الــصداقـــــة
في سفينة الحياة لايستطيع الإنسان العيش بمفرده، فهو بحاجة إلى رفيق يؤنسه في رحلته، ويشاركه إهتماماته ومشاكله.
فيقابل كثير من الناس مختلفين في الطباع والأفكار، فمنهم من يكون وجوده فرضاً عليه في العمل أو على مقاعد الدراسة، ومنهم من يكون وجوده بحكم الجيرة، ومنهم من يكون صديقاً قريباً إلى قلبه يشعر به، ويفهم مايجول بخاطره.
فالصديق هو ذلك الإنسان الذي يرسم طريق الذكرى، ويساعد على اجتياز العقبات في هذه الحياة، وهو الذي يعين على حل المشاكل أحياناً، وهنا تكمن أهمية الصداقة. فالصداقة مهمة لدرجة إن تكون أحياناً أعلى من العلاقة مع الأقارب، فقد يبوح الإنسان بأسراره إلى صديقه ولكنه يخجل من البوح بها لأحد أقاربه. وبذلك يكون الصديق الوفي موضع كتمان السر وعلى الأنسان أن يختار الصديق صاحب العقل ليطلعه على الأفكار النيرة، كما يجب أن يتمتع بالصدق كي لا يندم على مصاحبته .
ولا بد ان تبنى الصداقة على مجموعة من الأسس وأهمها :
الحب، التفاهم، الألفة، الثقة والأخلاص.
ويرى علماء النفس بأن الصداقة علاقة اجتماعية وثيقة ودائمة، تقوم على تماثل الأتجاهات بصفة خاصة، وتحمل دلالات بالغة الأهمية تمس توافق الفرد واستقرار الجماعة .
ويصف سيرز وزملائه الصداقة بأنها علاقة اجتماعية وثيقة، تميزها ثلاث خصائل أساسية وهي:
1. الأعتمادية المتبادلة، من خلال تأثير كل طرف في مشاعر ومعتقدات وسلوك الطرف الآخر.
2. تشمل العلاقة أنماطاً مختلفة من النشاطات والأهتمامات المتبادلة.
3. قدرة كل طرف من أطراف العلاقة على أستثارة انفعالات قوية في الطرف الآخر.
كما يرى علماء علم النفس أنه في ظل هذه العلاقة يحصل الأصدقاء على فوائد متنوعة.. تشمل:
1. المساندة والتشجيع ودعم الثقة بالنفس والتقويم الإيجابي للذات.
2. التحقق من صحة الأفكار والآراء الشخصية بعد تهيئة الظروف الميسرة للأفصاح عنها.
3. القدرة على توسيع الأفكار والمعارف والرؤى الشخصية لموضوعات متعددة.
4. النفع المباشر بتسخير الوقت والموارد الشخصية لخدمة الصديق وتلبية حاجاته .
لذا يرى بعض الخبراء أن الإنسان بحاجة إلى باقة منوعة من الأصدقاء لتغطية احتياجاته النفسية والحياتية، وقد اتفق الخبراء على إنه مهما نعم الإنسان بحياة أسرية سعيدة فإنها لاتغني عن حاجته إلى أصدقاء حقيقين يبوح لهم بمكنونات قلبه في ساعة الحاجة، ويتبادل معهم أفكاره وأسراره.
فعلاقة الصديقين تتعمق إذا تقبل كل منهما الآخر كما هو، بميزاته وعيوبه، ولا يحاول تغييره، وتتعمق أكثر كلما كان أكثر فهماً للآخر، أكثر عطاءً وتقديراً له.
(لاتمشي أمامي فقد لا أتبعك، ولاتمشي خلفي فقد لا أدلك على الطريق، ولكن سر إلى جانبي وكن صديقي) المؤلف مجهول .
ومن هنا نستنتج قيم الصداقة المتمثلة في:
1. إظهار التعاطف والعاطفة في أكثر صورها الأيجابية.
2. الرغبة الداخلية في تمني الأفضل للطرف الأخر.
3. الأخلاص في المواقف المختلفة.
4. الفهم المتبادل.
5. القدرة على الأفصاح عن الحقيقة.
6. الأحساس بالمشاعر العميقة من الطرف الآخر بدون التعبير وخاصة عند الأحتياج للمساعدة.
