التهاب الأذن الوسطى الحادّ عند الأطفال (Acute Otitis Media)
أهم الجراثيم المسؤولة عن التهاب الأذن الوسطى عند الأطفال
أعراض التهاب الأذن الوسطى لدى الأطفال
العوامل المؤهبة لحدوث التهاب الأذن الوسطى عند الأطفال
كيفيّة تشخيص التهاب الأذن الوسطى عند الطفل
المضاعفات التالية لالتهاب الأذن الوسطى
يتعرّض أكثر من 50% من الأطفال في السنوات الأولى من حياتهم لعوامل ممرضة تتسبب بحدوث التهابات على مستوى الأذن الوسطى لديهم تظهر غالباً بارتفاع درجة حرارة الطفل مع تحريضٍ لغثيان وإقياء لديه.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
إضافة إلى آلام على مستوى الأذن قد تزعج الطفل في بعض الأحيان أو تمنعه من النوم، وفي هذا المقال سنستعرض معاً أهم الأسباب المسؤولة عن التهابات الأذن الوسطى لدى الأطفال، متوسعين في شرح الأعراض السريرية الخاصة بها مع طرق علاجها الحاليّة.
بنية الأذن وأقسامها
تقسم الأذن بشكل عام إلى ثلاثة أقسام هي:
- الأذن الخارجية والوسطى والداخلية.
- فصل بين الأذن الخارجية والوسطى غشاء الطبل الرقيق ذو اللون الأبيض الصدفي.
- وتتركب الأذن الوسطى من عظيمات السمع الثلاث (المطرقة والسندان والركابة) مع نفير أوستاش (Eustachian Tube)، يضاف لها عضلتا الركابة والمطرقة.
نشير إلى أن الوظيفة الأساسية للأذن الوسطى تقوم على تضخيم الصّوت الواصل إلى الأذن من الخارج بما يعادل 22 مرة.
يعتبر نفير أوستاش أنبوباً مغلقاً في الحالة العامة، ويمكنه أن ينفتح لمدة قصيرة أثناء عمليتي البلع والتثاؤب، هذا ويمتدّ الثلث البعيد منه لينفتح على الأذن الوسطى، بينما ينتهي ثلثاه القريبان ضمن البلعوم الأنفي.
ويمكن لهذه المعلومات أن تعطينا لمحة بسيطة عن كيفيّة وصول الجراثيم والعوامل الممرضة إلى أذن الطفل الوسطى، وذلك عبر نفير أوستاش الذي يؤمن ممراً لها ما بين البلعوم الأنفي والأذن الوسطى.
أسباب التهاب الأذن الوسطى
يمكن للعوامل الممرضة الجرثوميّة أو الفيروسية أن تسبب التهابات حادة ضمن الأذن الوسطى وهي غالباً ما تلي التهابات أخرى ضمن البلعوم الأنفي (الطرق التنفسية العلوية)، كأن تلتهب الأذن الوسطى بعد الإصابة بفايروس الإنفلونزا (النزلة الوافدة) أو الزكام مثلاً.
ونظراً لقرب المسافة بين الأذن الوسطى والبلعوم الأنفي فإن الالتهاب الأساسي الموجود ضمن هذا الأخير يمتد ليشمل بدوره نفير أوستاش محدثاً وذمةً واحتقاناً شديدين في مخاطيته.
ولطالما كان نفير أوستاش واحداً من العوامل المهمة التي تساعد الأذن الوسطى على تصريف مفرزاتها خارجاً فإن الالتهاب ضمن هذا النفير سيشكل عائقاً وتحدياً كبيراً أمام خروج المفرزات.
وحيثما نجد انسداداً واضحاً يحتوي على سوائل ومفرزات في أي بؤرة من جسمنا علينا أن نخمّن الاحتماليّة العالية لوصول الجراثيم والفايروسات إلى هذه البؤرة التي تشكل مرتعاً مناسباً لتكاثرها ونموّها.
مما يعطينا الأعراض والعلامات الخاصة بالتهاب الأذن الوسطى، تجدر الإشارة إلى أن التهابات الأذن الوسطى أكثر شيوعاً لدى الأطفال منها عند البالغين؛ نظراً لكون النفير أكثر ضيقاً مما هو عليه عند الكبار، كما أن توضّعه الأفقيّ سيسهل وصول العوامل الممرضة عبره إلى الأذن الوسطى.
