أسباب وعلاج بطانة الرحم المهاجرة
يعلم الجميع أن الرحم لدى المرأة هو العضو الأساسي والأهم في عملية الحمل وعملية الولادة، فهو يحمل الجنين من مرحلة البيضة الملقحة حين يكون أصغر من أن يُرى بالعين المجردة، وصولاً إلى مرحلة المخاض والولادة حين يكون طفلاً مكتمل النمو وقادراً على الحياة بشكل مستقل، تتم وظائف الرحم بالاعتماد على النسيج المخاطي المبطن للرحم، والذي تزداد سماكته وتتناقص في كل دورة شهرية بتأثير الهرمونات المختلفة التي يفرزها جسم الأنثى حتى تنسلخ الطبقات السطحية منه وتخرج مع دم الطمث، لكن ماذا يحدث في حال انتقال هذا النسيج المبطن للرحم إلى مناطق أخرى من الجسم وتصرفه بالطريقة نفسها؟
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ما هو داء بطانة الرحم المهاجرة
يطلق على بطانة الرحم المهاجرة أسماء عديدة، مثل: [1]
- انتباذ بطانة الرحم.
- بطانة الرحم الهاجرة.
- الداء البطاني الرحمي (بالإنجليزية: Endometriosis).
وهو مرض شائع إلى حد ما، تتم فيه مشاهدة نسيج يتصرف بشكل مشابه للبطانة الرحمية بالرغم من وجوده في مكان آخر من الجسم.
يمكن أن يظهر هذا النسيج في العديد من الأماكن، مثل: المبيضين، قناتي فالوب (القناتين اللتين تصلان المبيضين بجوف الرحم)، ضمن جوف البطن أو الحوض، حول أو داخل الأمعاء أو المثانة.
يصيب انتباذ بطانة الرحم النساء في مختلف الفئات العمرية، لكنه يظهر غالباً لدى الفتيات والنساء في سن النشاط التناسلي، ويندر أن يحدث بعد سن اليأس، وهو حالة مزمنة قد تؤثر على نمط حياة الأنثى بشكل كبير إذا لم يتم علاجها بفاعلية. [1]
أعراض بطانة الرحم المهاجرة
تختلف الأعراض بين امرأة وأخرى بشكل كبير، منهن من لا تلاحظ المرض حتى يُكتشف بالمصادفة، بينما تعاني أخريات من أعراض قاسية وشديدة، وهذه الأعراض قد تتضمن ما يأتي: [1]
- الألم أثناء الطمث: هذا الألم لا يستجيب أحياناً للأدوية المسكنة الشائعة.
- دورات طمثية غزيرة: أي دم الطمث يكون كثيراً، وتستمر الدورة الشهرية لوقت أطول، هذا قد يسبب إحراجاً إذا كان الطمث غزيراً بشكل كافٍ ليلوث ملابس المرأة قبل أن تلاحظه مثلاً.
- الألم الحوضي: قد يحدث هذا الألم في فترة الدورة الطمثية فقط أو طوال الوقت.
- عسرة الجماع: أي الألم خلال ممارسة الجنس وبعد الانتهاء منه.
- عسرة التبول والتغوط: بحسب موقع النسيج البطاني الرحمي المنتبذ.
- نزف شرجي: قد يكون مستمراً طوال الوقت أو يظهر على شكل براز مختلط بالدم.
- الشعور بالتعب والإرهاق طوال الوقت.
قد تكون هذه الأعراض شديدة بالنسبة إلى بعض النساء بشكل يعيقهن عن ممارسة حياتهن بصورة طبيعية، مما يسبب قلقاً مستمراً وقد يقود إلى الإصابة بمرض الاكتئاب. [1]
علاج مرض بطانة الرحم المهاجرة
لا يوجد علاج واحد يقضي على الداء البطاني الرحمي، إلا أن عدداً من الإجراءات العلاجية تفيد في تخفيف الأعراض، ومنها ما يأتي: [3]
- المسكنات الشائعة المضادة للالتهاب: مثل الإيبوبروفين (بالإنجليزية: Ibuprofen).
- العلاج الهرموني ومانعات الحمل: تشمل هذه الأدوية حبوب منع الحمل المركبة، لصاقات موانع الحمل أو حتى أنظمة دوائية تعتمد على إيصال الدواء مباشرة إلى الرحم.
- العمليات الجراحية المحدودة: يتم في هذه العمليات استئصال النسيج الرحمي المهاجر إن أمكن.
