تنمية مواهب الطفل
إن عملية اكتشاف مواهب طفلك وتنميتها لا تشبه الأبحاث على المركبات الكيميائية في تعقيدها، لكنها ليست بسيطة أيضاً؛ لذا عليك أن تكون محققاً في البحث عن الموهبة وصديقاً لأطفالك، عن طريق منحك إياهم الوقت الكافي، لتساهم في تطوير قدراتهم ومواهبهم، وهذا يتطلب منك مراعاة عدة أمور قبل الحديث عن طرق تنمية مواهب الأطفال الفعلية، في هذا المقال نوضح لك مراحل تنمية مواهب الأطفال وكيفية اكتشافها ونصائح لتنميتها وتشجيع الطفل على تطويرها.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
مراحل تنمية مواهب الأطفال
في المراحل العمرية الأولى تكون مواهب الأطفال غير متمايزة وواضحة؛ وذلك بسبب البيئات المتفاوتة في البيت والمدرسة والمجتمع بشكل عام بالنسبة لكل طفل، وقد وصف فيلدمان البروفيسور في جامعة تافتس (Tufts University) مراحل تطور موهبة الطفل على النحو الآتي: [1]
- (4-10) سنوات: نمو القدرات المعرفية من خلال الاستكشاف والبحث.
- (10-13) سنوات: تنمية المواهب من خلال الموجهين والمسابقات.
- (13-18) سنوات: الالتزام بتنمية المواهب ودمجها مع النفس.
- (18-22) سنوات: تنمية المواهب مع إمكانية اختيارها كمهنة.
كيفية اكتشاف مواهب الأطفال
كما يقال الخطوة الأولى لحل أي مشكلة هي الإحساس بوجود المشكلة بحد ذاتها، لذا أنت لن تنتظر أحدهم ليأتي ويخبرك أن طفلك جيد في النشاط الفلاني وعليك دعمه. [1]
ولن تتوقع أي يناقشك طفلك بالأمر مستخدماً الحجج والأدلة والبراهين المدعمة بالدراسات والجداول البيانية، فهذه مسؤوليتك أولاً وأخيراً أن تكون والداً يعني أن تكون مسؤولاً، لذلك عليك ما يأتي: [1]
- اعرف قدرات طفلك في أي مجال: مهما كان هذا المجال ثانوياً ومهما كانت المهارة صغيرة فالبدايات دائماً متواضعة، قد تكون هذه المهارة مستقبل طفلك والدعامة الأساسية في شخصيته المستقبلية، بالطبع دون إهمال المهارات الكبيرة كونه مثلاً أفضل لاعب كرة قدم في مدرسته بشكل ملفت، لكن ورغم عدم كونه كذلك لسوء حظه فالمهارات الصغيرة تنمو بالتدريب كبذور الحمص والعدس أيام المدرسة، فالهدف هنا ليس المهارة أو المجال، بل الهدف طفلك وموهبته أولاً وأخيراً كبيرة كانت هذه الموهبة أماً صغيرة.
- اسأل الآخرين عن طفلك: كما قلنا سابقاً لن يخبرك أحد عن موهبة طفلك، لكن في المقابل لن يخفى الأمر في حال سألته واستفسرت عن وضع طفلك ونشاطاته، عليك بسؤال مدرسيه وأصدقائه والأقارب وكل من يخالطهم طفلك، وخاصة من هم في سنه لتشابه نشاطاتهم ومشاركتهم الكثير من الوقت، لتعرف أين تضع حجر الأساس لمستقبل قد لا تتوقعه اليوم أبداً لكنه حتماً مذهل، فالعمل الصادق لا يذهب أدراج الرياح.
