الكذب عند الأطفال وطرق التعامل معه
هل يكذب طفلك؟ من المؤكد أنه يكذب، لكن الكذب بالنسبة للأطفال ليس ذنباً، فهم لا يعرفون بعد قيمة الصدق أو معنى الكذب، ولا يستطيعون التمييز بين المفاهيم الأخلاقية التي يكتسبونها بالتدريج بمرور الوقت، لكن لماذا يكذب الأطفال؟ وكيف يمكن أن نتعامل مع كذب الأطفال دون أن نسبب لهم ضرراً نفسياً أو انحرافاً سلوكياً؟ ولكن قبل التطرق إلى ذلك لا بد أن أولاً نفهم ماهية الكذب عند الأطفال وأسبابه.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
الكذب عند الأطفال
يطور الأطفال أسلوبهم في الكذب مع تطور نموهم العقلي والمعرفي، وغالباً ما يحاول الآباء والأمهات أن يقنعوا أطفالهم بضرورة قول الصدق، وقد يتبعون في هذا السبيل أساليب عنيفة لفظياً وجسدياً، وفي معظم الحالات تبوء محاولاتهم بالفشل. [1]
لذا يحتاج الأهل أن يتفهموا نوعية الكذب التي يواجهونها مع أطفالهم، فالكذب عند الأطفال أمر مختلف تماماً عن الكذب في مرحلة المراهقة، الذي يختلف هو أيضاً عن كذب الكبار، ويكون هذا الاختلاف وفقاً للدوافع والوعي والإرادة. [1]
وفيما يأتي نوضح الأسباب التي تدفع الأطفال للكذب وتطور وعي الأطفال بالكذب خلال سنواتهم الأولى: [1]
اكتشاف الأطفال لعالمهم الداخلي
يبدأ الأطفال باستخدام الكذب في مرحلة مبكرة بين السنة الثانية والثالثة من أعمارهم، أي أنهم يتعلمون الكلام والكذب في وقت واحد! وتشير الكذبة الأولى التي يقدمها الطفل لذويه أنه اكتشف للتو عالمه الداخلي. [1]
وعرف كذلك أن لا يوجد من يستطيع الدخول إلى هذا العالم غيره، فقد يقول إنه رأى أفعى في الحمام، لأنه يعتقد أن أحداً لن يتمكن من تقصي الحقيقة، كما قد يدعي أنه بطنه تؤلمه، لأنه يعرف أن أحداً لن يتمكن من الشعور بالألم غيره. [1]
ستستمر حالة الكذب هذه بشكل غير واعٍ نسبياً حتى السنة السابعة من عمره تقريباً، فحتى ذلك الوقت لا يُدرك الأطفال تماماً الفرق بين الواقع والخيال، وغالباً ما يخلطون بين عالمهم الخيالي والواقعي دون أن يدركوا ذلك إدراكاً كاملاً. [1]
لماذا يكذب الأطفال
بعد أن يكتشف الأطفال قدرتهم على الكذب سيلجؤون إليه بكثافة لأسباب مختلفة، سنذكر لكِ أبرزها بالتفصيل، ولا بد أننا جميعاً مررنا بهذه المرحلة، فكذبنا على المعلمين في المدرسة، وأخفينا الكثير من الحقائق لنتجنب أياً من أساليب العقاب أو لنجنب غيرنا إياها، كما أن بعضنا ما يزال يحتفظ بسلوك الكذب الترفيهي لجذب الانتباه لا أكثر. [2]
وفيما يأتي سنتعرف معاً على الأسباب التي تدفع الأطفال للكذب: [1] [2]
تجنب العقاب والتهرب من المهام
تجنب العقاب واحد من أهم دوافع الكذب لدى الأطفال، بل أن رغبة الطفل بتجنب العقاب تشكِّل المساحة الأوسع لتطوير الكذب، فعندما نسأل الطفل بعنف "لماذا كسرت الطبق؟" لا بد أنه سيقول ببساطة: "لستُ أنا"، وربما يتهم أحداً آخر ويصر أنه رآه عندما كسر الطبق.
