الزواج المبكر أو زواج القصّر: أسبابه وتأثيراته
This browser does not support the video element.
يعتبر كل من الميلاد والزواج والوفاة أهم الأحداث الرئيسية في حياة البشر، إلا أن الزواج مسألة اختيارية تعود لرغبة الشخص وحده؛ فقد تم الاعتراف بذلك كمبدأ من مبادئ القانون الدولي، إلا أن العديد من الناس في بعض المجتمعات قد يجبرون أولادهم وبناتهم على الزواج في سن مبكرة (تحت السن القانونية للزواج)، ويأخذ الزواج المبكر أشكالاً مختلفة لأسباب متباينة؛ ليصير بذلك قضية بالغة الخطورة، وقد اعتبرته منظمة اليونيسيف انتهاكاً لحقوق الإنسان، وطورت عدداً من برامج التعليم لمكافحته.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وفي هذا المقال سنتعرف معاً على أسباب الزواج المبكر أو زواج القصّر وتأثيراته على المجتمع.
أسباب الزواج المبكر
يطرح الجميع الأسئلة نفسها؛ ما الذي يجبر عائلة على تزويج طفل قبل بلوغه السن القانونية للزواج؟ لماذا لا ينتظرون بضع سنوات أخرى إلى أن يصبح الطفل شابًا قادرًا على تحمل هذه المسؤولية؟ لكن هناك أسباب متعددة للزواج المبكر، وفيما يأتي ندرج لك أبرزها: [1]
العادات والتقاليد
فهي جزء لا يتجزأ لدى العديد من المجتمعات كالمجتمع الهندي، بحيث يشكل زواج الأطفال جزءاً مهماً من عادات وتقاليد المجتمع الهندي، وعلى الرغم من عيوب هذا الزواج العديدة، إلا أن هذه الممارسة لا تزال مستمرة بسبب صعوبة إقناع الناس بآثاره السلبية.
الفقر والظروف المادية الصعبة
تشتد حالات الفقر في بعض المناطق؛ مما يؤدي إلى قيام الآباء بتزويج بناتهن للحد من النفقات الزائدة من مأكل ومشرب وكساء وتعليم، فمنهم من يبيع أطفاله عن طريق الزواج، إما لتسوية دين أو لكسب الأموال والهروب من دائرة الفقر بزيادة دخل العائلة؛ عذرية الفتاة في إثيوبيا يمكن أن تؤمن للعائلة مهراً أكبر.
الخوف على الفتيات
يقوم العديد من الآباء بتزويج بناتهن خوفاً عليهن من التعرض لخطر الاعتداء الجسدي أو الجنسي؛ كذلك خطر التحرشات الجنسية غير المرغوب بها والاختلاط أيضاً، كما أنه يحافظ بهذه الطريقة على شرف العائلة والعشيرة. [2]
الخوف من الاختطاف القسري
في بعض الأماكن من آسيا الصغرى ومنطقة القوقاز وأجزاء من إفريقيا؛ وبين شعوب مختلفة كالتزيلتال (بالإنجليزية: Tzeltal) في المكسيك، يعتبر الاختطاف وسيلة لاكتساب الزوجة. [2]
ويحدث ذلك من خلال اختطاف الرجل للفتاة، وهي في طريقها إلى المدرسة أو السوق، ليقوم بعد ذلك باغتصابها حتى تصبح حاملاً، ويتمكن من الحصول عليها كزوجة، وبالرغم من وجود القوانين التي تحظر الزواج القسري بعد اختطاف الفتاة؛ إلا أن العديد من العائلات يوافقون على ذلك مهملين بذلك القوانين الموجودة. [2]
تطوير التحالف بين أسرتين
يمكن للزواج أن يخلق توافقاً بين العائلات من خلال تزويج بنت صغيرة من ابن عائلة أخرى لأسباب مختلفة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية كما هو الحال في معظم مجتمعات أفريقية؛ مهملين في ذلك مدى ملائمة الشريكين، كذلك السلبيات التي يمكن أن تؤثر على حياة الطفلة. [2]