قواعد تعمق الصداقة :
1. الحب : أن الذين ينعمون بحب الناس ويعتبرونهم مصدراً اساسياً لسعادتهم عادة مايهتمون برفاقهم، ومهما كانت أوقاتهم مزدحمة فهم ينظمون حياتهم بصورة يتيح لهم تخصيص وقت لتكوين العديد من العلاقات الوثيقة.
ويمكننا الزعم بأن أولئك الذين فشلوا في صداقتهم وزيجاتهم فشلوا في عملهم للسبب نفسه. إلا وهو افتقادهم للمهارات الأجتماعية. ولكن قد يكون الأمر أكثر تعقيداً من هذا، فعندما تكون مفعماً بمشاعر الحب، وعندما تربطك علاقات الصداقة والعلاقات العائلية، أولئك الذين تلجأ إليهم بعد يوم العمل العاصف، هنا يصبح الحب مثل الشراع الذي يسيّر سفينه حياتك.
2. الشفافية: قد يكون الناس الذين يتمتعون بصداقات وثيقة ودائماً منطويين أو منفتحين، كباراً أو صغاراً، أذكياء أو محدودي الذكاء، بسطاء أو ذوي مظهر وسيم، لكن ما يجمعهم جميعاً هو اشتراكهم في سمة واحدة، ألا وهي عدم ظهورهم بمظهر مخادع، فلديهم نوع خاص من الشفافية يسمح لك برؤية مافي قلوبهم.
فإذا كنا منفتحين بخصوص أصولنا المتواضعة تماماً مثل انفتاحنا للحظات العظيمة التي تحدث في حياتنا،وإذا قمنا بفتح نوافذ على من حولنا وقللنا من بناء الحواجز بيننا وبينهم، فسيكون لنا أصدقاء أكثر.
3. لاتتحرج من الحديث عن مشاعرك. عندما يكون الإنسان أكثر حرية في التعبير عن مشاعره، فسوف يزيد هذا من قدر المحبة الذي يغلف علاقاته، فمن يريد أن يحبه الناس عليه أن يحبهم.
4. عليك بتعلم إشارات الحب: إن أفضل الصداقات التي تنمو وتتكون من الود والطيبة، لا يكفي كلمات تعبر عن الأهتمام، بل لابد من التعبير عن مشاعر الحب، ويبدو أن الحب أكثر المشاعر نعومة وتلقائية، ولكنه يحتاج الى بعض الوقت للنمو .
ومن الممكن الأستعانة ببعض الوسائل التي تساعد على نمو المحبة بين الصديق وتعميق علاقتهما:
• دعوة على الغداء أو دعوة لتناول فنجان قهوة .
• المساعدة على إنجاز مهمة ما .
• تقديم هدية .
5. اترك مساحة في علاقاتك: تؤثر بعض صفاتنا الشخصية على علاقاتنا وأكثر صفة يمكن أن تؤثر على مجرى الصداقة هي صفة تتفاوت من شخص إلى آخر. ولكنها عندما تزيد عن الحد تكون ذات تأثير مدمر، وتتسب في نفور الناس. إلا وهي التحكم في الآخرين، وهذه الخاصية غالباً ماترتدي قناع المحبة. ولكن الصديق يحتاج إلى مساحة من الحرية.
يقول أحد الحكماء هناك سر بسيط في جوهر الحب، فالمحب يترك من يحب حراً".
بعض المقترحات لخلق مساحة من الحرية:
1. احذر توجيه النقد : من أهم صفات الأنبياء أنهم لا يلجأون إلى انتقاد من حولهم أثناء دعوتهم، بل كانوا يلجأون إلى الكلمة الطيبة، وإلى الترغيب لا الترهيب، وإلى اللين لا الشدة، وذلك كي يجذب الناس من حولهم.
قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (159) سورة آل عمران
2. وظف لغة التقبل: إذا أستطاع الإنسان تقبل الذي أمامه كما هو وبصورة متكاملة فسوف تتحسن علاقته كثيراً. وهذا لايعني أن يوافق على كل شئ في الشخص الآخر، فالتقبل أمر مختلف، يكون بالأنصات والأستماع .
3. شجع أصدقاؤك على أن يكونوا متفردين، ساعدهم على تأكيد تفردهم وعدم الأذعان لك، فكل شخص له أحلامه الخاصة التي لايشاركه بها أحد، وهذا يجعلك محبوباً من أصدقائك.