ليس فقط تجنباً للعقاب، بل تهرّباً من المهام التي لا يحبها الأطفال، فسيجد الأطفال الكذب وسيلة جيدة للتهرب من أداء الواجب المدرسي، فكل ما عليهم قوله: "انتهيت من كتابة الواجب"، حتى وإن كانوا يتوقعون انكشاف هذه الكذبة، لكنهم يأملون ألَّا تُكتشف.
العقاب على قول الصدق يجعل الكذب أمراً جيداً
في بعض الأحيان، قد يتعرض الأطفال للتوبيخ وربما العقاب الجسدي، عندما يقولون الحقيقة، فلن تكون الأم سعيدة إذا نقل طفلها أحاديثها إلى جارتها، كأن يقول لها: "أمي كانت تقول إنك ثقيلة الدم".
ولن يكون الأب سعيداً عندما يقول الطفل لصديقه: "أبي أحضر نقوداً كثيرة إلى البيت"، وكلما اشتد العقاب على قول الحقيقة، ترسخت لدى الطفل أهمية استخدام الكذب كوسيلة للنجاة.
الخوف من الاتهام والتهديد
هنا لا نقصد الخوف من العقاب بل خوف الطفل من السؤال والاتهام نفسه أو التحقيق الذي يتم إجراؤه مع الطفل حول الذنب الذي اقترفه، فقد لا يدرك الطفل أصلاً عواقب ما فعله ولا يعلم إن كان قد اقترف خطأً أم لا، لكنه سيكذب دون أن إرادة منه عندما تُوجّه إليه أسئلة عنيفة، نتيجة الخوف من الصراخ ونبرة التهديد.
الرغبة في جذب الانتباه
يكذب الأطفال لجذب الانتباه، حيث يلجأ الأطفال لاختلاق القصص والروايات بعد أن يعرفوا أي نوع من القصص الذي يجذب انتباه الآخرين، ونلاحظ عادةً أن الأطفال يطورون طريقة تأليفهم للكذب يوماً بعد يوم، ويتمكنون من جعل القصص منطقية أكثر.
التلاعب بالقواعد
يلجأ الأطفال إلى الكذب أيضاً للتلاعب بالقواعد التي يفرضها الأهل عليه، فإذا كان الآباء والأمهات يمنعون أطفالهم من تناول البوظة مثلاً، يلجأ الطفل إلى الكذب فيقول لجدته أنَّ والدته تشتري له البوظة كل يوم.
والغش هو مرحلة متطورة من الكذب عند الأطفال، إذ إنه غالباً ما تبرز قدرة الطفل على الخداع بين السنة الخامسة والسادسة من عمره، حيث يُعتبر الغش من هذا النمط في حد ذاته تطوراً معرفياً مهماً بالنسبة للطفل.
محاولة إقناع الآخرين
محاولة الأطفال إقناع الآخرين بأمر معين تدفعهم إلى الكذب في بعض الأحيان، من خلال اختلاق أحداث إضافية ضمن قصة حقيقية، فعندما يتعرض الطفل لموقف ما ويشعر أنه لم يكن موفقاً عندما رواه لوالديه، يلجأ لخلق أحداث أكثر تشويقاً وتعقيداً لإقناعهما.
الرغبة بحماية الآخرين أو الانتقام منهم
عندما يرغب الطفل بحماية أحد أصدقائه في المدرسة قد يكذب على المعلم، وعندما يرغب بحماية أخيه من العقاب قد يختلق قصة معقدة لتحقيق هذا الهدف، لكنه أيضاً قد يستخدم الكذب للإيقاع بالآخرين رغبة بالانتقام منهم لسبب أو آخر، أو ليتجنب هو نفسه العقاب كما ذكرنا سابقاً.
امتلاك الأطفال لخيال بلا حدود
أخيراً لا بد أن نتذكر دائماً أن قدرة الأطفال على التخيل غير محدودة، فهم يخلقون عوالم افتراضية كاملة بعيداً عن الدوافع المذكورة سابقاً، وغالباً ما يعزز الكبار هذه العوالم من خلال الروايات الخيالية عن الغول وبابا نويل وجنيَّة الأسنان...إلخ، كما أن الأطفال يستعينون بالخيال لتحقيق ما يريدونه في الواقع، فهم لا يهتمون إن كان خيالاً أو واقعاً، المهم أن يحدث.
