الحمل العنقودي الأسباب والعلاج
ليس ثمة أثمن من مشاعر الأمومة التي تختبرها المرأة في حياتها، تستمد من خلالها رقة وعطفاً كبيرين لتعتني بأطفالها وتنشئهم على أحسن الفضائل وتحميهم من كل سوء، ولا تقتصر هذه المشاعر على البشر فحسب، بل لأنسبائنا من الرئيسيات مشاعر أمومية قوية لذريتها أيضاً، إلا أن بعضاً من الأخطاء الجينية قد تحدث أثناء التخصيب، لتنجم عنها حالات حمليّة خاصة تختبر فيها المرأة قوتها وصبرها خلال متابعة المحاولات إلى أن تحقق غايتها في تربية مولود سليم، ومن بين هذه الحالات سنناقش معاً في هذا المقال حالة الحمل العنقودي، وسنتعرف معاً على أشكاله وأسبابه وأعراضه وكيفية تشخيصه وعلاجه.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ما هو الحمل العنقودي
يُعرف الحمل العنقودي على أنه حمل غير ناجح ينجم عن خطأ جيني أثناء عملية تلقيح البويضة من قبل النطفة الأبوية، لتبدأ بعدها خلايا الأرومة الغاذية المسؤولة عن تشكيل المشيمة بالتكاثر السريع والشاذ، مُعطية كتلة غير طبيعية من الكيسات ذات الأحجام المختلفة والممتلئة بسائل لزج.
وتتصل هذه الأكياس فيما بينها بشكل يشبه عناقيد العنب، ومن هنا جاءت تسمية الحمل العنقودي بهذا الاسم، ويُطلق عليه أيضاً اسم الرحى العدارية (بالإنجليزية: hydatidiform mole) أو الحمل الرحوي.
يُذكر أن الحمل الرحوي يعد ورماً سليماً، ومع ذلك فهو يتطلب تدبيراً سريعاً فور تشخيصه، نظراً لإمكانية حدوث مضاعفات جديّة تشمل تحول بعض من حالات هذا الحمل إلى الشكل السّرطاني الخبيث.
أشكال الحمل العنقودي
هناك شكلان للحمل العنقودي، هما: الحمل العنقودي التام، والحمل العنقودي الجزئي، وقبل تفسير أيّ من هذين النمطين، علينا أن نوضح آلية التلقيح أو الإخصاب (بالإنجليزية: Fertilization)، الذي يقوم على اتحاد نواة الحيوان المنوي القادم من الأب والمحتوية على 23 كروموسوماً، مع نواة البيضة الناضجة القادمة من الأم والتي تحوي 23 كروموسوماً أيضاً.
وينتج عن هذا الاتحاد بيضة ملقحة تتضمن نواتها 46 كروموسوماً طبيعياً، وتخضع هذه البيضة الملقحة إلى مجموعة انقسامات خلوية قبل وصولها إلى بطانة الرحم، كي تعشش فيها وتنمو مُعطية الجنين وملحقاته.
وفيما يأتي نوضح شكلي الحمل العنقودي بالتفصيل:
- الحمل العنقودي التام
يحدث فيه أن يلقّح الحيوان المنوي بيضة فارغة بلا نواة، ويتضاعف تعداد الكروموسومات الأبوية بعد هذا الإلقاح؛ لنحصل على بيضة ملقحة غير طبيعية تحتوي على 46 كروموسوماً من منشأ أبوي مع غياب لصبغي البيضة القادمة من الأم.
ويغيب الجنين في هذا النمط مع جميع ملحقاته، كما أن خلايا المشيمة ستتطور بشكل شاذ معطية كتلة من الحويصلات المتصلة مع بعضها، والتي تبدي مظهراً عنقودي الشكل.
- الحمل العنقودي الجزئي
وفيه تتلقح بيضة الأم من قبل حيوانين منويين أو تتضاعف كروموسومات نطفة واحدة قبل تلقيحها لنواة البيضة الناضجة، لنحصل بعدها على بيضة ملقحة شاذة أيضاً تحتوي نواتها على 69 كروموسوماً (23 من الأم و46 من الأب).
ويمتاز هذا النمط بوجود الجنين مع حبله السري وأغشيته الأمينوسية، غير أنه جنين غير طبيعي لا يستطيع متابعة النضج والنمو داخل الرحم، كما أن المشيمة المتشكلة ستتكاثر بعض خلاياها بشكل غير طبيعي مُعطية المظهر العنقودي للحويصلات ذات المحتوى اللزج.
