احتلال الهكسوس لمصر القديمة وعصر الاضمحلال الثاني

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الإثنين، 25 نوفمبر 2019
مقالات ذات صلة
عادات رمضان... بين الكلاسيكية القديمة والعصرية الحديثة!
عودة صيحات الموضة القديمة بلمسة عصرية
محمد رمضان يقاوم الإحتلال في موسى

مرَّت مصر بمرحلة قوة تبلورت خلالها المملكة المتحدة على مدى ألف عام بين عصر الملك مينا الأول مؤسس الأسرة المصرية الأولى حوالي سنة 3200 قبل الميلاد، والملك بيبي الثاني أبرز ملوك الأسرة المصرية السادسة الذي انتهى حكمه حوالي 2185 قبل الميلاد.

فدخلت البلاد في عصر اضمحلالها الأول الذي تميز بتفكك المركزية وبالثورة الاجتماعية الأولى وأحداثها الدموية، واستمر هذا الوضع على مدى حكم الأسرات من السابعة وحتَّى العاشرة (2181 وحتَّى 2040 قبل الميلاد تقريباً).

عادت مصر لقوتها ووحدتها خلال حكم الأسرات الحادية عشرة والثانية عشرة (2040 وحتَّى 1785 قبل الميلاد)، لكن ما لبثت مرحلة الرفاه هذه أن انتهت.

دخلت مصر مجدداً بفترة اضمحلال عرفت بالفترة الانتقالية الثانية (1785 وحتَّى 1576 قبل الميلاد تقريباً)، حكمت خلالها الأسرات المصرية الثالثة عشرة والرابعة عشرة والسابعة عشرة، والأسرات الآسيوية الخامسة عشرة والسادسة عشرة (الهكسوس Hykos)، هذه المرحلة هي موضوع هذه المادة.

بداية الفترة الانتقالية الثانية في مصر القديمة

كانت الملكة سبيكنفرو آخر ملوك الأسرة المصرية الثانية عشرة، ومعها انتهى عهد هذه الأسرة ليبدأ عصر الأسرة الثالثة عشرة وفترة الاضمحلال الثانية حوالي سنة 1785 قبل الميلاد، حيث ودعت مصر القديمة أيام الرخاء والاستقرار لتدخل في دوامة جديدة من الصراعات والانقسامات والضعف.

فعلياً تزامن حكم الأسرتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة، وكانت الأمور ما تزل مستقرة في بداية انتقال الحكم إلى الأسرة الثالثة عشرة التي حكمت من مدينة طيبة، إلى أنَّها ما لبثت أن عادت إلى ما كانت عليه في عصر الاضمحلال الأول من تفكك ونزاعات.

حيث بدأ حكام الأقاليم يحاولون الاستقلال بأنفسهم، وكان الصراع الأبرز بين الأسرتين المذكورتين حيث حكمت الأسرة الرابعة عشرة من مدينة سخا بالتزامن مع حكم الأسرة الطيبية، ويبدو أن العرش قد أصبح مطية يعتليه الأقوى والأدهى في هذه الفترة، كما يبدو أن الاغتيالات والمؤامرات كانت السمة الأساسية التي تحكمت بانتقال العرش من ملك إلى آخر.

إلّا أنَّ بعض الباحثين يشككون في هذه الرؤية ويعتقدون أن الفترة الانتقالية الثانية كانت أكثر هدوءاً من الأولى، لكن على العموم الثابت لدينا؛ أن النزاعات بين الحكام والأسر المتزامنة كانت سيدة الموقف، هذا ما أدى لسقوط مصر بيد الهكسوس.

من هم الهكسوس؟

تأتي تسمية الهكسوس أساساً من الكلمة المصرية "حقاو خاسوت" والتي تعني الملوك الأجانب أو ملوك البلاد الجبلية، حيث تم تناقل هذه التسمية وتحويرها حتَّى أصبحت تسميتهم "الهكسوس"، وهي التسمية التي أطلقها عليهم المؤرخ المصري مانيتون، وترجمها البعض على أنَّها تعني الملوك الرعاة.