- تحدث إلى طفلك: قد لا يحب الأطفال هذه الأسئلة أبداً، لأنها تشعرهم بصغر سنهم، لكن عليك ألا ترضخ لهم وألا تنسى أنهم صغار بالفعل! قد لا يعبرون عما في داخلهم بالشكل الصحيح أو الوقت المناسب، وربما قد لا يدركون ضرورة التعبير من أساسه؛ لذا تحدث إليهم بأسلوب يشعرهم بأهمية حديثهم وأنهم يناقشون موضوع موهبتهم ولا يتعرضون للاستجواب، ابدأ بالحديث عن موهبة ما كالعزف، وصف شعورك نحوها وسعادتك عند ممارستها، واسأل طفلك عن رأيه بنشاط ما، وأبدي اهتماماً كبيراً بحديثه، وكأنك تسمع خبراً عن زيادة الرواتب، لتعرف بعد العديد من النقاشات ما قد يجذب طفلك أو ينفره من نشاطات وتحاول مساعدته وتوجيهه.
- دع طفلك يجرب الكثير: لا تحاول تحجيم طفلك في سن مبكرة، ووضعه في قالب قد لا يناسب قدراته وطموحاته، ولا تحاول أن تحقق أحلامك الضائعة، من خلاله فهو ليس المصباح السحري، دع طفلك يرسم ويغني ويعزف ويرقص ويمارس الرياضة بمختلف أنواعها، ليجد نفسه ويحدد ميوله بمساعدتك التي تعتبر بوصلة طفلك، والتي قد تتسبب في ضياعه إذا تهاونت في استخدامها.
تشجيع الطفل على تنمية مواهبه
الكثير من الأشخاص ينهضون يومياً من أسرتهم، يذهبون إلى عملهم ليقضوا 8 ساعات بين أوراق المعاملات، ثم يعودون إلى منازلهم ويقضون بقية نهارهم بالتعبير عن غضبهم وسخطهم من عملهم، حتى تمل الشمس حديثهم وتختبئ خلف الجبل، ويعاد هذا الروتين يومياً، وسواء كنت منهم أم لا فأنت لا تتمنى ذلك لطفلك وبإمكانك إنقاذه من هذا الحال. [2]
سبق لك أن اختبرت المشاعر الإيجابية التي تشعرك أنك قادر على تحقيق حلمك وأنك تملك من الطاقة ما لا ينتهي، ومسألة وصولك إلى هدفك مرهونة بالوقت فقط، وقد كان ذلك حقيقة! إلا أنك قررت الاستغناء عنه لسبب لا يعلمه إلا أنت. [2]
لذلك شجع طفلك دائماً واستغل لحظات حماسه ودعه يمارس فيها نشاطه المفضل، اشحنه بمشاعر الحب والشغف والرغبة العارمة فيما يريد وانظر إلى الإنجاز الذي سيحققه، حاول أن تحافظ على رغبته وشغفه وطموحه، لأنه بالاستمرار سيحقق ما يريد، لأن التغيير الحقيقي يحتاج الوقت والمجهود الذي سيبذله طفلك والدعم الذي ستقدمه له. [2]
درّب طفلك وعلمه الاستفادة من أخطائه
كلنا نقوم بالكثير من الأعمال على عجلة من أمرنا ودون إعطاء كل ما نملك، مما يؤدي إلى منتج رديء في نهاية المطاف، لذلك عليك أن تدفع بطفلك إلى آخر مستويات قدرته والقيام بالأمر على أكمل وجه؛ مما يتيح له أن يرتكب الكثير من الأخطاء ليتعلم كيفية تصحيحها وتجنبها في المستقبل. [2]
وبالتالي الحصول على نتائج أفضل، وهي أهم طرق التعلم، عليك تعليمه منذ البداية أن الأخطاء ما هي إلا وقود للانطلاق من جديد وتكوين فكرة أوسع عما يقوم به، فبالنهاية الخطأ معلومة مهمة وتلافيه سيصب في صالح موهبة طفلك. [2]
ساعد طفلك على التدرب ببطء
