الفنانة الأردنية مكادي نحاس
على خشبة المسرح، وقبل أن تبدأ الموسيقى جولتها، تسمع صوت نعلها يضرب أخشاب المكان، تشعر بأنثى قادمة من زمن سرمدي، تشتم من عطرها النغم العتيق، ما إن تصل، حتى تُغمض عينيها غائصة في أعماق نفسها، مرسلةً مع أثير صوتها صدىً يرن في آذان السامعين؛ فيغادر كيانك الحياة لبضع دقائق، راحلاً عن أرض الواقع إلى عالم آخر يسكنه طيف الجمال، لا يسعك وأنت تستمع إلا تجاهل كل ما يقطع عليك حكاية النغم، فإذا أصبت بهذه الأعراض، فاعلم أنك تستمع إلى مكادي نحاس.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
من هي مكادي نحاس
اسم مكادي يعني الحرية، وكما قال الإعلامي زاهي وهبي: "لها من اسمها نصيبٌ وأكثر"، اسم إفريقي الأصل معناه الحرية، أطلقه عليها والدها نسبةً لقصيدة الشاعر السوري عبد الباسط الصوفي، الذي تحدّث فيها عن حبيبته الإفريقية مكادي.
أما مكادي نحاس، فهي فنانة من رواد الفنانين الأردنيين الشباب، وهي من مواليد مدينة مأدبا الأردنية في عام 1977، وابنة السياسي الأردني سالم النحاس، لها صوت مميز وحضور مذهل، تمتلك أسلوباً خاصاً في إحياء الأغاني المنسية من الفلكلور والماضي.
استطاعت مكادي أن تشكل عبر تجربتها الغنائية حالة نوعية من خلال ما قدمته من أعمال كلاسيكية وتراثية، ولا يعرف الكثير من الناس مكادي، كونها لا تتبع الغناء الحديث ومتمسكة بجذور الماضي وإحياء قديم المجتمعات. [1]
نشأة مكادي نحاس
نشأت مكادي نحاس في منزل سياسي أدبي محافظ ومثّقف ومناضل في ظلّ حرية مسؤولة، فكان لذلك دور كبير في تنمية موهبتها، منزلها ذو الطابع الثقافي الأصيل ساعدها على أن تختار النمط الذي تتبعه في الموسيقى، إضافة إلى استماعها للقرآن الكريم والموشحات الذي أرشدها إلى تحديد طريقة غنائها أيضاً.
بدأت مكادي الغناء في سن مبكرة، لكنها درست الموسيقى في عمرٍ متقدم لعدم توفر الفرصة المناسبة لتعلم الموسيقى قبل ذلك، فكان الغناء جزءاً من حياتها، وبما أنها كانت صغيرة في السن، فلم تكن متأكدة من اتخاذ هذا القرار بمفردها، إلا أنها قررت فيما بعد إكمال مسيرتها في الغناء متعلمةً العزف على آلة العود.
عندما كانت مكادي طفلة، تأثرت بصوت أختها الأكبر منها سناً، فكانت تحاول تقليد صوتها والغناء مثلها، كما كانت تستمع إلى الموسيقى برفقتها، حيث تربّت على الاستماع للسيد درويش والشيخ إمام ومارسيل خليفة.
وفي المدرسة، كانت مكادي تغني بصوت عال، مما يجعل أصدقاءها يتجمعون حولها طالبين المزيد، إلا أنها لم تكن تأخذ الأمر على محمل الجد، إذ لاحظ والدها شدة تعلقها وحبها للموسيقى، فأعطاها حرية الاختيار في هذا المجال، وراهنها في حال حققت حفلتها الأولى حضوراً، تكون قد دخلت في هذا العالم بجدارة، فأبلت بعد ذلك بلاءً حسناً. [1]
حكاية مكادي مع الموسيقى
تأثّرت مكادي بأعمال الأخوين الرحباني والمدرسة الرحبانية منذ الصغر، عشقت الفنانة فيروز وغنت لها لما تملك من صوت متعدد الطبقات ومساحات واسعة، فصنفها الكثيرون ضمن دائرة الفيروزيات.