الهكسوس فعلياً هم خليط من عدة شعوب وقبائل منها العنصر السامي، حيث دخل الهكسوس مصر من الشرق قادمين من فلسطين وسوريا، ولا يُعتقد أنَّهم جاؤوا إلى مصر غزاة في البداية أو أنَّه كان لهم جيش خاص، فهم بدؤوا بالاستقرار في مصر من عهد الأسرة الثانية عشرة، وربما كانوا قد فروا من بلادهم هرباً من القحط أو تحت ضغط الشعوب الهندو أوروبية، لكن الهكسوس استغلوا ضعف الدولة المصرية ليقوموا بالاستيلاء على عرش مصر، واتخذوا من مدينة أواريس عاصمة لهم.

فترة حكم الهكسوس

كان لدى الهكسوس تقنيات عسكرية خاصة بهم وأنواع خاصة من الأسلحة كالعربات والأقواس والسيوف العريضة، هذا ما ساعدهم بالسيطرة على الدلتا إلى جانب ضعف الحكام المصريين في ذلك الوقت، كما تنقسم فترة حكم الهكسوس إلى مرحلتين رئيسيتين، الأولى هي مرحلة الهكسوس الكبار، والثانية مرحلة الهكسوس الصغار والملوك الضعاف.

اتخذ الهكسوس مدينة أواريس (أفاريس) عاصمة لهم طيلة فترة حكمهم، والأرجح أنَّ موقعها هو تل الضبعة في صحراء الإسماعيلية حيث تم العثور على الكثير من آثارهم وأسلحتهم، كما اتخذوا من الإله ست إلهاً لهم.

نجح الهكسوس الكبار في السيطرة على الدلتا، وربما تركوا شمال غرب الدلتا تحت حكم الأسرة الرابعة عشرة المصرية، ثم توسعوا في مصر الوسطى حتَّى أسيوط، فيما حصل الصعيد ومدينة طيبة على نوع من الاستقلال الذاتي، وقد فقدت مصر سيطرتها على النوبة في هذه المرحلة واستعاد النوبيون استقلالهم، كما أسسوا مملكة كوش وكانت تجمعهم علاقة طيبة بالهكسوس.

حاول الهكسوس التطبيع مع المصريين من خلال تقليد ثقافتهم الملكية

أغلب الظن أنَّ الهكسوس كانوا قد عاملوا المصريين بطريقة سيئة في البداية، ودمروا بعض المعابد والمقابر وحاولوا أن ينشروا لغتهم ويغيروا من معالم مصر الثقافية، لكن من الواضح أن ما حصل كان عكس ذلك تماماً!.

من جهة اضطر الهكسوس للامتثال للتقاليد الملكية المصرية وأخذوا عن المصريين الألقاب الملكية وبدؤوا ينجرفون إلى الثقافة المصرية، ومن جهة ثانية كانت بدأت تنشأ حركة مصرية تطمح لاستعادة حكم مصر الموحدة، بذلك لم يستطع الهكسوس أن يندمجوا بالمصريين أو أنَّ يقنعوهم أنَّهم حكام شرعيون، ولم يستطيعوا أيضاً أن يقضوا على رغبة المصريين باستعادة حكم بلادهم، هذا ما أدى في نهاية المطاف إلى طرد الهكسوس من مصر.

بداية نهاية حكم الهكسوس

في ظل حكم الهكسوس نشأت في الجنوب الأسرة المصرية السابعة عشرة التي أنهت حكم الأسرة المصرية الثالثة عشرة في طيبة، وكانت هذه الأسرة تسيطر على مصر العليا حتَّى القوصية في مصر الوسطى.

في البداية كان حكام طيبة الجدد يقدمون بعض الضرائب للهكسوس حكام الدلتا، لكن ميول حكام طيبة لاستعادة حكم مصر بدأت تتوضح من خلال تجهيزاتهم العسكرية لمحاربة الهكسوس، وتبدأ هذه المرحلة مع الملك نب خبر رع أنيتوف الذي أصر على استعادة حكم مصر، فبدأت التعبئة لمواجهة الهكسوس عسكرياً وطردهم من مصر.

مرحلة النضال والتحرير ضد الهكسوس

من المرجح أن النضال ضد الهكسوس بدأ في عهد ملك طيبة سقنن رع تاعا الثاني، حيث ك��ن حاكم الهكسوس آنذاك الملك أبوبي أو أبوفيس، ويبدو أن هذا الأخير كان يحاول أن يقنع ملوك طيبة بالتوقف عن التدريب والتجهيز للحرب، لكنه لم يفلح فاندلعت الحرب بين الطرفين.