تخيل أنك تشاهد فيلماً سينمائياً مسرعاً 3-4 مرات، بالتأكيد لن تصلك رسالة الفيلم ولن تفهم شيئاً، مما قيل في الفيلم رغم أنك ستنهي مشاهدته في وقت قياسي، ولكن هل هذا يهم؟ بالطبع لا. [2]
عليك أن تستفيد من وقت طفلك، خاصة في فترة العطلات والسماح له بالتدرب ببطء، فالأمر لا يتعلق بالسرعة، بل بمدى الدقة والإتقان؛ لذا عليه التدرب على إتقان ما يقوم به بكل جزئياته لينجح فيما يفعل. [2]
أما موضوع السرعة فهو نتيجة حتمية لفترات التدريب الطويلة التي ستستمر لسنوات، دعه يعرف ويدرك تماماً كل خطوة يقوم بها وسيصبح شخصاً مهماً فيما اختار لنفسه وفقاً لما قدمته له من مساعدة. [2]
أثنِ على مجهود طفلك وليس قدراته
يحاول الكثير من الآباء والأمهات دعم أبنائهم عن الطريق الثناء على قدراتهم، وهنا تكمن المشكلة، فعندما تخبر طفلك بأنه ذكي سيقتنع بذلك وسيقلل عدد تجاربه كونه ذكياً؛ وهذا سيؤدي إلى خبرة أقل وأخطاء أقل وهو ما سيضر كثيراً بقدراته. [2]
جميعنا نتفق أن هناك مواهب فطرية لدى العديد من الناس لكن علينا جميعاً أن نعرف أيضاً أن العمل الدؤوب صاحب كلمة الفصل في تحديد الأفضل؛ لذلك قدِّر مجهود ابنك واجعله يجرب المزيد، يقع وينهض من جديد، يصول ويجول، يخطئ ويصحح أخطاءه، ببساطة دعه يعيش حلمه ويستفيد من كل خطوة في طريق تحقيقه. [2]
لا بأس من تعليم طفلك تقليد الآخرين
بالتأكيد، لا يقصد من هذا الكلام محاولة إلغاء شخصية الطفل بتقليد غيره في كل شيء، ولكن لا بد له في البداية أن يقلد من هم أكثر حرفية منه، ففي النهاية أكثر ما نتعلمه من آبائنا ومدرسينا يكون بتقليد الآخرين. [2]
لذلك لا بأس من تقليد أصدقائه وأقاربه ونجوم الكرة العالمية إذا أراد ممارسة كرة القدم مثلاً في سبيل اكتساب المهارات وتطويعها فيما بعد لاتباع أسلوبه الخاص وتكوين شخصيته الكروية بين أقرانه. [2]
اقنع طفلك بأهمية النجاح وإمكانيته
من الأمور المهمة جداً أن تقنع طفلك بأن الأبطال والمبدعين والموهوبين والنجوم لا يولدون كذلك، بل يصنعون مجدهم نتيجة عمل وجهد يبذلونه في سبيل تحقيق أحلامهم، لذلك أخبر طفلك بأهمية النجاح وإمكانية تحقيقه وأنه سيجني الكثير من الفوائد من التفوق دراسياً وممارسة هواياته وأن يبرع في نشاطاته. [2]
فهو سيكون ناجحاً ومحبوباً من الآخرين وراضياً عن نفسه بالإضافة إلى جعلك سعيداً، وهو مهم، ولكن لا تجعل غاية طفلك أن يرضيك واترك له القليل من المساحة الشخصية والاعتداد بالذات. [2]
نصائح لتنمية مواهب الطفل
في مقال للاستشارية النفسية والكاتبة الكندية دونا ماثيوس بعنوان: "ساعد الأطفال على تطوير مواهبهم وإبداعهم عن طريق اللعب"، تحدثت عن العديد من الأمور الواجب عليك اتباعها وأخرى عليك اجتنابها لتحقيق هذه التنمية: [3]
أمور عليك تطبيقها
- استجب بحماس لفضول طفلك: اللعب مع طفلك يعد الخطوة الأولى لاكتشاف مواهبه، ولعبك معه ومشاركته نشاطاته يصب في مراعاتك لمشاعره وتشجيع فضوله ودفعه إلى تجارب غنية، وبالتالي تطوير معارفه وإمكانياته لاستكشاف اهتماماته.
