الدبلجة إلى العربية، سلبيات وإيجابيات وأهم الأعمال المدبلجة
تحتل السينما والدراما التلفزيونية مكانةً كبيرةً ضمن قائمة الموارد الثقافية، ما جعل الاهتمام بإنتاجها متزايداً حول العالم، حيث تُحقق انتشاراً ثقافياً لصالح البلد المنتج، فضلاً عن مردوداتها المادية العالية، كما تعتبر الدبلجة إلى جانب الترجمة، من اللغة الأصلية للعمل، إلى لغات أخرى، إحدى أكثر الطرق شيوعاً، للمساعدة على انتشار الأعمال التلفزيونية، والسينمائية، تَعرف معنا على أهم مراحل الدوبلاج، وتذكر أهم الأعمال التي تمت دبلجتها إلى العربية.
تستخدم الدبلجة في معظم دول العالم وبأساليب مختلفة
كلمة دوبلاج، أو دبلجة (Dubbing_ Re-recording)، مشتقة من الفرنسية (Doublage)، حيث يستخدم هذا المصلح، للتعبير عن العملية التقنية، التي تهدف إلى إضافة صوت غير الصوت الأصلي للعمل المصور، بعد ترجمة النص من لغته الأصلية، إلى لغة ثانية، كما أنه لا يوجد تاريخ واضح لبداية عملية الدوبلاج، لكن يُعتقد أنها بدأت في وقت مبكر من استخدام تقنيات الصوت، كما أن هذه التقنية شائعة في معظم دول العالم، لعدة أسباب سنأتي على ذكرها.
مراحل الدبلجة
تتم عملية الدبلجة من خلال ثلاثة مراحل أساسية، لا تقل صعوبة عن إنتاج العمل الأصيل، حيث تمر العملية بالمراحل الآتية:
مرحلة الترجمة
المرحلة الأولى، حيث تتم إعادة كتابة سيناريو العمل كاملاً، باللغة الجديدة، مع مراعاة طول الجملة، لتتناسب مع طول الجملة في اللغة الأصلية، وقد تتم الترجمة على مرحلتين، كما في الدبلجة إلى العربية العامية مثلاً، حيث تتم ترجمة النص إلى العربية الفصحى أولاً، ثم إعادة تدوينه بالمحكية، كما قد يقوم بهذه العملية فريق واحد، أو فريقين، فيقوم الفريق الأول بالترجمة، ثم يتم وضع الترجمة على الفيديو، وتسليمه للفريق الثاني، الذي يقوم بنقل النص إلى العامية، مع مراعاة اختيار الكلمات الأقرب إلى حركات الشفاه، وزمن كل كلمة، وجملة، وبعد انتهاء هذه المرحلة، يتم الانتقال إلى المرحلة التالية.
مرحلة التسجيل
يتم الاستعانة بممثلين محترفين في هذه المرحلة، أو متخصصين في الدوبلاج، كما أن تسجيل الصوت، لا يقل أهمية وصعوبة عن التمثيل، حيث "يعيد الممثل تمثيل المشاهد في الاستيديو، ليتمكن من التعبير عن الموقف من خلال صوته"، كما يذكر الممثل السوري خالد القيش، في مقابلته على تلفزيون الميادين، وهو الذي أدى صوت السلطان سليمان، في المسلسل التركي حريم السلطان.
عملية المعالجة والاستبدال
تتم هذه العملية كمرحلة أخيرة من الدبلجة، حيث يقوم المختصون، بإعادة وضع الأصوات المسجلة، واستبدال الحوار (Automated Dialogue Replacement ADR)، إضافة إلى استبدال المؤثرات الصوتية، وكافة الأصوات، كما يقوم التقنيون بمزامنة الشرائح الصوتية، بشكل دقيق، ليكون زمن تحريك الشفاه، مطابقاً تماماً لزمن نطق الجملة باللغة الجديدة. جديرٌ بالذكر أن بعض الدول، مثل هنغاريا، كانت تقوم بالحفاظ على الصوت الأصلي، ووضع الصوت الجديد فوقه، كما أن بعض عمليات الدبلجة اقتصرت على صوتين فقط، على الرغم من تعدد شخصيات العمل.
