الحياة لا تحتمل سامحوني.. ذكرى رحيل داليدا ولعنة العشق والانتحار
-
1 / 20
في مثل هذا اليوم، 3 مايو/أيار 1987، قبل أربعة وثلاثين عامًا، انتحرت الفنانة المصرية، داليدا، لينتحر من بعدها عددًا من جمهورها، ورجال عشقوها حتى الموت، حرفيًا.
داليدا التي حاولت الانتحار أكثر من مرة، نجحت في ذلك في 3 مايو/آيار عام 1987، بتناول كمية كبيرة من الأقراص المنومة تاركة وراءها إرثا فنيا وإنسانيا فريدا ورسالة تقول: "الحياة صارت لا تحتمل، سامحوني"، بعدما تمكّنت عبر موهبتها الخارقة من الوصول إلى قلوب المُستمعين في مختلف أنحاء العالم والوطن العربي.
وكانت داليدا، قد تحدثت خلال لقاء تلفزيوني، عن تفاصيل محاولتها الانتحار، قائلةً: «إنه موضوع يلامسني عن قرب، اعتقد أن الانتحار شئ شخصي، إنما عام 1967، حينما ارتكبته كنت يائسة للغاية، لم أعد قادرة على تقبل ذاتي، وكنت في حالة معاناة لا مخرج منها، وفيما يخص حالتي، كنت محظوظة للغاية لأنني خرجت منها، وقد أغنتني هذه التجربة بعد الخضوع لتحليل نفسي لمدة عامين، والقيام برحلة داخلية، معرفة الذات وما إلى ذلك".
من ولاندا جيغليوتي إلى داليلة إلى داليدا:
ولدت أيولاندا كريستينا جيليوتي في القاهرة، في 17 يناير/كانون الثاني عام 1933 في عائلة من المهاجرين الإيطاليين ممن هاجروا من كالابري إلى مصر، حيث كان والدها، بييترو جيليوتي، يعمل عازفا محترفا لآلة الكمان بأوركسترا دار الأوبرا المصرية، وكانت والدتها جوزيبينا جيليوتي تعمل خياطة. وكانت الطفلة الوحيدة بين ولدين، الأكبر اسمه أورلاندو Orlando والأصغر اسمه برونو Bruno بينما والدها فاسمه بياترو Pietro وهو موسيقيّ معروف في مصر فقد كان عازف الكمان الرّئيسي في أوبرا القاهرة.
وحصلت أيولاندا على لقب "ملكة جمال مصر" في عام 1954، وتسببت صورتها على غلاف إحدى المجلات وهي ترتدي لباس السباحة في فسخ خطوبتها، لكنها حصلت على بعض الأدوار في أفلام مثل "قناع توت عنخ آمون"، "الكأس والسيجارة" وغيّرت اسمها إلى "دليلة" نسبة إلى قصة "شمشون ودليلة" من العهد القديم.
أما داليدا، فهو الاسم الثالث الذي استقرت عليه الفنانة العالمية، ليصبح اسمها الفني. يث أنها في إحدى المساءات وحيث المكان الذي تغني فيه التقت الكاتب، ألفريد ماشار، صديق المخرج السنيمائي الذي اكتشفها في مصر. قال لها الفريد بأن اسمها ”داليلة“ غريب وعدواني بعض الشيء وعليها أن تغيره.. لم تستوعب داليدا الفكرة فهي منذ قدومها إلى باريس والجميع يعرفها باسمها المستعار ”داليلة“ وبعد تفكير طويل فكرت بأن تخلط اسمها الحقيقي، ”يولاندا“ مع الاسم الذي تحبه ”داليلة“ وكانت النتيجة ”داليدا“.
وفي قاعة "أوليمبيا" العريقة في باريس، تعرف عليها مدير القناة الإذاعية "أوروبا-1" لوسيون موريس، الذي أنتج لها أول اسطوانة عام 1956، لكنها لم تنجح كثيرا، وكان النجاح من نصيب الاسطوانة الثانية التي غنت فيها داليدا أغنية "بامبينو" لتصبح في قائمة أفضل 10 أغان لمدة 45 أسبوعا، وبيعت منها حتى عام 1957 أكثر من 300 ألف نسخة. وفي عام 1958 غنت داليدا في الولايات المتحدة الأمريكية، وعادت إلى القاهرة عودة المنتصرين عام 1959، بعد أن نالت شهرة عالمية.
وصول داليدا للعالمية:
قدمت داليدا في حياتها الفنية نحو ألف أغنية بتسع لغات هي العربية والعبرية والإنجليزية والفرنسية والألمانية واليابانية والهولندية والتركية.
وحصلت العديد من أغاني داليدا على الخلود، حيث لا تزال إلى الآن حاضرة في ذاكرة الكثيرين، من أهمها الأغنية العربية "كلمة حلوة وكلمتين"، التي تعد من أهم الأغاني العربية التي تعبر عن الرومانسية الوطنية، إضافة إلى أغنية "سلمى يا سلامة"، كذلك الأغاني الفرنسية (Je suis malade)، (La vie en rose) ومع خوليو اجليسيوس (Julio Iglesias)، (Mama).
وكانت أغنية بامبينو عام 1965 هي بدايتها مع الشهرة العالمية فقد احتلت هذه الأغنية الصدارة لأسابيع عديدة.
