إفرازات الثدي خلال فترة الحمل
This browser does not support the video element.
يصنف الإنسان حسب تقسيم الأحياء ضمن الثدييات، وهي الكائنات التي تتكاثر بالولادة، وتعتمد على الإرضاع من أثدائها في تغذية صغارها خلال المراحل الأولى من حياتهم، إذ يعد إرضاع الأم لطفلها الوسيلة الوحيدة التي تؤمّن احتياجات الطفل من المواد الضرورية لنموه، وفي هذا المقال سنتعرف معاً على طبيعة إفرازات الثدي أثناء الحمل وموعد بدايتها وأسبابها ولكن قبل التطرق إلى هذه التفاصيل لا بد من معرفة مكونات الثدي أولاً.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
مكونات الثدي
الثدي هو عبارة عن غدة مزدوجة (ثدي في كل جهة)، تتوضع على الوجه الأمامي للصدر، ويختلف شكل الثدي وحجمه من امرأة لأخرى، كما أنه يتكون من نوعين أساسيين من الأنسجة، النسيج الأول هو نسيج غدي يُشكّل الغدد التي تفرز الحليب، والنسيج الثاني هو نسيج شحمي يعطي للثدي حجمه. [1]
والثدي الواحد يحتوي على غدد مفرزة للحليب، هذه الغدد تتوزع ضمن أقسام تسمى بالفصوص (بالإنجليزية: Lobes)، التي تكون مقسمة لأقسام أصغر يطلق عليها الفصيصات (بالإنجليزية: lobules) وتتوضع فيها الغدد المفرزة للحليب. [1]
بمعنى آخر؛ الغدد المفرزة للحليب تتوضع في الفصيصات التي تتجمع لتُشكّل قسماً أكبر يُسمى بالفص، واجتماع هذه الفصوص مع بعضها بعضاً يُشكّل الثدي، ويحتوي الثدي على ما يقرب من 15-20 فصاً. [1]
تفرز هذه الغدد الحليب، ويمر هذا الحليب في قنواتٍ خاصةٍ، تكون متصلةً مع بعضها بعضاً على شكل شبكة موجودة في الثدي يُطلق عليها القنوات الناقلة للحليب، وتلتقي هذه القنوات الناقلة القادمة من كل فص مع بعضها، لتُشكّل قنواتٍ أكبر تصب في النهاية بحلمة الثدي (بالإنجليزية: Nipple). [1]
وتتوضع الحلمة في ذروة الثدي، وتكون فيها ثقوب هي مكان انفتاح قنوات نقل الحليب، وحلمة الثدي تكون قابلة للتمدد، خصوصاً عند عملية الولادة، حيث تمتلئ بالحليب، وهذا التمدد يسمح للطفل بالوصول إلى الحلمة، وبالتالي الرضاعة منها، ويحيط بحلمة الثدي جلد غامق بشكل دائري يطلق عليه هالة الثدي (بالإنجليزية: Areola). [1]
أما بالنسبة للنسيج الشحمي فهو الذي يعطي للثدي حجمه، وتتباين كمية الشحم من أنثى لأخرى، وهو عبارة عن خلايا تحوي شحماً وتتوضع بين الفصوص لتعطي للثدي حجمه، وهنا تجدر الإشارة إلى أن حجم الثدي لا علاقة له أبداً بإفراز الحليب. [1]
بمعنى أوضح، الأساس في إفراز الحليب هو وجود الغدد المفرزة للحليب وعملها بشكل صحيح وكافٍ، في حين أن حجم الثدي لا علاقة له أبداً بهذه الغدد، فقد يكون الثدي بحجم كبير، ولكنه لا ينتج حليباً بكمية كافية، وفي المقابل يمكن أن يكون الثدي أصغر حجماً لكنه قادر على إفراز الحليب بصورة جيدة. [1]
ويتثبت الثدي على الصدر عبر أربطة قوية تدعمه وتعطيه شكله الذي يختلف من أنثى لأخرى، حيث يكون كروياً أو مخروطياً أو غير ذلك، كما يحتوي الثدي على أوعية دموية وأعصاب خاصة به تُؤمّن له التغذية والإحساس. [1]
