الكاتب والسيناريست مصطفى صالح...“ شارع طلال” حلمي ووجعي الأكبر
يخفي الكاتب والسيناريست مصطفى صالح، أو كما يحلو للمقربين مناداته بـ " أبو فراس" قدراً كبيراً من الطيبة والحنان بين ثنايا ضحكته التي يمكن تمييزها من على بعد. وبين أوراقه الكثيرة المبعثرة تارة على طاولة المطبخ وطاولته الشهيرة في " السنترال" يمنح كاتب " نمر بن عدوان" و" عيون عليا" و" راس غليص" حياة مختلفة للشخصيات التي يرسمها في أعماله التي لطالما لقيت كل طيب من الأصداء.
وبين الرياضة والتعليم والصحافة والكتابة والمسرح ورئاسة التحرير، يدرك المتابعون لأعمال مصطفى صالح منذ ثمانينات القرن الماضي أن وراء كل فعل إبداعي ينتجه كمية كبيرة من البحث والتحليل والخيال الخصب الذي يجعل أعماله تبقى في الذاكرة.
يتحدث " أبو فراس" في لقائه معنا عن أعماله الأخيرة، ومسيرته المهنية، وعشقه للمسرح، والذكريات المرتبطة بالأعمال الأحب إلى قلبه، والعمل الهاجس الذي يسكنه منذ زمن.
حدثنا عن عملك الأخير " الموج الأزرق " والذي يعرض حالياً على قناة رؤيا؟
يتمحور هذا العمل حول قصة اجتماعية تدور أحداثها في مدينة العقبة الساحلية، وهو يعرض لإيقاع حياة سريع تمتاز به الحقبة الحالية، وقد ذهبت للعقبة أثناء كتابة العمل ومكثت هناك مدة أسبوع، قمت فيه بزيارة مواقع مختلفة في المنطقة وعلى الساحل، ودققت بتفاصيل لا يعرفها إلا القليل،وكشفت الكثير من الأسرار المختبئة للمدينة وذلك بهدف إخراج مسلسل متكامل خالِ من الأخطاء ومليء بالأحداث. تطرقت في العمل إلى نموذج الصيادين الذين يبحرون لثلاث أو أربعة أيام ويعودون في الكثير من الأحيان خاليي الوفاض، وعرضت أيضاَ مشكلة البعض ممن يفقدون في البحر، عاشرت الكثير منهم أثناء كتابتي للعمل، وتطرقت للكثير من تفاصيل حياتهم.
عرفك القارئ الأردني كصحفي رياضي وكاتب مقال ورئيساً لتحرير إحدى أهم الصحف المحلية الأردنية كيف ظهرت فكرة السيناريو؟
تجربتي في كتابة السيناريو ليست حديثة العهد كما يعتقد البعض، فقد بدأت بكتابة السيناريو في أول عمل درامي من كتابتي وكان بعنوان " بريق السنين" وأنتج في العام 1989، كما عملت مع الزميل عروة زريقات في الكثير من البرامج من أهمها " مساء الخير" قبل أن أنتقل إلى كتابة أعمال أخرى مثل (جرح الغزاله)و (طائر الشوك) وكلاهما من الأعمال القريبة إلى قلبي.
هل يمكن لأي ممن يمتلك موهبة الكتابة أن يدخل عالم السيناريو أيضاً؟ وماهي مواصفات كاتب السيناريو المحترف في نظرك؟
بالطبع لا، ليس كل كاتب يمتلك بالضرورة موهبة كتابة السيناريو، لكن الكتابة كفعل إبداعي بصورة عامة، تحتاج إلى قدر من التعليم، والكثير من الموهبه ومستوى عالٍ من الثقافة بمعناها الواسع، فمن المتوقع من كاتب السيناريو أن يقرأ جميع الأصناف الأدبية من الروايات والتاريخ وأن يتذوق الشعر. وأهم من هذا كله في نظري أن يكون قارئاً للقران الكريم وكتب الأديان السماوية لأنها منبع القصص. و في لغتها إثراء للكاتب ولثقافته.
وأنا على قناعة بأنه لو كان هناك حرية تعبير كافية في الوطن العربي لتحولت القصص الموجودة في الكتب السماوية إلى أعمال درامية ملحمية، لأنها في الحقيقة تثري الدراما العربية بشكل مذهل. كما أن على كاتب السيناريو أن يتمتع بخيال خصب، فهو يرسم صوراً كاملة للأحداث، بتفاصيلها كاملة، ففن السيناريو يرتكز على تحويل أحداث القصة إلى مشاهد، ويكمن الفن في كتابة السيناريو في ربط المشاهد المنفصلة المليئة بالتفاصيل بشكل درامي متناسق حتى يخرج العمل في النهاية بصورة مسلسل درامي أو فيلم أو غيره.