4. إسمح بقدر من الوحدة: تقوم علاقة الصداقة على االاحترام المتبادل لخصوصية الطرف الآخر، وعدم التملك. فإحدى العلامات المميزة للعلاقة الناضجة هي أن تسمح لصديقك بالتحرك بحرية، دون قيود أو ألتصاق.
5. شجع العلاقات الأخرى: الصديق لا يمتلك صديقه، وإذا توقع بأنه الشخص الوحيد المهم في حياة الآخرين، فإنه سرعان مايفقدهم، فالغيرة كثيراً ماتتسبب في إفساد علاقات الصداقة الحميمة. فسلوك التملك ينبع من تحميل العلاقة أكثر مما تنبغي، والعلاج المناسب للتملك والغيرة على الصديق هو توسيع دائرة الاهتمامات وإنشاء علاقات متعددة ومتنوعة.
6. كن مستعداً لتقبل التغيرات في صداقاتك: كل علاقة من العلاقات الأنسانية معرضة للتغيير حسب الظروف المحيطة بها، أو بسبب التغيرات الشخصية. فلا بد أن تكون مستعداً لتقبل التحول في العلاقات .
*ماذا تعني الصداقة ؟
إحدى الطرق التي يمكن أن تعرف بها كلمة صديق، تكون من خلال تحديد تلك الخصائص والسمات التي تبحث عنها في الصديق، مثل الألتزام والانفتاح والثقة والأمانة والتوافق.
الألتزام معناه ولاء وإخلاص الطرفين للصداقة، ولكل منهما الآخر، خصوصاً عندما تحدث أزمة، سواء كانت فقد وظيفة أو سوء الحالة الصحية، أو المشكلات الأسرية.
والأنفتاح يعني الأستعداد لأن يبوح كل منهما للآخر عن مشاعره وتجاربه الداخلية، التي لا يبوح بها لكثيرين غير صديقه.
والثقة تعكس أعمق إيمان لدى كل من الطرفين بأن الطرف الآخر لن يخونه. فالأسرار لن تُفضح، وسيكون هناك اهتمام من كلا الطرفين بأفراح وأحزان الآخر.
يقول هيربرت فرويدنبيرجر عالم النفس: "الثقة تعني معرفتي أنني إذا أفشيت سراً لك، فلن تنقله إلى شخص آخر".
والأمانة تشير إلى إلتزام كلا الطرفين بالصدق فيما بينهما، في جميع المواقف.
ويعرف رأيت Wright، وكيبل Keple، الصداقة بأنها علاقة تتميز بوجود قدر من الاعتماد المتبادل يجري بشكل إرادي ويسمح بالتفاعل الشخصي المباشر والمتفرد، ويترتب عليه أن يكون تفكير كل طرف في خططه ونشاطاته معتمداً إلى حد بعيد على تفكير الطرف الآخر في نفس الأمور بدون قيد أو ضغط خارجي.
*أنواع الأصدقاء:
1. أعز صديق: شخص تجده بجانبك دوماً، يضعك في مقدمة أولوياته، علاقتكما تصمد في وجه الزمان رغم نشوء الخلافات، أو التغييرات، مثل: تغيير محل الإقامة، الزواج أو إنجاب اطفال.
2. الصديق الحميم: الأصدقاء الحميميون مخلصون، مقربون، تجدهم في جميع الظروف، يشبعون حاجاتك العاطفية والعقلية. توفر الود والحميمية وتبادل المنفعة، دون مطالب غير واقعية.
3. الصداقة العادية: تختلف عن المعارف العاديين، في مستوى الحميمية، والثقة والأخلاص. ويمثل هذا النوع من الصداقة الذي أصبح شائعاً هذه الأيام بسبب انشغال الناس، وبسبب إقبال الكثيرين على هذا النوع من الصداقات لأنهم لا يرغبون في التعويل على الأصدقاء الحميمين أو الأعزاء من خلال أخبارهم بتفاصيل حياتهم ومشكلاتهم.
*وظائف وفوائد الصداقة:
لكل فرد شيء فريد يمنحه للآخرين بوصفه صديقاً، ولا يمنح لأثنين نفس الشيء، لذلك يكون أصدقائك مختلفو الاتجاهات. وكل منهم يحقق لك حاجات معينة، ويزودك بنوع معين من الرضا النفسي.