تغيرات الثدي في الحمل
يحدث أثناء الحمل ارتفاع ملحوظ وكبير للهرمونات الجنسية الأنثوية (الإستروجين والبروجستيرون) في جسم المرأة، هذا الارتفاع مهمته إحداث بعض التغيرات في جسم المرأة الحامل، وهذه التغيرات هدفها الأساسي؛ تهيئة جسم المرأة للحمل، ونمو الجنين في الرحم، وتسهيل عملية الولادة، وإرضاع الطفل بعد ولادته. [2]
نذكر على سبيل المثال بعضاً من هذه التغيرات، كزيادة الوزن وتغيرات في حاستي الشم والذوق، إذ تبدأ الحامل بتفضيل روائح وأطعمة معينة، وغيرها من التغيرات في الجسم. [2]
ومن أهم هذه التغيرات أيضاً التبدلات تلك التي تطرأ على الثدي، إذ يحدث ارتفاع نسب الهرمونات الأنثوية تأثيراً كبيراً على الثدي، وبالتالي تحدث التغيرات التي تهيئ الثدي لعملية إرضاع المولود، ومن أبرز تغيرات الثدي في الحمل ما يأتي: [3]
زيادة حجم الثدي
يبدأ حجم الثدي بالازدياد خلال الحمل، والسبب في هذه الزيادة هي عملية نمو الغدد المنتجة للحليب في الثدي، حيث يكبر حجمها وتتهيأ لعملية إنتاج وإفراز الحليب بعد الولادة.
حساسية الثدي العالية
ارتفاع الهرمونات خلال الحمل، يجعل الثدي يتلقى كميات أكبر من الدم عبر الأوعية الدموية، ويؤدي إلى نمو الغدد المنتجة للحليب، وأيضاً نمو وتطور القنوات الناقلة للحليب، وهذه التغيرات كلها تجعل الثدي أكثر حساسية للمس.
كما أنها قد تجعل الثدي محمراً ومتورماً مما يسبب بعض الإزعاج أحياناً، وهذه الحساسية العالية تخف تدريجياً مع التقدم في الحمل، ويعود الوضع إلى طبيعته عندما تنتهي تبدلات الثدي واستعداده للحمل.
حكة الثدي وتشققات الثدي
هذه الحكة سببها تمدد الجلد نتيجة زيادة حجم الثدي، ففي حال حدثت هذه الزيادة بشكل سريع، من الممكن أن تسبب تمدداً سريعاً للجلد، والتمدد السريع يسبب ظهور التشققات في الجلد المحيط بالثدي، كما أن هذه التشققات تبدو على هيئة خطوط ذات لون أبيض وجلد رقيق، وهي أمر طبيعي غير مقلق.
خروج اللبأ
يعد اللبأ (بالإنجليزية: Colostrum) سائلاً خفيفاً يخرج بشكل عفوي من الحلمات، ويكون أصفر اللون في البداية ومن ثم يصبح شفافاً، ويخرج اللبأ بشكل أساسي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل، إذ تلاحظ الحامل وجود بعض الإفرازت على حمالة الصدر، ويعد ذلك أمراً طبيعياً، كما أن اللبأ مهم جداً للمولود وهو أول شيء يتناوله بعد الولادة. [4]
ويعتبر اللبأ غنياً بالبروتينات والأجسام المضادة (مركبات خاصة تحمي الجسم من العدوى البكتيرية والفيروسية)، وبذلك فهو يقدم للطفل الحماية عندما يتناوله، وتجدر الإشارة إلى أن خروج اللبأ يمكن أن تلاحظه بعض النساء، وقد لا يلاحظ إطلاقاً. [4]
حلمة الثدي وهالة الثدي
حلمة الثدي تصبح أكبر وأكثر وضوحاً، لتصبح بذلك جاهزة ليتمكن الطفل من الرضاعة، أما هالة الثدي فهي كما قلنا الجلد الغامق المحيط بالحلمة، والتي تصبح أغمق وتظهر عليها حويصلات دائرية بارزة باللون نفسه، لم تكن واضحة قبلًا، تسمى بخلايا مونتجومري (بالإنجليزية: Montgomery’s tubercles). [4]
