التعامل مع الأيتام وحقوق اليتيم في الإسلام
شغل التعامل مع اليتيم جزءاً لا يستهان به من التشريعات السماوية والقوانين الوضعية، كما أنَّ للمجتمع أيضاً أعرافه في التعامل مع الأيتام سواء من الناحية التربوية أو من ناحية الحقوق العينية والمالية، فضلاً عن الجمعيات الأهلية والحكومية المخصصة لرعاية الأطفال والمراهقين الذين فقدوا ذويهم، تعرفوا معنا أكثر على كيفية التعامل مع الأيتام من الناحية التربوية والاجتماعية، إضافة إلى حقوق الأيتام على ذوي القربى.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
من هو اليتيم
في اللغة العربية اليتيم هو من فقد أباه من البشر وهو دون سن البلوغ، أمَّا اليتيم في الحيوان من فقد أمَّه، كما يقول العرب عن الأشياء الفريدة (يتيمة) كقولهم كتابه (اليتيم)، أما عرفاً فالمجتمع يطلق صفة اليتيم على كل طفل أو فتى لم يبلغ السن القانونية وفقد أحد أبويه أو كليهما، كما يتعامل المجتمع مع الذي كان والداه في حكم المفقودين معاملة اليتيم، كأن يكون الوالدان في السجن أو غائبين لسبب قاهر، وكأن المجتمع يقول أن اليتيم هو من لم يحظَ برعاية والديه أو أحدهما سواء أكان الموت هو ما غيبهما أو أي سبب آخر، لكن في نفس الوقت ينظر المجتمع إلى اليتيم الحقيقي برأفة أكثر.
تشير الشرائع السماوية وأغلب القوانين الوضعية إلى موضع اليتيم ذاته الذي وضعته فيه اللغة، فاليتيم من الناس هو من فقد أباه صغيراً، وتنظم القوانين أصول رعاية اليتيم وحفظ أمواله وتعيين من يقوم بالوصاية عليه، كما تنظم القوانين أصول تبني اليتامى في الدول التي يسمح فيها بالتبني، حيث أنَّ التبني في الإسلام محرم لكنه جائزٌ بمفهوم آخر وهو الرعاية المخصوصة دون تغيير النسب.
التعامل مع الأيتام من الناحية التربوية
تقع مسؤولية تربية الأيتام عادةً على الأمِّ إن وجدت، فإن لم تكن الأمُّ لسببٍ أو لآخر قادرة على تربية أبنائها بعد فقدان الأب تنتقل المسؤولية إلى ذوي القربة من الأجداد والأعمام والأخوال أو غيرهم، فإن لم يكن لهم استطاعة للقيام بذلك تصبح تربية اليتيم مسؤولية اجتماعية، تقوم بها دور الأيتام والجمعيات الأهلية والحكومية المتخصصة برعايتهم، وعادةً ما يواجه الأيتام ظروفاً نفسية ومعيشية صعبة كنتيجة طبيعية لفقدان الوالدين، لكن كيف نتعامل مع اليتيم تربوياً؟! وكيف نستطيع أن نساعده على تجاوز محنته ليعيش حياة طبيعية؟ إليك بعض النصائح والمقترحات للتعامل مع الأيتام:
- أولاً وقبل كل شيء يجب أن نتفهم مشاعر الحرمان التي يعاني منها اليتيم، فهو يشعر بانعدام الأمان بعد غياب والديه ويرى أنَّه مهدد بالفقر والإهمال، لذلك يجب أن نطمئنه دائماً أننا سنقف بجانبه إلى أن يصل إلى بر الأمان.
- يعاني اليتيم من حساسية مفرطة خاصة عندما يتربى في بيت أحد أقاربه، فهو يشعر أنَّه دخيلٌ على هذه العائلة، وسيشعر بالتمييز بينه وبين الأبناء الأصليين للعائلة، لذلك يجب أن نخلق نوعاً من التوازن بينه وبين باقي أفراد العائلة في الحقوق والواجبات.
- قد تكون مشاعر الشفقة محركاً جيداً لرعاية الأيتام، لكنها في نفس الوقت ستفسدهم إذا كانت ظاهرة، فهي إمَّا أن تتسبب لهم بجرحٍ عميق، وإما أن تفسد طباعهم فيستغلون صفة اليتم لابتزاز عواطف من حولهم، وفي كلتا الحالتين نحن نؤذي الأيتام عندما نُظهر لهم مشاعر الشفقة، لذلك يجب أن نتعامل معهم بطريقة طبيعية.