أسباب الحمل العنقودي
يزداد احتمال حدوث الحمل العنقودي لدى النساء فوق سن 35 عاماً، وحتى الصغيرات منهن اللاتي لم تتجاوز أعمارهن 13-19 عاماً، وقد يساهم عامل عمر الحامل في حدوث الحمل العنقودي التام بشكل أكبر من الجزئي إلى حد يكاد يغيب معه تأثير العمر على ظهور الرحى العدارية الجزئية لدى المرأة.
ويضاف كذلك دور الحمول العنقودية السابقة في تكرار حدوث هذه الظاهرة لدى المرأة نفسها مجدداً، كما يكثر حدوث الحمل العنقودي في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والأحوال الاجتماعية والاقتصادية المتردية، كدول شرق آسيا مثلاً.
من جهة أخرى، قد تؤدي الإسقاطات (الإجهاضات) السابقة إلى حدوث الحمل العنقودي لدى المرأة، غير أن حميتها الغذائية الفقيرة بحمض الفوليك والكاروتين سترفع من خطورة تطور الحمل العنقودي التام لديها.
أعراض الحمل العنقودي
يشبه الحمل العنقودي في بدايته الحمل الطبيعي بصفاته ومميزاته، غير أن لهذا الحمل أعراضاً خاصة به، يمكن للحامل أن تختبرها ما بين الأسبوع الرابع والثاني عشر من حملها، وذلك كما يأتي:
- نزف مهبلي يتراوح لونه بين الأحمر القاني والبني الغامق خلال الثلث الأول من الحمل.
- غثيان وقيء شديدان.
- انطراح بعض الحويصلات الكيسية مع النزف المهبلي.
- آلام حوضية.
وبمجرد ظهور واحد أو أكثر من الأعراض السابقة، فذلك سيتطلب منك استشارة فورية ومراجعة سريعة لطبيب النسائية المشرف عليكِ، والذي سيتحرى بدوره علامات أخرى كالنمو السريع لحجم الرحم بشكل لا يتوافق مع عمر حملك حسب تاريخ آخر طمث، أو ارتفاع ضغط الدم مع أعراض فرط نشاط الغدة الدرقية (تعرق، تسرع نبض، رجفان)، فقر الدم وغيرها.
لا بد أن نشير بدوره إلى علامة مميزة للحمل الرحوي تعرف باسم ما قبل الإرجاج (بالإنجليزية: Preeclampsia)، يرتفع فيها ضغط الدم مع حدوث بيلة بروتينية لدى الحامل (ارتفاع نسبة بروتين الدم في البول)، وذلك خلال العشرين أسبوعاً من الحمل.
تشخيص الحمل العنقودي
خلال زيارتك لطبيب النسائية المختص، سيطرح عليك مجموعة من الأسئلة التي تتعلق بما شعرتِ به من أعراض سبق أن ذكرناها في فقرة سابقة حول هذا الحمل، وسيطلب منك أيضاً تحاليل دموية ليتحرى عن الارتفاع الشديد والزائد لهرمون HCG الحملي (المفرز من المشيمة).
غير أن التشخيص المؤكد للحمل العنقودي سيتم عبر التصوير بالموجات فوق الصوتية (بالإنجليزية: Ultrasound)، ليثبت فيه الطبيب غياب ظل الجنين ودقات قلبه مع وجود علامة مميزة طبياً تعرف باسم (العاصفة الثلجية).
علاج الحمل العنقودي
يتطلب الحمل العنقودي علاجاً فورياً بعد تشخيصه من قبل الطبيب المختص، يقوم عادةً على شفط المحتوى النسيجي الشاذ الموجود ضمن الرحم تحت التخدير العام أو الموضعي.
إذ ينظف الطبيب عنق الرحم بواسطة محلول مطهر ويوسعه، كي يستطيع بعدها تمرير أنبوب بلاستيكي يشفط من خلاله النسيج غير الطبيعي والمتكاثر في بطانة الرحم.
وبعد ذلك، يستخدم أداة كليلة يجرف فيها البقايا من جدار الرحم، وفي بعض الحالات يمكن إجراء استئصال كامل للرحم (بالإنجليزية: Hysterectomy) شريطة أن تكون المرأة قد تجاوزت سن الأربعين، خوفاً من الاستحالة الخبيثة مع اكتفائها من الإنجاب، أو حينما ينتشر النسيج العنقودي بشكل واسع ضمن الرحم.
متابعة المريضة بعد العلاج
تعتبر مراقبة المريضة بعد إفراغ الرحى العدارية من رحمها جزءًا لا يتجزأ من خطة علاجها الفعّالة، وتهدف هذه المراقبة إلى الكشف عن أي تطورات أو تغيرات تشير إلى الخباثة بهدف تدبيرها السريع والفوري.