غياب القوانين الرادعة
يوجد العديد من القوانين التي تقف ضد مسألة زواج الأطفال، إلا أنهم لا يفرضونها على المجتمع مثلما في باكستان وأفغانستان، ففي عام 2009 وافق البرلمان الأفغاني على القانون الذي سمح لبعض الملل الدينية والمجتمعات المحلية بفرض النموذج الخاص بها من قانون الأسرة متضمناً السماح بزواج الأطفال. [1]
أضرار الزواج المبكر
في كل عام، يتم تزويج ما يقارب 15 مليون فتاة قبل سن الثامنة عشر؛ غالبيتهن من المغلوب على أمرهن، وبتزويجهن يتم حرمانهن من حقوقهن الأساسية في الصحة والتعليم كذلك السلامة؛ إذ إنهن غير مستعدات ليصبحن زوجات وأمهات في مثل هذا العمر. [3]
كما ترى منظمة الأمم المتحدة أن الزواج المبكر "يستنزف الإمكانيات الموجودة لدى الفتاة، والتي تمكنها من تحقيق أهداف في حياتها العملية من خلال تركها للدراسة والانتقال للعيش في منزل زوجها". [3]
كما أن الحمل للفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاماً، قد يعرضهن لمضاعفات كثيرة خلال تلك الفترة وأثناء فترة الولادة، لأن أجسامهن لن تكون قد نمت بشكل تام، لذلك قد تسبب لهن الولادة الإجهاد الذي يؤدي إلى ناسور الولادة (وهو عبارة عن ثقب يظهر في قناة الولادة). [4]
كذلك الولادة المتعسرة وتسمم الحمل وفقر الدم أيضاً، كما أنه من الممكن أن ينخفض وزن الفتاة، وقد تعاني من نقص التغذية، بالإضافة إلى ازدياد احتمالات الإصابة بسرطان عنق الرحم. [4]
إذ قد تصاب الأمهات الشابات بهذا المرض في مرحلة متقدمة من العمر، ولأن الحمل يخفض الجهاز المناعي قد تصاب الفتاة أثناء حملها ببعض الأمراض كالملاريا، إذاً الزواج المبكر غير قانوني كما تم حظره في العديد من البلدان، إلا أنه وحتى الآن لم يتم فرض ذلك قانوناً. [4]
كيفية الحد من الزواج المبكر
هناك طرق عدة يمكن من خلالها الحد من الزواج المبكر، ومنها ما يأتي: [5]
تثقيف الفتيات
وفقاً لأبحاث منظمة اليونيسيف، فإن واحدة من 3 فتيات في البلدان منخفضة الدخل إلى البلدان متوسطة الدخل ستزوج قبل سن الـ18، كما أن الفتيات اللواتي يتزوجن في سن مبكرة.
من المرجح أن يكن أميّات أو غير متعلمات أي لن يتمكن من فهم حقوقهن الإنسانية، لذلك بحصول الفتيات على التعليم الابتدائي والثانوي سيتمكنّ من التعرف على تلك الحقوق التي تضمن لهن حرية الاختيار.
كما ستتحسن فرصهن في الحصول على العمل كوسيلة لإعالة أنفسهن، لذا من المهم الوصول إلى تلك المجتمعات التي ينتشر فيها الزواج المبكر وتحدي التقاليد لمساعدة الأطفال على التعلم.
وكمثال للإلهام، جمعية توستان الخيرية النسائية في السنغال؛ التي تدير برامج توعية لتثقيف شيوخ المجتمع وصناع القرار حول أهمية تعليم الفتيات.
تثقيف الآباء والأمهات
كما ذكرنا سابقاً، يعتقد بعض الآباء والأمهات أن الزواج المبكر وسيلة لحماية بناتهن من التحرش والعنف الجنسي قبل أن تصل إلى سن البلوغ، كما يعتبر منعاً للفتيات من ممارسة الجنس قبل الزواج، الذي يعد من المحرمات في العديد من البلدان، لكن الأهل يجهلون الآثار الضارة والسلبية التي تنجم عن الزواج المبكر.
