، فالثقافة السائدة في مجتمع الكبار لا بد أن تنعكس على ثقافة الصغار فيه.
- الأنظمة والقوانين: وكذلك المهام والوظائف التي تفرضها المدرسة تشكل أحد أبعاد ثقافة الأطفال في المجتمع.
- التلفاز: بما يعرضه من برامج وأفلام وإعلانات، يعتبر أحد أهم مصادر ثقافة الأطفال، فهو يساهم في اطلاع الأطفال على ثقافة مجتمعات أخرى غريبة عنهم، كما أن برامجه التي تبث قيماً وأفكاراً موجهة يراد غرسها في شخصية الطفل لها دور كبير صياغة شخصية الطفل وثقافته.
- التكنولوجيا الحديثة: وأدواتها المتعددة كالإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، تعد من المصادر المهمة التي تساهم في تشكيل ثقافة الطفل، فهذه الوسائل التكنولوجية وضعت الطفل أمام عالم أوسع، يشمل خبرات ومعارف وأشخاصاً أكثر، إلى جانب أساليب المتعة والتسلية الجديدة وكل واحدة من هذه العناصر تضفي تطوراً أو تغيراً معيناً في ثقافته.
- القصص الشعبية: بالإضافة إلى الأساطير المنتشرة بين أفراد المجتمع، كحكايات الجدات على سبيل المثال، أو الشائعات المنتشرة بين أطفال حي أو قرية معينة، التي تروي قصة أو أسطورة محددة كقصة بابا نويل مثلاً؛ الذي يأتي ليوزع الهدايا على الأطفال في العيد.
- أدب الأطفال: ويشمل الروايات والقصص الموجهة للأطفال، مثل: "قصة ليلى والذئب، وبائعة الكبريت".
- الخبرات الاجتماعية: التي تنتج عن علاقات الطفل الاجتماعية، فالطفل خلال مسيرة حياته يقيم العديد من العلاقات مع أطفال غرباء قد ينتمون لعائلات أو مدارس أو أحياء سكنية مختلفة، وبالتالي سيتعرف على ثقافاتهم ويكوّن الخبرات من خلال ملاحظته لهذه الثقافات.
- ألعاب الأطفال: خاصة لعب الأطفال التي تعتمد على التخيل، فهي تكشف الكثير من الأشياء، إذ إنه يتعرف على بيوت وأعشاش بعض الحيوانات والطريقة التي يعيشون بها، ويجري العديد من التجارب كبناء منزل صغير باستخدام الرمل والماء، كل هذه الأمور تتحول إلى خبرات تدخل في تكوين ثقافة الطفل.
- رواسب اللاشعور الجمعي: كالأساطير وبعض الألعاب وطرق التسلية؛ وحتى بعض المعتقدات التي انتقلت من جيل لآخر، عبر حديث الوالدين أو الإخوة الكبار أو الأجداد.
كيفية تكون ثقافة الطفل
يعد الهدف العام لثقافة أي مجتمع هو تنظيم الحياة فيه وإبراز هويته، من خلال مجموعة من المكونات الثقافية، فلا يكتمل التعريف بثقافة الطفل كمفهوم من حيث المعنى والدلالة، دون أن نتعرف أيضاً على أبرز المضامين التي تميزها كحالة ثقافية خاصة، وتمثل جزءاً أساسياً من الثقافة العامة للمجتمع، ويمكن أن نوضح أهم مكونات لثقافة الطفل فيما يأتي: [2]
- أدوات خاصة يستخدمها الأطفال في ألعابهم: وهي تمثل أحد أبعاد ثقافتهم، مثل نوع الدمى التي يفضلها الأطفال، أو نوع الألعاب في الشارع والمدرسة ككرة القدم، فكل ألعاب الأطفال تحوي مصطلحات معينة أو قوانين وأنظمة، وكل هذا يعتبر من مكونات ثقافة الطفل.
- الشخصيات الخيالية أو الكرتونية الأسطورية: والتي يقلدها الأطفال ويعتبروها قدوة ومثلاً أعلى، كشخصية سندريللا لدى الإناث أو شخصية سوبرمان لدى الذكور، وهناك شخصيات أخرى يشبه الأطفال بعضهم بعضاً بها بدافع السخرية أو الذم، مثل: شخصية الشرشبيل أو القط الشرير توم.
- مصطلحات ومفردات لغوية خاصة: كالكلمات التي يعبر الطفل من خلالها عن حاجته للذهاب إلى الحمام أو تناول الطعام، كما يمكن أن تشمل هذه المصطلحات بعض الشتائم مثلاً أو الاستعارة في وصف أحدهم مدحاً أو ذماً.
- بعض الرموز الخاصة بالأطفال: قد ترتبط هذه المعاني والرموز بشخصيات بعض مواقف الحكايات أو الألعاب والبرامج التلفزيونية.
- أغاني خاصة بالأطفال: كأغاني شارات المسلسلات الكرتونية، أو بعض الأناشيد التي يتلقاها الأطفال في المدرسة.
