الوزن المثالي والبدانة: متى يجب البدء بالحمية؟
بدأ الحديث عن ذلك المقياس الموحد من قبل عالم الرياضيات والإحصاء البلجيكي أدولف كويتليه (Adolphe Quetlet) عام 1832، حين وضع المؤشر المعروف باسم "مؤشر كويتليه" كطريقة سهلة وسريعة لقياس الحجم النسبي للجسم، بناء على قيمتي الوزن والطول، في هذا المقال، سنتحدث عن طريقة قياس كتلة الجسم، وكذلك فوائد الحفاظ على وزن صحي والمخاطر التي تنتج عن الإصابة بالبدانة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
طريقة حساب مؤشر كتلة الجسم BMI
فيما بعد، تم تعديل اسم المؤشر ليصبح مؤشر كتلة الجسم (بالإنجليزية: Body Mass Index) أو اختصاراً (BMI)، ويتم حسابه بقسمة الوزن بالكيلوغرام على الطول المقاس بالمتر (مُربعاً أي مرفوع للقوة 2)، فمثلاً بالنسبة لشخص يزن 85 كيلوغراماً وطوله 1.8 متر، تكون قيمة (BMI) بي إم آي تساوي: [1]
[85 / (1.8 × 1.8)] = 26.23 تقريباً.
بالرغم من أن مؤشر (BMI) لا يقيس الكتلة الشحمية بشكل مباشر، فإنه يتميز بكونه سهل الحساب، يأخذ المعطيات الأساسية التي يعلمها كل فرد عن نفسه ويحتاج مجرد بضع ثوان لحسابه، وهذا ما يميزه عن الطرق الأخرى لحساب كتلة الشحوم، التي تحتاج مختصين لقياسها، كاختبار المقاومة الكهربائية للجلد، أو مقارنة الوزن تحت الماء وفوقه، أو الاختبارات الإشعاعية. [1]
وهو لا يعتمد على العمر أو الجنس أو العرق، إذ نحسب مؤشر الكتلة لامرأة بيضاء مثلاً كما نحسبه لرجل أسود، وندخل القيم بنفس الطريقة عند إجراء مسح لفئة ما من الناس، مما يفيد في إجراء دراسات إحصائية واسعة النطاق، وتوزيع الأشخاص إلى فئات وزنية بحسب قيمته. [1]
تصنيفات درجة السمنة وفقاً لمؤشر كتلة الجسم
يتم تقسيم الناس بحسب مؤشر كتلة الجسم (BMI) إلى: [1]
- نحيلون (Underweight): وهم من تكون قيمة الـ(BMI) لديهم أقل من (18.5).
- طبيعيون (Healthy weight): قيمة الـ(BMI) الطبيعية هي بين (18.5-24.9).
- زائدو الوزن (Overweight): تكون قيمة الـ(BMI) بين (25.0-29.9)، وهنا يجب أن ننتبه إلى وزننا ونحاول تخفيضه.
- بدناء (Obese): يعتبر الشخص بديناً عندما تزداد قيمة الـ(BMI) عنده عن 30 وحتى 39.9.
- شديدو البدانة (Severely obese): وهم من تزيد قيمة الـ(BMI) لديهم عن 40.
جميع هذه القيم صالحة للبالغين فقط، أما الأطفال؛ فنقارن قيمة مؤشر كتلة الجسم لدى الطفل مع متوسط القيم لدى أقرانه من الفئة العمرية نفسها، ومن الجدير بالذكر أن القيم التي تحدد كون الشخص بديناً مثلاً تكون متساوية لدى جميع البالغين (أكثر من 30)، إلا أن عواقبها ومخاطرها تختلف من شخص لآخر بالطبع. [1]
فوائد الحفاظ على وزن طبيعي
ينصحنا الأطباء دوماً بالحفاظ على وزن جسم ضمن الحدود الطبيعية، وهم محقون في نصيحتهم، لأنها تنطوي على العديد من الفوائد، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: [2]
- الوقاية من آلام المفاصل والعضلات، إذ إن تخفيف الوزن يخفف الحمل على المفاصل.
- زيادة النشاط والقدرة على المشاركة في رياضات أو نشاطات عامة أكثر.
- تنظيم توازن سوائل الجسم وضغط الدم.
- تخفيف العبء على القلب وجهاز الدوران.
- تحسن النوم.