- العمليات الجراحية الواسعة: تُجرى في حال كان النسيج المهاجر كبيراً، ويتم فيها استئصال العضو المصاب بالكامل، مثل: استئصال المبيض وقناة فالوب، أو استئصال الرحم.
- الحمامات الدافئة: ليست علاجاً جذرياً بكل تأكيد، إلا أن الحرارة تفيد في إرخاء عضلات الحوض، وتخفف من التشنج والألم.
- الرياضة: يبدو أن ممارسة التمارين الرياضية غير المجهدة بشكل منتظم تخفف من شدة الأعراض في بعض الحالات.
يمكنك الحديث إلى طبيبكِ بخصوص وضع خطة علاجية بحسب الأعراض وتفاصيل الحالة، كما قد يصف الطبيب علاجات تجريبية لمدة مؤقتة حتى يعرف مدة استجابتكِ لكل منها.
مضاعفات بطانة الرحم المهاجرة
يخلف الداء البطاني الرحمي عدداً من المضاعفات على المدى البعيد، منها ما يأتي: [2]
مشاكل نقص الخصوبة
يمكن أن يؤدي انتباذ بطانة الرحم إلى إلحاق ضرر بقناتي فالوب أو المبيضين، مما يؤثر على وظيفتهما في تحرير البويضات ونقلها حتى تلتقي بالحيوان المنوي، ولكن مع ذلك يقدر أن نحو 70% من النساء اللواتي يعانين من الداء البطاني الرحمي في حالاته الخفيفة والمتوسطة سينجحن في الوصول إلى حمل دون استخدام أي علاج.
لا يفيد العلاج الدوائي في تحسين مستوى الخصوبة، لكن العمليات الجراحية التي تستهدف قطع النسيج البطاني الهاجر قد تكون مفيدة، على كل حال لا يوجد ضمان بعودة الخصوبة بعد نجاح العملية.
الالتصاقات والكيسات المبيضية
قد تحدث التصاقات (بالإنجليزية: Adhesions) بين أعضاء البطن بسبب النسيج البطاني الرحمي الهاجر الذي يعمل كالصمغ، أو إذا حدث الانتباذ في المبيض يمكن أن يتسبب بتشكل كيسات المبايض، وهذه الكيسات قد تكبر وتصبح مؤلمة، تحتاج هذه الحالات إلى العلاج بإجراء عمليات جراحية، ويمكن أن تنكس حتى بعد الجراحة الناجحة.
مضاعفات متعلقة بالمثانة والأمعاء
قد يكون من الصعب علاج انتباذ بطانة الرحم إذا انتقل النسيج المبطن للرحم إلى المثانة أو الأمعاء، وفي حالات كثيرة يحتاج الأمر إلى إجراء عمل جراحي.
قد يتضمن إجراء عمل جراحي على المثانة استئصال قطعة من جدار المثانة، ثم تركيب قسطرة بولية لمساعدة المريضة على التبول، ويمكن أن يتم إخراج البول إلى كيس جمع البول ضمن أنبوب يمر عبر جلد البطن، وتسمى هذه العملية فغر المثانة وهي عادة إجراء مؤقت.
في حال وجود المرض في القولون والأمعاء، قد يتم إجراء فغر قولون مؤقت، في هذه الحالة يتم إخراج محتويات القولون عبر فتحة في جدار البطن وجمعها في كيس بدل أن تخرج بشكل طبيعي عبر الشرج.
مضاعفات جراحة استئصال النسيج المهاجر
ينتج عن عمليات استئصال النسيج البطاني الرحمي الهاجر عدد من المضاعفات، وهي عادة بسيطة ولا تحمل خطورة على حياة المرأة، مثل: [2]
- إنتان الجرح: في حال عدم اتباع إجراءات التعقيم بشكل صحيح أثناء إجراء العملية.
- نزف بسيط: يتوقف بعد فترة، ولا يشكل خطراً.
- حدوث كدمة في مكان جرح العملية: تشفى هذه الكدمة بالتدريج أيضاً.
ولكن المضاعفات قد تكون خطيرة في حالات نادرة، مثل: [2]
- أذية أحد الأعضاء: مثل إحداث ثقب ضمن الرحم أو المثانة أو الأمعاء.
- النزف الداخلي الشديد: إلى داخل جوف البطن غالباً.
- التخثر الدموي: قد يحدث هذا ضمن الأوعية الدموية الوريدية في القدمين، أو في الرئتين (ويدعى بالصمة الرئوية Pulmonary Embolism)، وقد يكون مهدداً للحياة في حال لم يتم إسعاف المريضة بسرعة.