المنطقة الرمادية والكذبة البيضاء
على عكس ما نتوقع، فإن الأطفال يتمكنون من تمييز الكذبة البيضاء في مرحلة مبكرة من عمرهم، وهذا ما يجعلهم يستخدمون الكذب أحياناً لتحقيق أهداف نبيلة، كأن يقول الطفل لجدته أنه أحب طعامها ويعترف لاحقاً لأمه أنه لم يكن لذيذاً، لكنه قال ذلك كي لا يزعجها.
هل يمكن اكتشاف كذب الأطفال
نشرت الجمعية الأمريكية لعلم النفس نتائج مراجعة لخمس وأربعين دراسة تناولت قدرة الكبار على اكتشاف كذب الأطفال، وكانت النتائج مخيبة لآمال الآباء والأمهات الذين غالباً ما يؤمنون بقدرتهم على اكتشاف الكذب ومعرفة الحقيقة من نظرة واحدة! [3]
أجريت الدراسة على 1885 طفلاً من أعمار مختلفة، وشارك في تقييم صدق ما يقوله الأطفال 7893 شخصاً بالغاً بعضهم من المختصين من خلال استجواب الأطفال، وكانت النتائج أن البالغين تمكنوا من تمييز الحقيقة من الكذب بنسبة 54% فقط. [3]
الأمر الذي يعتبر أداءً ضعيفاً مقارنة بخبرتهم الاجتماعية الطويلة وقلة خبرة الأطفال، ومقارنة بتصور الأهل أنهم قادرون على اكتشاف الحقيقة دائماً، كما أن هذه النسبة تعني أن البالغين أمام فرص عشوائية لاكتشاف كذب الأطفال تعتمد على الحظ والمصادفة. [3]
كيفية التعامل مع كذب الأطفال
في البداية، يجب الابتعاد تماماً عن العنف اللفظي والجسدي عند اكتشاف كذب الأطفال، فهذا لن يجدي نفعاً وقد يزيد الأمور تعقيداً مع مرور الوقت. [3]
ومن ثم لا بد من امتلاك القدرة على التصرف بما يتناسب مع عمر الطفل، فلا يمكن أن تكون دوافع الكذب ونوعيته عند طفل الخامسة، هي ذاتها عند طفل الثامنة، فالصغير قد يقول إنه تعرف إلى صديق ما دون أن يتعرف على أحد، أما الكبير فقد يقول إنه أنهى واجبه المنزلي وهو لم يفعل ذلك. [3]
فالطفل الصغير ما زال يكتشف مهاراته العقلية ويحاول التعرف على الفرق بين الحقيقة والخيال، أما الطفل الكبير فهو يعرف تماماً أنه يكذب، ويدرك أنه لم يقم بإنهاء واجبه المنزلي، وإنما قضى وقته أمام شاشة الهاتف المحمول لتجربة ألعاب جديدة، وسيكذب ويقول إنه لم يمس الهاتف. [3]
أخيراً لا بد من الإقرار أن الهدف مما نقوم به لن يكون تحويل أطفالنا إلى قديسين أو معصومين عن الخطأ أو الكذب فهذه غايات لن تُدرك، ما إن يتعلم الطفل الكذب ويدرك قيمته حتَّى يرافقه بقية حياته. [3]
لكن هدفنا هو أن يستطيع الطفل تكوين مفاهيم أخلاقية صحيحة تمنعه من استخدام الكذب بطريقة هدامة سواء في الوقت الحاضر أو المستقبل، وكذلك حماية أطفالنا من الكذب المرضي والحفاظ على سلامتهم النفسية مع مستوى كذب عادي، كالذي نتمتع به جميعاً، ليتمكنوا من الفصل بين الأوقات التي تتطلب الصدق والأوقات التي تتطلب الكذب. [3]
نصائح للتعامل مع كذب الأطفال
إليك فيما يأتي أهم النصائح والإرشادات التي يمكن اتباعها للتعامل مع كذب الأطفال: [4]
محاولة إيجاد تفسير منطقي للكذب
ترى هل الطفل خائف من شيء ما، أم أنه يرغب بالحصول على شيء ما؟ هل يحاول أن يلفت الانتباه فحسب أم أنه يخطط لشيء ما؟ يجب أن تفكري بطريقة الطفل لتتمكني من فهم ما يدور في ذهنه.