- انخفاض شحوم الدم، والكوليسترول، وسكر الدم؛ وبالتالي الوقاية من حدوث داء السكري.
- الوقاية من الإصابة بالنوبات القلبية وبعض أنواع السرطان.
وهكذا نرى أن تخفيض وزننا بضعة كيلوغرامات قد يحدث تأثيراً هائلاً على نشاطنا وصحتنا، بل قد يكون منقذاً للحياة بحسب رأي بعض أطباء القلب والأوعية.
الآن وبعد أن أصبحنا نعرف طريقة تحديد فيما إذا كان وزننا طبيعياً، وفوائد المحافظة على جسم رشيق، فلنتحدث عمّا يحدث في حال اضطرب ذلك التوازن.
ما هو تعريف البدانة
يختلف تعريف البدانة اختلافاً كبيراً من مرجع إلى آخر، كما لاحظنا من تعريف الوزن الطبيعي، ويبقى التعريف الأكثر شيوعاً لها هو ارتفاع قيمة مؤشر الجسم (BMI) عن 30 عند الشخص البالغ. [3]
وهو ليس تعريفاً دقيقاً بشكل كامل لأن قيمته مرتفعة عند الأشخاص ذوي الكتلة العضلية الكبيرة مثلاً، إلا أنه يعطينا فكرة جيدة عن الموضوع، توجد طرق أخرى كقياس سماكة الثنية الجلدية ومحيط الخصر والأرداف. [3]
مقياس البدانة وفقا لمحيط الخصر
يعتبر الرجل بديناً إذا زاد محيط خصره عن 94 سنتيمتراً، أما الأنثى فعندما يزيد محيط خصرها عن 80 سنتيمتراً، وهنا نبدأ بالتفكير في كيفية تجنب الأمراض المتعلقة بالبدانة. [3]
إحصائيات البدانة حول العالم
يقدر عدد ذوي الوزن المرتفع بأكثر من 1.9 مليار شخص حول العالم، أما البدناء؛ فيبلغ عددهم أكثر من 600 مليون شخص، بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية عام 2014، ويوجد نمطان أساسيان من البدانة، هما: [3]
- البدانة البطنية: خاصة عند الذكور، إذ يظهر الكرش وتتراكم الشحوم في منطقة الخاصرتين.
- البدانة الحوضية: تكثر عند النساء، وخصوصاً بعد عملية الولادة، إذ يزداد عرض الوركين وتتركز الشحوم في تلك المنطقة.
أسباب البدانة تعود إلى آلية واحدة أساسية
تتعدد الأسباب المباشرة للبدانة من شخص لآخر، إلا أنها ترجع جميعها في الأصل إلى آلية واحدة أساسية، ألا وهي اختلال التوازن في عمليات الاستقلاب بين البناء والهدم لصالح عمليات البناء، فما هو الاستقلاب؟ وكيف يساهم اختلاله في إحداث البدانة؟ [1]
إن الاستقلاب (الأيض) (بالإنجليزية: Metabolism) هو مجموع العمليات الحيوية التي يقوم خلالها الجسم بتحويل المواد الغذائية إلى طاقة يستخدمها الجسم، إما لحرقها عند القيام بنشاطات جسدية مختلفة (وهنا تدعى عمليات الهدم). [1]
أو في تخزين الطاقة ضمن خلايا الجسم على شكل سكر مثلاً أو ضمن الأنسجة الشحمية (وهذه تدعى عمليات البناء)، لذلك إذا زادت عمليات البناء على حساب عمليات الهدم تحدث البدانة. [1]
وعلى النقيض من ذلك، يحدث نقص الوزن بالرغم من الوارد الغذائي الأكثر من كافٍ، حين تزداد عمليات الهدم على حساب عمليات البناء، كانت هذه الآلية الرئيسية المسببة للبدانة. [1]
أما الآن؛ فلنناقش أكثر الأسباب الأكثر شيوعاً للبدانة: [1]
استهلاك كمية كبيرة من السعرات الحرارية (Calories)
السعرات الحرارية هي الوحدة التي تقيس كمية الطاقة الموجودة في غذاء ما، وتختلف قيمتها من غذاء إلى آخر، ويحتاج الذكر البالغ الطبيعي النشيط جسديّاً إلى 2500 سعرة حرارية في اليوم الواحد، أما الأنثى فتحتاج إلى 2000 سعرة حرارية في اليوم للحفاظ على وزن طبيعي مع استقرار الوظائف الحيوية.