كما يزداد احتمال حدوث سرطان المبيض وسرطان باطن الرحم بشكل طفيف في الداء البطاني الرحمي، إلا أن العلاقة بينهما وبين انتباذ بطانة الرحم ليست مفهومة تماماً.
أسباب الإصابة ببطانة الرحم المهاجرة
يبدو أن السبب الرئيسي لهذا الداء ليس معروفاً تماماً، ولكن عدداً من التفسيرات طرحت لمعرفة الأسباب، منها: [3]
- الطمث الراجع (Retrograde Menstruation): في هذه الحالة ينتقل دم الدورة الشهرية الذي يجب أن يخرج عبر المهبل بالاتجاه المعاكس، ويمر عبر قناتي فالوب إلى جوف الحوض حيث تعلق بعض خلايا بطانة الرحم على قناتي فالوب أو على المبيض أو في أي مكان آخر، وتتكاثر ثم تضمر وتنزف مثل بقية النسيج الرحمي الموجود في مكانه؛ مما يسبب أعراض انتباذ باطن الرحم.
- تحول الخلايا البريتوانية: تفسر هذه النظرية تكون الداء البطاني الرحمي نتيجة تحول خلايا طبيعية موجودة ضمن جوف البطن إلى خلايا مشابهة لتلك المبطنة للرحم.
- نظرية انغراس الندبة الجراحية: تفسر هذه النظرية المرض بكونه يحدث بعد العمليات الجراحية على منطقة الرحم، مثل: العمليات الجراحية القيصرية أو استئصال الرحم، فإذا سقطت بعض هذه الخلايا ضمن جوف البطن يمكن أن تتكاثر وتسبب الداء البطاني الرحمي.
لا يبدو أن نظرية واحدة تفسر جميع الحالات، ولكن هذه التفسيرات مجتمعة تعطي صورة شاملة لآلية حدوث هذا المرض.
الفئات المعرضة لبطانة الرحم المهاجرة
هناك العديد من العوامل التي تزيد احتمال إصابة المرأة بالداء البطاني الرحمي، مثل: [2]
- السيدات اللاتي لم يلدن من قبل.
- البلوغ المبكر.
- تأخر سن اليأس.
- قصر الدورة الشهرية: أي المدة بين كل طمث والطمث التالي (أي إذا كانت الدورة الشهرية أقل من 27 يوماً).
- ارتفاع مستوى هرمون الإستروجين (الذي يعرف أيضاً باسم الهرمون الأنثوي لأنه يزيد من ظهور الصفات الجسدية المرتبطة بالأنوثة)، قد يكون هذا الارتفاع ناجماً عن زيادة إفراز الهرمون من قبل الجسم أو بسبب تعاطي الأدوية الحاوية عليه مثل الأدوية التي تستخدم لعلاج أعراض سن اليأس.
- نقص الوزن: يبدو أن المرض يصيب السيدات النحيلات.
- استهلاك الكحول.
- وجود تاريخ عائلي للمرض، أي إذا كانت إحدى قريبات المرأة مصابة بهذا المرض، مما يرجح وجود ارتباط عوامل وراثية بإحداث انتباذ بطانة الرحم.
- وجود حالة مرضية تمنع الخروج الطبيعي لدم الدورة الشهرية عبر المهبل (مثل رتق غشاء البكارة أو الأورام الحميدة التي تسد المهبل).
- تشوهات الرحم.
يبدأ انتباذ بطانة الرحم بالتطور في السنوات القليلة اللاحقة لسن البلوغ التناسلي (أي أنه يصيب الشابات بشكل أساسي)، ويرجح أن تغيب أعراض المرض بشكل مؤقت في حال حدوث الحمل.
وتغيب بشكل نهائي بعد وصول المرأة إلى سن اليأس إذ تتوقف الدورات الطمثية، ويتوقف التبدل الدوري للنسيج المبطن للرحم إن كان موجوداً ضمن الرحم أو خارجه (النسيج المنتبذ)، إلا أن هذه الحالة قد لا تتوقف في حال استخدام المعالجة الهرمونية التعويضية في سن اليأس. [2]
ختاماً، ليس عليكِ القلق في حال تشخيص هذا الداء لديكِ، فالإجراءات الطبية لعلاجه والأدوية المستخدمة تمكنك من تجاوز مضاعفات المرض، والأهم أن تتمتعي بالوعي وألا تخجلي من أي مشكلة صحية تواجهك ولا سيما فيما يتعلق بجهازك التناسلي وصحتك الإنجابية.