البحث عن طريقة لعلاج سبب الكذب
فإذا كان الدافع للكذب هو الخوف سيكون من الذكاء أن تمنحي طفلك مزيداً من الشعور بالأمان، وإذا كان يرغب في الحصول على شيء ما، ربما ستجدين وسيلة لمنحه إياه مع إخباره بطلبه مباشرة في المرة المقبلة.
تعليم الأطفال أن الكذب سيئ
اعتمدي سلسلةً من الإجراءات التي من شأنها أن تساعد طفلك على التمييز بين الكذب العادي والكذب الضار، ولتكن هذه الإجراءات متنوعة بين الثواب والعقاب والترهيب والترغيب.
لكن العقاب يجب أن يكون متوافقاً مع الأمر الذي فعله، ولأن الكذب جزء من نمو شخصية الطفل فلا يمكن أن يتعدى العقاب العقوبات البسيطة والأبسط.
التواصل مع الأطفال دائماً
يجب أن يكون التواصل الفعّال بينك وبين طفلك البوابة الرئيسية لمساعدته على اكتشاف المفاهيم الأخلاقية، التي تتحكم في قدرة الإنسان على قول الصدق، وهذا التواصل لن يكون بالموعظة والكلام المباشر فقط، بل لا بد من مشاركته أحاسيسه وتفسير ما هو غامض بالنسبة له تفسيراً مقنعاً.
فعندما يسألك طفلك الصغير: "لماذا كذبنا وقلنا إننا استمتعنا بصحبة جيراننا، ثم قلنا في البيت أن صحبتهم لم تكن ممتعة"، لا بد أن نخبره بأهمية احترام مشاعر الآخرين، وأننا نضطر أحياناً لمجاملة الناس كي لا نجرح مشاعرهم...إلخ.
الأطفال يقلدون من حولهم فلا تكذب
نظراً لأن الأطفال بارعون في تقليد الآخرين، بل يكتسبون الكثير من معارفهم وسلوكياتهم من خلال التقليد والمحاكاة؛ لا بد أن نشكِّل إذاً مثالاً جيداً بالنسبة لهم، فلا نعدهم ونخلف الوعد، ولا نكذب عليهم كذبة ساذجة ثم ننهيهم عن الكذب، لأنهم سيتعلمون منا.
عدم تصديق الأطفال يزيد من كذبهم
لا تُكذِّبي طفلك بشكل مباشر وفج، ولا تنتقديه أمام الآخرين، لأن هذا الأسلوب يفسد فيه أكثر مما يصلح، ولتكن علاقتك شخصية معه، فلا توجهي له ملاحظات قاسية أمام الآخرين، ولا تحاولي سرد قصصه للأقارب فهذه التسلية تُضر به.
شرح عواقب الكذب للأطفال
لا بد أن تشرحي لطفلك أن الكذب يؤدي إلى فقدان الثقة، أخبريه بأنك تثقين به وتعلمين أنه لن يكذب، وحاولي أن تكتشفي الكذب دون أن تحاكمي طفلك محاكمة المجرمين.
عدم معاقبة الأطفال على قول الحقيقة
من النقاط المهمة أيضاً ألَّا تعاقبي طفلك على قول الحقيقة، حتى وإن تسبب ذلك لكِ في مشكلات مع الأصدقاء أو الأقارب، فهو لا يعلم شيئاً عن القيود الاجتماعية التي تحيط بنا، فحاولي أن تشرحي له مدى خصوصية معلومة رصيدك في البنك، وأنك لم تخبري جدته أن الكعكة التي أعدتها غير قابلة للأكل، لمراعاة مشاعرها.
تعليم الأطفال أهمية الصدق
من المهم أن تخبري طفلك بقيمة قول الحقيقة والالتزام بالصدق، وأن الصادق جدير بالاحترام، والكاذب يتسبب دائماً في حدوث مشكلات لنفسه ولمن حوله.
وبعد أن تعرفتِ معنا على ماهية الكذب عند الأطفال بحسب المرحلة العمرية، وكذلك أسباب كذب الأطفال وكيفية التعامل معه، لا بد أن نؤكد مجدداً على أهمية الابتعاد عن العقاب اللفظي والجسدي العنيف، والتركيز على حل مشكلة الكذب نفسها، دون اعتبار الطفل الذي يكذب أنه هو المشكلة.