اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية (World Day of Social Justice)
سعت منظمة الأمم المتحدة لمواكبة تطلعات الشعوب على امتداد العالم، حيث يعاني غالبيتها من خلل في العدالة الاجتماعية إن لم نقل غيابها في بعض المجتمعات، من هنا خصصت الأمم المتحدة يوماً عالمياً للعدالة الاجتماعية لتذكير العالم بأهميتها وبضرورة تطبيقها.. فما هو اليوم الذي اختارته منظمة الأمم المتحدة للاحتفال بالعدالة الاجتماعية؟ وكيف يتم الاحتفال بها؟ ما المقصود بالمصطلح؟ متى ظهر ولماذا؟ هذا ما سنجيب عنه في هذه المقالة.
الاحتفال باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية
تحتفل العديد من المنظمات، وعلى رأسها الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية في العشرين من شهر شباط/فبراير كل عام، حيث تصدر هذه المنظمات بيانات تتحدث فيها عن أهمية العدالة الاجتماعية، كما يناقشون الخطط لتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال السعي للقضاء على كل من (الفقر، التمييز، البطالة).
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ويكون الاحتفال باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية تحت شعار (العدالة الاجتماعية والحياة الكريمة للجميع)، ذلك بناءً على اقتراح من الاتحاد الروسي العام لنقابات العمال، كما تقوم كل من المدارس والكليات بإعداد أنشطة خاصة بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية مثل: تنظيم المحاضرات والفعاليات التي تتحدث عن أهمية مكافحة الفقر والبطالة، كما تقوم وسائل الإعلام بتغطية احتفالات اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، ويعد هذا اليوم يوماً للاحتفال وليس عطلة رسمية.
تحديد اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية
بدأ الاهتمام بالعدالة الاجتماعية في العالم منذ عام 1995 حيث عقد مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن، نتج عنه (إعلان كوبنهاغن) الذي أكد على ضرورة العلاقة التبادلية بين العدالة الاجتماعية والأمن والسلام، فهما ضروريان لتحقيق العدالة الاجتماعية التي لن تتحقق بدورها بدون وجودهما في الدول.
وبموجب الإعلان تعهد قادة أكثر من مئة دولة بالسعي للقضاء على الفقر وتأمين فرص العمل للجميع، كما تعهد قادة الدول بالسعي لتنمية مجتمعات مستقرة وآمنة وعادلة، وبعد عشرة أعوام اجتمعت الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة من خلال لجنة التنمية الاجتماعية؛ في مدينة نيويورك في شهر شباط/فبراير عام 2005.
وبعد عامين قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماع السادس والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2007؛ تحديد العشرين من شهر شباط/فبراير كل عام يوماً عالمياً للعدالة الاجتماعية.
أهمية العدالة الاجتماعية
تعد العدالة الاجتماعية مبدأً أساسياً للتعايش السلمي والمزدهر داخل الدول وفيما بينها، حيث تتجسد مبادئها في تعزيز المساواة بين الجنسين، ضمان حقوق الشعوب الأصلية وكذلك حقوق المهاجرين، بالتالي لا يمكن أن تتحقق العدالة الاجتماعية من دون القضاء على العوائق التي يعاني منها الناس نتيجة التمييز بينهم بسبب الجنس أو السن أو العرق أو الدين أو الثقافة أو العجز.
أما بالنسبة لمنظمة الأمم المتحدة، فيعد تحقيق العدالة الاجتماعية هدفاً للجميع ومن صميم رسالة هذه المنظمة العالمية لتعزيز التنمية والكرامة الإنسانية، فاعتماد منظمة العمل الدولية (منظمة تابعة للأمم المتحدة) الإعلان بشأن العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة هو مجرد مثال على التزام منظمة الأمم المتحدة للعدالة الاجتماعية.
إعلان العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة
تبنت منظمة العمل الدولية إعلاناً بعنوان (العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة) في العاشر من شهر حزيران/يونيو عام 2008، وتبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثالثة والستين في التاسع عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر عام 2008.
وتضمن الإعلان العديد من البنود أهمها، تحقيق العمالة الكاملة (أي القضاء على البطالة بشكل كامل وضمان فرص العمل للجميع)، تحقيق التماسك الاجتماعي من خلال محاربة الفقر والقضاء على التمييز وعدم المساواة بمختلف أشكاله سواءً بسبب الجنس أو العرق أو اللون، كما وضعت الأمم المتحدة برنامج عمل لتحقيق العدالة الاجتماعية، يقوم على ما يلي:
- تدعيم العمالة وتعزيزها من خلال تأمين بيئة مؤسساتية واقتصادية مستدامة، بحيث يستطيع الأفراد تطوير وتحديث قدراتهم كي تزداد إنتاجيتهم، إضافةً للسعي لزيادة الفرص لاستقبال المزيد من العاطلين عن العمل؛ الأمر الذي يساهم في تخفيف البطالة تمهيداً للقضاء عليها.