ومهمة خلايا مونتجومري هي إفراز مادة زيتية القوام (تشبه الزيت)، بهدف ترطيب حلمة الثدي وتنظيفها وحمايتها من الخدوش والجروح والتشققات الناجمة عن رضاعة المولود. [4]
أسباب إفرازات الثدي
كما ذكرنا تعتبر الإفرازات غير المتوقعة من الثدي من الأمور التي قد تسبب رعباً وقلقاً للمرأة الحامل، وبشكل أكثر لدى المرأة غير الحامل، فالأمر الطبيعي المعتاد والسائد هو أن الثدي لا يفرز إلا الحليب في سياق الإرضاع، لذلك يعد أي إفراز من الحلمات في غير هذا الوقت أمراً مثيراً للشك عند النساء. [5]
لكن في الحقيقة هناك حالات تسبب نزول إفراز من الثدي بشكل طبيعي، دون أن يدل ذلك على أي مرض أو اضطراب على مستوى الثدي، وفي المقابل هناك حالات مرضية عديدة تسبب خروج مفرزات من الثدي يجب تشخيصها وعلاجها طبياً، لكن كيف يمكن أن نميز بين الإفراز الطبيعي وغير الطبيعي من الثدي؟ [5]
يكون الإفراز طبيعياً عادةً عندما يحدث من الحلمتين معاً، نتيجة الضغط على الثديين أو عصر الحلمتين، ويظهر عندما تتفقد بعض النساء أثداءهن وتعصرها فتخرج مفرزات منها، في حين يكون الإفراز غير طبيعي إذا ما حدث من حلمة ثدي واحدة فقط، وكان إفرازاً مفاجئاً دون أي تحريض أو لمس. [6]
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإفراز الدموي من الحلمة غير طبيعي حتماً، ويجب التحري عن سببه، وأن لون المفرزات سواء كان أبيض أم أصفر أم غير ذلك لا يعد خاصًا بمرضٍ معينٍ. [6]
أسباب إفرازات الثدي الطبيعية
قلنا إن الإفراز الطبيعي قد يحدث لعدة أسباب، ويخرج من الحلمتين معاً، وسنعرض لكِ فيما يأتي أهم أسباب الإفراز الطبيعي من حلمتي الثدي: [7]
- فترة الحمل
خلال فترة الحمل، ترتفع نسب الهرمونات الجنسية الأنثوية عند الحامل، ما يسبب تغيرات على مستوى الثدي، إذ يصبح الثدي أكبر حجماً وتنمو الغدد المفرزة للحليب، وقد تسبب إفرازاً طبيعياً لسائل شفاف يسمى اللبأ.
- إيقاف الإرضاع
أو ما يعرف بفطام الطفل عن الثدي، أي إيقاف إرضاعه من حليب الأم، والبدء بتغذيته بالطعام العادي، حتى بعد إيقاف الإرضاع نهائياً من الممكن أن يستمر الثدي بالإفراز بشكل ذاتي وطبيعي لفترة معينة.
- تحريض الثدي
من الممكن أن يسبب تحريض الثدي (بالإنجليزية: Stimulating) وحلمته إفرازاً منه، إذ إن تدليك الثدي وعصره المتكرر يمكن أن يسبب خروج مفرزات، بالإضافة إلى موضوع الاحتكاك المتكرر للحلمة بحمالة الصدر، كذلك خلال الجهد مثلاً كالجري، يمكن أن يحرض الثدي ويسبب إفرازاً طبيعياً منه.
أسباب إفرازات الثدي غير الطبيعية
الإفراز غير الطبيعي قلنا أنه غالبًا يحدث بشكل عفوي مفاجئ، بدون تنبه أو تحريض وبجهة واحدة غالبًا، يسبب حدوث هذا الإفراز غير الطبيعي اضطرابات وأمراض كثيرة، سنستعرض أهمها فيما يأتي: [8]
- الحليموم داخل القنوي
يعتبر الحليموم داخل القنوي (بالإنجليزية: Intraductal papilloma) ورماً حميداً وليس سرطاناً، ويظهر ضمن القنوات الناقلة للحليب، لذلك سُمي داخل القنوي.