أسباب ومبررات القيام بعملية الدبلجة
لا بد أن نتساءل عن أسباب الدبلجة؟ لماذا نقوم بنقل عمل مصور أو فيلم كرتون إلى لغة غير لغته؟ وعند محاولة إيجاد الجواب، ستجد عدة عوامل أساسية، تساهم في اتجاه شركة الإنتاج إلى الدبلجة:
ضعف إنتاج نوع معين من الأعمال
يؤدي إلى نقل الأعمال الجيدة من دول أخرى، ولغات أخرى، كما الحال مع أفلام الكرتون، حيث تعتبر أفلام الكرتون العربية الأصيلة، قليلة جداً مقارنة مع غيرها، كما تعتبر متواضعة من حيث التقنيات، والجودة، لذلك تمت دبلجة مئات الأعمال الكرتونية من مختلف اللغات، لتجاوز الثغرة التقنية في الإنتاج المحلي، فضلاً عن شهرة الأعمال الأجنبية الأصلية، وسنتذكر بعض هذه الأعمال لاحقاً.
من جهة ثانية، تعتبر الدبلجة تجارة مربحة
أكثر من الإنتاج الأصيل أحياناً، حيث يتم شراء المسلسل من منشأه، بعد أن يكون قد وصل إلى ذروته الربحية، وبدأت الشركة المنتجة له، بتسويقه بأسعار أقل من سعره أثناء عرضه الأول، كما أن تكلفة الدوبلاج؛ تقتصر فعلياً على أجور العاملين، وغالباً ما تمتلك شركات الدبلجة استديو خاصاً لهذه المهمة، ما يجعل العمل بتكاليف أقل، بعد توفير تكاليف الإخراج، والإضاءة، والكتابة، والمونتاج، فضلاً عن المكياج، والثياب، وأجرة مواقع التصوير، إضافة إلى قدرة إدارة الإنتاج على ضبط النفقات بشكل أكثر فاعلية، نتيجة حصر العمل في مكان واحد.
وهناك جانب ثقافي
حيث يساهم الدوبلاج، بالتعرف على ثقافة أخرى، تعبِّر عنها الدراما الناتجة بعد الدبلجة، فضلاً عن الفائدة التي يحصل عليها التقنيون، من خلال مشاهدة مدارس مختلفة، في الإخراج والتمثيل، كذلك في الكتابة، والديكور ...إلخ، أما في العالم العربي، فقد ساهم الدوبلاج بانتشار لهجات معينة، كاللهجة السورية عن طريق دبلجة المسلسلات التركية، واللهجة المصرية عن طريق دبلجة أفلام الكرتون، شاركنا بتعليقك إن كنت ترى جوانب أخرى تساهم في اختيار الدبلجة من قبل شركات النتاج.
أعمال مدبلجة من الذاكرة (من منا لا يتذكر كاساندرا!)
أفلام الكرتون المدبلجة
أغلب أفلام الكرتون التي عُرضت بالعربية، كانت مدبلجة، للأسباب التي ذكرناها سابقاً، وقد تركزت عمليات الدبلجة لأفلام الكرتون بشكل أساسي، في كل من مصر، والأردن، وسوريا، إضافة إلى لبنان، كما نذكر من هذه الأعمال، المسلسل الكرتوني الكابتن ماجد، وغرندايزر، والنمر المقنع، إضافة إلى المسلسل الكرتوني الشهير، المحقق كونان، وجميعها باللغة العربية الفصحى، إضافة إلى عشرات المسلسلات الأخرى.