- عادات الطعام: أنواع الأطعمة التي يفضلها الأطفال كالمثلجات أو البسكويت، كذلك أنواع أخرى عديدة من الأطعمة المغلفة، وهناك أيضاً نوع الشطائر التي يأخذها الطفل للمدرسة، ومن العادات أيضاً كيفية الجلوس على المائدة وطريقة تناول الطعام.
- طريقة معالجة بعض المشاكل والأمور: وقد لا نبالغ إذا قلنا إنه يوجد نظام ضبط اجتماعي متكامل في ثقافة الطفل، فالأطفال لديهم طرقهم الخاصة في المخاصمة والمصالحة وتحديد من هو على حق ومن هو مذنب في خلافاتهم.
- إشارات وأساليب التواصل المختلفة: تتضمن أيضاً طرق مناداة بعضهم بعضاً أو إرسال رسائل معينة لا يريدون للكبار فهمها؛ كبعض الألقاب أو الأسماء الحركية المستخدمة بين مجموعة من الأصدقاء لا يعرفها غيرهم.
- طريقة معينة للباس والموضة: كتقليد إحدى الشخصيات الكرتونية المحببة في طريقة ارتدائها للملابس أو احتفالها بالعيد، وهناك ألعاب معينة ترتبط بالعيد، مثل: المراجيح وساحات العيد وغيرها.
- طريقة الحصول على أصدقاء: كالذهاب مع الأقران في الرحلات التي تنظمها المدرسة، أو الحديث مع الأطفال من نفس السن عن الواجبات المدرسة.
- طريقة التعبير عن النفس: وذلك يتبع ما قد تعلمه من والديه، فبعض الأطفال يعبرون عن أنفسهم من خلال الغضب والعدوانية، أما البعض الآخر فيثبت وجوده من خلال تفوقه الدراسي، وهناك من يستخدم موهبة معينة كالحركات البهلوانية التي يجيدها.
- بعض القصص الشعبية أو الأمثلة: مثل غرفة الفئران في قبو المدرسة التي كثيراً ما يهدد المعلمون تلاميذهم بها.
أهمية ثقافة الطفل
قلما تذكر الطفولة دون أن يرافق ذكرها معاني بهجة الحياة، واستمرار الوجود، وقلما تذكر الطفولة دون أن يرتبط ذكرها بالكثير من مفاهيم وأساليب التربية والتنشئة، ومن هنا يمكن لنا أن نتساءل كيف تساعدنا هذه الثقافة في تنشئة الطفل وما أهميتها التربوية والتعليمية بالنسبة له: [3]
- ثقافة الطفل تساعد صغيرك على اكتساب هويته الاجتماعية، فمن خلالها يعرف بأنه منتمٍ لجماعة معينة يعيش معها، ويلتزم بأفكارها وقيمها، ويمارس دوره ووجوده الاجتماعي من خلالها.
- ثقافة الطفل من خلال العادات والقيم التي تتضمنها، والعلاقات التي تنظمها، تساهم في صقل ذلك الجانب الاجتماعي والثقافي في شخصية طفلك.
- عن طريق ثقافة الطفل يمكن غرس الثقافة العامة للمجتمع، من خلال دمج القيم والأفكار والعادات التي يرضى عنها المجتمع، مع الألعاب والحكايات أو الأساطير المحببة للأطفال، فعند توجيهنا للأطفال حكاية تروي قصة بطل أسطوري عظيم مثلاً يمكن إظهار هذا البطل الذي سيقتدي به الطفل على أنه يتمتع ببعض الصفات والخصال الحميدة التي يريد المجتمع غرسها في شخصيات أطفاله.
- تساعد ثقافة الطفل في تعليمه اللغة، فالأطفال عن طريق قراءة القصص أو مشاهدة البرامج التلفزيونية يرون ويسمعون ويرددون المصطلحات والمفردات التي تعبر عن المواقف المختلفة، وبالتالي يتعرفون على لغتهم وكيفية استخدامها للتعبير عما يريدون قوله.
- تساعد في زيادة خبراته وتوسيع معارفه، فعن طريق الألعاب التي تحوي تجارب لا متناهية وقصص أطفال وحكايات كثيرة تتضمن عبراً وأفكاراً عديدة، يتزايد بشكل مستمر التحصيل المعرفي لطفلك وتتوسع خبراته ومداركه.
لا يمكننا النظر إلى ثقافة الطفل على أنها مجرد صورة أو صيغة مصغرة للثقافة العامة في المجتمع، وإنما هي منظومة ثقافية شاملة تتمتع بالتكامل والاستقلال، وهذا ما حاولنا توضيحه خلال هذا المقال، حيث شرحنا ثقافة الطفل من حيث المعنى والأهمية، إلى جانب مصادرها وطريقة تكونها، وكذلك مكوناتها ومضامينها ومن ثم أهميتها في تنشئة أطفالنا اجتماعياً وتربوياً.