كانت أولى مشاركاتها الفنية في عام 1997 مع فرقة "النغم الأصيل" الأردنية، حيث كانت المغنية الرئيسية فيها، وأثناء دراستها للأدب الإنجليزي في جامعة دمشق، انضمت إلى فرقة "كلنا سوا" التي قدمت أغاني تراثية ناجحة على الساحة الفنية العربية.
انتقلت مكادي عام 1999 لدراسة الموسيقى في المعهد العالي للموسيقى ببيروت، إلا أنها لم تكمل دراستها لظروف مادية، لكن خلال إقامتها هناك، أحيت مجموعة من الحفلات الغنائية في الجامعة وأرقى المراكز في لبنان.
كما شاركت في العديد من الأعمال المسرحية مع عدد من الفرق اللبنانية، مثل: فرقة كريم دكروب، فرقة السنابل، أحمد الزين ووليد فخر الدين، والعديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية المختلفة، بالإضافة لتقديمها برنامج إذاعي حمل اسم "موسيقى مع مكادي" الذي حصل على جائزة أفضل برنامج موسيقي.
شاركت فيما بعد بمسابقة أفضل صوت على إذاعة (MBC) في لندن قبل أن تبدأ البث من دبي، أثنى على صوتها كل من هاني شاكر الذي قال: "دي جاهزة تخش أستوديو وتسجل أغاني"، ومحمد عبده الذي أوصى بها قائلاً: "ديروا بالكم على مكادي نحاس"، اللذان كانا من أعضاء اللجنة على الرغم من عدم حصولها على المركز الأول.
اعتمدت مكادي نحاس على أداء الأغنيات الثورية والوطنية، لم يكن الهدف منها التعبير عن الثورة أو الحدث، إنما من مبدأ الحفاظ على الجودة والفكر في كلمات وألحان وأداء الأغنية، صرحت في إحدى مقابلاتها التلفزيونية بأنه لا يمكن التفريق بين الأمور الاجتماعية والسياسية، فالأغاني التي تحمل قيمة فكرية وموسيقية جيدة تكون نابعة من المجتمع حسب رأيها. [2]
حفلات مكادي نحاس
انطلقت بداياتها الفنية على مسرح جرش عام 1997، أصبحت مكادي بعدها لا تفارق المسارح والحفلات، فشاركت في العديد من المهرجانات، حيث غنت في مهرجانات جرش في الأردن منذ عام 1997 حتى عام 2004.
أحيت مكادي مهرجان الجناني في القاهرة عام 2009، ومهرجان أبو ظبي عام 2011، أما في عام 2012، فقد شاركت في المهرجان الوطني الفلسطيني في رام الله، وفي حفل الجامعة العربية اللبنانية.
أما عام 2013، فشاركت في مهرجان قرطاج في تونس، ومهرجان الشارقة، ومهرجان عمان لجمع التبرعات للاجئين، بالإضافة إلى مهرجانات أخرى في بلجيكا، وكندا، وأمستردام، والدنمارك، ومصر، وعمان، والكويت، وحفلات لرعاية شؤون المخيمات الفلسطينية وجمعيات المعاقين.
يُقال إن مكادي مشهورة بالحفلات المجانية، وتعقيبها على ذلك، "أنه من حق الجمهور الطبيعي أن يشاهد ويسمع مطربه المفضل، لكن أسعار التذاكر في الحفلات لا تتناسب إلا مع أصحاب الأموال"، لذلك تمنح فرصة لعشاقها وجمهورها لحضورها والغناء بشكل حي على مسامعهم.
وما يميز مكادي أيضاً، رغبتها في كل حفلة تحييها بأداء أغنية أو أكثر دون موسيقى، لاعتقادها بأن الموسيقى تأخذ من الصوت وتطغى عليه، وأحيانا تغطي عيوبه، فلا بأس إن أظهرت للناس ما تستطيع أن تفعل، وكيف يكون أداؤها دون موسيقى. [2]
ألبومات مكادي نحاس الغنائية
أنتجت أول ألبوم غنائي لها عام 2001 تحت اسم "كان يا ما كان" الذي لم يصدر في الأسواق حتى عام 2004 بسبب ظروف الحرب في لبنان، ضم الألبوم مجموعة من الأغاني الفلكلورية العراقية: هذا الحلو كاتلني يا عمي، خاله شكو، صغيرة كنت وأنت صغيروم، جي مالي والي عود، جاوين أهلنه.
