المراهقة بين نهاية الطفولة وبداية الشباب
هم أبناؤنا الذين نحبهم ونكرّس حياتنا من أجلهم، فنسعد إذا سعدوا، ونحزن إذا حَزنوا، ونرفع رؤوسنا فخراً لنجاحهم، كما قد ننكس هاماتنا خجلاً لفشلهم، لذا فلا غرابة بالطبع في أن نغضب من أجلهم حين يضلون الطريق أو يسيئون التصرف، ولأنهم مراهقون فإن حكمنا على تصرفاتهم غالباً ما يكون حكم جيل لديه خبرة الحياة على جيلٍ حائر بين حاجاته الحقيقية ورغباته، التي تتلاعب فيها أهواء النفس، ومتغيرات الظروف، ربما هنا بالضبط تكمن الفجوة التي ينتج عنها نظرتهم لنا على أننا عاجزون عن فهم أفكارهم وحاجاتهم؛ ونظرتنا لهم على أنهم جيل متهور تائه لا يدرك عواقب أفعاله، في هذا المقال، نتحدث عن علامات بداية مرحلة المراهقة بانتهاء مرحلة الطفولة وبداية مرحلة الشباب.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
علامات بداية المراهقة النفسية والجسدية
المراهقة ليست ظاهرة اجتماعية أو اضطراباً جسدياً أو مرضاً نفسياً، إنما هي مرحلة أساسية من مراحل النمو؛ لا يمكن اكتمال نضوج الإنسان دون مروره بها، حيث تتميز مرحلة المراهقة بحدوث ثورة من التغيرات على جميع المستويات النفسية والاجتماعية والجسدية؛ حتى الأخلاقية أو الفكرية لدى الإنسان.
كما ينتج عن هذه الثورة مجموعة من السمات والخصائص التي تميز فترة زمنية من عمر الإنسان وهي المراهقة، من هنا كان لكل علم تعريفه الخاص لهذه المرحلة بحسب الجزء الذي يختص بدراسته منها: [1]
تعريف المراهقة وفقا لعلم النفس
يعرف علم النفس مرحلة المراهقة بأنها اقتراب الفرد من النضوج النفسي والعقلي الكامل، وتشكيل الفرد لمنظومته الخاصة من الأفكار والقناعات والقيم.
تعريف المراهقة في علم الاجتماع
وفي علم الاجتماع، تعتبر المراهقة بمثابة البوابة الأخيرة التي يصقل فيها الإنسان شخصيته النهائية؛ قبل أن يصبح فرداً كامل الأهلية، من حيث الحقوق والواجبات في المجتمع.
التعريف اللغوي والبيولوجي للمراهقة
هي اقتراب الفرد من الحِلْم أي البلوغ الجنسي، كذلك التغيرات التي تطرأ على جسم الإنسان نتيجة هذا البلوغ.
ومن هذه التعاريف نستطيع استخلاص مجموعة من الدلائل التي يمكن أن تتنبأ من خلالها بأن طفلك قد دخل في مرحلة المراهقة، مثلاً: [1]
- التطور الجسدي: حيث تلاحظ سرعة نموه الجسدي في هذه المرحلة فيأخذ جسمه الشكل الذي يتناسب مع جنسه، فيزداد حجم العضلات عند الذكور وتتوسع المساحة بين أكتافهم وينمو لديهم شعر الوجه، بينما يزداد الطول ويضيق الخصر مع توسع الحوض والأوراك عند الإناث.
- النضوج الجنسي: إذ يحدث البلوغ في هذه المرحلة عند الجنسين، حيث يمكن ملاحظة زيادة حجم الأعضاء الجنسية وظهور بعض الاضطرابات النفسية كنتيجة لذلك.
- الاضطراب النفسي: كنتيجة للتطورات الجسدية والجنسية؛ يعاني المراهق بعض الاضطرابات النفسية، التي تتعلق ببروز حاجات جديدة فتلاحظ عليه مثلاً: الشرود باستمرار، وكثرة الانفعالات، والاهتمامات العاطفية والرومانسية.
أبرز الخصائص النفسية والاجتماعية للمراهقين
بمجرد أن يصل الطفل لفترة المراهقة يدخل في دوامة فوضى التغيرات الشاملة والجذرية على المستوى البيولوجي والنفسي والاجتماعي، حيث تساهم هذه التغيرات إلى حد بعيد في إعادة إنتاج شخصية الطفل.