ومن المرجح أيضاً أن الملك سقنن رع قد لقي حتفه في هذه المعارك، فالمومياء المحفوظة في المتحف المصري والتي تعود لهذا الملك تظهر جروح قاتلة يرجح أنَّها ناتجة عن إحدى المعارك، وبعد مقتل الملك المناضل حمل ابنه كاموس أو كاموزا عنه لواء الكفاح المسلح في مواجهة الهكسوس.

خاض كاموس حربه ضد الهكسوس بجسارة وثَّقتها لوحات معبد الكرنك المحفوظة في المتحف المصري، كما استعاد السيطرة على أجزاء من النوبة شمالاً، وكان النوبيون قد أعلنوا ولاءهم لملك طيبة وشاركوه معاركه باتجاه الشمال، فيما تحالف أمير كوش مع الهكسوس، لكن كاموس تمكن من شن حملة مفاجأة باتجاه كوش لحرمان الهكسوس من الإمدادات التي كانت تصلهم عبر النيل، وتمكن بذلك من الاستيلاء على 300 سفينة محملة بالبضائع والهدايا.

انتصارات المصريين بمواجهة الهكسوس

كانت أولى المعارك المبشرة بالخير بالنسبة للجيش المصري معركة نفروسي (المنصورة)، حيث عاد كاموس إلى طيبة منتصراً وأمر بوضع النصب التذكارية بمعبد الكرنك، وما يبين لنا مدى أهمية هذا الحاكم هو الألقاب التي دعي بها والتي تذكرها الدكتورة زكية يوسف طبوزادة في كتابها (تاريخ مصر القديم من أفول الدولة الوسطى إلى نهاية الأسرات)، وهذه الألقاب تدل بشكل واضح على إنجازات كاموس:

  1. خع حر نست اف، الذي يشرق من فوق عرشه.
  2. نفر خاب تاوي، الذي انحنت له الأرضان.
  3. سجفا تاوي، الذي يطعم الأرضين.
  4. حم منو، مجدد التحصينات.
  5. حقا، الحاكم.
  6. حقا قن، الحاكم الشجاع.
  7. حقا عا، الحاكم العظيم.

يعتبر الملك أحمس الأول مؤسس الأسرة المصرية الثامنة عشرة ومحرر مصر من الهكسوس

لا نعرف تماماً مصير الملك كاموس، لكن الثابت أنَّه مات أو قتل قبل أن يتمكن من تحرير عاصمة الهكسوس أواريس، فأصبح التحرير مهمة أخيه الملك أحمس الأول الذي يعتبر محرر مصر من الهكسوس، ومؤسس الأسرة المصرية الثامنة عشرة التي افتتحت عصر الدولة المصرية الحديثة.

لا يوجد وثائق ملكية تحكي قصة انتصار الملك أحمس الأول على الهكسوس في النصف الأول من القرن السادس عشر قبل الميلاد، لكن ما وصل إلى يد الباحثين من نقوش مقابر قادة جيش أحمس كان كفيلاً أن يوضح ما حصل، وهما القائد البحري أحمس بن ابانا، والقائد البري أحمس بن تخيت.

الخلاصة أن جيش الملك أحمس الأول استطاع الوصول إلى عاصمة الهكسوس وطردهم منها بعد ثلاث حملات، ولم يكتفِ بذلك، بل طاردهم شرقاً حتَّى وصلوا إلى حصن شاروهين في فلسطين (في غزة)، وبقي هذا الحصن محاصراً ثلاثة أعوام إلى أن سقط في يد المصريين ولم يعد للهكسوس دور يذكر بعد ذلك.

إذاً استعادت مصر أخيراً استقلالها على يد حاكم طيبة الملك أحمس الاول، الذي يعتبر بطل التحرير في تاريخ مصر القديم، والملك المؤسس للأسرة الثامنة عشرة المصرية التي افتتحت عهد الدولة المصرية الحديثة، والذي أطلق عليها عصر المجد الحربي، وعصر مجد طيبة ذات المائة باب.