- اتخاذ إجراءات وتدابير لتأمين الضمان الاجتماعي لكل أفراد المجتمع لاسيما العاملين منهم، ذلك من خلال توسيع الضمان الاجتماعي ليشمل الجميع، ومن هذه التدابير على سبيل المثال: (توفير دخل خاص للحماية الاجتماعية (الضمان الاجتماعي)، تأمين ظروف عمل صحية وآمنة (الضمان الصحي)، تحديد ساعات العمل، تحديد حد أدنى للأجور، (بحيث يضمن للفرد العامل وأسرته تأمين الحد الأدنى من المستوى المعيشي).
- تشجيع الحوار الاجتماعي ودعمه، من خلال تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كذلك تبادل الأفكار والمعلومات حول السياسات التي تتخذها الدولة والمؤسسات الأخرى (المعامل، المصانع، الشركات... إلخ).
- احترام المبادئ والحقوق الأساسية في العمل وتعزيزها، من خلال تحقيق الحرية النقابية والإقرار الفعلي بالحق في إجراء المفاوضات حول العمل (تحديد الأجر، ساعات العمل الإضافي وتوقيتها، تأمين المواصلات للعامل المناوب لفترات طويلة خلال اليوم.. إلخ).
تعريف العدالة الاجتماعية والمبادئ التي تضمن تحقيقها
عرف معجم أكسفورد البريطاني العدالة الاجتماعية على أنها: "التوزيع العادل لكل من (الثروة، الفرص، الامتيازات) في المجتمع"، كما عرف القاموس السياسي الفرنسي العدالة الاجتماعية باعتبارها:
"المبدأ الأخلاقي والسياسي الذي يسعى إلى المساواة في الحقوق والتضامن الجماعي، كما يضمن التوزيع العادل والمنصف للثروة المادية بين مختلف أفراد المجتمع".
بدورها عرفت منظمة الأمم المتحدة العدالة الاجتماعية على أنها:
"المساواة في الحقوق بين جميع الشعوب، وإتاحة الفرصة لجميع البشر من دون تمييز للاستفادة من التقدم الاقتصادي والاجتماعي في جميع أنحاء العالم".
فتعزيز العدالة الاجتماعية ليس فقط لزيادة الدخل وخلق فرص العمل وإنما التركيز أيضاً على مسألة الحقوق والكرامة وحرية التعبير للعاملين.
وكذلك استقلالهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي"، كما عرفت منظمة باتشماما غير الربحية الهادفة لتمكين سكان الأمازون الاصليين؛ العدالة الاجتماعية بأنها:
"المساواة بين الناس في توزيع الموارد والفرص بغض النظر عن انتماء الأشخاص أو جنسهم أو لونهم".
مبادئ العدالة الاجتماعية
يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال مبدأين، هما:
- مبدأ المساواة في الحقوق، التي تضمن نفس المعاملة للجميع (على سبيل المثال: الحق في الحصول على الرعاية الصحية، الحق في الضمان الاجتماعي، الحق في العمل).
- مبدأ الحالات، الذي يأخذ الظروف الشخصية للأشخاص كأساس في اختياره لهذا العمل أو ذاك بدلاً من إجراء اختبارٍ له.
وتقتضي العدالة الاجتماعية من الدولة أن تعوض بعض الفوارق التي تظهر بين أفراد المجتمع؛ للتأكد من أن جميع الأفراد يتطورون اقتصادياً وثقافياً (التمكين الاقتصادي والتنمية الثقافية للفرد).
أول ظهور لمصطلح العدالة الاجتماعية في الأمم المتحدة
ظهرت كلمة العدالة الاجتماعية في أدبيات منظمة الأمم المتحدة في النصف الثاني من ستينات القرن العشرين، بمبادرة من الاتحاد السوفيتي وبتأييد من الدول النامية، حيث اعتمدت العدالة الاجتماعية في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عن الأمم المتحدة في السادس عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر عام 1966 ودخل حيز التنفيذ في عام 1976.
حيث تضمن العهد:
"لا تستطيع منظمة الأمم المتحدة تطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي تهمل السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية في كل أبعادها لاسيما مع انتشار العنف والقمع والفوضى...".
ويضيف العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: "يمكن أن تتحقق العدالة الاجتماعية من خلال إعادة توزيع الثروة وتنفيذها من قبل الهيئات العامة في الدولة"، حيث أخذت الدول الموقعة على هذا العهد على عاتقها ضمان عدم التمييز لأي سبب كان.