كما تمت ترجمة الكثير من الأفلام الكرتونية الطولية، من إنتاج شركة ديزني العالمية، وغيرها، مثل سندريلا، جميلة والوحش، والأميرة النائمة، إضافة إلى فلة والأقزام السبعة، فضلاً عن أفلام الإنيمي (Animation)، على غرار باندا كونج فو، والفأر الطباخ، وغيرها، بعضها بالفصحى، وبعضها بالعامية المصرية، وقد اكتسبت شركات الإنتاج، خبرة كبيرة في دبلجة أفلام الكرتون، جعلتها منتشرة بشكل كبير، كما شكلت تحدياً كبيراً، أمام الإنتاج المحلي المتواضع.
المسلسلات المدبلجة إلى العربية
بدأت دبلجة المسلسلات التلفزيونية في الثمانينات من القرن العشرين، حيث كان المصدر الأكثر شهرة، من المسلسلات الناطقة بالإسبانية، التي تمت دبلجتها إلى العربية الفصحى، ربما أبرزها مسلسل كساندرا، المسلسل الفنزويلي ذائع الصيت، على الرغم من الاعتقاد أنه مسلسل مكسيكي، حيث أنتج في فنزويلا عام1994، من قبل شركة (RCTV.International)، ثم تمت دبلجته إلى العربية، وعرضه على الشاشات عام1996، على مدى 150حلقة، كما قام الممثل اللبناني أنطوان كرباج بأداء صوت راندو، فيما قامت الممثلة سميرة البارودي بأداء صوت كساندرا، وغنت الشارة الفنانة كارول صقر، والنسخة المدبلجة من إنتاج المؤسسة اللبنانية للإرسال انترناشيونال (LBCI).
كما تمت دبلجته للغات أخرى، مثل: الرومانية، والهنغارية، والإيطالية، كذلك الإندونيسية، علماً أنه حقق نجاحاً باهراً في كل الدول التي عرض فيها، كما نذكر من المسلسلات المدبلجة عن الإسبانية، روبي، ومسلسل روزاليندا، وعشرات الأعمال الأخرى.
وفي السنوات القليلة الماضية، عرفت الدبلجة ازدهاراً كبيراً، من خلال استيراد المسلسلات التركية الطويلة، ودبلجتها إلى العامية السورية، نذكر أشهرها، مسلسل نور ومهند، الذي لاقى رواجاً منقطع النظير في العالم العربي كله عام2007، كما يعتبر الممثلون الذين شاركوا في دبلجته، أنه ساهم في انتشار اللهجة السورية، حيث عرض المسلسل على شبكة (MBC)، كما تم عرضه لاحقاً على عدة شاشات عربية. شارك في أداء الأصوات الممثل السوري مكسيم خليل بدور مهند، والممثلة لورا أبو أسعد بدور نور، والممثل محمد خرماشو بدور جدّْ مهند، إضافة إلى نخبة من الممثلين السوريين المحترفين، وهو من إنتاج ساما للإنتاج الفني، وإشراف لورا أبو أسعد.
حيث يعتبر هذا المسلسل، العمل المفتاح لحركة الدبلجة النشيطة من التركية إلى العربية، ثم تلاه أحد أشهر المسلسلات التركية، مسلسل وادي الذئاب، بأجزائه العشرة، وهو مسلسل سياسي اجتماعي، ينتمي إلى فئة مسلسلات الحركة (Action)، أدى صوت البطولة الممثل السوري شادي مقرش (مراد علم دار)، والمسلسل من إنتاج شركة العرَّاب للعمليات الفنية، وإشراف عام لورا أبو أسعد، كما عرض على شاشة أبو ظبي دراما، وعدة شاشات عربية، فضلاَ عن ترجمة جزئه الثامن إلى اللهجة العراقية.