من يلفت انتباهك من كتاب السيناريو في الوطن العربي ؟
لا يحضرني اسم بذاته، لكن لكل كاتب أسلوبه، وطريقته ولكل منهم موهبته وفكره الخاص، فالبعض يكتبون فقط للمتعة والتسلية، بينما يكتب آخرون بهدف كسب المال، وتنعكس هذه الميول والعوامل على طبيعة العمل النهائي. كما أن كل سيناريو أو عمل درامي يرتبط بنوعية الكاتب وشخصيته وانتماءاته، ولكل بلد خصوصيته ونكهته الخاصة، لذلك تتنوع النصوص وتتلون، رغم وجود قواسم مشتركة للأعمال المنتجة في الوطن العربي.
إلى ماذا تعزو قلة كتاب السيناريو في الأردن؟
أعتقد أن الأمر عائد أولاً لضعف الإنتاج، وثانياً لندرة المواهب المتوفرة في هذا المجال.
حين تشرع في كتابة نص لعمل ما، هل يمر في بالك أسماء الممثلين الذين قد تتخيلهم في هذا الدور أو ذاك؟
أحياناً يحدث هذا الأمر، وقد كان هذا يشكل بعض الخلافات بيني وبين المنتجين، خصوصاً حين يقع اختيارهم على ممثلين غير مناسبين للأدوار في رأيئ، وعادة ما يرتبط ذلك بتفضيلات شخصية معينة، أو كلفة مالية.
من يعجبك من الممثلين الأردنيين؟
منذر رياحنه، فهو من أجمل الممثلين وأكثرهم تمكناً، وقد قمت شخصياً باقتراح اسمه في أكثر من عمل، كما تعجبني مارغو حداد فهي ممثلة ممتازة وذات ثقافة عالية، ولا ننسى القدير زهير النوباني الذي لا يجاريه أحد حين يتعلق الأمر بتأدية أدوار الشر، كما أنني من المعجبين أيضاً بالممثلة الأردنية عبير عيسى.
عرفك الجمهور العربي الاكبر عبر المسلسلات البدوية، هل هذا هو سبب استمرارك في كتابة أعمال من ذات النوع؟
كما أشرت سابقاُ في الحوار، فقد كان لدي تجارب كتابة نصوص لأعمال إجتماعية متنوعة، لكن حكايتي مع المسلسلات البدوية كانت حين كان المركز العربي للإنتاج يبحث عن كاتب يلملم أجزاء الحكاية البدوية المعروفة "راس غليص" ويكتب سيناريو مناسباً للإنتاج التلفزيوني، ولم يكن اسمي ضمن القائمة المقترحة، وحين لم ينجح أي منهم في هذا، وفي ظل توفر الشحيح من المعلومات حول الرواية، اقترح عروة زريقات اسمي للقائمين على الأمر. وكان الأمر بالنسبة لي تحدياً من نوع مختلف.وكان ذلك أول عهدي بالأعمال البدوية، وفعلاً نجح العمل الذي عرض في رمضان 2007 وحقق الكثير من الأصداء الإيجابية في المنطقة.
ألم تواجه صعوبة في الإلمام باللهجة البدوية؟ ومن أين استقيت معلوماتك التاريخية والاجتماعية حول تلك الحقبة؟
ركيزتي الأساسية كانت ثقافتي ومعرفتي باللسان البدوي، وقد اكتسبت هذه المعرفة أثناء عملي كمعلم في وزارة التربية والتعليم الأردنية في سبعينات القرن الماضي، حيث تم تعيني وقتها في قرية تدعى "مغاير مهنا" تقع في منطقة صحراوية قاسية، ويتحدث أهلها البدوية، عشت بينهم خمس سنوات كاملة، وتعلمت الكثير عن ثقافتهم وعاداتهم. كما استعنت بقراءاتي المتعددة عن التراث البدوي ومن أهمها مؤلفات العلاَمة روكس العزيزي التي أضاءت لي الكثير من الجوانب المخفية عن حياة البادية.
هل تحب أن يصنفك الجمهور ككاتب سناريو متخصص في اللون البدوي ؟
لاأومن بوجود التخصص في كتابة السيناريو، قواعد العمل هي ذاتها سواء تعلق الأمر بالدراما التاريخية أو الاجتماعية أو الكوميدية. لكن عوامل الإنتاج الفني والتجاري تلعب دوراُ كبيراً في تحديد أولويات الإنتاج التلفزيوني. ما حدث بعد " راس غليص" هو أن نجاح العمل بجزأيه دفع المنتجين إلى البحث عن مسلسلات أخرى من ذات الطابع، وجاء بعدها "نمر بن عدوان" و"عيون عليا" وغيرها من الأعمال التي قمت بكتابة نصوصها.