وتنمو خلاله كتلة ضمن إحدى القنوات الناقلة للحليب، هذه الكتلة تكون مكونة من نسيج غدي وألياف وتحوي أوعية دموية، وتتسبب في خروج مفرزات دموية واضحة من حلمة الثدي المصاب، وأحياناً تسبب بعض الألم في الثدي، ومن الممكن أن يتم جس هذا الحليموم بوضوح ككتلة قريبة تحت حلمة الثدي.
- العدوى البكتيرية
يصاب الثدي بالعدوى البكتيرية (بالإنجليزية: Infection)، حيث تدخل البكتيريا إلى الثدي والقنوات الناقلة للحليب قادمة غالباً من الحلمة، وتسبب ألماً واحمراراً في الثدي، وارتفاع حرارة موضعي في الثدي، كما قد تسبب ظهور كتلة قاسية في الثدي، وخروج مفرزات من الحلمة، وتكون في ثدي واحد غالباً.
يصيب التهاب الثدي النساء المرضعات وغير المرضعات، حيث تكون أكثر انتشاراً عند النساء المرضعات خاصة في الأشهر الثلاثة الأولى بعد الولادة، والسبب في هذا أن المولود قد يسبب خدشاً أو جرحاً في الثدي والحلمة أثناء رضاعته، هذا الجرح يشكل مكاناً لدخول البكتيريا إلى الثدي وإحداث الالتهاب، ويُعرف هذا الالتهاب طبياً بمصطلح (Mastitis).
عند الشعور بهذا الألم الحارق والاحمرار لا بد من مراجعة الطبيب لأن هذه العدوى يمكن أن تتطور وتسبب خراجاً في الثدي (بالإنجليزية: breast abscess) سنتحدث عنه بعد قليل.
- التغيرات الليفية الكيسية في الثدي
تعد التغيرات الليفية الكيسية في الثدي (بالإنجليزية: Fibrocystic breast changes) حالة مجهولة السبب، فقد يكون للعوامل الوراثية دور في ظهورها، ويعتقد أن اضطرابات الهرمونات عند الأنثى محرض لحدوثها، إذ تظهر في هذه الحالة عقد وكيسات في الثدي، هذه العقد مكونة من جدار ليفي وتحوي داخلها سائلاً.
تختلف أحجام هذه العقد حسب كل حالة، يمكن ألا تسبب أي عرض للأنثى المصابة، ويمكن أن تسبب ألماً وحكةً وإزعاجاً للمرأة، وتظهر كتل مختلفة الحجم في الثدي يتغير حجمها خلال الدورة الشهرية للمرأة، حيث تكبر وتصغر، ويمكن أن تسبب خروج مفرزات غير طبيعية من الحلمة بشكل عفوي. هذه الحالة حالة مرضية قابلة للعلاج، أي لا داعي للقلق، وهي لا تزيد خطورة حدوث سرطان الثدي.
- توسع القنوات الثديية
يعتبر توسع القنوات الثديية (بالإنجليزية: Mammary duct ectasia) حالة طبيعية تحدث عند النساء اللواتي وصلن إلى سن اليأس، أي حالة انقطاع الدورة الطمثية التام التي تحدث عادة بين سن 40-50 عاماً، إذ تنقص خلاله مستويات الهرمونات الجنسية الأنثوية (هرمون الإستروجين وهرمون البروجستيرون).
وقد تؤدي إلى اضطراب وتغيرات تشمل الجسم كله، مثل: اضطراب الدورة الشهرية، والنزف غير المنتظم فيها، وتغير الحالة النفسية للمرأة، وتحدث تغيرات على مستوى الثدي أيضاً.
وتشمل التغيرات على مستوى الثدي، ضمور القنوات الناقلة للحليب وقصرها، وذلك نتيجة للتغيرات الهرمونية، وقد تظهر هذه الحالة عند بعض النساء بخروج مفرزات من حلمة الثدي وقد تكون لا عرضية، لذلك سُميت بتوسع القنوات الثديية.