إذ تتميز بمجموعة من الخصائص والسمات التي تنفرد بها فترة المراهقة، لكن هذه الخصائص وتلك التغيرات لا تحدث بشكل مفاجئ؛ إنما تمر بمراحل متداخلة ومتشابكة، ومن أبرز هذه الخصائص ما يأتي: [1]
على المستوى النفسي
- تتميز سلوكيات المراهقين بأنها تصبح جدلية، فهو يتذمر من كل شيء وتصدر عنه أحياناً نوبات الغضب العدوانية (فقد يبالغ مثلاً بالانزعاج من النصائح التي تقدمها له أو يغضب عندما تبدي رأيك الرافض تجاه بعض رغباته كالخروج مع أصدقائه وغيره)، فتسبب هذه السلوكيات إزعاجاً للوالدين والمعلمين.
- يبدأ الوعي بالذات في هذه المرحلة، ويميل المراهقون نحو الاستقلال وإثبات النفس والتعبير عن الوجود من خلال مجادلة الكبار مثلاً أو تقليدهم أو التدخين بهدف لفت الانتباه.
- يتولد لدى المراهقين إيمان شبه مطلق بالمثاليات البعيدة عن الواقع، ففي هذه المرحلة لم تكتمل لدى المراهق بعد القدرة على التحليل والتفكير التجريدي، مما يجعله ضعيفاً أمام الأفكار والفلسفات التي تعرض عليه مثل: الأساطير أو يصدق ما يقرأه في الروايات ويراه في الأفلام.
- تزيد لدى المراهقين أحلام اليقظة وخاصة ما يتعلق منها بالطموحات الكبيرة أو المغامرات، لكن الأهم من ذلك الأفكار الجنسية والرومانسية فيحاولون ربط هذه الأحلام بالواقع، لهذا نلاحظ على المراهقين كثرة التفكير والشرود.
- تعتبر الأنانية من أهم ما يميز المراهقين، فالمراهق لا يهتم بأي شيء لا يتعلق به بشكل مباشر، فهو يرى في أي شيء يعارض أفكاره تخلفاً كأن ينظر لوالديه اللذين يحاولان منعه من العمل أو السفر أو الدخول في تجارب خطيرة، بأنهم لا يستطيعان فهم أفكاره؛ ربما يراهما ذوي تفكير رجعي أيضاً. [1]
على المستوى الاجتماعي
- في مرحلة المراهقة يمكن ملاحظة زيادة التفاعلات الاجتماعية مع الغرباء بعيداً عن الأسرة والعائلة، بالأخص تلك العلاقات مع الأقران التي تعزز تقدير المراهق لذاته وتتجاوب مع أفكاره ورغباته.
- كما يلاحظ اختلافات بين الجنسين في نوع العلاقات التي يبنيها المراهق، فبينما يرغب الذكور في بناء شبكات واسعة من العلاقات، ترغب الإناث بوجود أعداد أقل من الأصدقاء المقربين.
- في هذه المرحلة يحدث نوع من التمرد أيضاً؛ على السلطة التقليدية المتمثلة بالآباء والمعلمين والمربين، ليتحول انتماء وولاء المراهق إلى جماعات الأقران أو بعض الأشخاص الذين يعجب المراهق بأفكارهم، مثل: بعض الكتّاب أو المغنين أو الممثلين ذوي الأفكار والفلسفات الغريبة عن ثقافة المجتمع وعاداته.
- يميل الشاب أو الشابة في هذا العمر إلى تجريب العلاقات العاطفية الرومانسية، عادة ما يأتي هذا الميل بدافع تقليد الأفلام والروايات والقصص من ناحية؛ كذلك دافع الحاجات الجسدية والنفسية الجديدة في هذه المرحلة من ناحية أخرى. [1]
أنماط سلوكية شائعة بين المراهقين
بما أن أكثر ما يميز مرحلة المراهقة هو السعي لإثبات الذات، يمكننا القول إن هذه الخاصية هي المحرك الأساسي لمعظم أفعال المراهقين وترتبط بها الكثير من سلوكياتهم.
إذ إنه يمكن ملاحظة الرغبة في التمرد على مختلف الأنظمة القائمة في الأسرة أو المدرسة والمجتمع في كل خطأ يرتكبه المراهق، فمثلاً: [2]
- عندما يدخل الفرد في مرحلة المراهقة سرعان ما تلاحظ أنه قد أصبح حاد الطباع صعب التعامل، فتجده مثلاً: سريع الغضب تجاه أي شيء يمكن أن يكبت حريته بالإضافة لأنه يتصرف بعدوانية، إذ إنه لا يتقبل النصائح والإرشادات بسهولة، فهو لا يقدر أهمية تجربة الوالدين أو الكبار ويرى في هذه النصائح تقليلاً من شأنه وانتقاصاً من وعيه وشخصيته، هذا ما يفسر تمرده على الأوامر والأنظمة السائدة في المجتمع مثل: العادات والتقاليد وأنظمة المدرسة أو العلاقات الأسرية، إذ يجب على الوالدين الانتباه لهذه المسألة أثناء توجيه الإرشادات للابن المراهق.