وفي ظل علاقة الصداقة يحصل الأصدقاء على فوائد متنوعة، تشمل:
1. المساندة والتشجيع ودعم الثقة بالنفس والتقويم الإيجابي للذات.
2. التحقق من صحة الأفكار والآراء الشخصية بعد تهيئة الظروف الميسرة للإفصاح عنها.
3. التنبيه حيث يتميز الأصدقاء بالقدرة على توسيع الأفكار والمعارف والرؤى الشخصية لموضوعات متعددة.
4. النفع المباشر بتسخير الوقت والموارد الشخصية لخدمة الصديق وتلبية حاجاته.
*الفرق بين صداقة الذكور والأناث :
خلق الله الرجل والمرأة وبينهما اختلافات بيلوجية ونفسية، فالمرأة تعتبر أكثر وجدانية واهتماماً بالحب والعلاقات من الرجل.
أمام في الأتصال والحوار، فالرجل يستمع ويتحدث لأسباب تختلف عن المرأة، فهو لا يتكلم إلا لتحقيق هدف معين، كالأستفسار عن أمور معينة، أو لتكوين علاقة، أو توضيح وجهة نظر معينة. ويستمع لجمع المعلومات، أو الحصول على حل لمشاكله.
أما بالنسبة للمرأة عبارة عن اتصال ودي ومحاولة لتكوين جو ملؤه المحبة والوئام، لذلك تلجأ لإقامة العلاقات الاجتماعية. وهي تتحدث لأكتشاف شيءٍ ما، أو لأكتشاف نفسها. بينما تستمع من أجل المشاركة في المشاعر.
*أثر الصداقة على العلاقة الزوجية:
يرى البعض أن الزواج يدمر الصداقة، والبعض الآخر يرى على العكس تماماً أن الزواج يحسن منها.. ففي الغالب أن الزوجين يتجهون الى إقامة صداقات مع أناس على شاكلتهم وحياتهم مليئة مثل حياتهم، فالزواج يغير الصداقة إلى الأفضل في أغلب الأحيان. الزواج يمكن أن يؤدي بشكل غير مباشر إلى ضياع الصداقة، لأن الكيفية التي يغير بها الزواج صديقك يمكن أن تخرج منه صفات مزعجة ومضايقة لم تكن ظاهرة من قبل.
- الآثار الإيجابية للصداقة:
1. التمتع بالأستقرار النفسي وتوكيد الذات.
2. الشعور بالأنتماء وعدم الشعور بالملل.
3. دعم المشاعر الإيجابية والسارة.
4. المساندة الاجتماعية، عن طريق خفض مشاعر التوتر عند حدوث مشاكل بين الزوجين، أو عند حدوث مشاكل صحية كمشاكل الحمل.
5. المساندة في الميول والاهتمام، من خلال المشاركة سوياً في الاهتمامات والهوايات، أو رحلات الترفيه.
- الآثار السلبية للصداقة:
1. إظهار الولاء والطاعة للصديق، مما يؤدي إلى حدوث التوتر في العلاقة الزوجية.
2. التأثر بأفكار الصديق مهما كان توجهه.
3. أهمال العلاقة الزوجية والأهتمام بالصديق.
أن الصداقة لا زالت هي أكثر العلاقات الاجتماعية تعقيداً وإثارة للأهتمام، تلك العلاقة القائمة على المشاعر والأحترام والإخلاص، فلهذه العلاقة أهمية كبرى بالنسبة للإنسان حيث تساعده على الأستقرار النفسي والتفاعل الاجتماعي، والتعبير عما بداخله من مشاعر غضب أو فرح.
أن للصداقة تأثير كالسحر فهي تربط بين الصديقين ارتباطاً وجدانياً. فقد يكون الصديق بمثابة دواء إذا أعطيته شيئاً من وقتك لأشراكه في حياتك، عن طريق الزيارات، والمشاركة في النزهات، أو عن طريق كتابة رسالة للسؤال عنه أو التعبير عن مشاعرك تجاهه.
فعلينا أن نتعلم كيف نكون أصدقاء بمهارة، وإن نحافظ على هذه العلاقة الطيبة مهما واجهتها من ظروف خارجية.