وفي هذا الصدد، يسأل الطبيب مريضته عادةً عن استمرار حدوث النزف بعد إجراء التجريف، ويستفسر أيضاً عن حدوث أعراض عصبية (صداع، تشوش رؤية مثلاً) أو صدرية (ضيق نفس ونفث الدم) لديها.
ويطلب الطبيب أيضاً إجراء صورة إشعاعية للصدر، كي يكشف عن وجود النقائل الورمية، التي تحدث إثر تطور الحالة إلى الخباثة، إضافة إلى قيام مريضته بالفحوص المخبرية الدورية، ليتحرى عن استمرارية ارتفاع هرمون HCG من عدمه.
يشار إلى أن وجود بقايا خلوية بعد التجريف يسبب مرضاً غازياً تتراوح نسبة حدوثه بين 10-15% من الحالات، يُعرف باسم (Persistent Gestational Trophoblastic Disease)، وهي مرحلة متوسطة بين الرحى العدارية السليمة والخباثة السرطانية.
وتتميز هذه المرحلة بنمو هذه البقايا ودخولها ضمن سماكة عضلة الرحم، مما يسبب نزفاً دموياً، وقد تمتد معها إلى مجاورات الرحم أو قبة المهبل، ويشتبه الطبيب بهذه الحالة إثر معرفته باستمرار النزف بعد التجريف مع ارتفاع قيم (HCG) المصلية.
ويلاحظ بفحص المرأة سريرياً عدم انطمار الرحم (أي عدم عودته إلى حجمه الطبيعي بعد الإجراء العلاجي) وقد يجس أحياناً كتلة بجوار الرحم، تحتاج المرأة في هذه الحالة إلى كورسات علاج كيماوي بعد وضع التشخيص، وقد يشاركه العلاج الإشعاعي أيضاً في بعض الحالات.
ماذا لو أرادت المرأة الإنجاب مجدداً بعد العلاج
ينصح الأطباء عادةً بضرورة الامتناع عن الحمل لفترة من الزمن قد تصل إلى سنة على الأقل بعد علاج الرحى العدارية، وذلك كي يتأكد الطبيب من انخفاض مستويات هرمون HCG في مصل المريضة وبولها دون حدوث الالتباس لديه (نذكر أنه: ترتفع قيم HCG أثناء حدوث الحمل الطبيعي).
أما إذا تطورت الحالة إلى (Gestational Trophoblastic Disease)، فمن الضروري تجنب حدوث الحمل لدى المرأة لفترة زمنية قد تصل إلى 12 شهراً بعد الانتهاء من علاجها الكيماوي.
تأثير الحمل العنقودي على نفسية المرأة
لا نخفي أبداً التأثير السلبي الذي يحمله هذا الحمل على نفسية المرأة، خصوصاً أنها ستضطر إلى الخضوع لإجراء جراحي يهدف لإزالة النسيج الشاذ من بطانة رحمها، والذي لطالما ظنته جنيناً سليماً وتحمست إلى اللحظة التي ستلده فيها لتمارس معه أمومتها الفطرية.
يمكن أن يتطور لدى المرأة درجات من الاكتئاب كارتكاس نفسي لها بعد إجراء الشفط والتجريف، وقد تختبر أيضاً قلقاً وخوفاً زائدين من صعوبة أو استحالة قدرتها على الإنجاب لاحقاً.
إلا أننا نشير إلى فائدة الدعم النفسي الجماعي في تخفيف شدة مصابها، حيث تستمع فيه المرأة إلى تجارب نساء أخريات مماثلات لحالتها وتشاركهن قصتها الخاصة، كما أن استشارة الأخصائي النفسي لن تضرها في حال تأثرها الكبير نفسياً بعد حدوث الحمل العنقودي لديها.
لا سيما إذا ما قرأت عن إمكانية تحول هذه الحالة إلى الخباثة، علماً بأن هذا التحوّل يشكل نسبة ضئيلة لا تتجاوز نسبته 2-8% من مجمل حالات الحمل العنقودي.
ختاماً، إن المتابعة المستمرة لدى الطبيب المختص طوال فترة الحمل ستساعد المرأة كثيراً على كشف حالات خاصة مبكراً وضمان علاجها الفعّال، وعلينا أن ننوه إلى الانخفاض الشديد في إمكانية تكرار حدوث الحمل العنقودي مجدداً لدى المرأة، لتصل نسبته إلى 1-2% فقط.