نتذكر أيضاً مسلسلات تركية أخرى، مثل العشق الممنوع، وسنوات الضياع، كذلك العشق الأسود، كما تمددت الدبلجة من لغات أخرى، إلى اللغة العربية، كاللغة الكورية مع مسلسل القبلة المرحة، ومسلسل ملك الأزياء، وغيرها، كما كان لشبكة (MBC)، حصة الأسد من العرض الأول للمسلسلات المدبلجة، عن التركية، والكورية.
الأفلام المدبلجة إلى العربية
بعد نجاح الدبلجة مع المسلسلات، اتجهت حركة الدبلجة إلى الأفلام أيضاً، حيث بدأت شبكة (MBC)، بعرض سلسلة من الأفلام السينمائية المدبلجة ابتداءً من عام 2008، وهي أفلام عالمية، ذات إنتاج ضخم، وشهرة كبيرة، على غرار فيلم الإسكندر (Alexander) بطولة أنجلينا جولي (Angelina Jolie)، حيث كان الفيلم الأمريكي الأول الذي يعرض مدبلجاً إلى العربية الفصحى، كذلك فيلم طروادة (Troy) بطولة براد بيت (Brad Pitt)، وفيلم القلب الشجاع (Brave heart) بطولة ميل جيبسون (Mel Gibson)، وسلسلة أفلام ملك الخواتم (The Lord of the Rings)، كما قدمت الشبكة نفسها، عدة أفلام مدبلجة عن الهندية، والتركية.
هل الدراما المدبلجة جسر ثقافي أم عنصر مدمر للثقافة العربية؟
ينقسم النقاد، والمشاهدون العرب، في آرائهم حول الأعمال المدبلجة، حيث ظهر هذا الانقسام واضحاً في صفحات الصحف العربية، ومواقع الإعلام والتواصل الاجتماعي، كذلك في النقاشات العائلية، بين مؤيد ومعارض:
الرأي المؤيد للدبلجة
يعتبر مؤيدو الدراما المدبلجة، أن الدبلجة تحقق عدة نتائج إيجابية، أولها توفير فرصة أكبر من الترجمة للتركيز على الصورة، وتعابير الممثلين، وثانيها، الاستفادة من التقنيات في الإخراج، والديكور، والإضاءة ...إلخ، لتطوير المنتج المحلي العربي، كما يعتبرون أن هذه المسلسلات، تشكل جسراً ثقافياً مع شعوب عدة.
الرأي المعارض للدبلجة
ستند معارضو الدبلجة إلى ركزتين أساسيتين؛ الأولى تتعلق بتأثير الدراما التركية والأجنبية عموماً، على توزيع الدراما العربية، حيث أخذت الدراما المدبلجة حصة كبيرة من السوق، فظهرت أصوات نادت بالتوقف عن الدبلجة، لإعادة توزيع الدراما العربية بدلاُ عن الأجنبية، كما ظهرت مسلسلات تحاكي المسلسلات التركية في بنيتها الفنية، من حيث الطول، والإخراج، والسيناريو، حتى الإضاءة، والديكور، لكنها كانت تقليداً غير مرحب به بالنسبة للكثيرين.
أما الركيزة الثانية، تتعلق بالمنحى الأخلاقي، حيث اعتبر بعض النقاد، والمشاهدين، أن السوية الأخلاقية للدراما التركية، لا تتفق مع العادات والتقاليد السارية في العالم العربي، بل اعتبروا هذه الأعمال، مدمرة للقيم الأخلاقية العربية، والإسلامية، من حيث القصة التي تتناولها، وأسلوب تناول تلك القصة، كما يعتبر البعض أن هذه الدراما لا تعبر عن ثقافة مجتمعاتها حتى، بل هي معدّة للتصدير فقط.
ختاماً... جدل كبير يدور حول دور دراما التركية والأجنبية في حياتنا، كذلك حول آثارها، السلبية منها، أو الإيجابية، وقد شهدت الدراما التركية خصوصاً، تراجعاً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، شاركنا برأيك حول الموضوع.