فلا بد من توضيح هذه الآثار الضارة؛ كمثال على ذلك من زامبيا، حيث يقوم رئيس قبيلة مفومبيني بالعمل مع أهالي الفتيات اللواتي يتعرضن لخطر البيع مقابل المهور المربحة، فهو يفهم منهم ما الأسباب والضغوط المالية التي تدفعهم إلى ذلك؛ ليقوم بدوره بتأمين ذلك المال، دون أن يجبروا بناتهن على الزواج من أجل الحصول عليه.
تثقيف الزعماء الدينيين وشيوخ المجتمع
غالباً ما يكون أولئك الرجال هم صناع القرار في المجتمعات التقليدية، كما أنهم يؤثرون على المعايير السائدة من خلال قدراتهم على التحدث علناً ضد زواج الأطفال وتغيير مواقف المجتمع.
لذلك فإن القيام بثقيف هؤلاء الرجال الأقوياء، يعتبر مفتاحاً لتغيير موقف المجتمع من الزواج في مرحلة الطفولة، إذ تعتمد منظمة توستان السنغالية على برامج لتمكين الجاليات من إشراك الشيوخ والزعماء الدينيين وتثقيفهم بشأن الآثار الضارة الناجمة عن زواج الأطفال.
فعند تفهمهم لهذه الأخطار، تقوم توستان مباشرة بعقد دورات تعليمية مع أهالي القرية بكاملها، بما في ذلك أولياء أمور الفتيات والفتيان في جميع أنحاء السنغال، وكنتيجة لذلك، في عام 2001 تم إعلان الحد لبعض الممارسات الضارة بما فيها الزواج المبكر.
تقديم الدعم الاقتصادي
غالباً ما يكون الفقر من أكثر الأسباب التي أجبرت الفتيات على الزواج المبكر، فمن الممكن أن تكون بعض العائلات واعية للآثار الضارة الناجمة عن زواج الأطفال؛ لكن إجبارهم على تزويج بناتهن الأكبر سناً، للحصول على المهر ليضمنوا بقاء الأطفال الأصغر سناً، لذلك فإن تقديم الدعم الاقتصادي قد يكون وسيلة مساعدة للآباء والأمهات الذين لا يريدون لبناتهن الزواج المبكر.
فمثلًا وجد مشروع أقيم في إثيوبيا باسم (Berhane Hewan) "أن توفير بعض المواشي تعد فرصة اقتصادية لرب الأسرة ليقوم بكسب المال من خلال تربيتها والاعتناء بها، ومن ثم القيام ببيعها للحصول على المال وتوفير متطلبات عائلته بدلًا من قيامه بتزويج بناته". [6]
مساهمة الفنانين والشخصيات العامة
يساهم عمل الفنانين والصحفيين والمصورين والنشطاء في معالجة هذه المشكلة؛ والقيام بزيادة الوعي في المجتمعات لإنهاء هذه المعاناة اليومية، فقد قامت المصورة ستيفاني سنكلير بالتقاط صور لفتيات لا تتجاوز أعمارهن 9 أعوام.
في عام 2010 في كل من الهند ونيبال وأفغانستان وإثيوبيا واليمن؛ سعياً لتسليط الضوء على حياة الفتيات الصغيرات؛ اللواتي يجبرن على الزواج؛ محاولةً من خلال ذلك رفع مستوى الوعي لدى الشعوب، حيث أصبح عملها معروفاً عالمياً؛ كما أنه كان الخطوة الأولى لبداية الحديث عن الزواج المبكر. [6]
سن التشريعات الرادعة وتنفيذها
تلعب القوانين دوراً أساسياً في منع زواج الأطفال، حيث تفتقر العديد من البلدان للبنية القانونية والسياسية القوية؛ المساعدة على منع ظاهرة الزواج المبكر أو دعم الفتيات المتزوجات في سن مبكرة، إذ يمكن للنظام القانوني القوي أن يوفر خلفية مهمة لتحسين الخدمات، ويُحدث التغيرات في الأعراف الاجتماعية.