وقد أُنتج الألبوم بالتعاون مع أوركسترا العراق الوطنية بقيادة المايسترو محمد أمين عزت، قامت بالعمل على إنشاء هذا الألبوم أثناء دراستها الموسيقى في لبنان لرغبتها في غناء الفلكلور العراقي، فكانت تجد بينها وبين الموسيقى العراقية علاقة مشتركة، وحسب وصفها، عندما زارت بغداد شعرت بأنها قد زارتها من قبل وكأن سندباد سيخرج من مكان ما.
في تلك الفترة كان الكثير من الفنانين العراقيين يقيمون في لبنان، لكن كان من الصعب عليها التعامل مع أي مطرب، خصوصاً أنها كانت بمفردها وفي بداية الطريق، لذلك سافرت إلى العراق والتقت العديد من الفنانين والموسيقيين ومن بينهم محمد أمين عزت.
ولم يتوافر في ذلك الوقت شركات تهتم بإنتاج هذا اللون الغنائي، لذلك قامت بإنتاجه على حسابها الخاص، وقام بعض أصدقائها بنشره على شبكة الإنترنت، وعندما طلب بعض المغتربين هذا الألبوم، قامت بإرسال نسخ CD لهم عبر مكتب البريد.
صدر ألبومها الثاني عام 2006 تحت اسم "خلخال"، مشتركاً بين مجموعة من الموسيقيين اللبنانيين والأردنيين، اعتمدت فيه على أغنيات من فلكلور المنطقة العربية، مع إضافة لمسة عصرية بإدخال الجاز الكوبي واللاتيني إلى الألبوم، أُنتج في بيروت في أستوديو الأستاذ إلهام المدفعي، ضم الأغنيات الآتية: هيا على هيا، هويل الهوى، رحال، عمي يا بو الفانوس، مرين، ليلة، العرزال، عمان.
الألبوم الثالث كان بعنوان "جوّى الأحلام" أُطلق عام 2009، ألبوم تربوي موجه للأطفال والأسرة، تلقى ردود فعل إيجابية كونه بنّاء ويحمل رسائل أخلاقية وقيمة، اعتمدت فيه على غناء الأم لأولادها وغناء الجدات لأحفادهن قبل النوم.
في عام 2012، أصدرت ألبومها الرابع الذي جمعت فيه أفضل أغنياتها تحت مسمى "إلى سالم"، كان إهداءً إلى روح والدها الذي كان الداعم الأول لها منذ بدايتها في المسيرة الفنية.
ألبومها الأخير صدر عام 2014 باسم "نور"، ضم 8 أغنيات: خلص الحكي، تعبان، خضرة، تعا نسهر، تجي نسافر، أنت الحلا، حمام الدار، نشيد ما، لاقى صدى كبيراً في الأسواق، إذ مزج في توزيعه الموسيقي بين الموسيقى الكلاسيكية الشرقية واللاتينية مثل: بوسا نوفا والتانغو، لإضافته أسلوباً جديداً على المقامات العربية مع إبقاء الروح الشرقية فيها.
أطلق الألبوم في حديقة المتحف الوطني للفنون الجميلة في عمان بحضور نخبة من الفنانين والضيوف، أُنتج الألبوم بدعم من مؤسسة أبوظبي للثقافة والفنون، ومن إنتاج شركة "مقام" التي أسستها مع زوجها سعود العلان، حيث تدير الشركة كل ما له علاقة بالفن والنشاطات التي تخص الثقافة من غناء وشعر ومسرح. [1]
طريقة غناء مكادي نحاس
الغناء حسب رأي مكادي قرارٌ يُفترض التفكير به جيداً قبل الانخراط في وسطه، فتطرح على نفسها أسئلة كثيرة، لما هي تغني؟ وما الهدف؟ هل تقدم الأغنية بطريقة مبتذلة أو غير أخلاقية؟ فلم ترغب مكادي بأن تقدم الأغنية لمجرد إشباع الغرائز، بل أرادت أن تكون أغنيتها معبرة عن الشارع والناس والإنسانية والأصدقاء والحب من خلال صوتها، وليس بطريقة غبية ورخيصة.