- الورم المفرز للبرولاكتين
يعتبر الورم المفرز للبرولاكتين أو ما يُعرف بالبرولاكتينوما (بالإنجليزية: Prolactinoma) عبارة عن تكاثر ورمي للخلايا المنتجة لهرمون البرولاكتين الموجودة في الغدة النخامية (بالإنجليزية: pituitary gland) التي تتوضع في الرأس، هذا التكاثر يجعل الخلايا تنتج كميات أكبر من هرمون البرولاكتين، الذي له وظائف عدة وأهمها تحريض إنتاج الحليب من الغدد المنتجة للحليب في الثدي.
زيادة إنتاج هرمون البرولاكتين وارتفاع تركيزه في الدم نتيجة هذا الورم يسبب أعراضاً عدةً، كحدوث اضطرابات في الدورة الشهرية وزيادة نمو الشعر، وأبرز الأعراض إنتاج الحليب من الثدي (بالإنجليزية: agalactorrhea) في وقت غير طبيعي أي دون وجود حمل، نتيجة لتأثر الغدد المنتجة للحليب بالتركيز العالي للبرولاكتين، فتبدأ بإنتاج الحليب وإفرازه من حلمة الثدي.
وبالإضافة لأعراض ارتفاع نسبة البرولاكتين، هذا الورم (البرولاكتينوما) قد يصل لحجم كبير ويسبب ضغطاً على الدماغ ويحدث أعراضاً عصبية، وهو قابل للمعالجة إما دوائياً أو جراحياً.
- السرطانة القنوية الموضعة
في حالة السرطانة القنوية الموضعة (بالإنجليزية: Ductal Carcinoma in situ) تظهر خلايا سرطانية شاذة في إحدى القنوات الناقلة للحليب في الثدي، وتتكاثر هذه الخلايا في مكانها وتسبب حدوث كتلة سرطانية صغيرة، قد تبدو بشكل كتلة في الثدي أو تغير في جلد الثدي، وتسبب أعراضاً أهمها حدوث إفراز دموي من حلمة الثدي.
والمميز في هذه السرطانة أنها لا تغزو النسيج المجاور، أي لا تمتد أو تخرب خارج القناة التي تظهر بها، وهي قابلة للعلاج والشفاء التام في حال تم تشخيصها بشكل باكر.
- خراجات الثدي
تظهر خراجات الثدي (بالإنجليزية: Breast abscess) غالباً تحت جلد الثدي على شكل كتلة، وتكون محمرة ومتورمة ومؤلمة، والسبب الأساسي في ظهورها إصابة الثدي بعدوى (mastitis) التي تحدثنا عنها قبل قليل.
ويمكن أن تتطور العدوى نتيجة إهمالها، فيحدث تجمع للبكتيريا التي تنتج القيح وتسبب الالتهاب، ما يؤدي لظهور هذه الخراجة، ومن أعراضها حدوث الإفراز غير الطبيعي من الحلمة (سنتحدث عنه بالتفصيل بعد قليل).
طرق تشخيص الإفراز غير الطبيعي من الثدي
كما لاحظنا فإن أسباب الإفراز من الحلمة متعددة وكثيرة، لهذا يتطلب الوصول لتشخيص السبب عدة فحوصات يجريها الطبيب ويعمل على تقييم النتائج للوصول للمسبب لهذا الإفراز غير الطبيعي من الحلمة، وأهم هذه الإجراءات ما يأتي: [9]
- القصة المرضية
يسأل الطبيب عن المفرزات وطبيعتها، متى بدأ الإفراز؟ هل هو من ثدي واحد أو من اثنين؟ هل حدث الإفراز بشكل تلقائي وعفوي أم بعد ضغط على الثدي؟ هل يوجد كتلة أو عقدة قاسية ظهرت حديثًا في الثدي؟ هل يوجد شعور بالحكة والألم في الثدي؟
وبشكل عام كما قلنا إن الإفراز من الثديين معاً والمحرض بالضغط على الثدي هو إفراز غالباً طبيعي المنشأ وغيره يكون مرضياً.
- الفحص السريري
يجري الطبيب كشفاً على الثديين ويعاينهما، فيلاحظ التناظر وشكل الحلمات، وقد يوجد تبدل في جلد أحد الثديين أو تسمك أو كتلة بارزة، أو منطقة محمرة في الثدي.