لكن من أجل تحقيق هذه التغيرات يجب على الحكومات أن تظهر قراراً سياسياً قوياً يجعل قضية مكافحة الزواج المبكر من أهم القضايا الوطنية، وأن تقوم بتوفير الموارد المالية الكافية لمعالجة هذه القضية بشكل جذري. [6]
البلدان التي تنتشر فيها ظاهرة الزواج المبكر
ومن أبرز الأمثلة على البلدان التي لا تزال ظاهرة الزواج المبكر مسيطرة عليها ما يأتي:
راجستان، الهند (Rajasthan, India)
بقيت هذه الممارسة منتشرةً كعادة من عادات سكان هذه الولاية، وفي اليوم المبشر وحين تقام مهرجانات الإخاء تيج (Akha Teej) تقام الاحتفالات الشاملة لزواج الفتيات والفتيان الصغار. [7]
النيجر (Niger)
أظهرت دراسة حديثة أجرتها منظمة اليونيسيف في ستة بلدان غربيّ إفريقيا "أن نسبة 44% من النساء في النيجر تزوجن بعمر لا يتجاوز الخامسة عشرة عاماً، إما لاتباع التقاليد أو لتعزيز العلاقات بين العائلات أو المجتمعات"، كما أن ذلك يتم لحماية الفتاة من الحمل قبل الزواج، الذي يُعد من الأسباب الرئيسية لظاهرة الزواج المبكر في النيجر. [7]
بنغلاديش (Bangladesh)
تقوم الفتيات في بنغلاديش بالزواج بعد سن البلوغ مباشرة، إذ يتلخص السبب في رغبة آبائهن وأمهاتهن بالخلاص منهن، بسبب العبء الاقتصادي المترتب عليهم، وبشكل جزئي لحماية نقائهن الجنسي كما تفرض الأعراف هناك. [8]
ألبانيا (Albania)
تقوم الأسر في المناطق الريفية بتزويج بناتها للحد من الفقر، كما يقومون بتشجيعهن على الزواج في وقت مبكر ليتم الزواج بين الفتاة والشاب قبل قيامه بالهجرة إلى مدن أخرى للبحث على العمل.
كما أن هناك سبباً آخر، للحفاظ عليهن من الاختطاف من قبل عصابات المافيا الألبانية الذين يقومون بمجموعة من المشروعات الإجرامية كالإتجار بالأعضاء البشرية. [7]
وتعقيباً على كل ما ذكرناه، الزواج هو عقد قانوني، يجب أن يكون محصوراً فقط بالبالغين، فمخاطر الزواج المبكر واضحة جداً، من معاناة صحية تعود على الفتاة إضافة إلى أساليب العنف التي تتعرض لها بسبب قلة وعيها ومعرفتها بالحقوق التي تمتلكها. [9]
فالحل بسيط جداً يتمثل في رفض هذه الظاهرة؛ من خلال التعاون مع الجمعيات الخيرية والحملات الثقافية التوعوية التي قد تقيمها الحكومات والمشرعون في الدول بهدف القضاء على الأعراف البالية القديمة، كذلك وضع قوانين جديدة تفرض منع الزواج المبكر للحد من هذه المشكلة والتخلص منها بشكل نهائي. [10]
وفي النهاية، بعد أن تعرفت على أسباب الزواج المبكر وأضراره وكيفية الحد منه والدول التي ينتشر فيها الزواج المبكر، يجب التوعية بخطورة هذه القضية وآثارها السلبية العديدة على المجتمع، للحد من انتشارها.
شاهدي أيضاً: رسائل حب للزوج المسافر تعبّر عن الاشتياق
شاهدي أيضاً: تعزيز الرومانسية والحب في العلاقة الزوجية