قد يبدو هذا الرقم كبيراً للوهلة الأولى، لكنه للعلم فإن وجبة واحدة مكونة من شطيرة هامبرجر كبيرة مع صحن بطاطا مقلية وكأس من المشروبات الغازية تحوي 1500 سعرة حرارية تقريباً.
النظام الغذائي السيئ
فالبدانة لا تحدث ببساطة بين ليلة وضحاها، إنما تحدث بشكل تراكمي على مدار عدة سنوات، بسبب نظام الحياة غير الصحي، ومن الأمثلة على ذلك نذكر الآتي:
- تناول كميات كبيرة من الوجبات السريعة والأغذية المعدلة بمواد حافظة، إذ إنها تحوي كميات كبيرة من السكر والشحوم.
- شرب الكحول بكميات مفرطة، نظراً لاحتوائه على نسب عالية من السعرات الحرارية، وهذا هو السبب وراء زيادة الوزن لدى معظم مدمني الكحول.
- الإكثار من تناول وجبات الطعام خارج المنزل، لأن لوحات الطعام في المطاعم تحوي على المقبلات والتحلية المغرية، بالإضافة لكون وجبات المطاعم أكثر دسماً، وبالتالي أغنى بالسعرات الحرارية.
- تناول حصص غذائية تزيد عن حاجة الجسم، يشيع ذلك عندما يُحاط الشخص بوسط من الأصدقاء والأقارب الذين يأكلون بكثرة، مما يشجعه على القيام بالمثل، ومثال على ذلك ما نشاهده في مجتمعاتنا العربية، خاصة في المناسبات الاجتماعية، إذ يتوافر الطعام بكثرة وتنوع، ويكون الإكثار من الأكل دلالة على الرضا عنه والاحترام لمن أعده.
- الإفراط في تناول المشروبات المحلاة، بما فيها المشروبات الغازية وعصائر الفواكه المحلاة.
- الأكل للراحة، فقد يكون تناول وجبة دسمة حلاً سريعاً ومريحاً للترويح عن النفس، خاصة عند المصابين بالاكتئاب أو قلة الثقة بالنفس.
تظهر البوادر المبكرة للبدانة في سن مبكرة غالباً، وتميل للحدوث في عائلات أكثر من أخرى بسبب العوامل البيئية والوراثية والاجتماعية.
نقص النشاط الجسدي
يعمل أغلبنا في الوقت الحالي بأعمال تتطلب الجلوس وراء مكتب لساعات طويلة كل يوم، ونستخدم وسائل المواصلات كالسيارة أو المواصلات العامة للتنقل من وإلى المنزل بدلاً من المشي أو ركوب الدراجة.
وعندما نعود إلى المنزل، نقضي أوقات الراحة والعطل الأسبوعية في مشاهدة التلفزيون أو تصفح الإنترنت ولعب ألعاب الفيديو، ونادراً ما يخرج أحد منا لممارسة الرياضة بشكل منتظم بعد الدوام.
عند قلة الحركة، تتراكم السعرات الحرارية التي تأتي مع الغذاء ولا تصرف بالحركة، فتخزن في الجسم ضمن الأنسجة الشحمية وتؤدي إلى البدانة، لذلك ينصحنا الأطباء بـ 150 دقيقة أسبوعيّاً من النشاط الجسدي معتدل الشدة، كالمشي السريع، الهرولة، السباحة أو ركوب الدراجة، يمكننا بالطبع تقسيمها على مجموعات صغيرة على مدار الأسبوع.
هذا الرقم مناسب لأصحاب الوزن الطبيعي والذين يرغبون بالمحافظة عليه من الزيادة، أما بالنسبة لزائدي الوزن والبدناء، يزداد وقت التمرين الرياضي المطلوب بحسب درجة السمنة والسرعة المراد بها تخفيف الوزن.
العوامل الوراثية
يدعي معظم البدناء بأن الأمر خارج عن سيطرتهم، ولا فائدة من محاولة خسارة الوزن، إذ يقول أحدهم: "جميع أفراد عائلتي بدناء، بالرغم من أننا لا نستهلك الكثير من الطعام ونشاطنا الجسدي طبيعي".