- الماموغرام
الماموغرام (بالإنجليزية: Mammogram) أو ما يُعرف بصورة الثدي الإشعاعية، وهي عبارة عن صورة شعاعية للثدي، يتم أخذها عبر جهاز خاص، وتظهر فيه بنية الثدي من الداخل، وهل هناك أمور شاذة في الثدي، كتل أو عقد غير طبيعية في القنوات الناقلة للحليب مثلاً، وهو يعد من أكثر الفحوص المستخدمة لتقييم الثدي شيوعاً.
- الفحص الصدوي للثدي
الفحص الصدوي للثدي (بالإنجليزية: Breast Ultrasound) المعروف عالمياً بإيكو الثدي، والإيكو هو عبارة عن جهاز خاص يرسل موجات صوتية بسرعة عالية، ومن ثم يلتقط ارتداد هذه الموجات عن مكونات الأعضاء، أي هو يطلق موجة صوت تصطدم بمكونات العضو وتعود بصدىً يلتقطه هذا الجهاز، لذلك سُمي بالفحص الصدوي، ومن ثم يعرض النتيجة على شاشة الإيكو.
يستخدم هذا الفحص بشكل أساسي في حال وجود كتلة في الثدي، إذ يسمح لنا بمعرفة محتوى هذه الكتلة، هل هي مملوءة بسائل (خراج) أم كتلة صلبة (ورم).
- فحوص دموية ومخبرية
يتم في الفحوص الدموية والمخبرية (بالإنجليزية: Blood Tests) فحص عينة من الدم في المختبر، ويمكن أن تظهر النتائج وجود التهاب في الجسم، هذا الالتهاب قد يكون موضعاً في الثدي ومسبباً للإفرازات.
ومن الإجراءات الأخرى التي تتم في المخبر فحص السائل المفرز من الحلمة، إذ يمكن أن توجد فيه بكتيريا تبين وجود التهاب في الثدي يسبب هذا الإفراز.
علاج المفرزات غير الطبيعية
بعد التنسيق مع الطبيب وإجراء كل الفحوصات المطلوبة يقوم الطبيب بتشخيص المرض المسبب للإفراز غير الطبيعي، هذا التشخيص مهم ويجب أن يكون دقيقًا لأن العلاج سوف يختلف حسب الحالة المسببة للإفراز، حيث أن العامل المسبب هو المحدد لنوع العلاج.
بعض الحالات قد تعالج فقط بالأدوية حيث يصف الطبيب المضادات الحيوية (بالإنجليزية: antibiotics) وهي مواد قاتلة للبكتيريا في حالة الإفراز الناجم عن التهاب الثدي، وحالات أخرى قد تحتاج لعلاج جراحي كالحليموم داخل القنوي حيث لا تفيد هنا الأدوية، العلاج يكون بجراحة على الثدي لاستئصال الحليموم.
وبعض الحالات لا تكون المشكلة بالثدي أساسًا بل يكون العلاج موجهًا لاضطراب في مكان آخر مسبب للإفراز كما هو الحال في البرولاكتينوما، حيث تعالج المستويات المرتفعة للبرولاكتين في الدم بالأدوية أو بالجراحة لاستئصال هذا الورم المفرز للبرولاكتين من الغدة النخامية. [10]
خراجة الثدي وعلاقتها بالحمل والمفرزات
خراجة الثدي (بالإنجليزية: breast abscess) هي حالة يحدث فيها ظهور لكتلة تحت جلد الثدي، تكون مؤلمة ومحمرة، يكون ظهور هذه الكتلة تالياً لإصابة الثدي بالالتهاب أو ما يعرف بالـ(mastitis) الذي تكلمنا عنه من قبل في أسباب حدوث الإفرازات.
سبب تطور العدوى والتهاب الخراج
ذكرنا أن البكتيريا تدخل للثدي عبر وجود جرح أو خدش وتتكاثر في نسيج الثدي، سواء تحت الجلد أو في القنوات الناقلة للحليب، في حال أهمل الالتهاب ولم يعالج يصبح لدينا تجمع كبير من البكتيريا في منطقة الالتهاب، وبالطبع الجسم لا يقف دون أن يدافع عن نفسه، فيرسل خلايا مناعية للدفاع عنه وقتل البكتيريا، هذه الخلايا هي كريات الدم البيضاء.