أهم الجراثيم المسؤولة عن التهاب الأذن الوسطى عند الأطفال
تتعدد العوامل الجرثومية المتهمة في إحداث التهاب الأذن الوسطى عند الأطفال، غير أن أنواعاً محددة منها تعتبر الأكثر شيوعاً وانتشاراً، نذكر منها ما يلي:
- المستدمية النزلية (Haemophilus Influenza).
- المكورات الرئوية (Streptococcus Pneumoniae)
- الموراكسيلا النزلية (Moraxella Catarrhalis)
- العنقوديات (Staphylococci).
- العقديات المقيحة (Streptococcus Pyogenes).
- العصيات الزرق (Pseudomonas) والجراثيم المعوية (Enterobacteriaceae) عند الرضع تحت عمر 3 شهور.
أعراض التهاب الأذن الوسطى لدى الأطفال
عليك أن تفكّر باحتمالية وجود التهاب ضمن الأذن الوسطى عند طفلك في حال وجود عرَض واحد أو أكثر مما يلي:
- ارتفاع درجة حرارة الطفل بما يزيد عن 38 درجة مئوية.
- هيوجيّة الطفل وبكاؤه الشديد.
- الصداع والآلام الرقبية.
- الدوار وقلة التوازن عندما يمشي الطفل أو يقف.
- آلام في الأذن يشتكي منها الطفل القادر على الكلام والتعبير، ويكتفي الرضع وحديثو الولادة بالبكاء الشديد والصراخ كتعبيرٍ عن آلامهم ضمن الأذن.
- قد يعبّر الطفل الكبير لفظياً عن انسداد إحدى الأذنين وانغلاقها.
- وجود أعراض هضميّة (الغثيان، الإقياء، الإسهال).
- قلّة حركة الطفل مع خموله الواضح.
- نقص شهيّة الطفل، مع ضعف الرضاعة أو غياب القابلية لها عند الرضيع.
العوامل المؤهبة لحدوث التهاب الأذن الوسطى عند الأطفال
- العمر، لاسيّما السنتان الأوليتان من عمر الطفل.
- الجنس، حيث تميل التهابات الأذن الوسطى للحدوث عند الأطفال الذكور أكثر من الإناث.
- البيئة والأوضاع الاجتماعية غير المناسبة.
- الرضاعة الاصطناعيّة، لاسيّما أن الرضاعة الطبيعية من ثديي الأم تنقل الأضداد الدفاعية إلى طفلها وتعطيه مناعة قويّة، على عكس الحليب الاصطناعي الذي تغيب فيه تلك الميزة.
- قد تلعب الوراثة دوراً في حدوث التهابات الأذن الوسطى.
- التدخين قرب الطفل، حيث تخرّش المكونات الموجودة في دخان التبغ مخاطية البلعوم الأنفي وتؤذيها، مما يحرض استجابة التهابيّة قد تمتد لتصل إلى نفير أوستاش والأذن الوسطى.
- الفصل السنوي البارد، لاسيّما أن الزكام والنزلة الوافدة يحدثان بشكل أساسي في فصل الشتاء.
- التشوهات الخلقية لدى الطفل، كانشقاق شراع الحنك لديه مما يرفع احتمالية حدوث الإنتان على مستوى البلعوم الأنفي ونفير أوستاش.
- بعض التناذرات، كتناذر داون (المنغولية)، فمناعة الأطفال هنا ضعيفة نسبياً مقارنة بغيرهم، إضافة إلى وجود بعض التشوهات في سياق التناذر؛ مما يؤهب لإنتانات ضمن الأذن الوسطى.
كيفيّة تشخيص التهاب الأذن الوسطى عند الطفل
لا تتردد أبداً في نقل طفلك لأقرب مركز صحي واستشارة طبيب الأطفال إذا اشتكى من واحد أو أكثر من الأعراض التي ذكرناها آنفاً، حيث يستفسر الطبيب الفاحص عن وجود إنتانات أو التهابات في مناطق أخرى، كالتهابات الجيوب مثلاً أو البلعوم أو التهاب الأنف التحسسي أو إصابة الطفل بالزكام أو الإنفلونزا وغيرها.