يوجد بعض الأمراض الوراثية التي تجعل اكتساب الوزن أسرع بكثير من خسارته، كمتلازمة برادر ويلي (Prader Willi’s Syndrome)؛ وهي اضطراب وراثي تسببه خسارة عمل بعض المورثات في حمضنا النووي، مما يؤدي إلى ضعف العضلات، وشعور مستمر بالجوع؛ وبالتالي الإصابة بالبدانة وداء السكري، إضافة إلى متلازمة المبيض متعدد الكيسات (PCOS).
كما تلعب الوراثة دورها في التحكم بالشهية وتنظيم تركيب الشحوم وتوزعها ضمن الجسم، مما يجعل الحفاظ على وزن طبيعي أمراً ليس بسهل على بعض الأشخاص مقارنة بالآخرين، إلا أنه لا يوجد أي سبب طبي يمنع شخصاً ما من خسارة الوزن -بغض النظر عن الصعوبة- عند بذل جهد كافٍ.
أسباب طبية أخرى
في بعض الحالات، تساهم الأسباب الطبية بشكل مباشر أو غير مباشر في إحداث البدانة، ومن ضمن هذه الحالات ما يأتي:
- نقص نشاط الغدة الدرقية (Hypothyroidism): وهو عندما لا تنتج الغدة الدرقية هرموناتها بكمية كافية.
- تناذر كوشينج (Cushing): وهو اضطراب نادر ينتج عنه إنتاج كميات كبيرة من الهرمونات الستيروئيدية (كالكورتيزول).
- بعض الأدوية: مثل الكورتيزونات، وأدوية الصرع والسكري، وبعض الأدوية المستخدمة في علاج الأمراض النفسية كمرض الاكتئاب ومرض الفصام.
ومع ذلك، عند التشخيص المبكر والمعالجة المناسبة لمثل هذه الحالات، يندر أن تستعصي خسارة الوزن على المريض، ومن الجدير بالذكر أن البدانة قد تحدث كعرض جانبي غير مرغوب عند الإقلاع عن عادة التدخين.
مخاطر تسببها البدانة وكيفية علاجها
تتعدد مخاطر البدانة لدرجة يصعب حصرها، إذ يزداد الوزن الذي يجب أن يحمله الهيكل العظمي والمفاصل وتحدث التهابات العظام والمفاصل، وتزداد بشدة خطورة الإصابة بداء السكري، كما يحدث تصلب في الشرايين وتضخمات مرضية في العضلة القلبية بسبب زيادة العبء على عمل القلب. [2]
حتى إن عدداً كبيراً من السرطانات تزداد خطورة حدوثها في حال البدانة، مثل: سرطان القولون، وسرطان الثدي، وسرطان الكبد، وغيرها، إضافة إلى المشاكل النفسية، خاصة عند المراهقين. [2]
علاج البدانة
يختلف العلاج من شخص إلى آخر بحسب طبيعة الجسم والنشاط الفيزيائي الذي يقوم به هذا الشخص في العادة، إضافة إلى أنه قابل للتعديل دوريّاً بحسب الاستجابة على العلاج، إلا أنه يعتمد في الأساس على جانبين أساسيين، هما: [3]
- الحمية: من الضروري اتباع حمية منخفضة السعرات الحرارية، وتنظيم الوجبات في مواعيد محددة، كي لا نشعر بالرغبة في تناول وجبات سريعة بين الوجبات الأساسية، إضافة إلى عدم تناول الوجبات الدسمة قبل النوم بعدة ساعات.
- الرياضة: تعد حجر الأساس في الوصول إلى أي نظام حياة صحي، إذ إنها تنشط القلب والدورة الدموية، وتريح الأعصاب، وتساعد على حرق الشحوم وتحسن من صحة العضلات والهيكل العظمي.
توجد بعض الوسائل الطبية، كخافضات الشحوم وأدوية إضعاف الشهية، إضافة إلى عمليات ربط المعدة الجراحية في الحالات الشديدة، والتي لا يرجى تحسنها السريع باستخدام الطرق التقليدية، استشر طبيبك لاختيار الخطة المثلى للوصول إلى الوزن المرغوب. [3]
مما سبق؛ نجد أن الحفاظ على وزن صحي أمر في غاية الأهمية للوقاية من طيف واسع من الأمراض المترافقة مع البدانة، كما أنه يساعدنا على الاستمتاع بحياتنا بشكل أفضل، وممارسة جميع النشاطات التي نرغب بها، دون الشعور بخجل من شكل أجسامنا، أو التعب الذي قد يمنعنا من القيام بها.