أي ما معناه تحدث مواجهة بين الكريات البيض والبكتيريا بهدف القضاء عليها، وتكون النتيجة تخريباً للبكتيريا وللكريات البيض معًا، هذا التخرب والمواجهة ينتج عنها القيح.
ويتجمع هذا القيح ويتراكم نتيجة عملية الدفاع المستمرة، فتصبح كميته كبيرة ويتجمع في بنية كيسية بارزة وظاهرة تحت الجلد في الثدي مشكلاً الخراج، طبعاً قد يظهر نتيجة هذه العملية خراج وحيد وقد تكون خراجات متعددة في الثدي. [11]
تشخيص وعلاج خراج الثدي
تشمل أعراض خراج الثدي ما يأتي: [12]
- كتلة في الثدي: كتلة حمراء مؤلمة ومتورمة، تحدث نتيجة الالتهاب وتجمع القيح.
- الحمى: تعني ارتفاع حرارة الجسم بشكل عام نتيجة تأثره بالالتهاب الجرثومي الحاصل في الثدي.
- المفرزات من حلمة الثدي: يحدث إفراز من حلمة الثدي في سياق الخراج لسببين، الأول هو أن البكتيريا وصلت للقنوات الناقلة للحليب وتكاثرت بها، وهنا الكريات البيض تهاجمها في القنوات، بالتالي كما قلنا ينتج القيح الذي لا يجد طريقاً للخروج إلا عبر حلمة الثدي، والثاني هو أن كيس الخراج المتشكل قد يصبح مملوءاً بشدة بالقيح، وهذا يمكن أن يجعله ينفجر وينفتح على إحدى القنوات المفرغة للحليب، بالتالي يخرج القيح من الحلمة بشكل إفراز غير طبيعي.
تشخيص الخراجة
يقوم الطبيب بنفس الإجراءات التي تكلمنا عنها قبل قليل في تشخيص المفرزات غير الطبيعية ويضع التشخيص بوجود خراج في الثدي. [9]
علاج خراجة الثدي
العلاج يقوم بشكل أساسي أولًا على وصف الطبيب للمضادات الحيوية، هذه المضادات تقوم بمساعدة الجسم على القضاء على هذا الإنتان البكتيري تماماً، وبالتالي منع تطور خراجات أخرى وإيقاف العدوى.
أما بالنسبة للخراجات الموجودة أساسًا، فبالإضافة لتناول الصادات يقوم الطبيب بعملية تدعى تجفيف الخراج، أي سحب المفرزات القيحية الموجودة فيه، وغالبًا تتم هذه العملية عن طريق سحب القيح بواسطة الإبرة مع التخدير الموضعي في منطقة الخراج من قبل الطبيب، هذه العملية بسيطة وغير مؤلمة بالعكس هي مريحة جدًا للمريضة. [13]
علاقة خراجات الثدي بالحمل والإرضاع
يصيب الالتهاب والخراج النساء سواء كنّ حوامل أو مرضعات أو لم يكنّ، لكن الرابط الأساسي مع الحمل والإرضاع هي ارتفاع نسبة حدوث الالتهاب والخراجات عند الحوامل والمرضعات، والسبب في ذلك أولًا التغيرات التي تطرأ على الثدي خلال الحمل والتي تكلمنا عنها سابقًا، حيث تنمو الغدد المنتجة والقنوات الناقلة للحليب.
وهذا ما يجعلها أكثر عرضة للإصابة بالالتهاب البكتيري، ثانيًا أن إنتاج الحليب وإرضاع المولود، يجعل الثدي معرضًا للخدش والجرح من قبل الرضيع وبالتالي معرضًا لانتقال الجراثيم ودخولها إلى الثدي، وحدوث العدوى وتطور الخراج. [14]
وبعد أن تعرفتِ معنا على إفرازات الثدي خلال فترة الحمل، لا بد من التأكيد على ضرورة الفحص الذاتي للثدي من قبل الأنثى، وملاحظة أي تغيرات تطرأ عليه شكلًا أو حجماً أو خروج مفرزات منه، إذ إنه كلما تم ملاحظة المشكلة باكراً كان علاجها أنجح وأعراضها أخف.