باسل هنيني...موهبة بقدر الحلم
قد لا يختلف باسل هنيني في شغفه بالفن عن زملائه من الفنانين الذين يحبون مهنتهم،لكن المرء يدرك بعد التحدث إليه أنه يحمل في داخله قدراً كبيراً من الحب والتقدير والاحترام لهذه الموهبة ولهذا الدرب، أمر بات قليل الوجود في عالم لا يهدأ لحظات حتى للاستماع لصوت الموسيقى. وهنيني الفنان، وعازف الجيتار الشاب، يدرك تماما أن دوره لا يتوقف على إمتاع المستمعين من الجمهور، لكنه يحمًل نفسه وفنه، عبء التغيير للأفضل، كما يثبت بأفعاله اليومية أن المبادرات الفردية والشجاعة وحدها تمهد الطريق أمام مستقبل أقل سلبية، ومجتمع أكثر احتراماً للقيم والمبادئ التي تميزه عن غيره من المجتمعات.
تحدث إلينا في هذا اللقاء بكل حميمية وصراحة عن موهبته، وطموحاته، وعن التحديات التي يواجهها في طريق الفن.
كيف كانت البداية؟
أنا في الأصل خريج تخصص طيران وكومبيوتر، وأعمل في قطاع الطيران، لكنني ولشدة حبي للفن، أكملت دراستي في المعهد الوطني للموسيقى وتخصصت في الفنون الموسيقية الاسبانية (الفلامنجو). وبالعودة للوراء أعتقد في كثير من الأحيان أن ما دفعني الى هذا المجال هو الوضع العام الذي كان ضاغطاً جداً ، حيث لجأت للفن للتنفيس عن التوترات اليومية التي كنت أمر بها.
عرفك الكثيرون تعزف للجمهور وللعامة في الهواء الطلق، من أين جاءت هذه الفكرة، وكيف كان تقبل الأشخاص لها؟
بدأت العزف أمام المارة في شارع الرينبو منذ أكثر من 5 سنوات. أردت أن أكسر حاجز الخجل والعيب في البلد، كان الأمر صعبا في البداية، ولم يكن تقبل الأشخاص لوقوفي في الشارع أمرا جيداً، فقد تعرضت لانتقادات عدة ومنها الجارح، لكنني أعزو هذا الأمر لنقص في المعرفة الفنية لدى العامة، وكان الأمر بالنسبة لي معنوياُ، أردت أن أشجع العازفين في كل مكان على الخروج بمواهبهم إلى الجميع.
مالذي حققته هذه التجربة لك؟
استطعت أنا ورفاقي بعد عام كامل فرض أنفسنا على الساحة الفنية، وبدأنا بعمل حفلات موسيقية رسمية في شارع الرينبو، كما أصبح لدينا الكثير من المعجبين الذين يقومون بدعمنا وتكريمنا بين الفينة والفينة. لكن أهم ما حققناه في نظري هو أننا ساعدنا في جعل شارع الرينبو مرجعية لفن الشارع المحلي.
وما الذي جاء بعد ذلك؟
بدأت بعدها مع رفاقي بتأسيس فرقة حملت اسم "Guatrion" دمجت فيها عدة آلات لاتينية وحصلت الفرقة على التصنيف الأول من أمانة عمان على مستوى الشرق الأوسط وحصدت الجائزة الأولى لدمج 3 آلات معاً، وكانت هذه الآلات هي الجيتار والأكورديون والكاخون. حيث قمت ورفاقي بادخال هذه الآلة الى الأردن، فلم يكن أحد يعرفها من قبل، فهي اشتهرت في اسبانيا وهي كوبية الأصل. لكنني قررت الانفصال عن أعضاء الفرقة بعد أن طغت موجة DJ على المشهد المحلي خلال فترة التسعينات، رغم أنه وبحلول 2010 عادت موجة الفرق الغنائية الشبابية من جديد وأصبح هناك فجوة حقيقية في وجود الأعداد الكافية من الموسيقيين في الأردن.