- ومن نفس دافع إثبات الذات والتمرد على الأنظمة؛ تشيع في سن المراهقة ظاهرة الهروب من المنزل أو المدرسة، فالمراهق يرى فيهما مصادرة لحرية حركته وتصرفاته وتسلط على رغباته وقراراته، وعادةً ما تواجه هذه المسألة بالقمع والقسوة التي قد تصل للعنف أو الضرب، إلا أن ذلك قد يؤدي لزيادة عناد المراهق، وبالتالي إعطاء نتائج عكسية، فتراه إما يتحدى هذا القمع ويزيد في تمرده أو تراه يستسلم بخضوع مبالغ فيه ربما قد يؤدي لمحي شخصيته وإضعافها في المستقبل.
- ترتفع احتمالات إدمان الفرد على التدخين في سن المراهقة إلى حدها الأعلى وخاصة عند الذكور، فأغلب الأسر تعاني من هذه المشكلة مع ابنها المراهق، حيث تعود هذه المسألة للعديد من الأسباب، أهمها: التقليد عندما يكون المحيطون بالمراهق من المدخنين، أو إثبات الذات، حيث إنه يجد في التدخين وسيلة ناجحة تلفت الأنظار نحوه وتجعل الآخرين يرونه كبيراً.
- قيادة السيارة بشكل سريع ومتهور من أكثر الأشياء التي يرغب بها المراهق في هذه المرحلة، فمشاعر المراهقين وطاقتهم تشبه بركاناً ثائراً، وهو بتصرفات من هذا النوع يحاول تفريغ طاقاته والتنفيس عن مشاعره وتوتره.
- الإدمان على استخدام شبكة الإنترنت من أهم المشاكل الحديثة التي يعاني منها الأهل مع ابنهم المراهق، فهذه الشبكة تحوي كماً غير محدود من المواقع والمعلومات والثقافات أو الإعلانات، التي قد تتعارض مع ثقافة أو بيئة أو أخلاق المراهق وأسرته، إذ يعتبر سن المراهقة بسبب التغيرات والاضطرابات والحاجات العضوية والنفسية؛ بيئة مثالية لتجعل من المراهق فريسة سهلة للانجراف وراء ما تقدمه هذه الشبكة بكل ما تتضمنه من محتوى سلبي أو إيجابي.
- أما عند الإناث فأهم ما يمكن ملاحظته في مرحلة المراهقة، هو ميلهن إلى القصص والحكايات والمغامرات الرومانسية بدرجة مبالغ فيها، فيزيد اهتمام الفتاة بمظهرها الخارجي، كما تزيد لديها أحلام اليقظة البعيدة عن الواقع ونمط العلاقات السائدة فعلاً، نتيجة لذلك قد توقع نفسها في العديد من المشاكل الاجتماعية أو الأخلاقية في بعض الأحيان.
كيف أتعامل مع ابني/ابنتي خلال فترة المراهقة
في هذه الفترة يبدأ ابنك باعتبار نفسه شخصاً بالغاً راشداً، لذلك يحتاج للشعور باستقلاله واحترام الآخرين له، ما يفسر تمرده ومعارضته باستمرار لكل الأنظمة أو النصائح التي يمليها عليه القائمون على تربيته.
لهذا السبب بدلاً من توجيه النصائح إليه على شكل أوامر صارمة وتعاليم مملة وحاجزة للحرية، عليك أن تجعل من نفسك صديقاً له؛ يفهم رغباته ويقدر حاجاته ويوجه تصرفاته بطريقة غير مباشرة لتتمكن من التعامل مع المراهق بطريقة سليمة، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق ما يأتي: [3]
- عليك تعلم أن المراهقة مرحلة بالغة الحساسية، وتعتبر مصيرية خلال بناء الإنسان لشخصيته، وهي فترة ستمر على كل إنسان دون استثناء، ولهذا يجب أن يتصف تعاملك مع ابنك خلالها بالصبر والهدوء والحكمة، وأن تبتعد عن التوتر والانفعال، فهي فترة مؤقتة وسوف تنتهي بالتأكيد.