ويسأل أيضاً عن تواجد الطفل في بيئة يكثر فيها المدخنون من حوله، إضافة إلى نمط التغذية المعتمدة سواء كانت رضاعة طبيعية أم اصطناعية، لينتقل بعدها إلى فحص الطفل سريرياً فيقيس حرارته ويستخدم المنظار الأذني (Otoscope) ليتقصى حالة غشاء الطبل والتبدلات التي طرأت عليه في سياق الالتهاب.
ومع أن فحص الأذن يعتبر إجراءً سليماً ولا يسبب ألماً أو إيذاءً لطفلك إلا أنه قد يشتكي أو يتهرب من يدي الفاحص، لذلك ننصحك بتهدئة طفلك وطمأنته، واطلبي منه أن يجلس في حضنك ريثما يقوم الطبيب بفحص أذنه عبر المنظار.
وقد يتراءى للطبيب غشاء الطبل عبر المنظار بلون زهريّ أو أحمر مع غياب الانتباج فيه في سياق التهاب الأذن الوسطى الاحتقانيّ، ليصبح بنفسجي غامق ومنتبج بشدة؛ مما يوحي بتجمّع قيحيّ خلفه ويدفعه للاشتباه بالتهاب الأذن الوسطى القيحيّ.
وقد يصل الالتهاب لمرحلة متقدمة جداً، ليجد الفاحص سيلاناً مخاطياً قيحياً يخرج عبر غشاء الطبل المنثقب إلى خارج أذن الطفل قبيل استخدام المنظار الأذنيّ.
بعد أخذ القصة المرضيّة وفحص الطفل سريرياً قد يتجه الطبيب إلى أخذ عينات مخبرية من القيح الذي خرج عبر غشاء الطبل المنثقب، لتخضع هذه العينة بعدها إلى زروعات وإجراءات مخبريّة تتحدّد وفقها ماهية الجراثيم المسؤولة عن التهاب الأذن الوسطى.
مما يمكّن الطبيب من اختيار الصاد (المضاد) الحيوي المناسب للقضاء عليها، أما في سياق الحالات الأخرى التي لا ينثقب فيها غشاء الطبل عند الطفل قد يأخذ الطبيب مسحة من البلعوم الأنفي ليتحرى مخبرياً عن العوامل الممرضة في حال وجود التهابات ضمنه، أو يكتفي فقط بالموجودات المرضية التي ظهرت عبر منظار الأذن كي يثبت وجود التهاب ضمن الأذن الوسطى عند الطفل.
نشير إلى ضرورة إجراء اختبار يحدّد بدقة قدرة الأذن المصابة على استقبال الأصوات وسماعها (اختبار الأذن السمعي)؛ وذلك لنفي وجود الصمم أو نقص السمع في حالات التهابات الأذن الوسطى المتكررة.
المضاعفات التالية لالتهاب الأذن الوسطى
يمكن لالتهاب الأذن الوسطى أن يتفاقم عند الأطفال وينتشر لبنى وأجزاء أخرى قريبة من الأذن المصابة، وذلك عند إهمال التشخيص المبكّر أو عدم اتباع الخطة العلاجية بشكل دقيق ومناسب، لنجد مثلاً:
- التهاب الغشاء الحاد عند الطفل.
- ضخامة الناميات والتهاب اللوزتين الحنكيتين وضخامتهما.
- التهاب التيه (يعتبر مكوّناً هاماً ضمن الأذن الداخلية).
- اضطرابات النطق وتأخر الكلام عند الطفل في سياق الالتهابات المتكررة للأذن الوسطى.
- شلل العصب الوجهي، خصوصاً أن العصب الوجهي يمر على الجدار الأنسي للأذن الوسطى، وبالتالي فإن التهابات الأذن الوسطى الشديدة ستؤثر حكماً في هذا العصب.
- قد تمتد التهابات الأذن الوسطى إلى الدماغ والبنى الحامية له، ليحدث لدى الطفل التهاب السحايا أو خراجة دماغيّة.