حدثنا عن تجربتك مع المسرح، خصوصاً وأن في جعبتك أكثر من خمس أعمال مسرحية سابقة؟
تجربتي مع المسرح كانت ممتعة بحق، والسبب هو التواصل المباشر الذي يمنحك إياه المسرح مع الجمهور، أول مسرحياتي كانت بعنوان " الله يستر من بكره" وجاءت في العام 1984، حيث كوَنت انا ومحمد حلمي وربيع شهاب فرقة مسرحية أنتجت أكثر من ست مسرحيات تكللت جميعها بالنجاح، وعرضت في مختلف محافظات المملكة، كما لاقت كل جميل من الأصداء. ولازلت أذكر أننا في مسرحية عرب 2000 قمنا بعرض المسرحية لمدة شهر كامل وكان هذا رقماً غير مسبوقاً على مسرح دائرة الثقافة والفنون، كانت المسرحية التي أنتجت في العام 1986 تتحدث عن تصوراتنا لما سيكون عليه حال الأمة العربية في العام 2000، وشهدت الكثير من الإقبال في حينه.
كيف تنظر لربيع شهاب كممثل، خصوصاً بعد هذا الإنقطاع عن الساحة الفنية؟
شهاب ممثل مذهل، وكنت من أوائل من آمنوا بموهبته، لا زلت أذكر أنني تعرفت عليه أثناء عملي السابق في جريدة الدستور، تبنيت ربيع شهاب كموهبة غضة وقدمته للمخرج عروة زريقات الذي كان يعمل وقتها في التلفاز الأردني ، وقد آمن عروة به وبكفائته كممثل، كما أثبت ربيع موهبته ككوميدي من الطراز الرفيع.
أين أنت من المسرح الآن؟ ألا تحب تكرار تجربة المسرح من جديد؟ وكيف ترى المشهد المسرحي في الأردن؟
حسناً، لم يكن الأمر سهلاً في المرة الأولى، لا زلت أذكر أننا عندما كنا نعرض أعمالنا المسرحية خارج عمان في ذلك الوقت لم يكن الجمهور مستعداً تماماً لاستقبال رسائلنا، كانت مساحة الثقافة أضيق، والكثير من جمهور المحافظات كان يعتبر أن المرح " عيب"، عدا عن قلة عدد المتذوقين لهذا النوع من الفن، ولازال الفنانون في الأردن يكابرون ويناضلون في محاولة لإثبات الوجود المسرحي المحلي، رغم الاقبال الجماهيري القليل. أعتقد أن دور المسرح بات يتضاءل أمام الشاشة الملونة وصناعة السينما.
إلى ما تعزو هذا الأمر؟
أولا لضعف الثقافة المسرحية المحلية، الذي يعود في نظري إلى ضعف البنية الثقافية الفردية والعزوف عن القراءة، ولربما لطغيان السينما التي تقدم الكثير من العلاقات الاجتماعية والعاطفية المتشابكة في مشاهد منفصلة، أما في المسرح، فالأمر مختلف، التركيز بأكمله يجب أن يكون على خشبة المسرح وعلى تحركات الممثلين طيلة الوقت.
مجموعة قصصية وحيدة لم تصدر غيرها، لماذا؟ هل توقفت عن كتابة القصة القصيرة؟
صحيح، صدر لي عن رابطة الكتاب الأردنيين مجموعة قصصية في العام 1981 كانت بعنوان " الجراد". وتوقفي عن كتابة القصص القصيرة لا يعدو كونه إمتداداً لأسلوبي في تطوير شكل الكتابة الخاص بي، بدايتي كانت مع القصة القصيرة، لكنني حين دخلت عالم التلفاز بدأت بتحويل القصص التي أبتكرها إلى سيناريوهات. كما أن تغير ظروف الإنتاج الفني دفعتني أيضاً في هذا الإتجاه، بعد أن باتت غالبية الجمهور تفضل المرئي على المقروء.
ما حكايتك مع وسط البلد، وبالتحديد قهوة السنترال؟
كانت مقاهي عمَان في الستينات ملتقىَ للمثقفين والمبدعين،وكان السنترال بالذات يحتضن الكثير من الأسماء المعروفة في عوالم الأدب والفن التشكيلي والموسيقى، فهناك على سبيل المثال التقيت بصديقي بفخري قعوار، الذي كان له دور كبير في توجهي لكتابة السيناريو، أسماء كثيرة كان يعجَ بها المقهى من أمثال خليل سواحي ومحمد القيسي وعلي فودة وعز الدين مناصرة ومحمود طه وعزيز عموره ونصر عبد العزيز وياسر دويك بالاضافة إلى أصوات ذاك الزمن الشجية من أمثال محمد وهيب واسماعيل خضر، بالاضافة إلى فيصل حلمي والملحن رامي الزاغا والكثير من مطربي الإذاعة الأردنية. كانت مقاهي وسط البلد توفر أجواءاً ثقافية تفاعلية متخمة، وكانت قهوة السنترال مرتعاً غنياُ لحوارات متنوعة ذات مستوى ثقافي يغني في الكثير عن الأحيان عن متابعة الصحف وقراءة الكتب لشدة ما تحويه من ثراء فكري وحميمية نفتقدها كثيراً في أيامنا هذه. ورغم تغير الأوضاع واختلاف الظروف والوجوه، لا زلت أجد في قهوة السنترال ملاذاً وسكناً.