- من المهم أن تفهم الأساليب التربوية المباشرة التي كانت تتبع مع الأطفال الصغار كالثواب والعقاب أو الإرشاد المباشر أو التهديد، قد لا تجدي نفعاً عندما يتعلق الأمر بالمراهقين، لأن المراهق مقتنع بعدم حاجته للرعاية والنصائح من أحد، لذلك بدلاً من هذه الطرق التقليدية يمكنك مثلاً: أن تستفز احترامه لذاته إذا لم يقم بالسلوك المطلوب فمثلاً حاول أن تحمّله مسؤولية أفعاله وعندما لا يستجيب بالشكل المناسب عليك تغيير أسلوب العقاب؛ فبدلاً من العنف يمكنك أن تسخر من سلوكه هذا وتشبهه بسلوك الأطفال، فأكثر ما يزعج المراهق تشبيهه بالصغار؛ لذا سيحاول تحسين استجابته في المرة المقبلة.
- بما أن المراهق بحاجة للشعور باستقلاله فهو يحتاج أيضاً لنيل قدر من الحرية فيما يخص قراراته وقناعاته وتصرفاته، ولكن من الضروري أن تربط بين هذا القدر من الحرية وتحميله مسؤولية أخطائه وتصرفاته، فيجب أن تعلمه أن استقلاله وحريته يجب ألا تتعارض مع القيم والأخلاق السائدة في مجتمعه ومحيطه، كما يجب أن يعرف أن هناك حدوداً تميز بين المقبول والمرفوض من تصرفاته، وأن احترام الآخرين له يكون بقدر التزامه بهذه الحدود.
- يجب أن يتصف تعاملك مع ابنك المراهق بالتوازن والمرونة، فمن الخطأ المبالغة في الحزم والقمع أو التهاون والتراخي مع تصرفاته، بدلاً من ذلك يجب أن يتناسب حجم ردة فعلك مع حجم الخطأ الذي ارتكبه، فمثلاً: عندما يرتكب خطأ ما ليس له ضرر كبير عليه أو على محيطه أو مستقبله لا داعي للمبالغة في تأنيبه أو تكبير حجم هذا الخطأ، ومن جهة أخرى، يجب أن تلفت انتباهه لأن بعض تصرفاته غير مقبولة ولا يمكن تجاهلها دائماً.
- عادة ما يصاحب مرحلة المراهقة مستوى معين من الانطوائية والخجل، ولمعالجة هذه المسألة يجب أن تدعم ثقة ابنك بنفسه واحترامه لذاته، وذلك من خلال أن تطلب منه، مثلاً: المشاركة في الأحاديث والنقاشات التي تدور في وجوده، أو طلب رأيه في الأمور التي تتعلق بالأسرة والمنزل، وتشجيعه باستمرار للتعبير عن نفسه وأفكاره.
- تشيع بين المراهقين ظاهرة التسلط على الأخوة الأصغر سناً ومعاملتهم بقسوة واستكبار، وهذه المسألة تعاني منها الكثير من الأسر، ربما يكمن الحل الأفضل لهذه المشكلة بأن نعوّد الأخوة الصغار على احترام الإخوة الأكبر سناً من جهة، كما نعّلم المراهقين بأن أخوتهم الصغار مسؤوليتهم؛ ويتوجب عليهم حمايتهم والاهتمام بهم، بدلاً من التسلط عليهم وإزعاجهم.
- ومن أهم ما تجدر الإشارة له أنه يتوجب على الأب من نفس الجنس توعية ابنه تجاه بعض الأمور الجنسية، وتوجيهه نحو الطريقة المناسبة لتفريغ مشاعره وتعويضها بطريقة يرضى عنها المجتمع تتناسب مع القيم الاجتماعية والأخلاق العامة، مثل: تحويل مشاعرهم وطاقاتهم الجنسية نحو موضوعات أخرى قد تنمي مواهبهم، من خلال تحوليها إلى قصائد شعرية أو تعليمهم العزف على آلة موسيقية أو ممارسة الأنشطة الرياضية بهدف تفريغ تلك الطاقات.
- على الوالدين تخفيف شحنات التوتر وإشاعة جو من الأمان والثقة والمسؤولية والتعاون والحوار داخل المنزل دائماً.
في الختام، تناولنا في هذا المقال مرحلة المراهقة من حيث التعريف بها وبخصائصها ومميزاتها، بالإضافة إلى توقيت بدايتها ونهايتها وجميع مراحلها والتغيرات التي تطرأ على المراهق نفسياً وجسدياً واجتماعياً خلالها، كما تناولنا آثار هذه التغيرات على شخصية المراهق وسلوكياته، وأهم المشاكل الشائعة في مرحلة المراهقة والطريقة الأنسب لحلها.