العلاج الخاص بالتهاب الأذن الوسطى
- يلجأ الطبيب المعالج إلى وصف المسكنات الألمية وخافضات الحرارة (باراسيتامول Paracethamol أو آيبوبروفين Ibuprofen) للطفل في حال التهاب الأذن الاحتقانيّ مع غسيل الأنف والبلعوم بالسيروم الملحي لتخفيف شدة الاحتقان.
- أما في سياق التهاب الأذن الوسطى القيحيّ تقوم الخطة العلاجية على وصف الصاد الحيويّ المناسب للقضاء على العوامل الجرثومية المسؤولة عن الالتهاب، وعادة ما يوصف صاد حيوي من مجموعة البنسيلينات كالأموكسيسلين (Amoxicillin) لمدة خمسة أيام لعلاج الالتهاب، بينما يفضل استخدام المايكروليدات كالكلاريثرومايسين (Clarithromycin) عند وجود حساسية تجاه البنسيلينات.
- حالياً تتزايد نسبة الجراثيم المقاومة للبنسيلينات؛ مما يتطلب اللجوء إلى صادات أكثر فعالية وقوّة للقضاء عليها نذكر منها الأوغمنتين أو سيفالوسبورينات الجيل الثالث التي تستخدم وفق كورس علاجيّ يمتد إلى 8 أو 10 أيام.
- قد يعمد الطبيب إلى خزع غشاء الطبل وذلك لتخفيف الضغط الزائد مع تأمين ممرّ لتصريف القيح المتراكم ضمن الأذن الوسطى خصوصاً إذا اشتكى الطفل من ألم معنّد على العلاج والتسكين، إضافة إلى تراجع الحالة العامة للطفل وعدم تحسنها، أو ظهور واحد من المضاعفات التي تحدثنا عنها آنفاً منذ بدء الالتهاب، تجدر الإشارة إلى أن استخدام قطرات الأذن يعتبر مضاد استطباب مطلق عند وجود انثقاب في غشاء الطبل.
التهابات الأذن الوسطى المتكررة (Recurrent Ear Infections) والوقاية منها
قد تتكرر التهابات الأذن الوسطى بشكل مستمر لدى بعض الأطفال دون غيرهم، حيث تعرف التهابات الأذن الوسطى المتكررة بحدوث الإنتان 3 مرات أو أكثر خلال ستة شهور، أو تكرار الالتهاب أربع مرات أو أكثر خلال 12 شهراً.
ينصح الأطباء بضرورة إبعاد الأطفال عن الأجواء التي يكثر فيها التدخين كإجراء مهمّ للوقاية من تكرار الإنتان، إضافة إلى الحفاظ قدر الإمكان على الإرضاع الطبيعي للأطفال تحت عمر السنة، مع المواظبة على إعطاء الصادات الحيوية بجرعات قليلة منها بشكل مستمرّ.
والالتزام بالخطة التي حددها الطبيب لإعطائها نظراً لإمكانية حدوث مقاومة عالية من قبل الجراثيم تجاه الصادات الحيوية في حال الاستخدام العشوائي أو طويل الأمد.
قد يلجأ الأطباء في بعض الحالات إلى فغر (خزع) غشاء الطبل (Tympanostomy) لتخفيف الضغط الكبير ضمن الأذن الوسطى وتأمين التهوية المناسبة لها، إضافة إلى تحرير السوائل والقيح المتراكم داخلها.
ولن ننسى أبداً ضرورة تلقيح الأطفال لتقوية مناعتهم ضد الإنفلونزا والمكورات الرئوية، وذلك للوقاية من إنتانات الطرق التنفسية العلويّة والبلعوم الأنفي، مما يؤمن حماية نفير أوستاش والأذن الوسطى من الالتهابات التالية لإنتانات البلعوم الأنفي.
وفي الختام... تجدر الإشارة إلى ضرورة تنظيف وتعقيم الأدوات والألعاب التي يستخدمها طفلك بشكل مستمرّ، مع حرصك على تعليمه أساسيات تنظيف اليدين الجيّد بالماء الفاتر والصابون لتأمين الوقاية اللازمة من كافة العوامل الممرضة التي يتعرض لها بشكل يوميّ.