- اتخذ القرارات: إذا كان طفلك ممن يملكون الكثير من الأنشطة، فلا بد من تقسيمها إلى فترات كممارسة العزف على البيانو والسباحة في فصل الشتاء، وترك الأنشطة الأخرى، مثل: الرسم وكرة القدم للصيف، وإذا أراد أن يمارس نشاطاً آخر فليس من الضروري أن يكون الأمر على مستوى عالٍ من الاحتراف، فربما يمكنك لعب كرة السلة مثلاً ضمن إطار العائلة، وكل ذلك من أجل اكتشاف مهارات الطفل وتنميتها، أي أنه عليك أن تكون العقل المدبر والجانب الواعي فيما يخص موهبة طفلك حتى يصبح قادراً على الاختيار.
- ضع طفلك في لقاء دائم مع الطبيعة: هذا سيساهم في ظهور تحسنات كبيرة في التحصيل الدراسي، واحترام الذات وحل المشكلات والإبداع والدافع للتعلم، وسيكسب طفلك الهدوء ويشعره بالتفاؤل الذي يزيد من تركيزه، دع طفلك يمضي 20 دقيقة يومياً في الهواء الطلق على الأقل فذلك سيحد من التوتر، كما يمكنك تناول وجبات الطعام خارجاً. [3]
أمور عليك تجنبها
- المبالغة في جدولة طفلك: بالتأكيد من المهم تحديد إطار عام لنشاطات طفلك، ومن الأهم الالتزام بذلك، ولكن لكون هذا التنظيم يصب في مصلحة طفلك وليس لمجرد تطبيقه؛ لذا دع له مساحة من وقت الفراغ، حيث يستطيع فعل ما يريد، وإذا رغب في الكثير من النشاطات يمكنك تأجيل بعضها لوقت لاحق، وإذا أراد يوماً ما التغيب عن نشاط ما مقابل سماع قصة أو الذهاب في نزهة مع العائلة فلا بأس بذلك.
- الحرص الزائد أثناء لعب طفلك: سترغب أن يكون كل شيء مثالياً ولكن ليس هذا هو المطلوب، بالتأكيد ستختار مكاناً آمناً وقريباً لطفلك حتى يلعب وستبقيه تحت ناظريك، لكن لا بأس بالقليل من المساحة والحرية بالحركة، وبعض الأخطاء التي تساهم في عملية تعلمه واستكشافه للعالم.
- إدمان طفلك على ألعاب الفيديو: التي قد تقتل حبه للعب في الخارج، وبالتالي تحد من رغبته في الاستكشاف، لذا لا بد من تحديد أوقات معينة لذلك بما يحقق تسلية طفلك دون أذيته، وأثناء موجود معه حاول أنت أيضاً التقليل من استخدام الأجهزة الإلكترونية بما في ذلك هاتفك المحمول أو جهاز الحاسوب.
- حرمان طفلك من الملل: هنا قد يبدو الكلام متناقضاً، فبعد كل ما سبق من التأكيد على ضرورة تنظيم وقت طفلك وملئه بالنشاطات ها هنا يبدو الملل حاجة ملحة وهو طبيعي، لأن تحقيق التوازن أساس كل شيء، حين يشعر الطفل بالملل وأنه ما من شيء مسلٍ يقوم به، سيبدأ الطفل بالتفكير فيما يرغب به حقيقة ويبدأ باكتشاف نفسه وميوله الحقيقية تجاه نشاطاته. [3]
أخيراً، أطلق العنان لطفلك وخياله وطموحاته، لكن تذكر دائماً أن تكون مسيطراً على دفة القيادة حتى يصبح طفلك قادراً على توليها، وازن كل شيء وسيأتي يوم تقول فيه بكل فخر، هذا الناجح كان طفلي في يوم من الأيام.