ما هي التحديات التي واجهتك في مسيرتك الفنية كعازف أردني شاب؟
الدعم المؤسسي والخاص غير متوفر للفنانين الأردنيين بصورة كافية، فعلى الفنان أن يصل بجهده الى مراحل متقدمة قبل أن يتم الاعتراف به، كما أن عضوية نقابة الفنانين الأردنيين صعبة للغاية ، والمزعج في الأمر أننا ندفع مقابل ممارسة المهنة رغم عدم حصولنا على الامتياز بالعضوية!! كما أن الدخل المادي لمزاولة المهنة غير مستقر وغير ثابت، فأنا على سبيل المثال أعمل حاليا في 3 وظائف حتى أستطيع تأمين متطلبات المعيشة . كما أنه للأسف لا يتم دعم الموسيقيين والعازفين بالذات بصورة لائقة، تحولت موهبتهم لسلعة سريعة أو لمجرد تعبئة وقت الفراغ في البرامج التلفزيونية فقط.
ألهذا اتجهت لتدريس الموسيقى في الآونة الأخيرة؟
توقفت عن العزف لبضعة أعوام إثر وفاة والدي حتى أتعافى كلياً من صدمة فقدانه، فالعزف يأتي في الأصل من القلب، لذلك شعرت بحاجتي لفترة نقاهة، لكنني شخصياً أستمتع بتعليم الموسيقى، وإعطاء دروس في العزف، وخصوصاَ للأطفال، أشعر بالفخر حين أرى طلبتي يبدعون في موسيقاهم.
كيف يمكن برأيك إثراء المشهد الفني المحلي؟
أؤمن بالدور الكبير للاعلام في التعريف بدور الفنانين وجهودهم المتواصلة، لكنني أرى أن على إعلامنا المحلي أن يتأكد دوماً من نوعية الأشخاص وكفاءة الفنانين الذين يظهرون بكثافة قبل أن يصلوا للاعلام وللقنوات التلفزيونية ذات التأثير الكبير. كما أرى أن على الفنانين العمل بجد أكبر، في ظل المشاكل الكثيرة والاضطرابات السياسية التي تعصف بالمنطقة والتي تؤثر بصورة كبيرة على نوعية وكمية الانتاج الفني.
من هم الملهمون الحقيقيون لك؟
Paco De lucia ، عازف الجيتار الاسباني الذي أعتبره مثلي الأعلى لأنه بدأ من القاع لكنه اضطر للعزف على الجيتار حتى يعيل عائلته، كما أن الأستاذ خالد توفيق من أهم الأساتذة الموسيقيين الذين دعموني أكاديمياَ ، وهو ناصح مستمر لي في مسيرتي الفنية.
أما على نطاق الأسرة فجميع أفراد العائلة يدعمونني بشكل مستمر، عائلتي هم جمهوري الأول، وأعتقد أن تقدير الموهبة يبدأ من المنزل.
حدثنا عن مشاركاتك الفنية السابقة؟
أفتخر بالقول أنني مثلت الأردن في مهرجان جرش مع السفارة الاندونيسية 2013، كما كانت لي مشاركة فنية في المهرجان الأول لقلعة الربض/ مهرجان عجلون، بالاضافة لمشاركاتي المتعددة في الكثير من الحفلات الفنية الخيرية التي أتت لدعم مرضى السرطان ولأطفال SOS . كما كان لي مشاركة مهمة في حفل افتتاح البوليفارد بحضور جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملك رانيا العبدالله.
بعيداً عن العزف، وتدريس الموسيقى، كيف تفضل قضاء الوقت؟
أستمتع برياضة Sky Dive وبالسفر الى أماكن متعددة، ومن آخر الدول التي زرتها الهند، أحب التعرف الى الحضارات الجديدة وزيارة الأماكن التي تعبق بالتاريخ.
مشاريع مستقبلية؟
أخطط لاتقان العزف المنفرد بأسلوب Finger style، كما سأقوم باحياء حفلة تطرح أسلوبا جديدا في العزف. كما أحلم باقامة أكبر حفل فني في منطقة جبل عمان، فهي مساحتي المفضلة في المملكة.
أمنيات وأحلام؟
أتمنى أن يصبح الأردن مصنعا حقيقيا لانتاج الموسيقى كعواصم أخرى كالقاهرة وبيروت وان يصبح محطة دائمة للفنانين لا مجرد معبر مؤقت. كما أتمنى أن تبقى روح الحماسة والتفاؤل موجودة في أرواح الناس، حتى نتمكن من اعادة إحياء الموسيقى الخالدة التي تدل على رقي الشعب الاردني وتشير لطاقاته الفنية المتعددة. أحلم بجيل من الموسيقيين القادرين على تشكيل المشهد المحلي.
كلمة أخيرة...
ليت الناس يدركون أن العالم أكبر بكثير من مجرد ما يدور في الشرق الأوسط، العالم أوسع من مشاكلنا الاقليمية الضيقة.