تعرفت داليدا على آلان ديلون عام 1973 وغنت معه أشهر أغانيها "كلمات، كلمات" (Parole, Parole)، والتي أصبحت من أشهر الأغاني الفرنسية على الإطلاق.
وفي عام 1977 غنت داليدا أغنيتها الأشهر في مصر والوطن العربي "سالمة يا سلامة" والتي أصبحت الأغنية رقم 1 في 17 دولة حول العالم، وانتشرت بأربع لغات: العربية، الفرنسية، الألمانية، الإيطالية.
وفي السينما: بلغ رصيدها من الأفلام 12فيلما، وشاركت داليدا في أكثر من فيلم سينمائي منها، (Vice squad) 1956 ،(Operation Abduction) ،(I love you) عام 1968، إضافة إلى فيلم اليوم السادس (The Sixth Day) الذي صورته في مصر عام 1986، من إخراج يوسف شاهين.
وفي فيلم (Joseph and his brother) من بطولة جوان كولنس (Joan Collins) قامت داليدا بأداء دوبلير البطلة، بسبب الشبه الذي جمع بينهما، في هذا الفيلم تعرفت إلى ممثل مغمور، كان هو في ذلك الوقت الفنان العالمي، عمر الشريف، الذي أصبح فيما بعد نجماً عالمياً، ثم بدأت تجمعهما علاقة عاطفية، فيما بعد رآها المخرج الفرنسي (French director Marc de Gastyne)، فأعجب بجمالها وشخصيتها، كما عرض عليها أن ترافقه إلى فرنسا للعمل في السينما، هذا ما كانت تحلم به بالضبط، لكن والديها كانا عقبة في طريق تحقيق هذا الحلم، لتتمكن أخيراً من إقناعهما، حيث سافرت إلى باريس في نهاية العام نفسه، وتركت ورائها عمر الشريف حزيناً.
حياة داليدا العاطفية وقصة انتحار عشاقها:
عاشت الطفلة يولندا بدايات صعبة بحي شبرا بسبب عصبية والدها وتزمته ووالدتها المحافظة وقد فرضا عليها رقابة صارمة ولكنها ارتبطت في فترة المراهقة بفتى إيطالي من شبرا اسمه أرماندو وكان الحب الأول في حياتها.
بعد وفاة والدها، الذي كان يعمل عازفا للكمان، عملت سكرتيرة على الآلة الكاتبة بشركة أدوية لتساعد والدتها التي عملت الخياطة. وقد تحايلت في ذلك الوقت على والدتها حتى استطاعت المشاركة في مسابقة ملكة جمال مصر وفازت بها عام 1951.
وارتبطت بقصة حب عنيفة بالرسام جان سوبيسكي الذي انتحر بإطلاق الرصاص على نفسه عام 1961.
وفي عام 1967 ارتبطت بقصة حب مع شاب إيطالي صغير هو لويغي تنكو وكان مغنيا ولدى فشله في الفوز بجائزة في أحد المهرجانات انتحر بالرصاص فحاولت هي الأخرى الانتحار وفشلت.
وبعد ذلك أحبت شابا آخر يدعى لوسيو ولقي هو الآخر حتفه منتحرا وكان يصغرها بـ 12 عاما. وكانت علاقتها بهذا الشاب قد أسفرت عن حملها ثم إجهاضها مما أدى لإصابتها بالعقم وضاعف ذلك من شعورها بالاكتئاب.
وفي السبعينيات عاشت قصة حب قوية مع مغن شاب يدعى مايك برانت انتحر عام 1975.
ثم زوجت داليدا من لوسين موريس ثم طلقا بعد عدة أشهر وقد حاول طليقها الانتحار بعد ذلك بعدة سنوات لرفضها العودة إليه.
بهذا، فإن حياة داليدا لم تكن مليئة بالنجاح والنجومية فقط، بل كانت على الوجه الأخر تعيش أيامًا مأسوية. وحاولت داليدا الخروج من حالة الاكتئاب والحزن مما حدث، فقبلت بالمشاركة كبطلة في فيلم "اليوم السادس" للمخرج يوسف شاهين، لكن ذلك لم يساعدها في تخطي الأزمة. فالحزن تمكن منها مجددًا، وعاد الاكتئاب يهيمن عليها عام 1987، لكنها لم تتوقف عن الإبداع، وكانت بصدد بطولة عرض موسيقي بعنوان "كليوباترا" كانت تقرأ السيناريو الخاص به، ثم كان حفلها الأخير في أنطاليا كامل العدد وحقق نجاحا كبيرا، لكن فوبيا الانتحار التي لحقت بها منذ عام 1967 دفعت بها إلى الحافة من جديد، ولكن دون رجعة هذه المرة، حيث تجرعت المنوم وتوفيت، في 3 مايو/أيار 1987.
وكانت جنازتها وداعا مهيبا حضرته باريس بأكملها، وكرمتها فرنسا بوضع صورتها على طابع بريد، وأقيم لها تمثال بالحجم الطبيعي على قبرها.
وفي ذكرى وفاتها، يضم الألبوم التالي، أجمل صور الفنانة العالمية داليدا التي لم تتحمل صعوبة الحياة، وقاسمها عدد من محبيها مشاعر العشق والرغبة في الانتحار.