"الكثير من الأشخاص ينتظر مني سماع الطرب الحديث، فأنا لست على خلاف مع هذا النمط من الأغاني، لكني لا أجد فيها هدفاً محدداً، فبإمكاني أن أغني البوب ويستمع إلي الكثير من الناس، لكن ليس هذا ما أريد"، هذا ما تنطق به دائماً مكادي، فهي عدو الانحطاط في الفن، وذات موقف سلبي لما يظهر اليوم على الشاشات من انحلال في الطرب.
وقد تحدثت لصحيفة الشرق الأوسط، قائلة: "بدي كون فنانة عندي قيمة مش بس هز خصر"، فتعرضت للانتقاد لما صرحت به، كون الكثير من الفنانات عبر الزمن استخدمن الرقص مع الغناء -كالشحرورة- إلا أن كلامها هذا نابع من التزامها في شكل الأغنية الشعبية المحافظة شيئاً ما. [2]
مكادي نحاس والساحة الفنية
عانت مكادي خلال مسيرتها الفنية من عدم توافر المنظمات والشركات في العالم العربي التي تدعم هذا النوع من الطرب، أي الطرب الملتزم، والسبب حسب رأيها؛ أن الشركات لا تجد الربح الوفير في هذا النوع من الطرب، وما هو سائد اليوم هو أن نسمع نفس اللحن، ونفس الطرب، ونفس الكلمات، ونفس لون الشعر للكثير من الفنانين.
ومن يقوم بإنتاج مثل هذه الأغاني أغلبهم رجال الأعمال ممن يسعون إلى تحقيق الربح السريع، ولا يهمهم نوعية الفن أو تأثيره على المستمعين، كذلك الموسيقيون التنفيذون قلقون بشأن أن يكون هذا النمط من الأغاني ثقيلاً أو أعلى من مستوى الجمهور وغير متناغم مع ثقافتهم.
فهناك العديد من المواهب الجميلة في الوطن العربي، إلا أن غالبيتهم غير موجودين في الساحة الفنية وهذا ما يزعج مكادي، حيث انتقدت الكثير من المهرجانات نظراً لاحتكارها من بعض الشركات، فأصبح الجمهور يحضر المهرجانات حتى لو كان من يغني "نملة" على حد تعبيرها.
وحسب رأيها، "الفنانون اليوم بحاجة للعمل مع الشباب لبناء جيل جديد يقوم على حماية وتغذية الثقافة العربية، فلا ينبغي أن يعملوا لمجرد الوصول إلى الشهرة أو الغرور أو المال، فهم جزء من المجتمع، وعليهم أن يتحملوا المسؤولية ويتمتعوا بقدرة التعبير عن آلام ومحن المجتمع لاستكمال ما أرادوا القيام به". [1]
في النهاية، لا يمكننا أن نسمع شيئاً منها، لكن بإمكاننا أن نقرأ إحدى مقولاتها: "أنا لا أكتب، بل أحلم، أضع رأسي على الوسادة وأغوص في الأحلام، يوقظني ذلك الصوت وهو يئن في أذني، أسمع لحناً، أسمع كلمات، وأسمع موسيقى، فأصحو وأتلوها على الورق، إنه شيء سحري حقاً"، هذا ما تقوله مكادي في تجربتها الكتابية البسيطة، أما عن الغناء، فتجد مكادي فيه طريقةً تعبر بها عن نفسها وعن شخصيتها كإنسانة، فهي فنانة قادتها الفطرة إلى الغناء، فجعلت بصمتها واضحة في عالم الطرب الجميل، وإن كان البعض لا يبالي، فهي تقول: "كنت منذ الصغر أمسك فرشاة الشعر وأغني أمام المرآة، وأقوم بمسرحيات مع ألعابي".