كما اعترفت الدول بحق الأفراد في الحصول على عمل يضمن من خلاله سلامته الصحية، وحقه في الحصول على المكافآت، كذلك المساواة في الترقية بالعمل، إضافةً للحق في العطلات الرسمية والأسبوعية من دون تمييز.
ظهور مصطلح العدالة الاجتماعية
ظهر مصطلح العدالة الاجتماعية للمرة الأولى في شهر كانون الأول/ديسمبر عام 1784، بتصريح للملك الفرنسي لويس السادس عشر عندما قال: "لن يجرؤ الإقطاعيون على إظهار أنفسهم بعد الآن؟ هناك حقوق مقدسة للبشرية، ومن بينها العدالة الاجتماعية".
ومن ثم انتقل المصطلح إلى بقية الدول الأوروبية مع ظهور الثورة الصناعية في أوروبا نهاية القرن الثامن عشر، حيث انتقل المجتمع الأوروبي من النظام الإقطاعي (نظام اقتصادي يقوم على تقسيم المجتمع إلى طبقتين: طبقة تملك الأراضي ولا تعمل، وأخرى تعمل ولا تملك الأرض) إلى النظام الرأسمالي (نظام يقوم على طبقتين أصحاب رؤوس المال، والطبقة الثانية هي طبقة العمال)، حيث أصبح العمال يعانون نتيجة هذا النظام، فألّف الكاهن الإيطالي لويجي تاباريلي (Luigi Taparelli) أزيليو كتاب أسماه (العدالة الاجتماعية) في عام 1840.
وفي أوائل القرن العشرين انتقل مصطلح العدالة الاجتماعية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أصدرت الحكومة الأمريكية العديد من القوانين لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مثل تحديد ساعات العمل بثماني ساعات، كما أقرت حق انضمام العمال لنقابات العمال، وبعد الحرب العالمية الأولى ظهرت منظمة العمل الدولية التي أقرت في ديباجة دستورها أنه "لا يمكن تحقيق السلام إلا إذا كان قائماً على العدالة الاجتماعية".
تصورات للعدالة الاجتماعية
للعدالة الاجتماعية ثلاثة تصورات وفق ما ورد في كتاب العدالة الاجتماعية في الأردن لعدد من المؤلفين، وهذه التصورات هي:
- التصور القانوني للعدالة: تستند العدالة الاجتماعية للقوانين والأنظمة السارية في المجتمع، على اعتبار أن القاعدة القانونية عادلة، فعند تطبيق القانون على الجميع؛ يصبح عادلاً من حيث التطبيق حتى لو كان غير عادل في النص.
- التصور المنطقي للعدالة: يستند هذا التصور على فكرة تبرير الأنظمة الحاكمة لتفسير عدم المساواة الاجتماعية، من أبرز مفكريها الفيلسوف البريطاني جون لوك، حيث اعتبر في كتابه "مقالتان عن الحكومة"، أنه "لا يحق للأفراد ممارسة النفوذ على غيرهم إلا في حال وجود عقد مسبق"، فالعقد المسبق يسمح للأفراد بالتأثير على غيرهم بمعنى (العقد شريعة المتعاقدين).
- التصور المنُصِف للعدالة الاجتماعية: يقوم هذا التصور على فكرة مفادها أن العدالة تعني الإنصاف، من أبرز مفكريها الأمريكي جون رولز الذي أسس صيغة تعاهدية للعدالة مفادها: "امتلاك الفرد لحقوق معينة، لا يمكن تحقيقها في حال تعارضت مع المصلحة العامة".
مبادئ المجتمع العادل
وضع العالم الأمريكي جون راولز نظرية المجتمع العادل في عام 1971، تقول النظرية: "حتى يكون المجتمع عادلاً يجب أن يحقق ثلاثة مبادئ"، هي:
- ضمان الحريات الأساسية على قدم المساواة للجميع.
- المساواة في الفرص مع جميع الناس.
- الحفاظ على الفوارق الوحيدة (الدعم الحكومي للسلع، المعونات، تعويض البطالة... إلخ) التي تعود بالنفع على الفقراء.
في الختام.. شكلت العدالة الاجتماعية وما تزال هاجساً للدول والمنظمات المحلية والإقليمية والدولية وغير الحكومية، بغية إشعار مواطنيها أن حقوقهم مصانة، وأنهم يتمتعون بعدالة اجتماعية أكثر من غيرهم من الشعوب والبلدان الأخرى، قد تنجح هذه الهيئات في تحقيق العدالة الاجتماعية، وقد تفشل، لكنها في كل الأحوال تبقى الهدف الأسمى لجميع شعوب الأرض ولكل الهيئات والمنظمات والدول في جميع أنحاء العالم.