هل ترتبط طقوس الكتابة لديك بأجواء السنترال فقط؟
لدي طاولتي الخاصة هناك، كما اعتدت على ضجيج وسط البلد الذي يصلني من نوافذ المقهى، الجميع يعرفني. أشعر وأنني في بيتي الثاني، لكن الغريب في الأمر أن طقوس الإبداع لدي تحوي قدراً من التناقض، فليس بامكاني على سبيل المثال الكتابة في المنزل إلا والكل نيام!! لا يسعفني ضجيج المنزل كأصوات شوارع وسط العاصمة المزدحمة.
كنت لفترة طويلة من الزمن رئيس تحريرقسم الرياضة، والدستور " الرياضي" ، كما تمحورت مقالاتك الأسبوعية السابقة حول هذا المجال، أين أنت من الرياضه الان؟
ما لا يعرفه الكثيرون عني هو أنني في الاصل درست الرياضة، كما كنت واحداً من مؤسسي نادي عمان، إلا أنني وبعد التقاعد وإنهائي للعمل الصحفي آثرت التفرغ لكتابة السيناريو ولم أعد مهتماً كثيراُ بالكتابة في ذلك المجال.
ما هو العمل الهاجس الذي تحلم بأن تراه على الشاشة ممهوراً باسمك ؟
"شارع طلال" حلمي ووجعي الاكبر، أنهيت كتابته بعد جهد، وسلمت النص إلى المركز العربي للإنتاج لكنني لا أعلم لم يبدأ العمل به بعد.
إلى ماذا يتطرق العمل؟ ولم يشكل " شارع طلال" كل هذا الأهمية بالنسبة إليك؟
يتحدث المسلسل المكوًن إلى الآن من جزأين، عن تاريخ المملكة الاردنية الهاشمية منذ العام 1953 ، تبدأ أحداث العمل من اللحظة التي يتسلّم فيها الملك حسين بن طلال- رحمه الله- سلطاته الدستورية وهو مسلسل تاريخي سياسي اجتماعي، يؤرخ للمللكة ككل، ويأخذ اسمه من أقدم شارع في العاصمة عمان، وهو شارع طلال الذي يقع في وسط البلد.
أما عن سر تعلقي بهذا العمل بالذات، فلأنني شهدت بنفسي تلك اللحظة التاريخية التي يبدأ بها أول مشهد في العمل، لا زلت أذكر إلى الأن حين خرجت برفقة أولاد الحي في سيارة جارنا لرؤية الملك الراحل يتسلم سلطاته الدستورية بلباسه الرسمي في ساحة الجامع الحسيني، لم يكن عمري حينها يتجاوز السنوات الست، إلا أن لحظة تاريخية كهذه لا تمحى من الذاكرة.
هل من شخصية معينة تطمح في تصويرها في عمل ما من إبداعك ورؤيتك؟
أحب لو أكتب عن هارون الرشيد في عمل ما، فهو قد عاصر أمجاد الامبراطورية العباسية كاملة، كما لعب دوراً مهماً في نقل كل علوم الدنيا إلى العالم العربي، أراه شخصية غنية متعددة الجوانب.
ما هي آخر أعمالك؟
"وعد الغريب"، الذي يتم تصويره حالياً في جنوب مادبا، وهو مسلسل بدوي يحمل قصة مذهلة، من إنتاج المركز العربي ، وأنا على قناعة بأنه سيكون من أقوى المسلسلات البدوية على الإطلاق، ومن المتوقع أن يتم عرضه على الفضائيات في رمضان المقبل.
أحلام مهنية وشخصية لا زلت تأمل بتحقيقها؟
أشعر بالرضى التام عن مسيرتي المهنية، حصلت في نهاية مسيرتي الصحافية والإبداعية على أعلى منصب يمكن لصحفي أن يحلم به، حين تسلمت رئاسة تحرير واحدة من أهم الصحف المحلية اليومية وهي " الغد". أعتز بمكتبتي التي تحوي عدداً كبيراً جداً من المراجع والكتب، رغم شعوري أحياناً بالغربة وسط هذا التدفق التكنولوجي الهائل والمتسارع، لكن الكتابة كانت ولا زالت ملاذي وحصني ومتعتي في هذا العالم دائم التغير.