- كذلك يشعر اليتيم بحساسية شديدة تجاه أهله المفقودين، لذلك يجب تجنب ذكر أي صفات سلبية عن ذويه والاكتفاء بذكر محاسنهم.
- إذا لم يكن لدى الأقارب القدرة على الاعتناء باليتيم في منزلهم لسببٍ أو لآخر، فكان أن أودعوهم في دارٍ للأيتام، لا بد أن تكون هناك متابعة لأحوالهم من خلال الزيارات الدورية والوقوف على تعليمهم وحاجاتهم. [1]
اليتيم في الإسلام
قدَّم الإسلام العديد من التوصيات والقواعد التي تنظم رعاية اليتيم والتعامل معه من خلال القرآن الكريم والحديث الشريف، وقد اعتنى الإسلام بشكل خاص بأمرين اثنين، الأول هو حفظ الحقوق المالية لليتيم، والثاني هو حفظ كرامة اليتيم ورعايته. [2]
في الحفاظ على أموال اليتامى وميراثهم يقول الله تعالى في القرآن الكريم في سورة الإسراء الآية 34:
"وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا"
وقد أكد القرآن الكريم هذا المعنى في عدة مواضع منها أيضاً ما جاء في سورة الأنعام الآية 152:
"وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"
لذلك يعتبر حفظ مال اليتيم الذي ورثه عن أبيه حقٌ له على من كفله ورعاه سواء كان من ذوي القربة أم لم يكن، ومهما كانت الظروف لا يجوز المسُّ بحقوق اليتيم في مال أبيه إلَّا لما فيه مصلحته على أن تكون مصلحة متفق عليها، وسنجد أن القوانين التي تم إعدادها على أسس شرعية تشترط موافقة من القاضي الشرعي لتحريك أصول اليتيم وأمواله أو التصرف بها، كما تشترط إعادة الحق لليتيم عندما يبلغ السن القانونية أصولاً، كما أنَّ أكل مال اليتيم واحدة من سبعٍ موبقات حذرنا منها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي نقله عنه أبو هريرة وأخرجه البخاري:
"اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَت".
رعاية اليتيم وحفظ كرامته في الإسلام
فإذا لم يكن لليتيم من مال أو ميراث كانت رعايته واجبة وكان ممن وجبت لهم الزكاة، حيث حضَّ الإسلام على طعام اليتيم ورعايته، هذا ما نجده في سورة الماعون:
"أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)"
فاليتيم الذي لا مال له تكون رعايته واجباً على المسلم من ذوي القربة أو من غيرهم حتى أن النبي (ص) يذكر في الحديث مدى أهمية كفالة اليتيم فيقول:
"أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ, وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَلِيلاً"
كذلك نهى الإسلام عن إهانة اليتيم أو الإساءة إليه، ومنه ما جاء في صورة الضحى من القرآن الكريم:
"فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ"
كذلك في سورة الإنسان:
"وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا"
وفي سورة البقرة الآية 177 نجد إطعام اليتيم وإكرامه في منزلة الصلاة والزكاة بين سبل الجنَّة:
"لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ"
مشاهير كانوا أيتاماً
لم يكن اليتم عائقاً أمام الكثير من البشر لتحقيق أهدافهم، حيث يذكر التاريخ الكثير من الشخصيات الذين كانوا أيتاماً أبرزهم الرسول محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) الذي توفي والده قبل ولادته ثم ربته والدته حتى وفاته فتولاه جده ثم عمه أبو طالب، وسنجد في ميادين الفن والأدب أيضاً حضوراً كبيراً للأيتام.
الإمام الشافعي اليتيم الحكيم
هو الإمام والحكيم والشاعر محمد بن إدريس الشافعي، ولد في غزَّة عام 150هـ/767م وتوفي والده لمَّا كان طفلاً صغيراً، فانتقلت به أمُّه إلى مكَّة وهو ابن سنتين، حيث يُعرف الإمام الشافعي أنَّه رابع الأئمة الأربعة في مذاهب أهل السُّنَّة، كما يعرف بحكمته وسداد رأيه، فهو القائل:
" جوهر المرءِ في خلال ثلاث، كتمانُ الفقرِ حتى يظنَّ الناس من عفتكَ أنكَ غنيّ، وكتمان الغضب حتى يظنَّ الناس أنك راضٍ، وكتمان الشدة حتى يظنَّ الناس أنكَ متنعم".
جوزيف ستالين اليتيم القاسي
يعتبر ستالين واحداً من أكثر الشخصيات قسوةً في التاريخ، كما يعتبر المؤسس الثاني للاتحاد السوفيتي بعد وفاة لينين، ولد جوزيف فيساريونوفيتش جوغاشفيلي (Josef Vissarionovich Djugashvili) في الواحد والعشرين ديسمبر/ كانون الأول عام 1879 في قرية غوري من جورجيا في الإمبراطورية الروسية، أما اسم ستالين (Stalin) فقد اشتقه لنفسه من اللغة الروسية بمعنى الرجل الفولاذي (man of steel).
عاش ستالين طفولة فقيرة، كان الأب فيساريو (Vissarionovich) صانع أحذية سكير، أما والدة جوزيف إيكترينا (Ekaterina) عملت خادمة وغسالة، كان فيساريو قاسياً على جوزيف وأمه حيث عانيا من الضرب المبرح مرات عدة، حتَّى ذهب الأب إلى العاصمة الجورجية (Tbilisi) التي تبعد خمسين ميلاً عن بلدته، هناك كان يصنع الأحذية للجيش الروسي ونادراً ما كان يزور عائلته حتى هجرها بشكل نهائي، كما أن لستالين أخيَّن ماتا نتيجة المرض فتابع طفولته وحيداً، فيما قررت أمُّه أنَّ يكون راهباً باعتباره الناجي الوحيد من أبنائها، لكنه انضم إلى صفوف لينين وخلفه في حكم الاتحاد السوفيتي، حيث كانت الجيوش السوفيتية من أبرز المشاركين في إنهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 بانتصار الحلفاء على النازية.
تشارلي شابلن اليتيم الضحوك
ولد تشارلز سبنسر تشابلن (Charles Spencer Chaplin) في السادس عشر من أبريل/ نيسان عام 1889 في جنوب لندن, كان أبوه وأمه يعملان معاً كمغنين في صالة موسيقية شعبية لكنهما انفصلا قبل أن يبلغ تشارلي الثالثة من عمره، فعاش مع والده فترة من الزمن لكن الوالد كان سكيراً ومهملاً فانتقل تشارلي للعيش مع أمه وزوجها، ثمَّ توفي والده بتليف الكبد عندما بلغ الطفل الثانية عشرة من العمر، كما أصيبت أمه بأعراض الجنون نتيجة مرض الزهري فعاش تشارلي في دارٍ للأيتام، ثم انطلق إلى النجومية ليكون المؤسس الفعلي للكوميديا المصورة في العالم.
عبد الحليم حافظ العندليب اليتيم
ولد عبد الحليم علي شبانة في الحادي والعشرين من شهر حزيران/يونيو عام 1929، وتوفيت والدته بعد ولادته بفترة قصيرة كما توفي والده قبل أن يتم عامه الخامس، فقضى طفولته في دار للأيتام في حي الزقازيق المصري الشعبي، وجمعته صداقة الأيتام في الدار مع الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم الذي قضى فترة في الدار أيضاً بعد وفاة والده، ثم انطلق عبد الحليم إلى النجومية من أوسع أبوابها، وحافظ على تألقه حتى وفاته بمرض البلهارسيا في ربيع عام 1977.
لم تكن حقوق الأيتام مكفولة من وجهة نظر الإسلام وحده بل هي وجهة نظر كلِّ الشرائع من حيث الحفاظ على كرامة اليتيم وأداء حقوقه، إضافة إلى حفظ ماله ورعايته حتى يبلغ من القوة ما يستطيع به رعاية نفسه، كما أنَّنا أوردنا أمثلة متباينة عن الأيتام المشاهير لنبين أنَّ اليتم لا يقف في وجه أحد ليكون كما يريد، حكيماً أو قائداً، شاعراً أو مغنياً، أو حتَّى صانع للابتسامة رغم كل الألم الذي عاشه.